هي الثانية خلال أسبوع ..فقدان مقاتلة أمريكية "F-18" في البحر الأحمر    كيف تُسقِط باكستان مقاتلات هندية داخل العمق؟    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 213    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    57 عام من الشطحات الثورية.    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    إنتر ميلان يحبط "ريمونتادا" برشلونة    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة:للباحث / عبدالله بن عامر( الحلقة (28)
نشر في 26 سبتمبر يوم 16 - 11 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب
أجبرت الثورات اليمنية الغزاة الأيوبيين على عرض الهدنة والسلام مع الإمام ، فقد تمكنت المقاومة من تحرير جميع المناطق الشمالية وصولاً إلى حدود الحجاز وأغلب المناطق الوسطى
نستكمل حلقتنا لهذ العدد عرض الفصل السابع من هذا البحث والذي تناولنا في حلقات سابقة استعراض الجزء الأكبر منه والذي خصصه الباحث للغزو الأيوبي لليمن في القرن الحادي عشر الميلادي لنضع القارئ أمام صورة مكبرة ومقربة لتصرفات الولاة الأيوبيين وفسادهمومجازرهم الفضيعة الذي أدى إلى ثورة الشعب اليمني عليهم في معارك عديدة، فإلى الحصيلة:
عرض/ امين ابو حيدر
وقد جرت معركة شديدة جرح فيها من أتباع الإمام ما يقارب المائتين وكانت أغلب الإصابات بالنشاب وقام الأيوبيون بنهب الأعناب وقطعها، وفي اليوم التالي تجدد القتال وأمر ورد سار أتباعه من المرتزقة والزباعة وهم أوباش الناس بتنفيذ مهمة قطع الزرع والأعناب فأتوا عليه عقراً بالسيوف والشرم والمقاصر والأيدي حتى انتهوا إلى الغرب وعندما تعرضوا للهجوم اضطروا إلى التراجع نحو معسكرهم وشاعت أخبار وصول تعزيزات من صعدة فنهض ورد سار وأمر جنوده بالانسحاب نحو صنعاء .
وقد أراد الإمام تحرير صعدة واتخاذها منطلقاً لشن الغارات والغزوات على الأيوبيين فدعا خولان وسنحان إلى الجهاد والدفع بالمقاتلين إلى صعدة لتحريرها وفي تلك الفترة أمر الإمام بضرب عملة جديدة بعد أن كان الأيوبيون يغشون في الدرهم والدينار المخلوطين بالنحاس وقد أسهمت تلك الخطوة في استقرار الأسعار.
العلاقة بين الإمام وورد سار :
أشرنا سابقاً إلى أن ورد سار كان من ضمن القادة الأيوبيين الذين انضموا إلى الإمام وقاتلوا ضمن جيشه وفي صفوف أتباعه ضد الجيش الأيوبي في عهد إسماعيل طغتكين ثم تابعنا كيف انقلب على الإمام وعاد إلى صف الأيوبيين ثم سرعان ما تولى قيادة الجيش وتولى أمر صنعاء وكان نائباً لسنقر ومما يميز هذا القائد أنه كان كثير المراوغة وسرعان ما يعمل على إنكار ما تعهد به أو نقض أي اتفاق يعقده أو نكث أي عهد قطعه على نفسه لدرجة أن الإمام ومن أجل تجاوز هذه القضية لجأ إلى تحليف القادة الأيوبيين فكان يطلب منهم القسم بالله على أن يلتزموا بما يتفقوا عليه فكانوا يقسمون ثم يتراجعون وكأن شيئاً لم يكن وفي الحقيقة أن القادة الأيوبيين تعاملوا مع مختلف القوى اليمنية وفق ذلك الأسلوب فكانوا يمنحون الأمان لأيّة جماعة أو أهل قرية ثم يأمرون بقطع أعناقهم أو احتجازهم أو نهب أموالهم وهذا تكرر كثيراً في تلك الفترة حتى أنهم كانوا يفاخرون بنكثهم للعهود ويعتبرون ذلك إنجازاً يحسب لهم ويضيف إلى قوتهم قوة بحيث يخشاهم الناس ويضطرون إلى الخضوع لهم دون قتال ومن أبرز سياساتهم طلب الصلح وإظهار الطاعة للإمام كلما كان موقفهم ضعيفاً ،أما في حالة قوتهم فلا يترددون في استخدام أسلوب التهديد والوعيد وذلك برسائلهم للإمام ومنها رسالة شديدة اللهجة تتضمن السب والشتم بعثها ورد سار للإمام ومما قاله فيها : وقد أصدرنا هذا الكتاب إليك وأوفدنا هذا الخطاب عليك ونحن منك طيبون ولزحف قتالك مقتربون والله لننزلن على بلادك ونحتاط بها ونقرب منها ونضرب خيمنا بحيث ينالك سلاحنا بأطرافه ويزاحمك منجنيقنا بأكتافه ونرسل إليك رسل المنايا من النشاب ونسلط عليك من يأتي البيوت بالحرب لكن من غير الأبواب ويشارفك عسكرنا في عدد وعدة، فرد الإمام على تلك الرسالة بالتأكيد أنه سيقاتل في حال شُن العدوان عليه .
ومن رد الإمام: ثم كان في هذه السنة الماضية جرى ما جرى من الهدنة حقنا لدماء هذه الأمة والتأني حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده ففي خلال ذلك كتبك إلى أرباب الفساد ومكايدك مشهورة عند الحاضر والباد فعل من لايحمي للدين ذماراً ولايرجو لله وقاراً فأضربنا عن مطالعتك في ذلك لعلمنا بدخيلة سرك وحقيقة أمرك حتى يكون ما كان من عندك فنستعين بالله على حربك ونستكفيه ما يخشى من خوف شركك ونعود إلى ما كنا نحن وأنت فيه من الحرب التي لاتنكرها ولا ننكرها وهي لك وعليك ولم ندع فيها من كيدنا ممكناً ولا ندخر طاقة، هذا وفي أثناء كتابك ذكر مراحمك وعواطفك وأي أمر قدرت عليه فثنتك الرحمة أو عطفتك المروءة أو ردتك من إتيانه الحمية ،أفلست قدرت على الدُور التي أظلتك سقوفها ونالك معروفها فهدمتها من أساسها كفراً وعقوقاً فهدم الله دارك وأزعج قرارك آية لم تعقلها وعقلها سواك وموعظة صم عنها صداك وقدرت على إبراهيم - رحمه الله تعالى - فمثلت به بعد قتله ولم تحله محل مثله فعدمك الله أخاك وأراك فيه ما أراك وما بقي يعظك إلا ما يقع في خاصة نفسك فما ذلك على الله بعزيز، فإن أحللت فعلك على جهلك فذلك ليس بعذر لمثلك قال تعالى:
(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) فلم يكن جهلهم عند الله سبحانه عذراً ولا صار لهم من العذاب ستراً ،فتيقظ لما يخرج من لسانك فقديما بقينا على عداوتك بل عداوة من هو أقوى منك عزيمة وأشد شكيمة وأعرق رئاسة وأحسن سياسة وأما نشابك وسهامك وودقك وغمامك فإذا وقعت الحرب فلا مخبأ بعد بوس ولا عطر بعد عروس وأما ما ذكرت من النزال والنضال وقود الرعال إلى الرعال فلسنا ممن يروع بالحرب ولا ممن يفزع بالطعن والضرب ولو تكافأت الأجناد بالعدة والعدد لكنت أحب الفريقين للمباعدة وأدناهما إلى السآمة عن المصادمة والمجالدة وإن لم يعترف بذلك لسانك عرفه قلبك ولعل لطف الله تعالى يجمع بيننا وبينك في أبغض الأيام إليك وأوثرها لك يوم يسلمك الله سبحانه إلى عملك ويكلك إلى نفسك فتندم ولات حين مندم وتقدم شر مقدم وترد مورد من خان ويهبطك العشاء على سرحان فتلتبس عليك الموارد بالمصادر وتحيطك صروف المقادر فيضيق مجالك ويسلمك رجالك ولايغني عنك مالك ولايحمد مالك فيتمثل لك الموت بشراً سوياً وتقول: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا).
معارك عقار وبني صاع :
بعد رسالة ورد سار سارع الإمام إلى دعوة القبائل إلى الجهاد وأخذ في الاستعداد للحرب والنفير فجمع العشرات من المقاتلين إلى بركة الأشمور ببني شاور بينما كان ورد سار قد استكمل تجهيز حملة عسكرية كبيرة كان على رأس أهدافها السيطرة على مصنعة حمير وهي المنطقة التي كان الخلاف عليها بين الإمام والأيوبيين ؛كونها من مناطق الإمام بحسب الاتفاق إلا أن ورد سار لم يعترف بذلك متذرعاً أن الاتفاق لم يذكرها صراحة، وأثناء تقدم الأيوبيين إلى تلك المنطقة تعرضوا لكمين نصبه اثنا عشر رجلاً من بني صاع فتمكنوا من قتل أحد الأيوبيين وجرح آخرين وفر البقية ثم تقدم الأيوبيون مرة أخرى وتعرضوا هذه المرة لهجوم من بني صاع استهدف مؤخرة الحملة وأدى إلى استيلاء رجال بني صاع على عدد من الجمال محملة بكميات من الأسلحة .
وقد اختار ورد سار منطقة ظبر الأخطوب أعلى وادي البون للعسكرة فيها ثم انتقل إلى ناهرة من أوطان بني صاع وذلك لهدم وتخريب منازلهم ونهب أموالهم انتقاماً لما كان منهم إلا أنه لم يتمكن من ذلك فأثناء ما كان جنوده قد بدأوا بقطع الزرع هاجمهم أتباع الإمام فتمكنوا من هزيمتهم ودحرهم فشاهد ورد سار مستوى إقدام اليمنيين وشجاعتهم واستبسالهم في الدفاع عن أرضهم وأموالهم فشعر بأن استمرار المعارك مع الإمام قد تؤدي إلى إلحاق الهزيمة به وبجنوده ، ولهذا أرسل إلى الإمام يطلب الصلح وكان الإمام على رأس الجيش في منطقة قارن بمصنعة حمير وأثناء مفاوضات الصلح حدث الخلاف على بني صاع ،فورد سار أراد إخراجهم من الصلح حتى يتسنى له الانتقام منهم وتأديبهم ،فيما الإمام أصر على إدخالهم بالاتفاق حتى لا يتعرض لهم الأيوبيون مرة أخرى ،ومن واقع علاقة ورد سار بالإمام فعلى ما يبدو أن القائد الأيوبي أراد وضع الإمام في موقف محرج أمام كافة اليمنيين وذلك بإظهاره في موقع التخلي عن أتباعه الذين قدموا التضحيات الكبيرة بالمعركة ،فقد كان بني صاع قد وصلوا إلى الإمام وأكدوا استعدادهم لمقاومة الأيوبيين حتى لو نهبت مزارعهم ودمرت منازلهم وهذا الموقف كان له أثر كبير لدى الإمام الذي رفض بشدة شرط ورد سار حتى أن الحرب عادت بين الطرفين بسبب ذلك لكن ستكون نتائج هذه الحرب حاسمة، فاليمنيون ضاقوا ذرعاً بممارسات الغزاة وصارت الحرب خياراً وحيداً أمامهم.
معركة البون ومعركة خُبات :
عندما فشلت جهود الوساطة والصلح بين الإمام والأيوبيين التقى الفريقان في البون التي دارت بها معركة تعد من أهم المعارك الحاسمة بين اليمنيين والأيوبيين ،فقد استبسل اليمنيون بالقتال وقاتلوا بشراسة حتى تمكنوا من تسجيل انتصار ساحق ضد الأيوبيين الذين خسروا الكثير من جنودهم وقادتهم، ورغم أن الكثير من المراجع التاريخية لم تتطرق بالتفصيل إلى هذه المعركة إلا أنها كانت حاسمة وأدت إلى ضعف قوة الأيوبيين بشكل كبير حتى أن أهالي خُبات تمكنوا من إلحاق هزيمة أخرى بالأيوبيين الذين حاولوا الهجوم على القرية فقتل العشرات منهم، ومن نتائج معركة البون أن اليمنيين بدأوا في اعتماد الخدعة كوسيلة للنيل من القوات الأيوبية فقد استدعى أهل حصن بكر ورد سار إلى استلام الحصن وما إن وصل إلى القرب منه حتى حذره أحدهم من غدر أهل الحصن الذين كانوا وعلى ما يبدو يريدون رأس ورد سار إلا أنه استمع إلى النصيحة فغادر وجنوده عائدين إلى صنعاء بعد أن تعرضوا لثلاث هزائم كان أشدها في معركة البون.
ثورة وصاب :
أدت هزائم الأيوبيين في الشمال إلى تحويل أنظار قادتهم إلى المناطق الوسطى سيما الزراعية منها وذلك برفع الضرائب المقررة على تلك المناطق تعويضاً عن الخسارة الناتجة عن تحرر المناطق الشمالية وهو التحرر الذي وصل صداه بالتأكيد إلى إب وريمة وذمار ووصاب وعتمة وتهامة وقد أراد الأيوبيون استعادة قوتهم المنكسرة في صعدة وعمران وصنعاء واستعراض عضلاتهم استعدادا لتجهيز حملة عسكرية كبيرة ضد شمال الشمال، فأشار بعضهم على سنقر بأن يبدأ بمنطقة وصاب التي رفض أهلها دفع ما فُرض عليهم من ضرائب وجبايات فأعلنوا الثورة العارمة على الجنود الأيوبيين وأتباعهم من المرتزقة، وعلى ما يبدو أن رفض وسخط أبناء منطقة وصاب كان عالياً وقوياً لدرجة أن الأتابك (سنقر) قاد بنفسه حملة عسكرية لمواجهة الثورة والإجهاز عليها قبل أن تتسع وتتوسع، وقد استعان أهالي وصاب بالقبائل المجاورة لبلادهم أثناء ما كانت القوات الأيوبية الغازية قد وصلت إلى منطقة الدغاري وذلك في العام 1207م ويقال إنها حطت في موضع السداء ثم تقدمت إلى حصن الشريف لصاحبه محمد بن عيسى القراظي وقد حاول أبناء وصاب الحيلولة دون وصول الخلاف مع الأيوبيين إلى حد القتال غير أن ظلم الأيوبيين وتجبر قادتهم وتعنتهم أجبر الأهالي على المواجهة ، وتظهر المفاوضات بين أحد وجهاء المنطقة والقائد الأيوبي حجم الغطرسة ومستوى الانتهازية لدى المحتل الذي ظن أن توجه أبناء المنطقة إلى المسالمة وعدم القتال يعبر عن ضعف فحاول وضع الشروط المعبرة عن نزعته في التفريق بين اليمنيين ودفعهم إلى مواجهة بعضهم بعضاً خدمة له.
فعندما أبدى أهالي المنطقة تسليم رهينة وبذل الطاعة اشترط القائد الأيوبي تسليم عدة رهائن ثلاثة من كل قبيلة إضافة إلى اشتراك أبناء المنطقة في قتال الإمام عبد الله بن حمزة وهو ما رفضه أبناء وصاب فكانت الحرب بين الطرفين واستمرت تلك المعركة يومين متتالين وتكبد الأيوبيون خسائر كبيرة بعد محاولتهم الوصول إلى الحصن ومن شدة قتال أبناء وصاب لم يتمكن الجنود الأيوبيون الفارين من دخول خيامهم أو ركوب خيولهم وقد قتل منهم 170وكذلك العديد من المرتزقة اليمنيين الذين قاتلوا في صفوفهم ، ولم يتمكن الأتابك سنقر من مغادرة وصاب إلا بعد أن كان قد أعطى أحدهم مالاً حتى يخرجهم من المنطقة، وبعد تلك الثورة بعث سنقر وسيطاً إلى أهل وصاب ومعه الهدايا لاستمالتهم والصلح معهم.
تؤكد ثورة أهالي وصاب حجم العزيمة اليمنية في مواجهة الغازي الذي كان قد استعرض عضلاته وتمكن بقوة الإرهاب وإرهاب القوة أن يفرض سيطرته على الكثير من المناطق إلا أنه لم يستقر فكانت الثورات تقض مضاجعه وتؤرقه فكان ينتقل بجنوده من منطقة إلى أخرى فكلما أجهض ثورة اشتعلت ثورات في مختلف المناطق.
وتعتبر معركة الدغاري من المعارك التي سطر فيها اليمنيون ملحمة بطولية غير مسبوقة فرغم فارق القوة والكفاءة القتالية بين الطرفين إلا أن عدالة القضية والاستماتة في الدفاع عن الحقوق أجبرت المحتلين على الانكسار والهزيمة ولم يتأخر الإمام عبدالله بن حمزة في تهنئة أبناء وصاب على صمودهم وذلك برسالة إليهم قال فيها: هنيئاً لكم معاشر حمير ما حباكم الله سبحانه من الفخر الأشهر والنصيب الأوفر فقد جليتم قتام وجوه العرب ودحضتم العار عن صحيح ذلك الحسب ووصلتم سببكم من الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بموالاة القائم من عترته بأقوى سبب فصرتم سيوفاً قاطعة لأعناق أهل الطغيان ورماحاً شارعة في أكباد أهل العدوان وواسطة ثمينة في عقد الإيمان فتجردوا رحمكم الله للجهاد وتأهبوا للجلاد وجددوا مآثر الآباء والأجداد فأنتم أولاد الملوك السالفة التي ملكت الأغوار والأنجاد وضربت على تخوم الأرض الأعلام والأسداد فروي فيهم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال حمير ألسنتهم سلام وأيديهم طعام، فشمروا رحمكم الله في طاعة الإمام ،ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - «ما خفقت راية حق على رأس رجل مسلم فطعمته النار» وقال :
عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله» فما حال من ضرب بسيف أو طعن بسنان فهنيئاً لكم رجال حمير ما فزتم به من ثواب الآخرة وشرف الدنيا وقد علمتم حال مذحج خاصة في بني حبيش وقيامهم بهذه الدعوة المباركة وكفايتهم لناحية المشرق، فاكفونا كفاكم الله سبحانه جنبة المغرب وثوروا لله سبحانه ثورة حسنة محمودة العواقب ترسخ فيها أقدامكم في قصور الممالك وتسلكون بها أفضل المسالك .
معركة المهجم :
أعادت تحركات اليمنيين ضد الأيوبيين الروح إلى الثورة والمقاومة فارتفعت المعنويات وامتدت أعمال الرفض إلى معظم المناطق فحاول الإمام فتح جبهة متقدمة في تهامة فحشد المقاتلين من المخلاف السليماني ومن صعدة وأوكل إليهم مهمة الهجوم على حاميات الأيوبيين في تهامة فكانت أول عملية الهجوم على رأس سردد التي كان بها معسكر للأيوبيين فكان الهجوم مباغتاً وأدى إلى وقوع الكثير من القتلى في صفوف الغزاة، وتذكر بعض المراجع أن الأيوبيين تلقوا خسائر كبيرة في هذه الفترة جراء المقاومة وتمكن اليمنيون من استعادة ذمار وكوكبان وصنعاء .
وكذلك أجزاء من تهامة التي شهدت الكثير من المعارك منها معركة تطرق لها الإمام عبد الله بن حمزة وذلك في رسالة إلى أهل جيلان قال فيها: وأما أخبارنا فكما يسر الأولياء ويكبت الأعداء فالحمد لله حمداً يوازي نعمه ويضاهي كرمه نحن في أرض اليمن مع العدو الذي بلغكم خبره نتجاذب حبلاً بيدهم منه طرف وبأيدينا طرف فلما طال عليهم أمد الجذاب وأيقنوا بنزول العذاب جنحوا للسلام اضطراراً ومالوا إليه فراراً فأجبناهم غير واثقين منهم بتمام إلا أن يخافوا موارد الحمام ولولا مشايعة أشرار العرب إليهم وحنوهم عليهم ومكاتفتهم لسوادهم وتغليبهم بإمدادهم لقد قلعنا جرثومتهم (أصلهم) واخترقنا أرومتهم وقصمنا عمودهم ومزقنا جلودهم وفشأنى وقودهم والله تعالى ملي بقهر الجميع وقد كان قبل هذه الهدنة تقدم الجيش المنصور إن شاء الله تعالى إلى ناحية تهامة عليهم حي الأمير الأوحد مجد الدين يحيى بن محمد بن أحمد قدس الله روحه ونور ضريحه والصنو الأمير أسد الدين الحسن بن حمزة والأمير صفي الدين محمد بن إبراهيم والأمير علم الدين سليمان بن موسى والشيخ المكين مخلص الدين جابر بن مقبل فجاسوا خلالها ونفروا حلالها واستاقوا أموالها وساروا كأحسن ما يسير الجيش الغانم الظافر السالم ولما لم تبق المخافة إلا من قدامهم قدموا الأمير صفي الدين في جمهور المجاهدين وكان في الساقة مجد الدين ومعه الأمير علم الدين والصنو أسد الدين والشيخ مخلص الدين في عدة يسيرة من المؤمنين دون العشرين فما شعروا بالعدو حتى أكب عليهم وأناخ بكلكله لديهم وكانت الخيل جنايب فتواثبوا إليها كأنهم جنة عبقر فيقرب المركوب تقدم من تقدم ويبعده تأخر من تأخر فكان أول من وثب في صدر العدو مجد الدين والصنو أسد الدين فخاضا غمارهم وغشيا إبصارهم فتكاتفت عليهما الكتائب وأرهقها من كل جانب فصرعا بعد أن أتلفا أنفاراً ولقاهم العدو وظهر أمدارا.
فأما مجد الدين فرزق الشهادة وفاضت نفسه الشريفة في المعركة ، وأما الصنو أسد الدين فمد أجله إلى حين بعد جرائح مثخنة من خلف السلاح واشتغل العدو بسلبهما بعد أن انتهر من كلبهما وشدة طلبهما فهو كذلك إذ أدرك أرباب النعم وفاز أصحاب الكرم، فأقبل الأمير علم الدين والشيخ مخلص الدين في عصابة صادقة من المسلمين وكل ما حكينا أقرب من كلا وبلا فصدفوهم الحملة فشدوا الأسلاب واعتصموا بالهراب ولتعت فيهم سيوف المحقين وذلك حين أفلت الشمس للإياب فقتلوا منهم على ما حكى الحاكون ما يدنوه من العشرين من فرسانهم وشجعانهم وأخذوا خيلهم وسلاحهم وغمرهم الليل وحماهم الشجر فكانوا عتقاء الظلمة والضراء ونبذ قتلاهم بالعراء ورجع المحقون فاحتملوا أميرهم قتيلاً وجريحاً وأسلابهما وافرة وراحوا وقد عظم الخطب فيهم لذهاب الأمير وإن كان العدوان لم يمتع بسروره ولا تهنأ بحبوره والحمد لله رب العالمين .
استنزاف الجيش الأيوبي في المناطق الشمالية :
امتد نفوذ الإمام عبدالله بن حمزة إلى أواسط شبه الجزيرة العربية ودخلت في طاعته قبائل من شرق وجنوب مكة وكذلك بالقرب من المدينة المنورة (ودخلت في طاعته قبائل بلي وعدوان وجهينة ومزينة وهذيل وسليم وحرب وسايل الرس وعرض السيالة
وكان له مراسلات مع أغلب الملوك والأمراء والعلماء في مصر والشام والعراق وإيران وفي اليمن امتدت دولته من هذيل شمالًا حتى إب وأجزاء من تعز جنوباً وأجزاء تهامة غرباً مع كافة مناطق المخلاف السليماني وبيحان ومأرب والجوف شرقاً ومن ضمن المناطق أيضا صعدة وعمران وصنعاء وذمار وحجة والمحويت ونجران وقد حرص الأيوبيون على أن يكون لهم تواجد ولو رمزياً في مدينتي ذمار وصنعاء ولأجل إثبات سيطرتهم على المناطق الشمالية والوسطى كانوا بحاجة إلى حملات عسكرية كبيرة تتجه إلى المناطق الشمالية قبل أن تعود مرة أخرى إلى تعز وكان القائد (سنقر) يقود بنفسه تلك الحملات ويشارك بها عدد كبير من الجنود الأيوبيين وتحتاج للتجهيزات من خيول وأسلحة ومال وغيره ، وكان هدفها الاستعراض إضافة إلى تأكيد امتداد السيطرة الأيوبية إلى المناطق الشمالية.
غير أنها لم تتمكن من تحقيق أي إنجاز سوى إنهاك الأيوبيين ، فقد كانت تلك الحملات تتجه نحو صنعاء ومن ثم إلى مناطق ما يعرف اليوم بمحافظة عمران وقد تصل إلى مشارف صعدة أو إلى بعض مناطق الجوف ثم تعود إلى تعز، وبعودتها كانت القبائل تعلن خروجها عن الأيوبيين ودخولها في طاعة الإمام بينما كانت نفس القبائل أثناء مرور الحملة تتظاهر بالطاعة للأيوبيين ، إضافة إلى أن تلك الحملات كانت تتعرض للهجوم المستمر من قبل بعض القبائل ما يؤدي إلى وقوع خسائر في صفوف الأيوبيين، ولذلك لايمكن القول بسيطرة الأيوبيين على المناطق الشمالية لمجرد مرور حملة عسكرية تستمر لأسابيع أو شهر أو أكثر ثم تعود إلى المناطق الجنوبية٫
فالأيوبيون لم يتجرأوا على ترك حاميات عسكرية في المناطق التي كانت الحملات العسكرية تمر بها لعلمهم المسبق بأن هذه الحاميات ستتعرض للهجوم ولن تتمكن من التصدي للقبائل وهو ما يعني أن التواجد الأيوبي اقتصر على مدينة صنعاء ومدينة ذمار فيما المناطق الأخرى لم تتمكن من إخضاعها حتى مناطق بني حبيش في إب التي قاومت الأيوبيين حتى تمكنت من دحرهم ، وتذكر مراجع تاريخية أن أهل براقش الجوف تمكنوا من قتل الأمير سنقر وذلك في العام 605ه الموافق 1208م.
ورواية أخرى تقول إنه توفي في تعز، واستمرت عملية فرار الجنود الأيوبيين والتجائهم إلى الإمام وهو ما يتضح من إحدى الرسائل التي بعث بها الإمام إلى ورد سار الذي كان قد طلب من الإمام تسليم جنديين فرا بخيولهم وأسلحتهم إليه : وأما ما ذكر من المملوكين باس العلوظ وصاحبه وأن أحدهما معه فرس فما وصل إلينا واحد منهما بفرس ولا سلاح بل ذكر لنا أن فرسه أخذت في وصاب - إن كان صادقاً فيما قال - وكان الإمام يرفض إعادة أي جندي يلجأ إليه: وأما ردهما فيا سبحان الله العظيم ما قوله لو طلب إسماعيل في زمانه تسليمه إليه وتسليم المماليك الذين وصلوا معه هل كان ذلك يحسن في حكم المروة ومقتضى شرف الأبو؟ .
تحرير صنعاء وذمار وامتداد المقاومة إلى ( لحج ) :
توفي الملك الناصر أيوب بن طغتكين متأثراً بسم سقاه له وزيره غازي في صنعاء .
و كان الوزير قد أعلن نفسه ملكاً وقرر أن يعود إلى تعز فاصطحب معه جثمان الملك وأثناء وصوله إلى منطقة السحول في إب هاجمته القبائل فنهبت أثقاله وأردته صريعاً، وفي رواية أخرى أنه نجا ودخل مدينة إب وكانت أم الملك الناصر تتواجد في حصن بعدان وما إن علمت بالحادثة حتى أمرت جنودها بقتل الوزير وقد دفن في إب بدون رأس وانتقلت أم الملك الناصر إلى تعز للاضطلاع بشؤون الحكم .
وعلى ما يبدو أن الأوضاع بعد وفاة الملك الناصر قد تدهورت بالنسبة للأيوبيين فها هو الإمام عبد الله بن حمزة يتوسع إلى عمق المناطق الخاضعة للسيطرة الأيوبية بل ويتجاوزها، فقد غزا سليمان بن موسى الحميري وبأمر من الإمام مدينة لحج وتمكن من الاستيلاء عليها وحاول أن يستولى على عدن أيضا ولكنه لم يتمكن فقرر العودة إلى الإمام في صنعاء التي كان الإمام قد دخلها وتمكن من تحريرها وفرت حاميتها الأيوبية إلى حصن براش وكذلك تمكن بنو حاتم من استعادة بعض حصونهم .
وقد شاركت قبائل ذمار في عملية تحرير صنعاء ومن ثم الوصول إلى لحج ومطاردة الأيوبيين في أكثر من منطقة وعن المتغيرات في الموقف العسكري بين الطرفين وانتقال المقاومة من الدفاع إلى الهجوم يؤكد الإمام ذلك في رسالة إلى قبائل الجوف : فأما أمر الغزاة فقد قفل الله حدهم وفرق جندهم وشتت شملهم فله الحمد كثيراً ولم يبق إلا من يفتخرون إن عرفتم وهم اليوم مع ذلك تحت أيدينا وإنما أردنا أخذ ما في أيديهم وبالله لانستثني إلا مشيئته .
الغزاة يطلبون الهدنة :
أجبرت الثورات اليمنية الغزاة الأيوبيين على عرض الهدنة والسلام مع الإمام ، فقد تمكنت المقاومة من تحرير جميع المناطق الشمالية وصولاً إلى حدود الحجاز وأغلب المناطق الوسطى ولم يعد للأيوبيين أي وجود إلا في تعز وأجزاء من تهامة إضافة إلى عدن وعن الحرب في تلك الفترة يقول الإمام في رسالة إلى قتادة بن إدريس يهنئه فيها على فتح بلاد هذيل « وأما أخبارنا مع هؤلاء الأعداء فالحرب بيننا وبينهم كاشرة الناب حاسرة الجلباب قد كشفت عن ساقها وأرعبت بإبراقها والثغور بيننا وبينهم فاتحة الأفواه والمشارب مطروقة الأمواه وخيلنا وخيلهم صقور على مراقب عصائب تتبعها عصائب، وهم أعد عدة وأكثر ونحن أوفى ذمة وأصبر والقوم قد ظهر فشلهم وبان خللهم وتقطعت بهم الأسباب ورأوا العذاب فصارت تهامة إلا القليل من السكن خالية وحالها غير حالية وفى صنعاء طلولاً بالية ورسوماً عافية قد أحاطت بها الداهية من كل ناحية وشنت عليها العادية في الحاضرة والبادية وقد بلغوا في طلب السلم الغاية ووصلوا إلى النهاية فرأينها حربهم أقرب إلى السلامة من سلمهم وأكثر ما نالوا منا في حال الهدنة و(لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة) .
فنسأل الله تعالى كفاية شرهم ودفع ضرهم ونحن بالله واثقون وعليه متوكلون .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.