توترات غير مسبوقة في حضرموت    تقرير أممي: الالاف يواجهون خطر المجاعة في حجة    موقع صهيوني: اليمنيون مستمرون في إطلاق الصواريخ    صحيفة عبرية تكشف استعداد حكومة الخونة للقتال مع الكيان الصهيوني    إيران وتعزيز ترسانتها العسكرية (4)    الأرصاد يحذر من أمطار رعدية ورياح شديدة مصاحبة لها في عدة محافظات    رايو فاليكانو يصدم جيرونا بثلاثية    اختتام الدوري التنشيطي لكرة القدم في نادي شمسان    جواريولا يجهز رودري.. ويتمسك بسافينيو    أضرار في تعز وتحذيرات من السيول بالمرتفعات    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    هل يُحسم أمر التشكيلات العسكرية الخارجة عن إطار الدولة في حضرموت؟    تريم على العهد: وقفة للمطالبة بالعدالة لدم الشهيد #يادين (بيان)    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    كسر طوق الخدمات.. الرئيس الزُبيدي يقود معركة فرض الاستقرار    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    مارسيليا يسقط بالوقت القاتل ضد رين    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    ذمار.. محاولة جديدة لاختطاف طفلة والسلطات تتلقى بلاغات عن فقدان أطفال    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    المدينة التي لن تركع(3) مأرب.. دروس في الدولة والتاريخ    وصول طائرة "مملكة أوسان" إلى مطار عدن لتعزيز أسطول اليمنية وتخفيف ضغط الرحلات    اتحاد إب يحقق فوزا عريضا على الشروق ويتصدر المجموعة الرابعة في بطولة بيسان    منذ قرابة 20 ساعة.. مئات المسافرين عالقون بين إب وصنعاء بسبب انقلاب شاحنة    العميد صالح بن الشيخ أبوبكر: حضرموت لن تنهض إلا بأهلها    "مؤسسة تنمية الشبابية" مع أوقاف مأرب تختتم المرحلة الثانية من برنامج تأهيل معلمي حلقات القران الكريم    أمطار رعدية متوقعة على المرتفعات والسواحل وتحذيرات من السيول والعواصف    حقيبة فضلات و«حلقة فولاذ».. أغرب تفاصيل أمن بوتين في ألاسكا    مدير أمن ساحل حضرموت : تعاون كبير بين الحوثي والقاعدة    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    الحكومة تلزم شركة الغاز بتخفيض الأسعار بما يتوافق مع تحسن صرف العملة    البنك المركزي الصيني يجري عملية إعادة شراء عكسية مباشرة بقيمة 70 مليار دولار    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    حاشد .. صوت المقهورين وقلم المنفيين    إشهار مؤسسة "آفاق التآلف للتنمية الاجتماعية" بصنعاء    المحويت.. كتل صخرية ضخمة تهدد عدد من القرى ومخاوف الانهيار تجبر عشرات الأسر على النزوح    وفاة لاعب يمني في رحلة تهريب إلى السعودية    المقالح يوجه دعوة لسلطة صنعاء لتفادي فضيحة الاعتقالات    الإمارات تدعم شبوة بالكهرباء ومشاريع صحية وتنموية تخفف معاناة آلاف المواطنين    مدير أثار ذمار يفند مزاعم كشف أثري في وصاب    نتنياهو يصدم العرب بخطة إسرائيل الكبرى ما بعد تفكيك حماس    احتكار الأدوية في عدن والجنوب: إمتصاص لدماء وصحة الفقراء    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    البيتكوين يواصل تحطيم الأرقام القياسية    الحكومة: مشاهد الحوثيين بكربلاء تكشف انسلاخهم عن اليمن وانغماسهم بالمشروع الإيراني    تظاهرة شعبية غاضبة في الضالع    العثور على مدينة قبطية عمرها 1500 عام في موقع عين العرب    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    وزير الكهرباء وأمين العاصمة يدشنان الإنارة الضوئية في ميدان السبعين    تحضيرات مبكرة لاستقبال ذكرى المولد النبوي بامانة العاصمة    وزير الثقافة يطمئن على صحة الممثل المسرحي محمد معيض    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تشدد على مضاعفة الجهود الرقابية للحفاظ على استقرار أسعار الصرف    اكتشاف حفرية لأصغر نملة مفترسة في كهرمان عمره 16 مليون سنة    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    فيديو وتعليق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة ..للباحث / عبدالله بن عامر( الحلقة العاشرة )
نشر في 26 سبتمبر يوم 03 - 09 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
الحرب الخاطفة والمباغتة والهجمات الاستباقية الفجائية أبرز الاساليب الحربية والتكتيكية الذي اعتمدها اليمنيون في استهدافها التواجد الحبشي في اليمن
الحروب المباشرة الواسعة والتي تتطلب جهوداً وتخطيطاً أكبر كانت من مميزات القدرة الحربية اليمنية في مراحل دحر الغزو الحبشي بعد توحيد كل القوى الداخلية في جبهة واحدة
شمر ذو ريدان تعرض لحملة دعائية شعواء من قبل القوى المناهضة للغزو الحبشي بسبب استدعائه للأحباش والاستعانة بهم في حروبه ضد أهله وأبناء بلده
استعرضنا في الحلقة السابقة الجزء الأول من هذا الفصل الذي خصصه الباحث للحديث عن الغزو الحبشي وأسبابه ومبرراته وتفاصيل وحقائق شكلت لدى الباحث الصورة الكاملة لستة قرون من التدخل الحبشي في اليمن لنستعرض في هذه الحلقة حركات المقاومة والتصدي للغزاة الأحباش في قبائل يمنية عدة ابتداء من خولان وليس انتهاء بصعدة مستعرضين ما ذكره الباحث وأورده من حديث عن الولاءات والتحالفات واستغلال الغزاه ذلك في زرع القلاقل والفتنه واستعداء بعض اليمنيين على بعض ثم الانتصار ودحر الغزاة فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
ويظن أن المراد من «بني يونم»، «بني يوان» الياوانيون، أي: من «يونم» «يوان» وهم قوم من اليونان، استوطنوا في جزيرة العرب، وقد ورد اسمهم في النص: Glaser 967. ويظهر أنهم كانوا يحالفون «قريتم» في هذا العهد وقد جاءوهم ليساعدوهم على الملك «شعر أوتر».
وأما «الأسد مجزت مونهن»، فاسم علم على شخص، يظهر أنه كان يحكم أرض «ثمل» «ثمال». ويظهر أنه لم يكن يلقب نفسه ب«ملك»، بدليل عدم ورود هذا اللقب بعد اسمه في النص. وقد كان كذلك من المخالفين ل«شعر أوتر» ومن المعارضين له.
ويظهر من تكليف الملك قائده أبا كرب أحرس «أبكرب أحرس» أن يتولى بنفسه قيادة هذه القوى، أن الملك قد وجد فيه حنكة عسكرية وجدارة جعلته يثق به؛ فكافأه بأن أوكل إليه.
ويظهر أن غنائم السبئيين من «قريتم» «قرية»، كانت كثيرة جدّاً، إذ نجد إشارة في نصين آخرين. ففي أحدهما شكر وحمد ل«ألمقة»؛ لأنه من على عبده «شحرم» «شحر» من «بني حذوت» «حذوة» و«رجلم» «رجل»، وأعطاه غنائم كثيرة من غنائم تلك المدينة، جعلته سعيدًا، وفي النص الثاني شكر لهذا الإله كذلك، دونه «قشن أشوع» وابنه «أبكرب» «أبو كرب» وهما من «صعقن» «صعقان»؛ لأنه من عليهما فأغناهما بما غنموا من «قريتم» قرية، إذ كانا يساعدان سيدهما «شعر أوتر»؛ ولذلك قدما إليه نذراً: تمثالاً؛ تعبيراً عن حمدهما له، وليمن عليهما وعلى سيديهما: «شعر أوتر» وأخيه «حيو عثتر يضع» «ملكي سبأ وذي ريدان» .
معارك خولان الشام والأزد والسهرة :
تشير معارك خولان الشام والأزد والسهرة إلى القدرة الحربية لليمنيين في شن العمليات العسكرية الخاطفة وكذلك الهجمات المباشرة والواسعة والتي تتطلب جهوداً كبيرة ولهذا فقد كان التعامل العسكري مع الغزو الحبشي في تلك الفترة يجمع ما بين الجهد الشعبي كالمقاومة العفوية من قبل القبائل والجهد الرسمي المتمثل في دفع التشكيلات العسكرية النظامية إلى القيام بواجبها في تحرير المناطق المحتلة وفق خطط مسبقة وتكتيكات عسكرية متّبعة في تلك الفترة وكان الملك يشرف على مجمل تلك التحركات والاستعدادات فنجده يُعيّن القادة بحسب ما تقتضيه ظروف المرحلة وطبيعة المواجهة وقد كشفت لنا النقوش عن قيادات يبدو أنها حظيت بثقة الملك شاعرم أوتر حتى أصبحت تضطلع بمهمة تنفيذ بعض العمليات العسكرية فقد كلف القائد وافي أذراح بقيادة فرقة من الجيش قوامها ستمائة مقاتل ، وذلك لحرب أزد وحرب بن عليان فوقعت المعركة في منطقة نجد المخيرب أو نجد المحرب في أرض السهرة وانتصرت فيها الفرقة العسكرية على الأحباش وأعوانهم ويكشف لنا النقش حجم الخسائر في صفوف العدو وكذلك الغنائم ،فأما القتلى فكانوا مائتين وعشرة والأسرى مائة وثلاثين والغنائم توزعت ما بين ثلاثمائة من الإبل وألفٍ وثلاثمائة من البقر ومائتين وسبعين من الدواب وعشرة آلاف من الغنم .
ومما يشير إليه النقش الخاص بهذه المعركة تمكن الأحباش في تلك الفترة من استقطاب عدد من اليمنيين للحرب معهم فالنقش يتطرق إلى زعيم من خولان ويدعى حرب بن عليان ، وكان متعاوناً مع الأحباش ولهذا أصدر الملك توجيهاته بشن الحرب عليه.
معارك مغارب حاشد :
لعل الإنجاز الأهم للقائد وافي أذراح هو استعادة مناطق واسعة كان الغزاة قد احتلوها وتظهر النقوش أسماء بعض المناطق وعلى ما يبدو أنها كانت في الشمال الغربي لليمن .
فقد تحركت القوات المرابطة في حدود قبيلة حاشد للهجوم على الأحباش ومن حالفهم من خولان والسواهر ومن انضم إليهم من قبيلة الأبناء البدوية وتمكنت تلك القوات بقيادة وافي من دحر الأحباش إلى ما وراء تلك المناطق واستمر ذلك القائد في حاشد يقيم المراكز العسكرية حتى أغار الأحباش بقوة قوامها 2500 مقاتل على الأعراب فهزموهم في منطقة وادي ذي وعر في مغارب حاشد .
وقد هاجمهم القائد وافي أذراح على رأس قوة من مائة وسبعين مقاتلاً ولم يتمكن منهم إلا في الليلة التالية وذلك في منطقة العقر ذي الشرحة .
وقد تمكن ذلك القائد من تحقيق انتصار ساحق عليهم بفعل اختياره الليل موعداً للهجوم المباغت ،ولهذا نجد أن عدد الأسرى في صفوف العدو أكبر من عدد القوات المهاجمة مرتين أو ثلاث مرات فقد كان عدد الأسرى خمسمائة إضافة إلى الغنائم .
اتفاق قبائل صعدة على مواجهة الغزو الحبشي :
عُثر على أحد النقوش في منطقة قريبة من صعدة يتطرق إلى موقف قبائل خولان من الغزو الحبشي بعد أن كان الملك شاعرم أوتر قد كلف القائد وافي أذراح بتولي أمر الجبهة الغربية والتصدي للغزو الحبشي، فالتقت على ضوء ذلك قبائل خولان التي قررت التصدي للأحباش، وجاء في النقش لقد اجتمع الشعب (قبيلة) خولان الجديد الأحنوب (فرغ من خولان) والأعبوس (نسبة إلى عبس بن خولان ولهم امتداد إلى تهامة حجة ميدي وحرض وتهامة جيزان وعسير) منهم واليشابمة وكل أحلافهم الموالين لهم أما الشعبان الأبقور والشبارقة (من حلفاء خولان اسم موضع من سفيان) فقد استجابوا لهم وطاوعوهم فكان قرار الجميع هو التحصن من الحبش الذين غزوا أرضهم وكان ذلك بقوة ومكانة إلههم عثتر ذي رحب وإلههم عثتر ذي حضران وإلههم عثتر ذي كبدان ولحى عثت إله الخصوف وبقوة وسلطة سادتهم ملوك سبا وبني سخيم وتنفيذاً لأوامر سيدهم وافي كما أنشأوا وأتموا (أجمعوا واتفقوا وحسموا) كر يفي يغل وهران ، ويشير هذا النقش إلى أن قبائل خولان الممتدة من سفيان وحتى أجزاء من عسير وجيزان وإلى ميدي وحرض قد التقت واتحدت على مواجهة الأحباش وأعلنت موقفها المؤيد للملك شاعرم أوتر وقائد جيشه وافي أذراح الذي كان يتولى مهمة التصدي للغزو من جهة مغارب حاشد.
ويبقى السؤال لماذا اختار الأحباش غزو اليمن من مناطق جيزان وما يعرف اليوم بساحل حجة ولماذا لا يتم الغزو من سواحل المناطق الغربية الجنوبية كتعز والحديدة وهما الأقرب للساحل الأفريقي؟!
من خلال قراءة خارطة المعارك العسكرية نجد أن الأكسوميين أرسلوا بقواتهم بداية الأمر إلى ما يعرف اليوم بسواحل محافظة حجة وكذلك جازان ومن هناك حاولت تلك القوات التقدم باتجاه نجران وصعدة بالتزامن مع تحرك عسكري باتجاه الجنوب بمعنى أن الأحباش لم يستهدفوا مباشرة المناطق القريبة من المخا والتي كان بها في ذلك الوقت أحد أهم الموانئ اليمنية (ميناء موزا - موزع) وكان تحت السيطرة الريدانية الحميرية ،فيما المناطق الشمالية كانت خاضعة للسبئيين الذين كانوا على خلاف كبير مع أكسوم وكانت الحرب بينهما مشتعلة لكن سنجد أن الأحباش سيتجهون في مرحلة لاحقة إلى احتلال كامل الساحل الغربي من عدن حتى جيزان مطلع القرن الثالث الميلادي وسيتمكنون من تحقيق اختراقات واسعة تصل إلى بلاد ردمان والمعافر وموزع وغيرها من المناطق المعروفة اليوم بتعز.
تحرير معظم المناطق عدا الساحل الغربي:
تمكن اليمنيون في عهد شعر أوتر من تطهير معظم بلادهم من الغزاة الأحباش وبسط الخميس السبئي بمشاركة الحميريين وغيرهم من المكونات نفوذه على أجزاء واسعة من البلاد عدا منطقة الساحل الغربي فقد ظلت تحت سيطرة الأحباش الذين تكبدوا خسائر كبيرة خلال معاركهم مع الملك شعر أوتر وكان أهم إنجاز في عهد هذا الملك هو غزو الحبشة رداً على غزوها اليمن إلا أن ذلك الغزو حدث فيما كان لا يزال جزء من الجيش الحبشي وأتباعه متواجداً غرب اليمن ومما تشير إليه النقوش وجود (حبشت) وهم الأحباش الذين توافدوا إلى المناطق التهامية اليمنية سواءً بهجرات عادية أو بحملات قد تكون عسكرية، وليس بمستبعد أن تكون مملكة أكسوم في ذلك الوقت قد سعت إلى إنشاء كيان تابع لها يمتد من باب المندب جنوباً حتى جيزان شمالاً وهي كافة المناطق التي دارت فيها المعارك بين الأحباش واليمنيين ولعل ما دفعنا إلى التطرق لهذا الاستنتاج هو ما ذكره عدد من المؤرخين اليمنيين بناءً على ما وصل إليهم من النقوش القديمة التي تتحدث عن الأحباش كقوة عسكرية غازية وذلك في عهد الملك شاعرم أوتر فيما تورد بعض النقوش كلمة حبشت وهذا الكلمة تعني خليطاً من الأحباش الذين اختلطوا باليمنيين .
فأصبح لدينا مكون أو قوة داخل اليمن تتكون من الأحباش والمتحالفين معهم من اليمنيين وهذا بالطبع له مدلول سياسي وآثار ونتائج أمنية وعسكرية واقتصادية فالعسكري الأمني يتمثل بمحاولات التوسع نحو المناطق الداخلية وأما الاقتصادي فكان باحتلال الساحل الغربي المهم بالنسبة للدويلات اليمنية، وعلى ما يبدو أن قيادة أكسوم أرادت أن تضفي على طابع الصراع في اليمن على أنه صراع محلي وأنها ليست إلا مجرد دولة متعاونة مع حلفائها من الأحباش الذين صاروا يمنيين بحكم اختلاطهم مع يمنيي الساحل الغربي،لكن نجد أن الاستمرار في تقمص هذا الدور لن يدوم طويلاً فعندما يتمكن اليمنيون من دحر الأحباش وشن الحروب عليهم وعلى أتباعهم سرعان ما ستتحرك أكسوم لترسل المزيد من الحملات العسكرية وهو ما ستؤكده أحداث القرن الثالث والرابع الميلاديين.
حرب دعائية شعواء ضد شمر ذو ريدان لاستعانته بالأحباش:
بحسب مؤرخين فإن الصراع بين اليمنيين المناهضين للغزاة الأحباش من جهة وبين الأحباش ومن معهم من اليمنيين من جهة أخرى قد بلغ قمته في عهد اليشرح يحصب وأخيه يازل اللذين سيحققان انتصارات مهمة وحاسمة ضد الغزاة الأحباش ومن ثم سيتجهان إلى توسيع نفوذهما على حساب جيرانهما من الممالك العربية الأخرى
وعلى ما يبدو أن ليشرح سيهاجم مناطق نفوذ الحميريين لكن قبل أن يلحق هزيمة حاسمة بالأحباش وهو ما سيدفع ملك الحميريين ويدعى شمر ذي ريدان إلى الاستعانة بالأحباش من جديد .
وكانت الحرب دائرة بين شمر وليشرح إلا أن الأخير أظهر قوة غير عادية وتمكن من التصدي لشمر الذي كان يريد الاستيلاء على صنعاء ثم تقهقر وانكسر في الوقت الذي كان فيه الأحباش يستغلون صراع الطرفين المتنافسين على الحكم وذلك للتوسع نحو المناطق الداخلية إلا أن الملك ليشرح تمكن من التصدي لهم ببسالة فخلال فترة بقائه بصنعاء أرسل حملاته العسكرية إلى عدة مناطق وقاد بنفسه بعضها وعندما علم بسيطرة الأحباش على نجران وتعيين واليٍاً من قبلهم عليها نهض مسرعاً للتصدي لهم وفي ذات الوقت شن حرباً إعلامية مكثفة ضد شمر ذي ريدان واتهمه بالضعف والجبن وبالاعتماد على القوى الأجنبية في إشارة إلى طلبه العون من الأحباش وتشير النقوش إلى حجم الحرب الدعائية التي شنها ليشرح على خصمه ومنافسه .
وكذلك على الأحباش أنفسهم وعلى عملائهم من القوى الصغيرة والتي كأنت تسكن في المناطق الغربية لليمن وتحديداً في السهل التهامي فالنقوش التي تعود إلى عهد اليشرح تطلق أوصاف (عصابات الحبشة) و (أحزاب الحبشة) وكان المقصود من تلك المصطلحات التدليل على عمالة بعض القوى اليمنية بربطها بالكامل بالعدو الأجنبي ولهذا قال المؤرخ الإرياني عن هذا الملك بأنه كان يمتلك حساً إعلامياً عربياً مبكراً لأنه كان يطلق على خصومه أسماء تحقيرية
ويشير جواد علي إلى أن أهم أسباب طمع الأحباش باليمن هو الخلافات بين سادات همدان وسادات حمير أصحاب ريدان وسادات حضرموت وقتبان إضافة إلى أطماع وطموحات الأقيال والأذواء الذين أرادوا اقتناص الفرص لتوسيع نفوذهم واصطياد الحكم وانتزاعه من الجالسين على عرشه
الملك اليشرح يواجه الأحباش في معارك عدة :
في محاولة لقراءة تلك الفترة بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية نجد أن الأحداث الحربية لم تحقق نتائج حاسمة لصالح أي طرف فالأحباش لا يزالون في المناطق الغربية لليمن يحاولون التوسع والعودة إلى نجران وإلى مناطق أخرى وبغض النظر عن تفاصيل ذلك التوسع إلا أن عودة المعارك إلى نجران يشير إلى أن الأحباش استعادوا المبادرة وحققوا بعض التقدم وهو ما دفع الملك الجديد إلى شن حروب شعواء عليهم في الكثير من المناطق وكانت الكفاءة القتالية لليمنيين تشير إلى استعدادات كبيرة وضخمة أنجزها الملك الجديد في سبيل إعداد قوة قادرة على حسم المعركة مع الغزاة وتبرز تلك الكفاءة في معركة وادي سردد شمال وادي سهام وفيها حاول الأحباش مباغتة جيش اليشرح من خلال التسلل إلى تلك المناطق قبل شن الهجوم إلا أنهم منيوا بهزيمة ساحقة
وما يدل على أهمية تلك المعارك هو قيادة الملك اليشرح بنفسه للقوة العسكرية المكونة من ألف محارب وستة وعشرين فارساً والتي تولت مهمة التصدي للقوات الغازية بقيادة أحد أبناء ملك أكسوم ويدعى (جرمة) وعلى ما يبدو أن الأحباش حاولوا أكثر من مرة الهجوم على قوات اليشرح لتحقيق أي انتصار إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل فقد انتصرت القوات اليمنية في جميع المعارك الخمس التي جرت قبل أن يلجأ الأحباش إلى طلب التعزيزات من معسكراتهم في قبيلة السهرة وتحديداً في سهل ذي أحدق وكذلك إمدادات من الحبشة
ثم تشن تلك القوات مجتمعة هجوماً معاكساً على القوات اليمنية التي أبدت صموداً كبيراً حتى تمكنت من كسر الهجوم ودحر المعتدين ،وبعد تلك الانتصارات الساحقة يعود الملك اليشرح إلى صنعاء في استراحة محارب لن تدوم طويلاً فسرعان ما سيخطط لحملة عسكرية واسعة ستمتد هذه المرة إلى أغلب مناطق تهامة وتصل إلى معسكرات العدو وبالفعل تحركت الحملة إلى وادي سهرة في قرى ذي سهرة بوادي سهام ووادي سردد وهاجمت تجمعات الغزاة وحامياتهم وجمدان وعك (الساحل اليمني المقابل لدهلك قد يكون ما بين المخا والحديدة) وديار السهرتين .
ويظهر لنا من تلك المعارك ونتائجها المهمة على صعيد المواجهة أن الملك أراد من عودته إلى صنعاء أن يستعد عسكرياً لحسم المعركة بعد أن كانت المعارك مع الأحباش عبارة عن كر وفر ،فرغم الخسائر الكبيرة في صفوفهم إلا أنهم كانوا يعودون إلى التسلل للمناطق الداخلية وينبغي هنا استئصال شوكتهم وطردهم من كافة الأراضي اليمنية بما في ذلك مناطق تمركزهم في تهامة فلن يتحقق أي نصر ما لم تتجه القوات اليمنية وفق خطة عسكرية محكمة إلى تهامة وتحريرها بشكل كامل ولهذا فإن هذه الحملة التي قادها اليشرح حققت إنجازاً مهماً وذلك بمهاجمتها كافة الحاميات والمعسكرات الحبشية في تهامة الممتدة إلى جيزان واستبسالها في المعارك حتى استولت على تلك المعسكرات فيما فر الغزاة نحو البحر ولم تتوقف القوات اليمنية عند ذلك الحد بل واصلت مطاردة الفلول حتى السواحل .
معركة أحدق :
وقد أصاب النص Jamme 577 تلف أضاع فهم مقدمته، فاقتحم بجملة: وقتل فرسه، ثم اتجهوا نحو مدينة «زخنم» «زخان»، وأصابوا غنائم من كتائب حمير وردمان ومضحي أرضتهم، ثم غادرهم الملك «الشرح يحصب» وذهبوا إلى «ترزنن» «ترزنان»3.
فيظهر من هذه الفقرة أن الملك «الشرح يحصب» اكتفى بعد انتصاره على خصومه في معركة مدينة «زخان»، فعاد إلى قاعدته، وذهب قسم من جيشه إلى مدينة «ترزنن»؛ ليستجم من القتال.ثم يذكر النص أن «شمر ذي ريدان» ومن انضم إليه من حمير ومن «ولد عم» أي: من القتبانيين، صدوا عن الحق، وعصوا، وتجمعوا للزحف ثم ذهبوا إلى «ذمار» فتحصنوا فيها، ثم اتجهوا نحو مدينة «نعض»، ثم رجعوا وعسكروا بين المدينتين، فواجهتهم قوات «ليشرح يحصب» وتعقبتهم في المواضع المذكورة، وأنزلت بهم خسائر كبيرة، ثم رجعت بغنائمها إلى مدينة «صنعاء»، ومعها ماشية كثيرة وأسرى وغنائم وأموال طائلة1.
ويظهر أن «شمر ذي ريدان» قد تمكن خلال هذه المدة من إقناع الحبش بالانضمام إليه ومساعدته في حروبه مع خصمه «ليشرح يحصب»، فأمده «جرمت ولد نجشين»، «جرمة ولد النجاشي» «جرمة بن النجاشي» بكتائب حبشية محاربة قَوَّتْ مركزه كثيرًا، ترأسها هو بنفسه وجاءته أمداد من «سهرة»، فأخذ يتحرش بالسبئيين، مما حمل الملك «ليشرح يحصب» على السير إليه لمقابلته مترئساً قوة، قوامها ألف محارب وستة وعشرون فارساً، فاصطدم ببعض قوات «شمر» وتغلب عليها وأخذ منها أسرى وغنائم، ثم حدث أن وصلت أمدادٌ من الحبش لمساعدة تلك الكتائب المندحرة في موضع «أحدقم» «أحدق»، فقابلها مشاة «رجلم» «رجاله» من جيش الملك «ليشرح يحصب» أنزلوا بها خسائر وشتتوا شملها، وعاد الملك «ليشرح يحصب» مع أقياله ورجاله إلى صنعاء، ومعه أسرى وغنائم وأموال طائلة.
وقد انتصر «ليشرح يحصب» على الحبش كذلك، وعاد «جرمة» إلى قواعده مغلوباً على أمره، جزاء نكثه العهد وازدرائه بمهمة الرسل الذين أرسلهم «ليشرح يحصب» إليه؛ لإقناعه بعدم مساعدة «شمر ذي ريدان» ومن انضم إليه، وذلك كما يذكر النص .
تمردات داخلية بدعم الأحباش ومعارك نجران :
بالتأكيد أن الفشل العسكري للأحباش في احتلال كافة المناطق اليمنية قد دفعهم إلى استخدام أساليب أخرى علّها تسهم في تحقيق هدفهم وعلى رأس تلك الوسائل استقطاب المناهضين للملك اليشرح يحصب وتشجيعهم على إثارة الاضطرابات الداخلية والفوضى تحت شعار الثورة بهدف الإطاحة بالملك اليشرح أو على الأقل إشغاله عن حرب الأحباش بالتمردات الداخلية وهذا سيسهم في استنزاف قواته وتصدع الجبهة الداخلية
... يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.