الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    هل بدأت حرب إقليمية بالمنطقة وما المتوقع من زيارة ترامب المرتقبة؟    بعد ضرب بن غوريون..استعداد جنوبي للتطبيع مع الصهاينة    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    السامعي: استهداف ميناء الحديدة ومصنع اسمنت باجل جرائم لا تسقط بالتقادم    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    قدسية نصوص الشريعة    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة.. للباحث / عبدالله بن عامر(الحلقة الحادية عشره)
نشر في 26 سبتمبر يوم 07 - 09 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
الأهمية الاستراتيجية لتهامة والساحل الغربي للبحر الأحمر هو ما أغرى الغزاة قديماً ومنهم الأحباش الذي أقاموا
25 قاعدة عسكرية خاض ضدها الجيش اليمني والقبائل 25 معركة انتهت بالنصر المؤزر لليمن
استراتيجية القوة والحزم التي اتبعها ليشرح في تعامله مع المتمردين المتحالفين مع الأحباش آتت ثمارها بإنهاء التواجد الحبشي في نجران وقطع الطريق على أصحاب المشاريع الانفصالية بهزيمتهم وسحقهم
لولا تنافس ملوك سبأ وحمير وريدان على السلطة لما طال أمد الاحتلال الحبشي لليمن ستة قرون من الزمن حقيقة وشقتها النقوش القديمة واستشهد بها المؤرخون لتلك الحقبة
استكمالاً لما تم عرضه في الحلقة العاشرة من هذا البحث يأتي عرض هذه الحلقة تتمة لعرض ما أورده الباحث من تمردات حكت عليها النقوش القديمة.. تمردات داخلية بدعم حبشي سرعان ما تم القضاء عليها وإعادة توحيد الجبهة الداخلية في ظل قيادة قوية لقائد قوي هو اليشرح يحصب الذي حققت انتصارات ساحقة على حلفاء الأحباش في الداخل.. لندع البحث يتحدث عن نفسه ويسرد بموضوعية صاحبة وما سجله من معارك وملاحم بطولية شهدتها وديان اليمن وسهولها وجبالها ويحكى للقارئ الكريم قصة خمسة وعشرين معركة كتبت بتضحيات قبائل اليمن التي توحدت في مملكة سبأ وحمير ليستمر الكفاح حتى دحر الغزاة فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
الحركات التي تطرقت إليها النقوش المسندة حركة صحبم بن جيشم/ صحب بن جيش/صحاب بن جياش وللقضاء عليها كُلف القائد نوفم بقيادة حملة عسكرية مؤلفة من محاربين من حاشد ومن غيمان فانتصر عليها وأعدم زعيمها ،ويكشف لنا نقش جام 577 عن اضطرابات كبيرة شهدتها نجران الأمر الذي دفع الملك اليشرح إلى التحرك العسكري للقضاء على التمرد الذي كان بدعم من الأحباش ، فسار الملك «ليشرح يحصب» بنفسه على رأس قوة من أقياله وفرسانه إليها، فحاصر مدينة «ظربن» «ظربان» مدة شهرين فلم يغامر في دخول المدينة واقتحامها بل فرض عليها الحصار تماماً كما فعل من قبله الملك شاعرم أوتر ، وعدم استسلام ضربان رغم حصارها يجعلنا أمام عدة احتمالات فإما أن الأحباش وأتباعهم في نجران كانوا بتلك الدرجة من القوة حتى يقرر الملك حصارهم ويتجنب مهاجمتهم بشكل مباشر أو أن أسباباً أخرى تقف خلف ذلك القرار كحرص الملك على عدم تدمير نجران واتباعه أسلوب الحصار حتى الاستسلام .
إضافة إلى أن المتمردين كانوا يأملون وصول إمدادات من حضرموت ومع عودة الملك إلى صنعاء استمر الحصار فقد ترك قواته المشكلة من محاربي حاشد وغيمان وعيَّن نوف الهمداني قائداً لها لتنفيذ المهمة ، وفي تلك الفترة وصلت إمدادات من الأحباش إلى ممثلهم في نجران ويدعى سبقلم/سبقل الأمر الذي دفع القوات المحاصرة للمدينة إلى التحرك والاصطدام بالأحباش وأتباعهم من النجرانيين وبعد معارك ضارية في وادي نجران انتصرت قوات اليشرح وعادت بالغنائم إلى صنعاء ، ومن الاستنتاجات أيضا أن الملك أعاد ترتيب قواته واستدعى تعزيزات من مختلف المناطق قبل أن يتوجه على رأس حملة إلى وادي ركبتن / ركبتان وذلك للقضاء على كافة البؤر والجيوب لتطهير نجران بأكملها وقد التقى فيه بأعدائه فأنزل بهم خسائر كبيرة، فقتل عدداً كبيراً منهم، وأسر عدداً من سادات «مراس» وأحرار «أحرر» نجران، فسِيقوا إلى «مسلمن» «مسلمان». ولم يستطع خليفة «عقبهو» النجاشي أن يساعد المنكسرين.
وقد أعلن المنهزمون خضوعهم لحكم الملكين، ولكي يحافظوا على وعدهم هذا ويعبروا عن طاعتهم هذه، وضعوا أبناءهم وبناتهم رهائن في مدينة «صربن» «صربان» وفي وادي نجران، ولوجود بعض التلف في نهاية الفقرة الرابعة عشرة، لا نعلم ماذا حدث من تفاصيل في حصار نجران. غير أن النص يعود فيذكر أن «924» قتلهم الأعداء في المعركة وأن «562» أسيراً وقعوا في أيدي قوات «ليشرح يحصب»، وأن «68» مدينة فُتحت ونُهبت وأُبيحت، وأن ستين ألف حقل من الحقول التي يرويها الماء دمرت، وأن سبعاً وتسعين بئراً دفنت ودمرت، وغنم المحاربون غنائم كثيرة رجعوا بها .
وعلى ما يبدو أن اليشرح أراد أن ينهي أي تواجد للأحباش في نجران وذلك من خلال استخدام القوة والعنف كإجراء عقابي على عدم الاستسلام إضافة إلى أن الحملة الانتقامية تأتي بعد تمردات عدة أعلنتها نجران ضد الدولة وهو ما دفع بالملك إلى محاولة وضع حد نهائي لذلك التمرد الذي يُخمد ويقمع بالقوة ومن ثم يعود من جديد بدعم الأحباش وبمشاركتهم وبعد تلك الانتصارات يعود الملك هذه المرة ليس إلى صنعاء مباشرة بل يتجه إلى مأرب ويمكث في قصر سلحين قبل أن يعود إلى قصر غمدان في صنعاء .
انتصارات ليشرح على حلفاء الأحباش :
يقول المؤرخ جواد علي : إن النص الموسوم بCIH 314 يُعد من النصوص المهمة المتعلقة بالحروب المذكورة، فهو يتحدث عن أمور خطيرة وقعت في تلك الأيام.
وقد جاء في هذا النص: أن «رب شمس»، قيل «قول» عشيرة «بكلم»، أي «بكيل» التي تكوِّن ربع «ذريدت» «ذي ريدة»، و«وهب أوم» من «جدنم» «جدن» و»خذوت» «خذوة»، وكانا «مقتويي» «ليشرح يحصب» وشقيقه «يأزل»، نذرا للإله «ألمقة بعل مسكت ويث» و«برأن»، تمثالين من الذهب؛ لأنه منَّ علَى سيديهما الملكين، وحفظهما، وكان ذلك في شهر «ذي نيل» من السنة السادسة من سنين «تبع كرب بن ودال» «تبعكرب بن ود إيل»، ولأنه ساعدهما ونصرهما وأَذَلَّ أعداءهما، وأكره «شمر ذي ريدان» على إرسال رسول عنه يطلب الصلح منهما، وأجبر الريدانيين وأحزابهم وحلفاءهم الحبشة من مدينتي «زوم» و«سهرة» على الطاعة والخضوع، وعلى طلب عقد الصلح، على حين كان «شمر ذو ريدان وحمير»، يطلب النجدة من حلفائه الحبشة لمحاربة ملكي سبأ، ولكن الإله «ألمقة» خيب ظنه، وخذله، ونصر الملكين: «ملكي سبأ وذي ريدان».
وقد ساعد «شمر ذي ريدان» واشترك معه في هذه الحرب عددٌ من القبائل منها: «سهرتن» «سهرتان»، و»ردمن» «ردمان»، و«خولن» «خولان»، و»مضحيم» «مضحي»، وأرسل قوة لحماية مدينة «باسن» «بأسن» «بأس»، وهي من المدن الواقعة في جنوب غرب «وعلان». وقد تقدم السبئيون في اتجاه مدينة «ظلم» لمحاربة «شمر» ومجابهته، حتى انتصروا عليه في مدينة «ذمر» ذمار1.
وقد كان «شمر» من «ذي ريدان»، أي: من حمير، ويظهر أنه أراد مزاحمة «ليشرح يحصب» وأخيه على العرش، أو أنه اختلف معهما؛ فوقعت الحرب بينهما، وتقدم «شمر» بقبائل «حمير» و»أولاد عم» «ولد عم» أي: قتبان والقبائل الأخرى، واصطدم بجيش السبئيين على نحو ما ورد في النص.
معارك وادي سهام ووادي سردد وديفان والقح :
يحدثنا الملكان في النص 574 Jamme : أنهما انتقما «نقمن» من الحبش ومن حلفائهم قبائل «سهرتن» «سهرة»، وذلك في معارك وقعت في مقراتهم «بمقرهمو»، أي: منازلهم وديارهم الثابتة في وادي سهام، فأنزلا بهم خسائر فادحة، ثم توجه الملك «ليشرح يحصب» ومعه بعض جيشه وبعض أقياله لمحاربة «أحزب حبشت» أي: أحزاب الحبشة، ويريد بهم فلول الحبش وجيوشهم، التقى بها في وادي سردد، واشتبك بالحبش وبقبائل سهرة في موضعين، حيث جرت معارك معهم في موضع «ودفتن» «ودفتان» وموضع «وديفان» «ودفن»، ثم في «لقح».. ثم اشتبك بعد هذه المعارك بخمس وعشرين جماعة من جماعات «أكسمن» و«جمدن» «جمدان» و«عكم» عك، وبجماعات من سهرة، وقد أنزل بكل هذه الجماعات خسائر فادحة، وغنم منها غنائم كبيرة، وأخذ منها أسرى وماشية كثيرة، ثم عاد إلى مدينة «هجرن صنعو» صنعاء. وحين وصل إليها جاءه رسل «تنبلتم» «جمدن» «جمدان» ومعهم أطفالهم يريدون أن يضعوهم ودائع عنده، تعبيراً عن طاعتهم له، وإقراراً بخضوعهم لحكمه. فحفظهم رهائن عنده، وقد أقسموا، وأقسم قوم من أهل «لقح» يمين الإخلاص والطاعة، وحمد «ليشرح يحصب» مع شقيقه «المقهثهوان» على هذا التوفيق1.
وبحسب المؤرخ جواد علي فإنه يظهر من هذا النص أن الأحباش، ومعهم أهل «سهرة» الذين كانوا قد استقروا واستوطنوا «وادي سهام»، كانوا قد تحرشوا بالسبئيين، وقاتلوا جيوش «ليشرح يحصب»، أي: جيوش مملكة «سبأ وذي ريدان»، فقرر الملك الانتقام منهم والأخذ بثأره، فاتجه نحو الشمال حيث تقابل مع الحبش في «وادي سردد»، على مسافة «40» كيلومتراً شمال مدينة «الحديدة». فوقعت معارك بينه وبينهم في سهل «ودفين» «ودفتان» و»دفن» «وفان»، وفي أرض «لقح» «لقاح». وقد تقابل السبئيون بعد «لقاح» بجماعات عددها خمس وعشرون جماعة من «أكسوم» و»جمدن» «جمدان»، وعك، وسهرة، غلبها جيش «ليشرح» وشتت شملها. ثم عاد الملك بعد ذلك إلى «صنعاء»، حيث استقبل رسل «جمدن»، على نحو ما ذكرت.
وحدة سبأ وحمير ضد الغزاة الأحباش :
أدت الخلافات بين مراكز النفوذ إلى نتائج سيئة للغاية سيما عندما تصاعدت تلك الخلافات وبرزت في شكل حروب عسكرية أثرت بشكل كبير على الاقتصاد وأدت إلى تهديم عدد من المدن والقرى وضعف الزراعة وانتشار الفوضى وامتدت الآثار والنتائج إلى الجانب العسكري فقد تأثر الجيش بالصراع المحتدم على الحكم الأمر الذي أضعف موقفه أمام الغزاة الرومان والأحباش فلم يتمكن من حسم المعركة رغم ما قدمه من تضحيات ومعه كافة القبائل ولهذا لا غرابة في القول إن الخلافات البينية اليمنية قدمت للغازي فرصة الاستمرار في البقاء ولهذا نجد أن اليمنيين لم يتمكنوا من دحر الغزاة إلا بوحدتهم الداخلية وتماسكهم ولذلك ظلت جهود توحيد الصف الداخلي مستمرة طوال فترة الخلافات التي لم تدم بين الريدانيين الحمريين من جهة والسبئيين من جهة أخرى طويلاً فقد بادر شمر ذي ريدان مع عدد من أقيال حمير إلى إرسال وفد إلى اليشرح وأخيه يازل طلباً للسلام وتحقيق التآخي وكذلك لإدماج الكيانين ممثلين بالقصرين سلحين وريدان في كيان واحد مربوط برباط لا انفصام له ، وعلى ما يبدو أن هذا الاتفاق التاريخي بين اليمنيين قد انعكس على طبيعة الموقف العسكري وعلى صعيد مواجهة الأحباش وذلك يتضح من خلال مشاركة الخميس الحميري إلى جانب الخميس السبئي في الحرب ضد الغزاة الأحباش بقيادة اليشرح يحصب بل إن حالة الوحدة كانت قوية لدرجة أن أقيال حمير شاركوا بأنفسهم في الحرب ودفع أولئك الأقيال بأفراد قبائلهم إلى الجبهات القتالية ويقول الإرياني في تعليقه إن هذا الصلح نجم عنه توحيد القوتين اليمنيتين ضد الأعداء الخارجيين من الأحباش وعملائهم وخوض الجميع الحرب جنباً إلى جنب ضد هذا العدو الأجنبي بعد أن تيقن الجانبان أنه عدو لهم جميعاً لأنه ناتج عن أطماع توسعية احتلالية وعن توجيه وتدبير من قوى خارجية كبيرة لم تكن الإمبراطورية الرومانية بعيدة عنها ، بعد أن حاولت قبل زمن طويل (25ق.م) بسط نفوذها المباشر على اليمن بواسطة قواتها العسكرية الخاصة وبقيادة واليها على مصر نفسه فلقيت هزيمة منكرة ومزق اليمنيون جيشها الضخم القوي كل ممزق، فأصبحت منذئذ تسعى إلى بسط نفوذها على اليمن بطريقة غير مباشرة وبواسطة مملكة الأكسوم خاصة لما لهذه من أطماع ومطالب في اليمن ، ومن خلال النقش الذي أورده الإرياني فإن الوحدة بين القوتين أفضت إلى توحيد الجيشين وكذلك تنازل شمر ذي ريدان عن منافسة اليشرح يحصب على الحكم فأصبح الأخير حاكماً باسم القوتين وفي ذات الوقت قائداً للجيش الواحد ، وفي الحقيقة لم يصل شمر ذي ريدان إلى مرحلة طلب الصلح إلا بعد أن تمكن الملك اليشرح يحصب من هزيمته في عدة معارك جرت بين الطرفين في مناطق عدة أبرزها فيما يعرف اليوم بذمار وريمة وإب ومأرب وصنعاء والبيضاء.
خمسة وعشرون معركة :
مما لا شك فيه أن تهامة في تلك الفترة وتحديداً وادي سهام ووادي سردد قد أصبحت قواعد عسكرية بمفهوم اليوم للغزاة هذا إذا لم تكن أجزاء من تهامة منطقة عسكرية للأحباش يصعب استهدافها أو الاقتراب منها ولهذا نجد أن القوات الغازية أرادت أن تحمي تواجدها في تلك المنطقة لأهميتها في الإشراف على البحر الأحمر حتى باب المندب وذلك من خلال التوسع في المناطق الداخلية وبناء ثكنات عسكرية لتأمين تلك القواعد أو المعسكرات والتي على ما يبدو أنها قد وصلت في فترة الملك اليشرح إلى 25 معسكراً فالمعارك دارت في موضع يقال له الودنة والقح وبحسب النقوش فإن الاشتباكات حدثت مع خمسة وعشرين مجموعة وأن جميع تلك المعارك انتصرت فيها القوات اليمنية بقيادة اليشرح الذي أجبر كافة المتعاونين مع الغزاة في تلك المناطق على تقديم الرهائن سيما وجدان والقح .
وحتى يحقق ذلك الانتصار الحاسم عكف الملك اليشرح على وضع الخطط وعلى حشد القبائل اليمنية للمشاركة في المعركة المصيرية واعتمد على الاستطلاع لمعرفة حجم قوات العدو وأماكن تواجدها ويظهر نقش آخر تحدث عن معارك اليشرح مع الأحباش أنه أرسل حملة عسكرية للهجوم على القوات الحبشية في حصن ذي وحدة .
وأن هذه الحملة نجحت في تنفيذ المهمة ويبدو أنها أول معركة بعد اتحاد سبأ وذي ريدان ولم تتوقف الجهود الحربية عند هذا الحد فقد شن الخميسان هجوماً كبيراً على بقايا الأحباش في تهامة ودارت معارك عنيفة في عك واستمرت الغزوات على تجمعات الأحباش الذين وصفهم أحد النقوش بالعصابات وتمت مطاردتهم إلى البحر وقتل الكثير منهم ومن أتباعهم من اليمنيين واستمرت عمليات المطاردة الواسعة إلى عدة مناطق ،
ويذكر النقش جام 575 مشاركة أقيال بني سخيم اليوم في الهجوم على المتمردين في السهرة بحصن وحدة فقتلوهم ومزقوهم وحملوهم نحو البحر منهزمين وهم يتعقبونهم بالقتل ولطالما تكرر أمامنا اسم قبيلة ذي سهرة أو أرض السهرة وللتوضيح أن هذه القبيلة يمنية وليست حبشية غير أن خلافها السياسي مع السبئيين وكذلك الحميريين دفعها إلى استضافة الأحباش لديها قبل أن تشاركهم الحرب على بقية اليمنيين إضافة إلى قبائل غيرها كجزء من خولان وكذلك نجران وعكود وأت وحكم وجميعها قبائل لها نفوذ أو مناطقها تمتد من جيزان وعسير حتى باب المندب ، وقد تحدث المؤرخ جواد علي عن ما ورد في النقش جام 575 بشكل مفصل مشيراً إلى أن الملك اليشرح يحصب وضع خطة الحرب على الأحباش وحلفائهم وهو في صنعاء وبعد أن أتم كل شيء، أرسل مقدمة من الأدلاء «بقد ميهمودلولم»؛ لتتعرف على مواضع العصابات المنشقة ثم سار الجيش إلى أرض عشائر «سهرة» حيث أبلغ بوجود عصابات فيها، كانت منتشرة في كل مكان ابتداءً من موضع حصن «وحدة» «وحدت» «عرن وحدت». فلما رأت العصابات ذلك الجيش، ظعنت «ظعنو» إلى البحر «لبحرن»، فتعقب آثارها حتى أدركها فحاربها. ثم التف حول الحبش وحلفائهم من «عك» و«سهرة» الذين كانوا قد عسكروا بعيداً عن مواضع أطفالهم وأموالهم، فأعمل الجيش فيهم السيف، فقتل منهم عدداً كبيراً وذبح الحبش، حتى صاروا بين قتيل أو أسير، وحصل جيش «ليشرح» على غنائم كثيرة من هؤلاء.
ثم اتجه جيش «ليشرح يحصب» بعد هذه المعارك نحو الشرق؛ لمنازلة فلول الأحباش وبقيتهم، وكذلك عك وبقية حلفائهم، فبلغ موضع «عينم» «عين» و«هعان» «هعن»، واصطدم بهم، فأعمل فيهم السيف حتى تغلب عليهم وأخذ منهم عدداً كبيراً من الأسرى واستولى على غنائم كبيرة، عاد بها حيث وضعت أمام شقيق «ليشرح يحصب»، أي: «يأزل بين» في «صنعاء» وفي قصر «سلحن» سلحين، أي: قصر الملك في مأرب1.
ولا نعلم شيئاً أكيداً عن موضع حصن «وحدت» «وحدة»، ويظن بعض الباحثين أنه لا يبعد كثيراً عن وادي «مور»، وهو أقرب إلى البحر منه إلى الهضاب؛ ذلك لأن العصابات كانت قد هرعت منه إلى البحر، لتنجو بنفسها من تعقب جيش «ليشرح» لها. وهناك وادٍ يسمى «وادي وحدة»، وهو في أرض حمير، غرب «قعطبة» التي تقع على مسافة «125» كيلومتراً شمال غرب «عدن» وحوالى «170» كيلومتراً شمال شرقي «مخا»2.
ولا نعلم شيئاً أكيداً عن موضع «عينم» «عين» «العين»، وإذا ذهبنا إلى أنه موضع «العين» الذي يقع على مسافة أربعين كيلومتراً من شمال شرق صنعاء وزهاء عشرة كيلومترات من جنوب غربي عمران، وإذا فرضنا أن «هعن» وهو الموضع الثاني الذي جرى فيه القتال هو موضع «هواع» الذي يقع على مسافة «35» كيلومتراً من شمال غرب عمران، فإن ذلك يقربنا من منازل قبائل «بكيل» المذكورة في السطر الثالث من النص، حيث كانت قد اشتركت مع الحبش في قتال جيش «ليشرح يحصب» كما يفهم منه. وهذا ما يحملنا على الذهاب إلى أن «عينم» هي «العين»، وأن «هعن» هي «هواع» .
غزوات بقيادة كرب ويسكر الجرتيين:
في نقش آخر يذكر القيلان كرب عثت يندف وسعد عثتر يسكر من بني جره أقيال قبيلة ذمران حلفاء سمهر أنهما قاما بغزوة ضد الأحباش وعك في منطقة سهرة وقد عادا منتصرين بالغنائم والأموال .
وقد أشير في نص وسم Jamme 590 إلى معارك وحروب وقعت مع عشائر «سهرة»، إذ يحدثنا في هذا النص «وهب أوم» و«سعد أوم»، وهما من بني «كربم» «كرب» و»معدنم» «معدن»، بأنهما قدما إلى الإله «ألمقة» «بعل أوام» تمثالاً؛ لأنه مَنَّ عليهما فأعادهما سالميْنِ من «سهرة»، حيث قاتلا هناك مع سيدهما «ليشرح يحصب»، ولأنه أعادهما سالمين من المعارك التي جرت فيها، وكانا في جيش هذا الملك، حيث هوجمت قطعات «مصر» جيش ذي ريدان في حقل «ريمتم» «ريمت» «ريمة»، ولأنه أنعم عليهما بغنائم كثيرة وبأسرى، ولكي يديم نعمه عليهما وعلى سيديهما الملكين .
وتشير النقوش إلى مشاركة كبار القادة المحليين في حرب الغزاة الأحباش (الكبيران وهب أوام يوذف ذو جدن وكرب عثت أسعد من بني ساران من القادة الكبار ليشرح يحصب) اللذين قادا حملة عسكرية وانطلقا لشن حرب ضد عصابات الأحباش وكل أتباعهم في منطقة سهرة فعادا من تلك الحروب سالمين معهم الغنائم والأسرى وقد هاجما في وسط أرض السهرة وبأكناف وهضبات الحصن ذي وحدة فحققوا النصر بقتل الأعداء وأخذوا الكثير من الغنائم والأسرى) .
وتؤكد أسماء كبار القوم من الأعيان والأقيال والأذواء المذكورة في النقوش تفاخرهم واعتزازهم بالمشاركة في كافة الأعمال الحربية لمواجهة الغزاة ودحرهم فنخبة المجتمع اليمني في تلك الفترة كانت تقود تلك المعارك وتشارك فيها وقليلون جداً من حالفهم الحظ ،فتطرقت إليهم النقوش أو سعوا إلى تخليد أمجادهم حتى تتمكن الأجيال اليمنية من الوقوف على تلك المرحلة والتعرف على حجم النضال المرير الذي استمر لقرون كاملة ،ومما يورده بعض المؤرخين عن الجرتيين وإليهما ينتميان كرب عثت وسعد عثتر أنهما قد يكونا من ذمار أو من المناطق الجنوبية لصنعاء وفي نفس النقش الذي يتطرق إلى معاركهما ضد الأحباش يظهر لنا اسم نغص وهي المدينة التي عادا إليها وفيها منازلهما وتقع على سفح جبل كنن ما بين خولان وسنحان أي على بعد 40 كيلو جنوب صنعاء .
مقاومة الغزاة في عهد نشأ كرب يهامن:
على ما يبدو أن الحرب في عهد هذا الملك كانت قليلة فأغلب النقوش التي عثر عليها والتي تعود إلى عهده لا تتحدث عن الحرب إلا القليل منها كالنقش رقم (20) من مجموعة الكهالي وفيه أن الملك نشأ كرب يهأمن كلف القائد (هعان) بقيادة حملة عسكرية إلى (المغرب أو المغارب) وقد عاد من تلك الحملة منتصراً وهو ما تكشفه لنا نصوص النقش (تنفيذاً لأمر سيده الملك ولقد عاد من حربه هذه بالنصر والسبي من أسرى العدو والغنم (الغنائم) من ممتلكات العدو وهذا العدو هم (أحبشن=الأحباش=الأحبوش) الذين أغاروا معتدين بالتعاون مع (رسم=رس=روس ومع بعض أسهرن=الأسهور) .
وهناك نقش آخر يتحدث عن حملة عسكرية كبيرة أرسلها الملك كرب وتوجهت إلى ما يسمى اليوم جيزان ودارت هناك عدة معارك وتحديداً عند ذي البئر وخلب وتندحة وتحقق النصر لتلك الحملة التي عادت إلى صنعاء سالمة غانمة ( نقش جام 616 ورد في نقوش مسندية للإرياني ص 355) وقبل أن تصل الحملة إلى تلك المناطق توقفت في خولان صعدة وأخذت الرهائن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.