أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى البردوني ..بين الإشارات الصريحة والتأويل
نشر في 26 سبتمبر يوم 19 - 10 - 2019

{ مصطفى البرودني القصيدة الأم للحلم الذي سيطر على الشاعر حتى تحول إلى اشتغال صيروري بانتظار تحوله إلى واقع مجسد رسم ملامحه ووجود شخصيته وحاوره وجهاً لوجه
تكاد تكون فكرة المخلِّص موجودة في جميع الأديان والمذاهب والثقافات.. وقد يختلف البعض على إمكانية وجود هذه الفكرة أو غيابها.. لكن الكل يتفق على أنها ممكنة الحدوث، ويظل هاجس الانتظار ملازماً لدى من يقول بوجود المخلص، إن لم يكن مسكوناً به، ونسياً منسياً لدى من يقول بإمكانية وجوده في حينه.
إن هذه الشخصية قد أضافت إليها الأساطير ما يجعلها كذلك، لتجسدها في الأوساط المستضعفة والحالمة بغدٍ أفضل، وظاهرة انوجاد هذه الشخصية واضحة جداً في الأدب العربي منذ القرن الثالث الهجري وحتى اليوم، وستمتد هذه الظاهرة في الأدب إلى أن يأتي المخلص استجابة للنداءات التي امتلأ بها الشعر العربي.
عبدالمجيد التركي
ما يحضرني الآن من النماذج التي أودُّ الاستشهاد بها للتأكيد على تفشي هذه الظاهرة في الأدب المعاصر، قصيدة بعنوان «الرجل الأخير» لسميح القاسم، يتحدث فيها عن بعض تفاصيل هذا المخلص في ديوان «جهات الروح»، أيضاً نجد شوقي بزيع في ديوانه «عناوين سريعة لوطن مقتول» يتحدث عن هذا المخلِّص في قصيدة «الطواف في رحاب صاحب العصر»، وقد وضع لها توطئة من أقوال ابن خلدون كتدليل على ذلك أو كهروب لإظهار عدم اقتناعه بهذه الفكرة، لتبقى الفكرة لمجرد الكتابة، والواقع عند شوقي بزيع عكس ذلك تماماً، وإنما للتُّقية فقط، إذ أنه أطلق على قصيدته عنواناً يحمل كنية هذا المخلِّص الذي تسميه إحدى الفرق ب«صاحب العصر»، وقصيدة شوقي تشبه إلى حد بعيد قصيدة «مدينة الغد» للبردوني، في تفاصيلها المثيرة.
مصطفى
منذ أن كتب البردوني قصيدة «مصطفى» في 1986م ذهب النقاد في تأويلها كل مذهب، منهم من ذهب إلى أن البردوني يتحدث فيها عن نفسه، وأن المقصود لا يتعدى الشاعر بعينه، في حين أن القلة من هؤلاء النقاد قالوا إن البردوني يقصد بها أحد الزعماء- رجماً بالغيب-، رغم أن كل هذه التأويلات متناقضة مع الإشارات الصريحة التي حفلت بها قصيدة «مصطفى».
لقد حمَلَت قصيدة مصطفى ملامح هذا المخلص، وسأجعلها في قراءتي هذه القصيدة الأمَّ التي جسَّد البردوني فيها شخصية المخلِّص، وسأرجع إليها كل استشهاد أورده من قصائد أخرى- سواء كتبت قبلها أم بعدها- لتحقيق القصد من خلال التناص الدلالي والصفات التي تطابقت من قصيدة إلى أخرى.
وتجعلك ملامح هذا المخلص، الطاغية على بعض قصائد البردوني، تشك في أنها كانت فكرة لمجرد الكتابة والحلم الفردي فقط، فالدلائل والصفات التي وردت في الآثار الإسلامية والتاريخية وغيرها شكلت مرجعية لدى البردوني، فقام بتجسيد هذا المخلص وحواره وانتظاره، منطلقاً من الحلم به ثم التبشير به، ثم الاعتقاد بوجوده، ثم انتظاره.
• بدأ البردوني بوضع بذور هذه الفكرة ابتداء من ديوانه «مدينة الغد»، الذي جاءت تسميته محاكاة للمدينة الفاضلة، وما جعل البردوني يتوسع في رسم ملامح المدينة الفاضلة هو الحلم الذي كان مسكوناً به، ابتداءً بالفجر المنشود في ديوانه الثاني « في طريق الفجر»، وهو فجر الثورة اليمنية الذي هتف به البردوني فتحقق له يوم أن أفاق على فجر يوم صبي، لكن تحقق هذا الحلم أضاف إلى مخيلته حلماً آخر، أشمل وأوسع، فبدأ البردوني ينتقل من الخاص إلى العام، إنه الحلم بالمدينة الفاضلة التي برزت ملامحها جلية في قصيدة «مدينة الغد»، ولن يتحقق وجود مثل هذه المدينة إلا في عصر ظهور المخلِّص.
لم تكن فكرة المخلص عند البردوني لمجرد فكرة للكتابة فقط وتصوير الاعتمالات التي ستنعكس لدى ظهوره، بل كان المخلص معروفاً عند البردوني كشخص محدد يقصده هو لا سواه، وإلا فما جدوى هذه الفكرة التي انتشرت ملء قصائده؟
• إن فكرة المخلص موجودة- كما أسلفنا- في جميع الأديان والثقافات أو المذاهب، وإذا ما بحثنا عنه في المذاهب بشكل خاص فسنجد أن لكل مذهب مخلصاً معيناً، فمذهب يقول إن المخلص سيأتي في آخر الزمان، ومذهب ثانٍ يقول بوجوده وولادته في سنة 255 هجرية، وفرقة تقول باختفائه في جبل رضوى، وأخرى تقول بمجيئه من عامة الناس بعيداً عن انحداره من نسل معين..
ترى أي مخلص من هؤلاء كان يقصده البردوني؟
بشرتُ أنك قادمٌ فتضاحَكَت
أمِّي وجارتنا، فكن مصداقي
- لم يبقَ لي غير انتظارك طالعاً
أو نازلاً من أي نجم راقِ
أو فاجئاً من خلف وهم تصوري
أو بازغاً كالقمح من أعراقي
- أو آتياً من آخر الآتي على
كتفيك منه حدائق وسواقِ
من أي ناحية بأية هيئةٍ
أقبل وقل: بعد الفراق تلاقِ
• في هذا المقطع من قصيدة «أشواق- ديوان رواغ المصابيح» يتجلى التبشير الواضح بقدوم المخلص والعكوف على انتظاره، في آن واحد، ونرى البردوني يدلل على وجوده بالفراق، ولذلك جاءت المناشدة بمجيئه في أي هيئة يريد، ليتم التلاقي بعد الفراق.
أيضاً يبشر به في قصيدة «وردة المستهل- ديوان رجعة الحكيم بن زايد» قائلاً:
إليكم خير تهنئةٍ
نجا المهدي من الموتين
أمات؟ وأين؟ كيف وما
أتمَّ صياغة الشرقين؟
كان تبشير البردوني بقدوم هذا الغائب مليئاً باليقين والتساؤلات ومناشدته الإسراع في القدوم.
في قصيدة «ليليَّات قيس اليماني- ديوان كائنات الشوق الآخر» يقول:
إلى الآتي هناك..له بلاد
ستبزغ ذات يوم لا محالة
- لماذا لا تشع كما أُرجِّي؟
: أليس الدهر حالاً بعد حالة؟
يشمُّ لوعدها قلباً شموخاً
ووجهاً مثل طهر البرتقالة
يراها وهي أخفى عنه لكن
وعود الخير غامضة الدلالة
• من هذا المقطع الفردي في مخاطبته ينتقل من الخاص إلى العام مصوراً ابتهاج الكون بظهور هذا المُخلص الذي سيعيد- بغموض دلالته وخيرية وعوده- صياغة ما أفسدته الحضارة ويرسم على هذه الأرض ملامح المدينة الفاضلة.
ويستمر التبشير بقدوم المخلص في قصيدة «علامات العالم المستحيل- ديوان ترجمة رملية لأعراس الغبار»:
قالت الشمس: ذات يوم سيهمي
قالت الريح: شاهدته سرابا
- فأجاب الغراب: يبيضُّ لوني
قبل أن يبتدي، يحثُّ الركابا
قال سرب القطا: أظن الثريا
أوشكت أن تحلَّ عنه النقابا
• هذه نماذج قليلة تحمل في طياتها مدلولات صريحة تبشر بقدوم هذا المخلص الذي يحمل على عاتقه مهمة استثنائية تعلقت عليها الآمال والمنى الآدمية كافة، كما يقول في قصيدة «المهمة- ديوان رواغ المصابيح»:
تجيئ من كل نبضٍ
تثور قبل المُطِمَّة
لكل صبحٍ تغني
تحمي الغصون المُكِمَّة
تأتمُّ بالشعب حتى
يُرى إمام الأئمة
إليه منهى النواهي
لقبضتيه الأزمَّة
كذلك في قصيدة «علامات بزوغ المحجوب- نفس الديوان»:
لأن إليك القضية
ومنهى المُنى الآدمية
تغاوي مسوخاً لها
ألوف العيون الذكية
من خارج التقويم
• الوجود قبل الخلق.. أو المجيئ من اللاوقت.. جانب من جوانب هذه الشخصية المنتظرة، أغرق البردوني في الإشارة إليه حيناً، واستغرب مندهشاً وموقناً بكيفية مجيئه المغايرة، وأيضاً بالعمر الطويل الذي يتمتع به المخلص المنتظر، وربما أنه استند إلى إيمانه هذا بحديث نبوي يقول: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) و(كنت نبياً قبل أن يخلق الله السماوات والأرض).. هذا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.. وهناك من الفرق والمذاهب من يقول بحديث يفيد العموم: (كنا- أي النبي وأهل بيته – أشباحاً نورانيه قبل أن يخلق الله السماء والأرض).
وبغضِّ النظر عن مدى صحة الحديث إلا أن البردوني انطلق من هذه الخاصية الخارقة..
يقول البردوني عن هذه الخاصية التي ينفرد بها المخلص المنتظر في قصيدة «مصطفى- ديوان كائنات الشوق الآخر»:
تسابق الوقت، يعيا
وأنت لا تتوقف
فتسحب الشمس ذيلاً
وتلبس الليل معطف
- كفجأة الغيب تهمي
وكالبراكين تزحف
وفي قصيدة «صياد البروق_ديوان وجوه دخانية في مرايا الليل» التي تتشابه مدلولاتها إلى حد بعيد مع قصيدة «مصطفى»:
وحدي نعم، كالبحر وحدي
مني ولي جزري ومدي
وحدي وآلاف الربى
فوقي وكل الدهر عندي
- من لا متى آتي أعود
مضيعاً قبلي وبعدي
• في هذه الأبيات إشارة واضحة إلى وجود المخلِّص من قبل بدء الخلق، كفكرة ربما تميل إلى الاعتقاد بتناسخ الأرواح، ونراه يزيد من تأكيده على هذه الخاصية في قصيدة «الوجه السبئي وبزوغه الجديد- ديوان وجوه دخانية في مرايا الليل»:
يقولون: قبل النجوم ابتديتْ
تضيئ وتجتاز لولا وليتْ
ربما أنه أطلق عليه صفة «السبئي» مستنداً إلى حديث يقول بخروج المخلص من قرية يمنية تسمى «كرعة» بخولان..
ويعلن دعوته من مكة:
نادتك الكعبة وانتظرت
ودعاك الأقصى، بل حرَّضْ
- صحنا: يا مهدي يا وطراً
قلبياً أنت له المنبضْ
«على باب المهدي المنتظر- ديوان جواب العصور»
• أيضاً نجد نفس الوصف الخرافي في قصيدة «آخر الصمت- ديوان كائنات الشوق الآخر»:
تبتدي كل نجمة
فيه من آخر العدم
ومرة أخرى في قصيدة «علامات بزوغ المحجوب- ديوان رواغ المصابيح» يتحدث عن هذه الخاصية ويختم القصيدة كبقية قصائده التي تصب في هذا الموضوع:
كبدء من المنتهى
ومن قبل بدء البرية
وفي قصيدة «علامات العالم المستحيل- ديوان ترجمة رملية لأعراس الغبار»:
قيل: من خارج التقاويم يأتي
من وراء الحساب يلغي الحسابا
أما في قصيدة «باب في آخر الليل- ديوان رواغ المصابيح» نجد التناص الواضح في قوله:
من خارج التقويم جاء الذي
ما شمَّ ريَّاهُ خيالُ الخيالْ
وفي قصيدة «الحقيقي- ديوان كائنات الشوق الآخر» يضيف إليه بعض الملامح التي كان يكتفي بذكرها في قصيدة ما ليضع ملامح إضافية في قصيدة أخرى:
يجيء بلا وقت وبالوقت يلتقي
أيغدو، أيسري، أي وقتيه يتَّقي
- أيا من تُسمى الوقت: من أين جئتني
وهل أنت إلا دفقة من تدفقي ؟
وكل كنت في نسغي قبيل تفتحي
وهل أنت من بعد التفتُّح مُغلقي؟
- لأني حقيقيٌّ فأنت مغايري
لأني زمان أنت صنعي ومئزقي
إذن لست مني، إنما منك أقتني
مَشمَّاً لإبراقي ولوناً لبيرقي
• إن فكرة المخلص لو كانت حلماً أو فكرة لمجرد الكتابة لدى البردوني فهل من المتوقع أن تكون بمثل تلك الصلة الوجدانية، ومن هنا تأتي أهمية الانتظار.!!
استخدم البردوني الكثير من المفردات التي تعكس سمات هذا المخلص، استمد بعضها من الأحاديث المتضمنة لأمارات الساعة، وبعضها من المرويات والأساطير وما تقتضيه الضرورة الفنية للبناء الشعري، فنرى امتلاء قصائده ببعض المفردات التي نلاحظ مدى وضوح دلالتها في الإشارة إلى المخلِّص المنتظر.
• من هذه المفردات : الوعد - القبر - الميلاد- الربيع- الاخضرار- الحقول- البروق- الغيب- الولادة- الغناء- الخصب- الرعد- الغيم- المطر- النضارة- الصمت- السرداب- المهمة- الغرابة- الكتاب- الزمان- المجيء- النبض- النماء.. إلخ.
إضافة إلى عناوين القصائد التي أوردنا بعضاً منها، فإنها تكفي للتدليل على أنها كذلك وليست رموزاً أو معميات كما يُظَنّ.
جنينٌ في رحم القبر
* الموت.. القبر.. الميلاد.. المهد.. الخروج.. هذه المفردات كان البردوني يستخدمها للغيبة وإمكانية المجيء، فقد رمز إلى الغياب بالموت، والى العودة بالخروج من القبر/ المهد.. كأنه يستهل البداية من الخاتمة، فجاء الموت رمزاً معنوياً للغياب المحسوس، لأن المخلص ميت في نظر من لا يؤمنون به، وسيبزغ من هذا الموت.
يقول البردوني في قصيدة «مصطفى»:
يخشون إمكان موتٍ
وأنت للموت أألفْ
وبالخطورات أغرى
وبالقرارات أشغفْ
- لأن موتك أحيا
من عمر مليون مُترفْ
- سيتلفون ويزكو
فيك الذي ليس يتلفْ
• لقد اعتاد على الغياب حتى صُنِّف في قائمة الموتى، ويعود البردوني ليطل من نافذة التفاؤل، متحدثاً بلسان صاحبه المخلص في قصيدة «صياد البروق- ديوان وجوه دخانية في مرايا الليل»، قائلاً:
ستصير يا هذا الذي
أدعوه قبري الآن مهدي
• ولنا أن نلاحظ التورية التي تضمنتها القافية، لنجد المعنى ذاته في قصيدة «جدلية الموت والقتل- ديوان ترجمة رملية لأعراس الغبار»:
عنوان قبري في يدي
مهدي على طرف اشتباهي
أيضاً في قصيدة « زامر
الأحجار - نفس الديوان»
موطني أدعوك من تحت الخناجرْ
وإلى زنديك من موتي أسافرْ
هنا تتفق لفظة الخناجر ومدلولها مع «مغني تحت السكاكين»، عنوان قصيدة في ديوان «وجوه دخانية في مرايا الليل»، حملت نفس التفاصيل التي اختصرها البردوني ولم يسهب في الإلماح إلى بعض الجوانب، ونجد نفس المعنى في قوله:
بعينيه حلم الصبايا وفي
حناياه مقبرة مستريحة
- فيولد في قلبه كل يوم
ويحمل في شفتيه ضريحهْ
وتكرار هذا المعنى نجده في قصيدة «عشرون مهدياً- ديوان رجعة الحكيم بن زايد»، تاركاً عنان الخطاب للمخلص:
كلُّ قبر نزلت أصبى احتضاني
يا قبوري: متى سأبلغ رشدي؟
هنا يتمثل الرشد في حالة الظهور، كما هي في قصيدة «صياد البروق»:
مثلي ركبتُ ذرى المشيب
وما وصلتُ سفوح رشدي
ويدرك البردوني أن المخلص لن يبلغ رشده إلا بعد أن يصل إلى مرحلة معينة تتطلب شروطاً لخروجه.. فتارةً يستبطئه، وتارة يستحثه على الخروج، طارقاً بابه بكل إلحاح، فيجيبه المخلص متسائلاً في قصيدة «على باب المهدي المنتظر- ديوان جواب العصور»:
من يدعو، هل زمني أومضْ؟
نهض الدجال، سدىً تنهضْ
نادتك الكعبة وانتظرت
ودعاك الأقصى، بل حرَّضْ
- صِحنا: يا مهدي، يا وَطَرَاً
قلبياً، أنت له المنبضْ
ثم يعود البردوني إليه متسائلاً ومستجدياً وهو يخفي كل أشواقه في صيغة تساؤلية تفيد العموم في قصيدة «علامات بزوغ المحجوب- ديوان رواغ المصابيح»:
أكنت انتظاراً أتى
أهذي هي المهدوية؟
أأنت الذي عللوا
به كل نفس شقية؟
- أتمَّت شروط الخروج
أجب يا اكتمال الرزيَّة؟
• في البيت الأخير دلالة واضحة على اليقين بوجود المخلص المحجوب الذي يمثل الرقم الأخير الذي ختم رزايا سابقيه بالغياب، بعد أن قضوا مقتولين ومسمومين، ولم يُشِر البردوني، في أيٍّ من قصائده التي اختص بها هذا المخلص، إلى هذا الغرض سوى في هذه القصيدة التي يكاد جلاؤها يغني عن الخوض في تفاصيلها، بدءاً من العنوان وانتهاء بالبيت الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.