خلال السنوات الأربع الماضية على بداية تحالف العدوان العربي على اليمن بقيادة السعودية الذي بدأ في مارس 2015م، بهجوم فعلي وعنيف لتدمير اليمن تحت مسميات وعناوين مختلفة في استراتيجية العدوان سرعان ما انكشف ذلك الغطاء السياسي لدى شعبنا والعالم. راهن العدو على حسم عدوانه عسكريًّا في غضون أسابيع، لكن الأمور لم تكن كما أراد في حساباته التقديرية الخاطئة، فقد بدا الفشل واضحًا في عدم تحقيقه أي نتائج على الأرض سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وعند استحالة ذلك راح يبحث عن كيد سياسي آخر لشق الصف الوطني والتلاحم الشعبي، باستخدام شتى الأساليب والوسائل في توتير مناخات الصراع الداخلي، وإثارة الفتن في محاولة منه تجيير الصراع على أساس ديني مذهبي بين السنة والشيعة لشق وحدة الصف الداخلي، ليقع مرة أخرى في وحل الافتراءات الخادعة والمضللة، في تفخيخ الوعي المجتمعي نحو هذا المنزلق الخطير الذي استمرأته بعض التيارات السياسية، وأخذت تسوِّق وتروِّج لهذه الفتنة التي دحضها شعبنا، وسقط هذا الخيار بمزيد من التلاحم والاصطفاف الشعبي في مواجهته توفيق سلاَّم العدوان على اليمن في نظر الكثير من الساسة والمحللين يصنف ضمن الحروب الانتقامية الأكثر همجية ووحشية في ظواهر الحروب التقليدية الذي فاق في قساوته وضراوته وشدته وفي طبيعة عدوانيته ومستوى الجرائم الفاشية في حجم كوارثه التدميرية الفظيعة، وامتداده الواسع على مسارح عملياتية وجبهة كبيرة، وتشعب أهدافه وخلط أوراقه، وحجم القوى المشاركة فيه التي تتقاطع مصالحها مع بعضها البعض في القواسم المشتركة فيما بينها في أسباب ودوافع عدوانها، لتحقيق أهدافها في الغزو والتدخل في شؤون اليمن، وضرب مقدراته وبنيته التحتية، والسيطرة على مناطق الطاقة والمناطق ذات الحيوية الاقتصادية. نطاق العمليات العسكرية التي شرع العدوان في استهدافها شملت المناطق التي تم الإعداد والتحضير المسبق لها، وهي في الحقيقة أهداف مرسومة في الأجندات الأمريكية والأوروبية منذ زمن بعيد، وجاء هذا العدوان ليحقق تلك الغايات مستغلا المناخات والصراعات الداخلية غير المستقرة، التي لم يكن في الحقيقة ببعيد عنها، وعن تفاصيل مشاهدها وأحداثها، وفي مقدمات وقائعها التي كانت بروفات تحضيرية انعكست بتأثيراتها السلبية على مناخات الاستقرار والسلم الاجتماعي التي طفت مشاهدها على الحياة العامة، ومثلت حالة غير مسبوقة في استثمار هذه السانحة التاريخية لشن العدوان في خطة شملت محاور عديدة، بدأها العدوان باستهداف مناطق الطاقة في (مأرب) ثم اتجه بأنظاره نحو مدينة عدن في أواخر العام 2015م بفيلق الغزو للقوات الإماراتية الذي شكل العمود الفقري، ورأس الحربة في تشكيلة القوى التي نظمها مع حلفائه في امتلاك الوسائط النارية الحديثة والجيوش المستعارة من أكثر من بلد في مهاجمة المدينة في عملية إنزال بحري بقوات ضخمة، تحت غطاء ناري كثيف من السفن الحربية والغارات الجوية للطيران المقاتل والحوامات، تمكن من خلالها من احتلال المدينة بعد مقاومة ضارية. الهجوم الإماراتي على مدينة عدن كان إيذانًا باحتلال كافة مناطق جنوباليمن في عمل عسكري مكتمل الأركان في خططه الاستراتيجية العدوانية الخبيثة للوصول إلى أهدافه الاقتصادية والعسكرية، وكان لابد له أن يناور بالأوراق السياسية التي خدع بها الكثير في تشجيع تيار الانفصال وتشكيل كيانه الموازي، ليبدأ مسلسل خلط الأوراق السياسية، التي عمقت الأزمة بمزيد من التوترات، وتفخيخ الأجواء، وكان لإنشاء الأحزمة الأمنية التابعة لقواتها دور كبير في مشاريع التفتيت والتمزيق للحمة المجتمعية، وارتكاب الجرائم الإنسانية ضد السكان المدنيين، وإذكاء الصراع بين أبناء الوطن الواحد، بين كل من هو شمالي وجنوبي، لتشمل الفوضى كل أرجاء الجنوب. البيئة الرخوة التي أنتجها الاحتلال الإماراتي ساعدت على نمو نشاط القاعدة وداعش في العديد من مناطق الجنوب وسواها من الجماعات والمليشيات العنيفة التي انتعشت وسط حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في الأوضاع الأمنية والإنسانية المتدهورة، وحالة الغموض في الأزمة المتثاقلة التي لازمتها الإضرابات والاحتجاجات الشعبية التي عبرت عن سخطها وتذمرها لما وصلت إليه الأوضاع من تردٍ وتدهور كبير، وانفلات أمني، وانتشار الجرائم والأعمال الإرهابية في ظل غياب مؤسسات الدولة، وفشلها في إنقاذ الأوضاع التي أوصلها الغزاة الإماراتيون إلى حالة الحرمان والبؤس والتجويع في ظل حصار مطبق يستهدف الشعب بالموت الجماعي، حتى لا يجد السكان ما يؤمن حياتهم ومصادر عيشهم من الأغذية والأطعمة، إلا تحت رحمة العدو من المساعدات الإنسانية التي جعلها حصريًّا تحت إشرافه، وبذلك تحول اهتمامه إلى استثمار هذه المساعدات لخدمة مشاريعه التمزيقية ذات الطابع السياسي والعسكري بهدف الوصول إلى الاستحكام الكامل على الممرات المائية والمنافذ والموانئ والجزر، منتهجًا سياسة الإفقار والتجويع التي اتخذها بالخطوات التالية: إيقاف عمل الشركات الأجنبية النفطية والغازية من الاستخراجات في الحقول النفطية التي تعمل فيها، وإيقاف تصدير النفط والغاز بصورة نهائية. نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، دون وصول موارد الإيرادات الاقتصادية والضريبية والموارد المالية والنقدية إليه مما جعل وظائفه مشلولة، وتسبب هذا النقل في حرمان موظفي الدولة من رواتبهم في العديد من محافظات الشمال. إيصال سعر الريال اليمني إلى حالة غير مسبوقة من التدهور نتيجة طباعة العملة دون غطاء لها، والمضاربة في أسعار العملات الأجنبية في السوق السوداء مقابل الريال اليمني. رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي والمواد الغذائية والدواء وغيرها. تعطيل المؤسسات الخدماتية من تأدية وظائفها. التواجد العسكري للجيش السعودي والإماراتي في العديد من المحافظات والمدن والجزر اليمنية (عدن، لحج، المهرة، شبوة، حضرموت، ميون، سقطرى) وغيرها. إنشاء المعسكرات ومواقع القوات والقواعد العسكرية، والمليشيات والأحزمة الأمنية التابعة لها. محاولة تمرير الأنبوب النفطي السعودي عبر الأراضي اليمنية إلى ميناء نشطون على البحر العربي. السيطرة على الموارد السيادية (المالية والنقدية) بواسطة الأدوات السياسية التابعة لها، التي تذهب في مصلحة بعض الشخصيات، وحرمان المجتمع من عوائدها. خطورة العدوان السعودي - الإماراتي والتنافس فيما بينهما في تقاسم النفوذ والسيطرة على مناطق الثروات والمنافذ البحرية والموانئ والجزر في اليمن، يعد انتهاكًا صريحًا وخطيرًا للسيادة اليمنية، واحتلالاً فجّاً لمواقعها الاستراتيجية، ومثل هذه التوجهات الخبيثة تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن النوايا الحقيقية للعدوان السعودي-الإماراتي من وراء تدخلهما العسكري لاحتلال اليمن. الاهتمام الأمريكي بالبحر الأحمر، ومضيق باب المندب شهد في السنوات الأخيرة تنافسًا دوليّاً بعد أن أضحت الصين قوة اقتصادية وتجارية مهيمنة في العالم من حيث التجارة، والثروة والمال، فالصين بحسب المراقبين باتت من كبار مساهمي البنك الدولي، ولديها حق النقض، واشترطت في مقابل ذلك إزالة القواعد البحرية الأمريكية في مناطق مختلفة من المحيط الهادي، وفوق ذلك لديها مشروعها الاستراتيجي في إعادة إحياء طريق الحرير “القديم” البري والبحري، وإنشاء الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع دول حوض البحر الأحمر المطلة على الخطوط التجارية لمشروع (طريق الحرير الجديد) هو ما حذا بالإدارة الأمريكية إلى الدفع بحلفائها في المنطقة إلى استباق المشروع الصيني الذي يهدِف إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي الذي يشمل شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت، ومختلف البنى التحتية، وكذا الخطوط البحرية ضمن خريطة واسعة تشمل العديد من مناطق العالم التي تتبنى الرُؤية الاستراتيجية لهذا المشروع التي أعلنها الرّئيس الصيني “شي جين بينغ” عام 2013 إلى تعزيز التعاوُن الاقتصاديّ والتجاريّ والثقافيّ والسياحيّ والعديد من التطلعات الطموحة للأمة الصينية لتحقيقِ الاستقرار والتنمية المستدامة في الصين والعالم. الإمارات العربية الواقعة في عمق الخليج العربي وسوقها التجارية (المنطقة الحرة) تقع ضمن المنطقة الميتة، في خطوط التجارة لمشروع طريق الحرير، بحكم موقعها الجغرافي البعيد عن الخطوط الملاحية لهذا المشروع، وهذا ما يجعلها قلقة في البحث عن ما يؤمن الاستمرارية ل(سوقها الحرة) كونها تقع في المنطقة البعيدة عن خطوط الملاحة، لذلك فالإمارات تسعى إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية والتجارية في مستقبل التبدلات الاقتصادية في قادم السنوات، لذلك يأتي عدوانها على اليمن انطلاقًا من هذه المخاوف المستقبلية، التي تتبوأ فيها اليمن هذه المكانة الجغرافية الفريدة التي تتصدر واجهة المنطقة، التي يقدر خبراء الاقتصاد بأن اليمن سيكون لها حظ كبير في هذا المشروع كمورد اقتصادي وتجاري يساعد في العملية التنموية مستقبلا، لهذا السبب كانت الإمارات تبيت لهذا الغزو في احتلال جنوباليمن، وجاء هذا العدوان في التوقيت الذي يستبق مشروع طريق الحرير، ومن هنا تأتي خطورة هذا العدوان في الحصول على الاتفاقيات من حكومة الفنادق في الرياض في الاستثمارات لعقود. ليس خافيًا على أحد أن الإمارات يسيل لعابها على الموانئ والمنافذ والجزر اليمنية، وعيونها ما لا تفارق ولا تبارح هذه المواقع الاستراتيجية، ومن منا لا يعلم استباق الإمارات في استئجار ميناء عدن بعد تحقيق الوحدة اليمنية، وإعلان عدن “منطقة حرة”، وهذا يكفي لتوضيح أهداف الإمارات في جنوباليمن، وتلك هي مخاوفها الحقيقية لكل من لا يدرك أبعاد الاحتلال وأهداف الكتلة العدوانية وتحالفاتها الدولية التي لا يروق لها استقرار وازدهار اليمن. لم يكن ممكناً تجاهل الأبعاد الاستراتيجية للعدوان في جر اليمن إلى منزلقات خطيرة ليسهل على هذه القوى الغريبة والدخيلة احتلال الأراضي اليمنية التي تتسابق وتتنافس عليها في توسيع نفوذها وبسط سيطرتها في ضوء معطيات هذا العدوان ووقائعه وأحداثه المؤلمة، وفي حجم مآسيه التراجيدية على شعبنا الذي يقاوم، ويواجه هذه المشاريع بإيمان عميق في عدالة قضيته في الدفاع عن أرضه ومكتسباته الوطنية، وفي انتصاره الأكيد على مغتصبي الأرض ولصوص الثروة ومرتزقتهم.