تطلعات البريطانيين في التوسع حتى الحجاز بعد أن سيطر البريطانيون على عدن قامت شركة الهند الإنجليزية بتعيين مستر أوجلفي قنصلاً بريطانياً في جدة بعد أن حصلت على موافقة وزارة الخارجية على ذلك ومن أهم المشكلات التي كان على اُوجلفي أن يجد لها حلاً تلك الزيادة الملحوظة في نسبة الضرائب التي كانت تفرضها الإدارة العثمانية في جدة على البضائع البريطانية لهذا فقد طالب الإدارة العثمانية بتخفيض نسبة الضرائب , وبعد المغالاة في أسعار البضائع . وبناءً على التقارير التي رفعها أوجلفي إلى حكومته فقد قامت بالإحتجاج لدى الباب العالي بأنه إذا لم يكن قادراً على إحقاق الحق بالنسبة للرعايا البريطانيين في جدة فإن بريطانيا تعرف كيف تفعل ذلك حفاظاً على مصالحها , ومصالح وممتلكات رعاياها . هذا تهديد مبطن بأن الخيارات أمام بريطانيا مفتوحة لاتخاذ إجراءات اقلها احتلال الحجاز وإنهاء أي وصاية أو جود عثماني في الحجاز. أما عن الوضع في تهامة والمخلاف السليماني فقد حدث ثمة خلاف بين الحسن بن الحسين حاكم المخلاف, وبين ابن عمه الحسين بن محمد في مدينة أبي عريش عاصمة المخلاف السليماني , مما أدى إلى انقسام أهلها إلى فريقين متصارعين , وتمكن الحسين من قتل ابن عمه والاستيلاء على حكم المخلاف السليماني غير أن حكم الحسين بن محمد كان سيئاً للغاية مما دفع أهل البلاد الاستنجاد بالعثمانيين في الحديدة حتى يخلصوهم من ظلم الحسين وجبروته , فاستدعي الحسين إلى الحديدة , ولكن لم يستجب , واستمر في غيه مما أضطر رئيس مدينة أبي عريش أن يستنجد أمير عسير محمد بن عائض بعد أن تعهد له بالتأييد والمساندة نيابة عن أهل المدينة والجدير بالذكر أنه كان لدى أمير عسير رغبة في السيطرة على المخلاف من جهة كما كان يعمد من جهة أخرى إلى طرد الأتراك من تهامة وإخضاعها لحكمه. كان الأتراك العثمانيين في هذه الأثناء مشغولين بقمع الفتن في تهامة التي نشبت نتيجة لضعف السيطرة العثمانية هناك واقتحم العسيريون أبي عريش وسيطروا عليها مما أضطر الحسين إلى الفرار وذلك في عام 1863م ولقد شجع هذا النجاح الذي لقيته قبائل عسير في المخلاف السليماني على تدعيم المقاومة اليمنية ضد السلطان العثماني في تهامة التي أزعجها هذا الانتصار فطلب متصرف الحديدة التركي علي ياور باشا النجدة من حاكم عام الحجاز عزة حقي باشا وبمجيء القوات العثمانية إلى الحديدة انسحبت القبائل الثائرة عن الحديدة واعتصمت في المناطق الجبلية المجاورة لها وقد ظل الثوار يسيطرون على بعض المناطق الحصينة في الساحل والتي مكنتهم من مطاردة السفن التجارية المارة بمحاذات ساحل عسير والاستيلاء على ما تحمله من بضائع. أما عن موقف بريطانيا فقد قامت منذ الأيام الأولى للثورة في عسير بإرسال السفينة البريطانية (كوين ) إلى الحديدة لتكون تحت تصرف الحاكم العثماني كما ظهرت السفينة البريطانية(الفنسوي) أمام جدة.. والجدير بالذكر أن الحجاز لم تكن أهدأ حالاً من اليمن , ومن الأحداث التي يجب الإشارة إليها أنه وفي عام 1858م حدث أن ثار بعض أهالي جدة ضد المسيحيين الأجانب هناك مما حدا بالباب العالي الطلب من والي مصر إسماعيل باشا بأن يتوجه على رأس قوة مصرية لتوطيد الأمن في الحجاز وطلبت بريطانيا في نفس الوقت من قائد السفينة ( سيكلوبس ) ليتجه من السويس إلى جدة لتسليم المسؤولين عن التمرد والثورة ضد المسيحيين الأجانب وذلك بالتهديد بضرب جدة بالمدفعية وعند وصول السفينة إلى جدة أعطى قائدها مهلة 36ساعة لتسليم المسؤولين عن الثورة والتمرد وبعد 24ساعة فقط بدأ قصف ميناء جدة واستمر القص مدة عشرة أيام حتى اليوم الرابع من أغسطس 1858م وفي اليوم الخامس وصل إسماعيل باشا الى جدة وقام بإعدام أحد عشر شخصاً هذا وكان قصف بريطانيا لميناء جدة يعني تأكيداُ لوجودها في المنطقة كما أن هذا الحادث لم يعتبر عدواناً على الأراضي المقدسة , ولم يثر أي شعور بالعداء ضد بريطانيا .. ومما يوضح موقف بريطانيا القوي في المنطقة أنه سبق وأن عرض إمام صنعاء على بريطانيا معاونته على قمع الفتن في اليمن مقابل السماح لها بفرض الحماية على اليمن إلا أن بريطانيا رفضت الطلب وهذا حسب رواية الدكتور أباظة . الموقف البريطاني من النشاط العثماني المصري في عسير : (فائدة \ سميت عسير نسبة إلى عسير بن عيسى الذي سمي عسيراً لأن أمه تمخضت به ثلاثة أيام وتعسرت ولاد ته فسمي عسيراً) لابد لكل دارس لتاريخ هذه المنطقة أن يتوقف عند تاريخ منطقة عسير* , وذلك لأن إمارة عسير قد شكلت متاعب كثيرة بالنسبة إلى الأتراك العثمانيين من جهة , وإلى الإنجليز من جهة أخرى , وأن اختلفت تلك المتاعب بالنسبة للإنجليز . ولقد ذكرنا في هذا البحث فيما سبق كيف بدأت أحداث الثورة في تلك المناطق .. فكان على السلطات العثمانية الحاكمة في الحجاز, والتي تتمثل في عزت حقي باشا الوالي العثماني والشريف عبدالله شريف مكة أن تقضي على تلك الثورة حتى لا ينحسر نفوذ الدولة العثمانية عن اليمن وبلدان الجزيرة العربية تدريجياً ولكن نظراً لعدم تحديد اختصاص كل من الرجلين المسؤولين تحديداً دقيقاً فقد حاول كل منهما أن يتجاوز على سلطة الآخر فكثر الاحتكاك بينهما فعزت باشا كان يمثل العصبية التركية الحاكمة , بينما كان الشريف عبدالله يمثل العصبية العربية المحكومة , وأدى ذلك في النهاية إلى عدم القيام بعمل إجابي مشترك لإخماد تلك الثورة كما أن موقف شريف مكة أصبح حرجاً عندما كلفه الباب العالي بالقضاء على ثورة قبائل عسير, وذلك لأن تلك القبائل كانت من أهله وعشيرته بل انه كان يحرضهم سراً على الثورة على الحاكم العثماني .. ولهذا فقد فشلت السلطات العثمانية الحاكمة في الحجاز في حسم ثورة العسيريين وإزاء ذلك الموقف المضطرب أضطر الباب العالي الاستعانة بوالي مصر إسماعيل باشا في إخماد ثورة العسريين ضد العثمانيين في اليمن . وكان والي مصر في تلك الآونة يسعى إلى الحصول على فرمان من الباب العالي يجعل ولاية مصر وراثية في أكبر أبنائه . فلذلك رحب بتلك الدعوة ومن ثم قام بإعداد قوة حربية قوامها 5444جندياُ من المشاة والفرسان (البا شبو زق (غير النظاميين ) تحت قيادة إسماعيل بك وأبحرت تلك القوة في 3يونيو 1864م من ميناء السويس إلى الباخرة (الحديدة ) متجهة إلى جدة ومنها إلى شمال اليمن وهاهي الفرصة تتاح لمصر للمرة الثانية للتدخل في الجزيرة العربية ولكن هذه المرة اختلفت سياسة مصر عن تلك التي أتبعتها في إخماد ثورة الوهابية . فقد عمد إسماعيل بك هذه المرة إتباع سياسة السلم واللين وعدم المخاطرة بالدخول في حرب ضد الثوار بالإضافة إلى إن مصر قد سعت لدى الباب العالي لقبول تلك السياسة وخاصة أن الثوار قد مالوا إلى السلم والتفاهم وفي هذه الأثناء فقد ازداد الموقف سوءاً نتيجة انضمام ثلاث قبل عربية كبيرة كانت تقيم بالقرب من الطائف إلى الثوار اليمنيين بعد أن خضعت تلك القبائل لفترة طويلة حكومة الحجاز لهذا فقد أصرت السلطات العثمانية على القيام بعمل حاسم فاجتمع مجلس عسكري ضم كلاً من إسماعيل صادق بك والشريف عبدالله , وعزت حقي باشا وبعض الضباط الكبار لبحث الموقف ووضع الخطط الحربية المناسبة لقمع الفتنة ولقد استقر رأي المجلس على إيفاد القوات المصرية والعثمانية إلى بلدة القنفذة لاتخاذها مركزاً للعمليات الحربية وتجدر الإشارة إلى أن إسماعيل باشا كان قد أراد التوفيق بين مصلحته وبين تنفيذ فرمان 1841م الذي نص على اعتبار الجيش المصري جزء من الجيش العثماني وعلى وجوب مساندة الدولة العثمانية إذا لزم الأمر.