إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    الاتحاد الدولي للصحفيين: ما يجري في غزة إبادة جماعية وصمت العالم مخزٍ    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    هي الثانية خلال أسبوع ..فقدان مقاتلة أمريكية "F-18" في البحر الأحمر    وزير الشباب ومحافظ ذمار يتفقدان أنشطة الدروات الصيفية    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    57 عام من الشطحات الثورية.    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة .. للباحث / عبدالله بن عامر (الحلقة (24)
نشر في 26 سبتمبر يوم 29 - 10 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
{ ظلم اسماعيل بن طغتكين ومصادرة الايوبيين لاراضي اليمنيين أدى إلى اتساع رقعة المقاومة وارتفاع وتيرة الثورة باندلاعها في مختلف الاراضي اليمنية
{ الهدف العسكري الاول للمقاومة التي قادها الإمام عبدالله بن حمزة على الايوبيين تمثل في تحرير المناطق الشمالية بشكل كامل حتى صنعاء ومن ثم التوجه نحو المناطق الاخرى
نستكمل حلقتنا لهذ العدد عرض الفصل السابع من هذا البحث والذي تناولنا في حلقات سابقة استعراض الجزء الأكبر منه والذي خصصه الباحث للغزو الأيوبي لليمن في القرن الحادي عشر الميلادي لنضع القارئ أمام صورة مكبرة ومقربة لتصرفات الولاة الأيوبيين وفسادهمومجازرهم الفضيعة الذي أدى إلى ثورة الشعب اليمني عليهم في معارك عديدة، فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
محاولة مصادرة الأراضي الزراعية من اليمنيين :
يقال إن طغتكين أول من جار على أهل النخل ورفق بأ أهل الزرع فلما دانت له البلاد تاقت نفسه إلى شراء جميع أراضي اليمن وأن يؤجرها على من أراد حرثها كما هي عادة مصر .. واتخذ لتحقيق ذلك إجراءات عملية الهدف منها مصادرة كافة الأراضي الزراعية وتحويل ملكيتها إلى الدولة الأيوبية ومن تلك الإجراءات تعيين المندوبين الذين سيتولون عملية تثمين الأراضي وتسجيلها في سجلات الدولة ومن ثم شراء الأراضي قهراً من كافة اليمنيين ،وبينما كان المثمنون قد بدأوا في تنفيذ الأمر إذ شاع الخبر بموت طغتكين الذي قيل إنه مات مسموما من قبل الشيخ علي بن محمد المعروف بابن المعلم .
وتتحدث بعض المراجع أن جماعة من اليمنيين لجأوا إلى أحد المساجد وقرروا أن لا يخرجوا منه إلا بعد قضاء حاجتهم المتمثلة في تراجع طغتكين عن قراره مصادرة أراضيهم الزراعية ، ومما قاله المؤرخون عن طغتكين إنه كان يشتري أموال التجار لنفسه ويبيعها كيف يشاء وإنه كان يُضِّيق على الرعية .
الغزو الأيوبي إسماعيل ابن طغتكين
تتميز هذه المرحلة كونها شهدت توسع رقعة المقاومة اليمنية بقيادة الإمام عبدالله بن حمزة فقد ظلت المناطق من ذمار وحتى صعدة مناطق مقاومة دائمة ولم يتمكن الغازي من السيطرة عليها بشكل مستمر وسنشهد في هذه المرحلة تصدعاً وانشقاقات في طرف الأيوبيين بعد أن امتد ظلم إسماعيل بن طغتكين إلى أتباعه ما دفعهم ونكاية به إلى مبايعة الإمام، وقد أدى ضعف الأيوبيين في اليمن إلى وصول تعزيزات عسكرية من مصر وهذا تأكيد على أطماعهم في البلاد ورفضهم الانسحاب تحت وقع الثورات والانتفاضات منها ثورة أهالي وصاب وعتمة الذين سيحققون نصراً ساحقاً على الأيوبيين بعد أن رفضوا الاستجابة للقائد الأيوبي في المشاركة بقتال الإمام فكانت معركة الدغاري شاهدة على الحس الوطني لدى اليمنيين وإن كان هذا الشعور وقتها لم يتحول إلى شعور عام ضمن مشروع وطني لمواجهة المحتل وبناء دولة يمنية واحدة إلا أننا نستطيع أن نؤكد أن حالة التذمر بلغت مختلف المناطق اليمنية، ففي صبر بتعز تلقى الأيوبيون صفعة مدوية في معركة حاسمة مع أهالي تلك المنطقة الذين تمكنوا من قتل أهم القادة مع مائة فارس آخرين وسنتعرف في البداية على ثورة قبائل غرب صنعاء والتي أدت إلى مقتل المئات من الغزاة الأيوبيين، وكان للخلافات والصراعات بين القبائل دورٌ في تأخير حسم المعارك بل إن بعض هذه القبائل ونكاية بقبائل أخرى أو بالإمام سارعت إلى مناصرة الأيوبيين.
الهدف العسكري الأول للمقاومة :
في أواخر سنوات حكم طغتكين ظهر الإمام عبد الله بن حمزة كمحارب وقائد للمقاومة ضد الأيوبيين غير أن أغلب معاركه السياسية والحربية والإعلامية كانت مع نجل طغتكين وهو إسماعيل ثم مع القادة الأيوبيين كورد سار وسنقر وكذلك سليمان الأيوبي وحتى عهد المسعود الكامل، وكان قد ادعى الإمامة من الجوف وناصرته القبائل في المناطق الشمالية .
في ظروف معقدة عاشها معظم اليمنيين لاسيما الفلاحين الذين كانوا يشكلون الشريحة الأوسع في المجتمع اليمني بتلك الفترة نتيجة وحشية الأيوبيين وظلمهم وتعديهم على الأموال والأنفس متخذين من تفوقهم العسكري وسيلة لقهر اليمنيين والتغلب عليهم؛ ولهذا سارعت القبائل إلى مناصرة الإمام عبدالله بن حمزة بما يلبي رغبتها الجامحة في رفع الظلم عن كاهلها واستعدادها للتضحية من أجل تحقيق ذلك الهدف فقد كانت المقاومة بحاجة إلى قيادة تتمكن من إعادة تنظيمها وتحويلها من مرحلة رد الفعل العفوي إلى العمل المنظم فلم يقم الإمام بدعوته إلا وكانت الكثير من المناطق قد خاضت صراعاً مريراً مع الأيوبيين، فيما كان الجزء الأكبر من المناطق الوسطى والجنوبية تحت السيطرة الكاملة للأيوبيين، وهذا الوضع إضافة إلى بروز بوادر خلافات كبيرة في صف القادة الأيوبيين جراء سياسة إسماعيل طغتكين قد ساعدا الإمام على التحرك أولاً لترتيب صفوف المقاومة وحشد القبائل لشن الغارات والغزوات وكذلك التخطيط لحصار صنعاء من خلال السيطرة على الحصون والقلاع حولها بعد أن تكون المقاومة قد تمكنت من تأمين كافة المناطق الشمالية.
ومن هنا يتضح الهدف العسكري الأول للإمام والذي يتمثل في تحرير المناطق الشمالية بشكل كامل حتى صنعاء ومن ثم التوجه نحو المناطق الأخرى كمرحلة ثانية وهو ما يعني أن تكون صنعاء ومحيطها جبهة أمامية في الصراع مع الأيوبيين وكان تحقيق هذا الهدف بحاجة إلى وحدة الصف الداخلي وجمع كبار القوم من مشائخ ونافذين في تلك المناطق على كلمة سواء، وقد ساهم الأيوبيون في تحقيق ذلك من خلال تعديهم على الأمراء والمشائخ الذين لم يجدوا أي مخرج لهم سوى الإمام فالتفوا حوله وحققوا عدة إنجازات في معركة التحرر على الأقل في المرحلة الأولى من المقاومة وهي المرحلة التي حقق فيها تحالف بين بني حاتم الهمدانيين مع الإمام انتصارات كبيرة أدت إلى تحرير معظم المناطق الشمالية لاسيما المحيطة بصنعاء .
وبذلك كانت المقاومة أقرب إلى تحقيق هدفها العسكري الأول في الوصول إلى صنعاء وحصارها فقد تولى بنو حاتم مهمة تسهيل السيطرة على كافة القلاع والحصون المحيطة بالمدينة لاسيما الغربية منها والشرقية فلم يأتِ العام 1197م إلا وكانت المقاومة قد أحكمت سيطرتها على مغارب صنعاء بشكل كامل.
اشتعال المقاومة :
أثار التقدم المتسارع للمقاومة نحو محيط صنعاء مخاوف إسماعيل طغتكين الذي كان يخشى من سقوط صنعاء فأمر أحد أهم قادته العسكريين ويدعى (حكوا) بالتصدي لغارات المقاومين ولهذا دارت الحروب بين الطرفين وكانت سجالاً كما يقول المثل يوم لك ويوم عليك أو بالأصح كانت عبارة عن كر وفر وعلى ما يبدو أن السبب في ذلك يعود إلى تجنب اليمنيين خوض مواجهات مباشرة مع الأيوبيين الذين كانوا يتفوقون من حيث العتاد الحربي فكانت المقاومة تتقدم إلى محيط صنعاء ومن ثم تتقهقر قبل أن تستعيد المبادرة مرة أخرى وتعود إلى ما كانت عليه، ومن أجل تخفيف الضغط في محيط صنعاء على المقاومة جراء الاستماتة الأيوبية في القتال كان لابد من توسيع رقعة المقاومة إلى أكثر من منطقة لإشغال الأيوبيين بأكثر من جبهة ولهذا سارع الإمام إلى تحريض قبائل ذمار وإب والمحويت وتهامة على شن الغارات على قوافل الأيوبيين وتجمعاتهم وذلك لإضعاف موقفهم العسكري في صنعاء وقد استمرت المعارك على تلك الحالة لسنوات وكانت الخسائر متوزعة بين الطرفين وتكشف رسائل الإمام إلى أهل نجران تكتيك المقاومة القائم على الغارات الخاطفة المفاجئة فيقول في إحدى تلك الرسائل: وإذا كان إسماعيل (بن طغتكين) في ألف وسبعمائة فارس فقد تركناه يكثر الالتفات وهو بين خاصته وأخذنا أمواله وقتلنا رجاله .
وتشير تلك الرسالة إلى أن الإمام كان يواجه في نفس الوقت تمردات في المناطق المحسوبة عليه كما حدث في نجران إضافة إلى خلافاته مع قبائل في مأرب والجوف إلا أن تلك الخلافات لم تدم طويلاً إلا أنها أثرت بشكل أو بآخر على الموقف العسكري للمقاومة ، أما في الطرف الأيوبي فكانت سياسة ابن طغتكين قد أشعلت بوادر الخلاف في صفوف القادة الأيوبيين وهذا ما استفادت منه المقاومة بشكل كبير بعد أن تأثر الموقف العسكري للأيوبيين نتيجة تلك الخلافات التي كشفت لنا عن ظاهرة انضمام عدد من القادة العسكريين الأيوبيين إلى الإمام عبد الله بن حمزة وكان أول القادة العسكريين المنشقين هو حكوا الذي قاد المعارك ضد المقاومة في مناطق صنعاء وكان انشقاقه بمثابة صدمة كبيرة لإسماعيل بن طغتكين الذي كان وقتها يقود حملة عسكرية لإخضاع ذي جبلة ودمر فيها دار المعز الذي بناه المكرم الصليحي .
ثم قرر المسير نحو صنعاء لشن الحرب على الإمام والقائد (حكوا) الذي أصبح قائداً لقوات الإمام وعلى ما يبدو أن الإمام أراد من تعيين حكوا قائداً لصفوف ما كان يسمى بالجيش المنصوري تحقيق أهداف مرحلية تكتيكية أبرزها الاستفادة من الخبرات العسكرية الأيوبية، فالقادة الأيوبيون هم الأكثر قدرة على معرفة أساليب جيشهم في حرب اليمنيين إضافة إلى هدف آخر يتمثل في تدريب اليمنيين على القتال بأساليب حربية أدت عوامل ضعف الدويلات اليمنية إلى غيابها عن العقلية العسكرية اليمنية في تلك الفترة ولهذا نجد أن حرب الأيوبيين بأنفسهم كانت تعادل وسيلة لطالما استخدمها الغزاة لكسر المقاومة اليمنية وكانت تلك الوسيلة تتمثل في حرب اليمنيين بأنفسهم بمعنى تجنيد المرتزقة اليمنيين الذين كانوا يتولون المهام الصعبة التي لايستطيع الغازي تنفيذها بنفسه ،إما لوعورة التضاريس أو لشدة اليمنيين في القتال وخبرتهم الحربية ،فكان يلجأ إلى هذه الوسيلة لتحقيق أهدافه العسكرية، وقد نجح الإمام نسبياً في تحقيق هدفه العسكري على الأقل خلال مرحلة الوصول إلى مشارف صنعاء وكسر أكبر حملة عسكرية قادها إسماعيل طغتكين ضد الإمام والمقاومة ،و تمكن حكوا من قيادة الجيش المنصوري الذي تمكن من كسر تلك الحملة فيما تشير مصادر تاريخية إلى أن الخلافات تفاقمت في صفوف الأيوبيين بعد انضمام حكوا إلى الإمام الأمر الذي أجبر إسماعيل طغتكين على صرف النظر عن الاستمرار في التقدم بحملته العسكرية وقرر العودة إلى تعز .
حكم إسماعيل طغتكين وفساده :
ورث إسماعيل الحكم عن أبيه طغتكين وقد استمر في اتباع سياسة البطش والقسوة والإرهاب والظلم ضد اليمنيين وامتدت تلك السياسة لتشمل أتباعه من القادة العسكريين ومن الجنود ، وتسجل أحداث تلك الفترة قيامه بإعدام عدد من القادة التابعين له إضافة إلى إهماله شؤونهم وشؤون الجنود ،فإضافة إلى السجن والقتل كانت له سياسة مالية تتمثل في عدم منح جيشه الأموال الكافية علاوة على توجهه نحو مصادرة أموال كبار القادة والولاة بما في ذلك العبيد والجواري ناهيك عن المعاملة السيئة لمماليك أبيه التي بلغت حد القتل والتصفية .
ويذكر بعض المؤرخين منهم المنحازون للأيوبيين أن ابن طغتكين كان مولعاً بذبح البشر وأكل لحومهم والمشهور عن هذا القائد حجم القتل والإعدامات بحق اليمنيين وكذلك عمليات النهب والسلب والاعتداءات على المدن والقرى والمزارع إضافة إلى أنه كان مضطرب الفكر والتفكير وهو ما يُلاحظه القارئ للتاريخ من خلال اتخاذه عدة ألقاب وانتسابه للأمويين واعتناقه لأكثر من مذهب، وسنلاحظ أن تلك السياسة ستؤدي إلى المزيد من الحركات الانشقاقية ضده ففي عهده تضاعف عدد الجنود والقادة المنضمين إلى الإمام عبد الله بن حمزة حتى أنهم وصلوا في فترة من الفترات إلى أكثر من ألف جندي وقائد.
من صنعاء إلى تهامة :
نجحت نضالات اليمنيين في تحقيق إنجازات محدودة شملت المناطق الشمالية الغربية ثم امتدت إلى المناطق الوسطى وجميع تلك المناطق شهدت مقاومة عنيفة للأيوبيين الذين تراجعوا لتعزيز قوتهم في مدينة صنعاء وكذلك مدينة ذمار إضافة إلى بعض الحصون التي كانت تحت سيطرتهم، فيما بقية المناطق أصبحت ضمن نفوذ دولة الإمام عبد الله بن حمزة الذي امتد نفوذها في تلك الفترة إلى تهامة و إب وهو ما تكشفه لنا إحدى رسائله التي يقول فيها: وأعمال هذه الدولة ممتدة في جهة الشرق إلى قرب الجند بلاد بني حبيش وما والاها وكذلك المغارب كلها وما معهم إلا الطريق لكثرة خيلهم .
ويكشف ذلك حجم المقاومة واتساعها بعد أن كانت محصورة في مناطق بعينها وكما أشرنا سابقاً إلى أن الإمام وضع على رأس أهدافه الوصول إلى صنعاء وعندما تحقق له ذلك سارع إلى إشغال الأيوبيين عبر فتح عدة جبهات عليهم من أجل إضعاف قوتهم بصنعاء، ولهذا نجده يرسل مجاميع من الجيش المنصوري لشن الغارات على الأيوبيين في تهامة الذين بدورهم أرادوا إشغال الإمام بالحرب في صنعاء حتى يصرف النظر عن التوسع في المناطق الأخرى وهو ما يشير إليه في رسالة إلى قتادة بن إدريس يقول فيها: وغاراتنا اليوم تصل إلى قرب باب صنعاء والبلاد في أيدينا وما بقيت إقامتهم في صنعاء إلا ليشغلونا عن تهامة وإلا فما لها اليوم أعمال وجندنا أقوياء بحمدالله .
وفي رسالة أخرى يقول: قد قهر جنود الظالمين بنصر ربه فصاروا حيارى لايهتدون يميناً ولا يساراً، ملأ الله قلوبهم الرعب فصاروا يرون البعد قرباً وهذه صنعاء أبوابها عليهم موصدة وعماد الخوف عليهم ممددة، وهذه زبيد ليس فوق ما هي فيه من الرعب مزيد، قد ضاقت بأهلها من أقطارها ونبَّت بهم عن قرارها وهذه بوادي تهامة قد أجفلت إجفال النعامة .
ومن واقع مضمون تلك الرسائل فإن الإمام أراد إشغال الأيوبيين في تهامة عن صنعاء ،فيما الأيوبيون أرادوا عكس ذلك من خلال إشغاله بصنعاء عن تهامة ولتهامة أهمية كبيرة في المعركة كونها تعتبر المنطقة التي منها تصل التعزيزات الأيوبية من الحجاز ومصر سواء عن طريق الطريق الساحلي الذي يمر من جيزان ويصل إلى زبيد أو عن طريق الموانئ والمرافئ البحرية وعلى ما يبدو أن الإمام أراد حسم المواجهات مع الأيوبيين من خلال قطع الإمدادات عنهم مما سيضطرهم إلى الاستسلام وتسليم صنعاء ومن ثم تسليم ذمار والتراجع إلى تعز وهو ما يعنى تحرير كافة المناطق الشمالية حتى تعز وانتقال المواجهات إلى المناطق الجنوبية في وقت تكون فيه قوات الإمام قد تمكنت من السيطرة على تهامة الأمر الذي سيضاعف من احتمالات انسحاب الأيوبيين من كل اليمن ولن يكون أمامهم منفذ للانسحاب سوى عدن، ولهذا تسارعت وتيرة العمليات الهجومية من غارات وغزوات حتى تحرير صنعاء وذلك في العام 1198م واستغلالا لحالة الانهيار في صفوف الأيوبيين بصنعاء سارع الإمام إلى مضاعفة الجهد الحربي بذمار وحشد القبائل لتوسيع الهجمات على الحامية الأيوبية بالمدينة وإرغامها على الاستسلام.
معارك ذمار وصنعاء :
لم يكن انتصار الجيش المنصوري في صنعاء ضد الأيوبيين حاسماً رغم أنه أدى إلى الاستيلاء على المدينة إلا أن عدداً كبيراً من الجنود الأيوبيين تمكنوا من إعادة ترتيب وضعهم العسكري في الحصون الواقعة شرق صنعاء والعودة إلى محيط المدينة ومن ثم فرض حصار على أتباع الإمام الذين كانوا قد نجحوا في دخولها والاستيلاء عليها وكان ذلك قد حدث أثناء انتقال الإمام إلى ذمار وقيادة المعارك فيها والتي أدت إلى هزيمة الأيوبيين بعد فرض الحصار عليهم فجرت عدة معارك قتل فيها من الأيوبيين العشرات ووقع البقية منهم في الأسر .
وما إن علم الإمام بحصار صنعاء من قبل فرقة عسكرية أيوبية حتى سارع إلى فك الحصار وكان ذلك في شهر مايو من العام 1199م ما يعني أن المواجهات ظلت محتدمة بين الطرفين لمدة عام كامل في كل من صنعاء وذمار وتهامة، ومع وصول الإمام إلى صنعاء تمكن من دخولها عن طريق أحد الأبواب وبهذا احتمى هو بالمدينة وعزز قواته المدافعة عنها وفوَّت الفرصة على الفرقة الأيوبية التي فرت بقيادة الشهاب الخزرجي للتحصن في حصن براش فسارع الإمام إلى إرسال حملة عسكرية لملاحقتها وبالفعل تمكنت تلك الحملة من الوصول إلى الحصن وفرض الحصار حتى ضاق الحال بمن فيه من الأيوبيين الذين طلبوا العفو من الإمام وقرروا الاستسلام مقابل السماح لهم بالمغادرة إلى تعز وأثناء مغادرتهم أمر الإمام بالقبض على الخزرجي الذي كان قد اتجه مع المغادرين صوب تعز فأعيد إلى صنعاء وفيها أمر الإمام بسجنه في حصن فذه وعلى ما يبدو أن قرار الإمام بالقبض على القائد الأيوبي يعود إلى قيامه بحشد جنوده بعد هزيمتهم بصنعاء ومن ثم العودة بهم إلى حصار المدينة استغلالا لانشغال الإمام بحرب ذمار ، وبهذا تكون السيطرة الأيوبية على المناطق الشمالية قد انتهت وانتقلت المعارك إلى المناطق الوسطى كما سنشاهد غير أن ذلك لايعني أن الأيوبيين لن يحشدوا قوتهم ويحاولوا التقدم لاستعادة صنعاء كما سنتابع ذلك.
معركة خدير :
لارتباط هذه المعركة في تحديد مصير القائد الأيوبي الذي أصبح من أتباع الإمام (حكوا بن محمد) فيجب أن نعود إلى تحديد ظروف انضمامه إلى الإمام ووقت ذلك، فبحسب الكثير من المراجع التاريخية فإن الانشقاق عن إسماعيل طغتكين كان في يوليو 1198م وهو نفس الشهر الذي بايع فيه الإمام ودخوله في طاعته وفي الحقيقة أن حكوا لم ينشق بمفرده بل كان معه مجموعة من الجنود الأيوبيين الذين كانوا برفقة حكوا في منطقة كتاب بإب فتسللوا من هناك وانتقلوا إلى جبل كنن ما بين سنحان وخولان وهناك انضمت إليهم مجموعة أخرى من الأيوبيين المتذمرين من سياسات إسماعيل وعلى ما يبدو أن المعارك الأولى التي خاضها حكوا ومعه أتباعه ضد الجيش الأيوبي في منطقة سنحان تشير إلى أن الأيوبيين واجهوا تمرد حكوا وأتباعه بالقوة فقد دارت بين الطرفين عدة معارك وهاجم حكوا وأتباعه حصن لاحج وقتلوا عدداً ممن كانوا فيه من الأيوبيين وأسروا من تبقى قبل أن يتجهوا إلى منطقة ثربان وهناك جرت معركة أخرى انتصر فيها حكوا وأتباعه .
ونلاحظ كيف أن حركة حكوا قد أدت إلى إضعاف الموقف العسكري للأيوبيين لاسيما لدى أولئك الجنود الذين توزعوا الحصون في المناطق الشرقية والجنوبية لصنعاء والذين كانوا يمثلون تهديداً حقيقياً للجيش المنصوري الذي كان قد تمكن من السيطرة على صنعاء وكذلك ذمار ليبدأ الإمام في إرسال مجموعات قتالية للإغارة على الأيوبيين في يريم ومناطق شمال إب وكان ذلك تعبيراً عن حجم ما وصلت إليه المقاومة من نفوذ وقوة، وعلى ما يبدو أن الإمام لم يكن يُفضل استنزاف جنوده في أيّة معارك مع الأيوبيين فدفع بالأيوبيين المنشقين بقيادة حكوا إلى تلك المناطق وكان ذلك وفق قاعدة محاربة الأيوبيين بالأيوبيين كما كانوا يفعلون ذلك باليمنيين ، وبالفعل وصلت جماعة حكوا إلى وادي خدير وكانت أول تلك المعارك في الماورة أسفل الوادي فقد هاجم حكوا وأتباعه فرقة عسكرية أيوبية كانت تتولى حراسة الخزانة فتمكن من هزيمتها والاستيلاء على الخزانة .
معركة حقل المصنعة:
بعد استيلاء الإمام على صنعاء أعد إسماعيل بن طغتكين العدة لاستعادتها وتوجيه ضربة عسكرية للإمام وأتباعه وكذلك للمنشقين عنه والمنضمين للإمام من جنوده ، وبينما كان يستعد لذلك ويحشد القوات ويطلب الدعم والتعزيزات تمكن الإمام من الاستيلاء على ذمار ومن ثم جرت معركة خدير التي استولى فيها حكوا على الخزانة وقتل فيها عدداً كبيراً من الأيوبيين الأمر الذي سارع في اتخاذ إسماعيل قرار استكمال تجهيز الحملة العسكرية الكبيرة والسير بها نحو الشمال وكان الإمام قد أمر حكوا بالتصدي لتلك الحملة وملاقاتها في نقيل صيد وجهز العشرات من المقاتلين للحاق بحكوا وأتباعه وكان الهدف كسر الحملة في ذلك النقيل الوعر إلا أن إسماعيل استبق قوات الإمام وسيطر على النقيل وعسكر به في الوقت الذي اضطر فيه حكوا إلى العودة إلى منطقة كتاب بعد أن كان قد اقترب من النقيل وبعد ذلك بأيام تقدم الأيوبيون على حقل المصنعة وبالتزامن تقدم جيش الإمام المكون من الأيوبيين المنشقين وعدد كبير من اليمنيين إلى نفس المنطقة التي شهدت أعنف المعارك بين الطرفين وأدت إلى وقوع خسائر كبيرة وكان من ضمن القتلى القائد حكوا .
وكان الإمام قد أرسل بتعزيزات عسكرية من ذمار إلا أنها لم تصل في وقتها المحدد فقد كان الأيوبيون قد تقدموا على وقع الانتصار في تلك المعركة وكان هدفهم التالي استعادة ذمار الأمر الذي دفع الإمام إلى سحب ما تبقى من أتباعه نحو صنعاء فتمكن إسماعيل من دخول ذمار دون قتال ومن ثم واصل طريقه إلى صنعاء فانسحب الإمام إلى منطقة شبام ثم إلى أثافت .
وكما أشرنا سابقاً فإن المقاومة اليمنية كانت تتجنب خوض المواجهات المباشرة مع الأيوبيين نظراً لتفوقهم من حيث العتاد العسكري وأيضا الدروع إضافة إلى المجانيق ،فكان المقاتل اليمني يحتاج إلى عدة محاولات حتى يتمكن من القضاء على جندي أيوبي واحد نتيجة الدرع الواقي من ضربات الرماح والسيوف وهو ما لم يكن متوافراً لدى اليمنيين في تلك الفترة ولهذا فإن قرار الانسحاب إلى المناطق الأكثر تحصيناً هو القرار الأمثل بدلاً من الزج بالمقاتلين بمعارك نتائجها معلومة سلفاً بأنها ستكون في صالح الأيوبيين، إضافة إلى أن قرار الانسحاب محاولة لجر الأيوبيين إلى مناطق يصعب عليهم الصمود فيها كما أثبتت المعارك السابقة وهي ذات المناطق التي تكبدوا فيها أكبر الخسائر منذ دخولهم اليمن وهم لايفكرون في التقدم إليها إلا عندما يشعرون بضعف الموقف العسكري لليمنيين أو بما تقدمه بعض القوى المحلية من تسهيلات ومساعدات لتحقيق الأهداف الأيوبية.
تفكيك جبهة المقاومة :
بينما كان الإمام يحاول جمع شتات المقاومة اليمنية والدفع بمختلف القبائل إلى معركة المواجهة ادعى يحيى بن الإمام أحمد بن سليمان الإمامة واستولى على حصن مبين في حجة، ونكاية بالإمام عبدالله بن حمزة أعلن مدعي الإمامة ولاءه للغزاة الأيوبيين، إلا أن قوات الإمام عبدالله بن حمزة تمكنت من محاصرته ومن ثم أسره فظل في سجنه حتى مات ، وبحسب مراجع تاريخية فإن ادعاء يحيى بالإمامة كان بتشجيع من الأيوبيين الذين شعروا بخطورة الإمام عبدالله بن حمزة وطموحاته السياسية وتحركاته الحربية وإمكاناته الذاتية، ولهذا نجد أن الأيوبيين سخروا المال بالتزامن مع القوة العسكرية في سبيل القضاء على أتباع ابن حمزة والقضاء على مشروعه وبعد استيلائهم على صنعاء دعموا كافة خصوم الإمام وعملوا على إغراء النافذين من سلاطين ومشائخ بالمال مقابل إعلان الولاء للأيوبيين والتخلي عن الإمام أو على الأقل الوقوف في مربع الحياد وعلى ضوء تلك التحركات الأيوبية التي استجاب لها البعض ورفضها البعض الآخر شهدت المقاومة حالة ضعف أدت إلى وصول الأيوبيين إلى منطقة أثافت إحدى معاقل الإمام عبد الله بن حمزة الذي كان قد انسحب منها وانتقل إلى حجة ومن ثم إلى حوث وكان ذلك في العام 1199م.
معركة حجة :
إثناء حصاره لمنطقة كوكبان قرر إسماعيل طغتكين السيطرة على منطقة حجة فأمر جنوده بالاستعداد بعد أن كان الحصار قد استمر على كوكبان أربعة أشهر استخدم فيها الأيوبيون المجانيق ودفعوا بقوتهم العسكرية إلى محاولة إسقاط المنطقة غير أنهم فشلوا في ذلك ومع توجههم إلى حجة استخدموا كعادتهم أساليب العنف والإرهاب في تدمير القرى المشكوك بولاء أهلها ولم يتردد الأيوبيون في الاعتداء على الحقول الزراعية بذريعة عقاب أهل منطقة ما أو لإجبارهم على دفع الإتاوات والضرائب من خلال المشاركة في تمويل الحملات العسكرية الأيوبية ورغم قلة المصادر التاريخية التي تحدثت عن معارك حجة إلا أن قلة اهتمام الأيوبيين بهذه المنطقة يعود إلى حصانتها الطبيعية إضافة إلى أنها كانت من أهم معاقل الإمام وكان الكثير من أبنائها مقاتلين في صفوف جيشه المنصوري ولهذا يمكن القول إن كل تلك الأسباب حالت دون سقوطها رغم محاولات الأيوبيين الوصول إليها تارة من جهة السهل التهامي وتارة أخرى من جهة عمران أو ما يعرف اليوم بالمحويت وقد واجهت قبائل حجة إسماعيل بن طغتكين بالسيوف والخناجر والأحجار والسهام وبالتأكيد فإن معارك شرسة كانت قد جرت بين الطرفين وهو ما تكشفه لنا حادثة إساءة الأيوبيين إلى أحد مشائخ حجة أصحاب أحد الحصون، فبعد معركة عنيفة انتصر فيها الأيوبيون ألقوا القبض على هذا الشيخ فأهانوه وجاءوا به إلى قائدهم بصورة غير لائقة الأمر الذي أثار غضب قبائل المنطقة فعندما بلغها الأمر حشدت مقاتليها وقررت الاستمرار في القتال رغم ما أصابها من هزيمة في المرة السابقة إلا أنها قررت الانتصار لكرامتها فهبت مندفعة وبكل شراسة للقتال حتى تمكنت من إلحاق هزيمة كبيرة بالحملة الأيوبية وقتل عدد من الجنود وجرح آخرين منهم قادة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.