البردوني: علينا ان نتعلم ما ينبغي ونرمي خلفنا ما لا ينبغي { عندما خرجت العاملات اليمنيات في مظاهرة آذار63كانت قصائد الشرفي تبرد الغليل لموقفه الثابت من النضال إلى جانب المرأة كان الحادث الكبير يؤرث أفكاراً مختلفة وأفكار منسجمة .. وتصدر هذا الاختلاف في كلمتين بعد الحرب العالمية الثانية : إذ قال العسكريون لن نترك السياسة للساسة , وقال الساسة : إن العسكريين لا يصلحون للسياسة وأطل فجر الستينات مليئاً بالاحتمالات بل والمستحيلات .. وكان هذا التأرجح بين الأمكان والامكن تبعاً للأحداث المتباعدة زمنياً والمتقاربة ذهنياً،ولهذا لابد للفترة أن تبدي لوناً شبيهاً بالأحداث التي شابت لياليها . عرض: أمين أبوحيدر صحيح أن رفاعة الطهطاوي ترجم من الفرنسية ما ينبغي لديار العرب أن تتبناه مثل تعليم الجنسين في كل الجامعات لا فرق بين الجنسين .. وكان ذلك الاختلاط يزيد من الانفتاح على الجوهر الإنساني في الذكور والإناث. وكانت طالبات فرنسا قدوة المهتدين, فإلى قبل سنين كان التعليم الخليط في اسبانيا ممنوعاً كذلك الأجور فان أجر الرجل لايداني زميلته التي تشاركه نفس التعليم وساعات العمل واحتج الذين يرون نصف الأجر للنساء غير متعنتين لان هناك أعمالا كثيرة لا تحتملها المرأة ولاسيما في مدة الحمل والولادة وأضاف رفاعة حاشية جرب الفرنسيون من العام الماضي المرأة والحالات الإنسانية ليست إلا مؤقتة لأن مدة الدورات الشهرية لا تصل إلى أسبوع والنفساء لا تتجاوز عطلتها غير ثلاثين يوماً وقد تكون للرجال حالات مختلفة عما في طبائع المرأة. أما كل الرجال معرضون للكوارث الطبيعية وبطول فترات التدريب على القفز بالمظلات. وكان رفاعة قد كتب عن هذه الموضوعات وحال بينه وبين طبع كتابه “المرشد الأمين في تعليم الأبناء والبنين “ وكان عمر مكرم الذي ما تجاوز تخوم مصر كان يستنفر الجماهير لمقاومة ألاعيب السياسة وفي 1890م حرك اكبر مظاهرة ضد المندوب السامي بمصر وكانت الطليعة الأولى من بنات مصر يؤججن الشبان. ومنا هنا تيمنت هدى شعراوي بالمظاهرات النسائية ولاسيما مظاهرة يوم سعد زغلول وعودته إلى دياره من المنفى وكان الوفد الذي تزعمه زغلول يمثل الأمة من كل طبقاتها لأن المؤهل العملي يتألق أكثر بتجمع الجنسين. وقد تغنت قصائد مصر ببناتها الصاعدات حتى حافظ إبراهيم الذي أبدى تراخياً أمام تأييد المظاهرات , فتحول إلى نكتة , لأنه يوم المظاهرة تعين لأول مرة مدير دار الكتب فقال: والله لن أتراخى لو قبضت أول ماهية في قسم الشرطة ومع هذا دل فتور قصيدته على ضعف الدافع النفسي كما تدل هذه الأبيات. خرج الغوالي تحتججن فقمت انظر جمعهنه ارنو إلى موج الحسان مخطرات كالأسنة الفاتحات إلى الرصاص صدورهن المطمئنة ووجوههن المكرمات تعاظمت فوق الاعنة ولذاك كان جدودهن يدفعن عنها كل ظنه من كان حرباً للنساء فانني من عونهنه أما شوقي فرمز وصرح وأطال واقصر فنشر قصيدتين عن موكب الحسان الثائرات: طير الحجال متى تطير هل أثقل القيد الأسير وكانت هذه القصائد عن المرأة وحدها تصف أولئك الشيوخ بأنهم تصابوا فقالوا شعراً ليس من أي شعر وبعد وصول علي الجارم من لندن ظلت الإذاعة المصرية على صلة بالجارم متى سيلقي قصيدته النسائية الحربية وكان علي الجارم إذا ألقى شعراً من قصائده أو من غيره يجود أداء الحركة الصوتية وتلوين النغم على نسق القصيدة وكان إذا غاب ينوب عنه حافظ إبراهيم وكان لا يغني عن صوت الجارم واسع الذبذبات رائق الريق يرضي العدو والصديق كما حقق هذا قاسم أمين. وكانت ملك ناصف , أو باحثة البادية كما كانت تعنون كتاباتها وقد أججت الساحة قصيدة ملك ناصف حتى اضطر الموقف إلى استنجاد الشرطة وكانت الأصداء الأدبية تصل إلينا طائرة وثائرة وعائمة فما مر يومان إلا وقد وصلت قصيدة باحثة البادية التي توهجت في غير فلكها وهذا المقبوس من تلك الشعلة: اعملت اقلامي وحيناً منطقي في النصح والمأمول لم يتحقق ايسوؤكم ان تسمعوا لبناتكم صوتاً يهز صداه عطف المشرق هل تطلبون من الفتاة سفورها حسن ولكن اين بينكم التقي فكانت تنادي بتعليم المرأة وتحررها ولكنها تعارض الاسفاف والتهتك ولم ترتح نفسياً الا بعد القائها قصيدتها وقالت عند رجوعها والله يا امي ما كنت تغديت معك اليوم الا بفضل تلاوة “يس” خمس مرات وقد اضحك الناس الشيخ راشد لو سئلن هل ندعكم طلقاء اذا قرأتم عشر مرات سورة يس؟! قال راشد: اما هذه فالقتل أهون, وكان الشارع المصري في ذلك الحين قريب الصلة من الشارع اليمني. عندما خرجت العاملات والممرضات في مظاهرة آذار 63 وكانت قصائد محمد الشرفي تبرد غلة الصداء لموقفه الثابت على النضال الى جانب المرأة. إلا ان هناك زائدة دودية عند بعض المتفيهقين لانهم لا يرون الفرق بين الأصل والفرع لان محمد الشرفي حمل لقبين لاهما منه ولا هو منهما وانما هو شاعر من ذاته وجداني الاجتماع بعيد الهم واظن ان البعض يتعالم بابداء الجهل الداخلي. كان يلقب محمد الشرفي هنا وفي مصر بنزار قباني اليمن وقاسم أمين مصر والشعر عند الشاعرين شديد الاختلاف من حيث المعجم اللغوي وشكلية الصورة. اما تقاسم الصفة بين الشاعر والكاتب فلا محل له من الاعراب وربما قصد المقارنون وان كانت تدل على حسن نية فان الفهم يريد تقليل شأن المشبه وربما كان الدكتور حسن ماهر غير بعيد عن خلق الشخص وظله ذلك في كتابه بين عمر بن ابي ربيعة ونزار قباني , فما هو السبب في المشابهة فما اكثر شعراء الغزل, ثانياً ان شعر نزار غير غزلي وانما هو نسائي يعرف ان المرأة مقموعة من سلطان الابوية او الاخوية وحين اختلف لون التفكير تغير اللون بين ملابس المحاربات اليوم وبين عارضات الازياء لان قاسم أمين كان يصدر عن علم الاجتماع وعن الدعوات الى حسن تنظيم الأسرة وكانت اليمن في آخر الستينات واول السبعينات على أحر عداء بين اخوة السلاح. كنا في القاهرة عام 71و72وكان يلاحظ اصدقائي المصريون في الإعلام أن الناس هنا يفحصانكما هل كل واحد يحمل خنجراً وكانت للأحداث سخونة لما تبرد والعجيب أن بعض الملاحظين يقيسون شعباً بشعب إذا اشتركا في صفة أو في أدنى ظاهرة إلا أن اليمنيين لم يتغيبوا عن اعمالهم ودراستهم في مصر, فابتردت شرارة الغضا ,لأن انسحاب المصريين من اليمن اتاح المجال لقوى أخرى كانت بعضها تتمصلح وبعضها ترضي وجه الله حتى يفتح ابن حازم , وهل لي أن أعرض ذكرى ثقافية غير مثقفة: في استجواب صحفي .. هل قرأت المقال الذي نشرته “مجلة الوطن” أنه تهجم غبي لأنه قال إن الشابات اليوم لا يختلفن كثيراً عن أمهاتهن وبالأخص خوفهن من فوات القطار الزمني فيعد من الزواج وارى أن البردوني نسي حاسة التدين عند الشابة فتريد الزواج لكي يعصمهما من الوقوع وكان عندنا مستشرقة فرنسية فاستفسرت عن الفكرة كلها, قلت: إن التي يمتلكها الإيمان لا تقع وإذا لم يمتلكها الحس الديني فإن البقايا أو أكثرهن من الزوجات قالت الدكتورة : إن هذا ما نراه في شوارع صنعاء وتعز.. وبعد رحيل القوى المصرية من المعسكرات ومكاتب الخبراء تجددت وجوه كان الحذر منها طويل العمر. ولهذا اجتمعنا أول اجتماع اللجنة التحضيرية لإعلان افتتاح مقر اتحاد الأدباء الذي سيعلن في 3نوفمبر 72م. وقد كانت فكرة الاتحاد مصوبة على أساس قيام هذا الاتحاد أولاً: وحدة الوفود فلا تدخل الجماعة اليمنية إلا تامة. وكانت هذه الفكرة فجة لان لجنة كل مهرجان تدعو الشاعر أو الكاتب باسمه غير مقرون ببلده أو انتمائه الثقافي وكان مهرجان المربد أعلى مثل من حيث اختيار الأديب مباشرة وبدون وساطة وزارة ثقافة وإعلام. وكانت بعض المهرجانات تبدي تحفظاً على الجمهور فإذا أعلن عن المكان سكتوا عن الزمان. وكان أحياناً يغلب الجمهور غير المدعو الآلاف , وكانت منصات العراق اقدر على تقديم الوجوه وعلى اختيار النقابة التي ينتمي إليها المدعو. وهكذا كان مهرجان اتحاد الأدباء في القاهرة فإنه اجتنب إعلان جائزة وقدرها.. ولا يمضي يومان إلا وقد ظهرت الجوائز من كم ولمن. أما مهرجان شوقي وحافظ عام 81 فدل على رهافة معرفته بالشعراء وان على رأسه الدكتور عز الدين إسماعيل وكان لموع اسمه في أية دعوة مضمون الإجابة لمعرفة الدكتور كنصير عنيد للشعر الجديد الجيد.. وفي أول ليلة اختلف أداء عزالدين في مناسبة شبيهة لأنه قرأ قصائد المراسلات بين شوقي وحافظ ايام نفي شوقي إلى الأندلس. وكان الحديث اليوم الثاني يدور حول شعر المنصة وشعر القلوب فإذا لم يكن الذي على المنصة خفاق القلب رفراف الرياش. وفي وجبة الغداء التي سبقت رجعونا من أسوان أمكن عزالدين إسماعيل أن يسألني عن جودة إلقائه غير المعهودة. فقلت: من سوء حظي لم أسمع إلا المعهود. وتشعب الحديث عن الأصوات, وهل اجادة الالقاء تغني عن شهادة الاتقان المعنوي السردي؟ فجر الحديث بغياب السرد وكانت الدكتورة استاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة اقدر من اخترق الصمت كله فقالت الدكتورة سميرة : نريد أن يسمعنا الأستاذ البردوني قصيدة الزلازل في اليمن وان سمعنا مغازلة الدكتورة التي بحثت عن مترجمين إلى الفرنسية والقصيدة بعنوان دكتورة الأطفال أما قصيدة “بين أختين” فإني حاولت جهدي أبدالها حتى ولو باردئ منها وبعد إلقاء تلك القصيدة سألني دكتور هام جداً من أين تستجلي هذه التجارب وعلاقاتك بالثقافة التزمتية قالت السيدة سلمى الحفار قرأنا له قصيدة من ديوان مدينة الغد بعنوان زوجة الفقيد فقلت على الفور متى جرب تجربة الأمهات وفقد الزوجة زوجها وكان الرأي الاثقب أن التجارب الخيالية انجح من الواقعية المهلهلة. قالت الدكتورة سميرة: سكت ليه. قلت لأني لا املك ما أقول لأن المشهد الواقعي وتكشفه يحتاج إلى دقائق الواقع من مكان عال وأكثر التجارب تناسج فيها الخيال بالواقع لقد تعب الأكاديميون أن يفصلوا المادية عن المثالية فقال الفيلسوف الفرنسي برجسون لا بد للطائر من جناحين مستويين حركة وطولاً وقوادم تعادل بين الجناحين. قلت: أما إذا وصلنا المعادلة فسوف تسقط الرمزية لأنها لا تحيي وتثير إلا متوازنة وتحتاج كل خيالية إلى مادية لكي تجيز للمادية التعادل. وقد وصلنا إلى حلقة من الزمان خلعت المادية والمثالية فمن أين تبحث عن المعادل والعديل موجود لان الخياليات لا تتعادل إلا مع وجود نقيض في احدهما أو كليهما: أما وزير الثقافة رحمه الله فقال: لو سألتك صحفياً: هل ترى المهرجان ناقصاً؟ قلت: عدنا إلى المعادلة لأن المهرجان ناجح سياسياً ومخفق ثقافياً. وهذا يرجع إلى القمة التي حددت عام 1981م مهرجاناً لشوقي وحافظ لان مصر كانت معزولة عن محيطها من زيارة السادات القدس عام 79 19م إلى اليوم وكان جميع المدعوين من قراء شوقي وحافظ في الاعدادي والثانوي والجامعة إلى جانب اختيار المقروءات وهذا استوقفني عند رجوع محمد الشرفي وعبدالله حمران من القاهرة من جملة رجال الدولة, واراد الشرفي ان يسأل عنه حمران فقال الشرفي : لما يا بردوني سكت عن تلك المرحلة التي سجنا في آخرها ذلك السجن المهين, قال حمران: ما أساء الختام غيرهم لتدخلهم المباشر في شؤون السياسة, وأجبت هل كان ينبغي لي أن أعلن بيانا دولياً يطالب بانسحاب القوة المصرية؟ كلا لأني اسأت السكوت أول أيام خروج المصريين فالسبب يرجع إلى الذين استدعوهم لا إلى الذين سكتوا عن خروجهم فما دام الدخول مسكوت عنه باللوم على الداعي فإن خروج المدعو سوف يستدعي داخلاً جديدًا وربما اغنى ان تجاربنا ما تزال فجة واظنه لاقى المثقفين أعنف من المفجرين ومن مكتسحي الضفادع لان الاكتساح مجرد زيادة في الغوص وعلو الصدر. اما الشغب الثقافي فهو ظاهرة ثقافية لا تتصل بالسياسة إلا أن الشمس التي تنبسط على وجه الشاعر هي التي تنبسط على المسؤولين عن الثقافة والشمس تدور حين تدور المدائن والمآذن وتطاوعها أقاليم الفلك الثقافي والسياسي. بعد رجوعي من القاهرة أعطيت سكرتارية الاتحاد وقائع المهرجان ووجوهه وكيف تمكنت السياسة المصرية ان تخترق الحاجز النفسي بين العرب والعرب وانتصر السادات باختراق خط بارليف وكان أسهل من الحواجز العصبية والفوضوية وأظن انا سنتعلم ما ينبغي ونرمي خلفنا بما لا ينبغي؟