كانت اليمن في عصورها القديمة تمثل إحدى حلقات الصراع العالمي نتيجة لموقعها الاستراتيجي الهام وكان العالم في ذلك الوقت ينقسم بين إمبراطورية فارس في الشرق وإمبراطورية بيزنطة في الغرب لهذا كان من الطبيعي أن تحاول الإمبراطوريتان التدخل في شؤون اليمن التي كانت تتمتع بثرائها الكبير وموقعها الجغرافي بغرض السيطرة على أهم مفاصل المواصلات التجارية العالمية في جنوبالبحر الأحمر. لذلك تعرضت اليمن لمحاولات غزو عديدة لأراضيها منها محاولة الرومان بقيادة اليوس جاليوس لكنها ذاقت مرارة الهزيمة على ايدي اليمنيين عام 24م . مما جعلها تدفع بحليفتها مملكة اكسوم في الحبشة إلى احتلال اليمن مستغلة الأخيرة الصراعات الداخلية للقوي اليمنية آنذاك وتحالف أحدى تلك القوي معهم ضد خصومه . الصراع الداخلي ما أن جاء القرن الأول الميلادي حتى كانت مملكة أكسوم قد برزت إلى الوجود وبدأت تطمع بالسيطرة على اليمن . ويظهر من النقوش المسندية التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي بأن الأحباش استغلوا النزاعات التي كانت قائمة في اليمن وبشكل رئيسي بين سبأ وحمير وكنتيجة لتواطؤ قبائل همدان مع الأحباش في بداية ظهور الانقسامات داخل صفوف المجتمع اليمني القديم فقد جاء الهمدانيون بالأحباش لأول مرة إلى اليمن ليساعدوهم في حروبهم ضد حمير وأدت هذه النزاعات إلى تمركز الأحباش في تهامة ما يقارب 75 سنة حتي أواخر القرن الثالث الميلادي . وكانت الحبشة تهدف من وراء احتلال اليمن الاستيلاء على مواردها من التجارة والملاحة البحرية في البحر الأحمر . فعندما تمكنت دولة حمير من انتزاع مناطق قتبان الساحلية وتحويلها إلى دولة داخلية الأمر الذي أضعف قتبان وأدي إلى انهيارها التدريجي سياسيا واقتصاديا – فالشواهد التاريخية تثبت إن اي دولة داخلية لا تسيطر على منافذ بحرية لا تملك أسباب البقاء والصمود السياسي والاقتصادي وسرعان ما تنهار - ثم تجدد الصراع ما بين ممالك اليمن حمير وسبأ وحضرموت والذي استمر من أواخر القرن الأول الى القرن الثالث الميلادي وشهد أول تدخلي اجنبي في اليمن مستغل للظروف الداخلية بين القوي اليمنية وانقسامها فيما بينها , إضافة إلى قيام ملك سبأ علهان نهفان في نهاية القرن الثاني الميلادي للتحالف مع جدرت ملك اكسوم لدعمه سياسيا وعسكريا لإيقاف الضغط الحميري عليه – ويعتبر هذا اول طلب استنجاد بالعنصر الأجنبي في تاريخ اليمن , فما اشبه عملاء الأمس البعيد بعملاء اليوم - لتدخل اليمن آنذاك مرحلة جديدة من الصراع الداخلي وتدخل اجنبي فكأن ملك سبأ علهان يبحث عن اعتبارات سياسية كتثبيته بشرعية حكم اليمن , وعسكرية حماية مأرب من السقوط بيد الحميريين , واقتصادية توسيع مجال تجارته بالاتصال بوسط وشمال الجزيرة العربية بعد ان حرمت دولته من موارد الموانئ بالسواحل اليمنية فدولة حضرموت مسيطرة على الموانئ الشرقية وحمير مسيطرة على الموانئ الغربية والجنوبية تهامة والمعافر وعدن . احتلال حبشي وبدخول الأحباش في حلبة الصراع بين القوى والممالك اليمنية القديمة أصبحت طرفا ثالثا ومؤثرا بقوة وباستمرار الصراع بل هو السبب الاساسي في طيلة تلك الصراع واضعاف القوى اليمنية وتدمير اقتصادها في حين اوجدت لها اقدام على طول السواحل اليمنية طيلة القرن الثالث الميلادي حيث استغل الأحباش التحالف مع مملكة سبأ لتحقيق اهدافهم مستفيدين من التفكك السياسي والعسكري باليمن فاحتلوا مناطق ساحلية واسعة من جيزان وعسير للسيطرة على التجارة الأفريقية المنقولة إلى الساحل العربي . ومن ثم احتلوا الموانئ الجنوبية الغربية كميناء موزع ومنطقة المعافر وصولا إلى مدينة عدن . والتوغل نحو الموانئ الشرقية كميناء قنأ ( بئرعلي ) التابع لدولة حضرموت ومحاصرتها بحريا . مما الحق خسائر اقتصادية فادحة بدولة حضرموت وجعلها تنصدم بدولة سبا حينما توغلت نحو مدينة الجوف للسيطرة على طريق التجارة البرية . فالحقيقة التي لا تخفي أن تمزق الدولة الواحدة وتضارب مطامع زعمائها وتغليب المصالح القبلية أو الاقليمية على حساب المصلحة العليا للوطن كل ذلك كان سبيلا إلى تدخل الغزاة والمحتلين في أمورها الداخلية . - وما يحدث اليوم من عدوان خارجي على اليمن منذ ست سنوات واحتلال لبعض محافظات الجمهورية اليمنية بمؤازرة بعض القوى اليمنية للمحتلين والتي ارتهنت بالعمالة والخيانة وكأننا لم تستفيد من اخطاء الماضي القديم بخيانة الوطن والشعب واستدعاء محتلون جدد مزقوا الوطن ارضا وانسانا ونهبوا الثروات ودمروا كل المقدرات والمكاسب والبنية التحتية للجمهورية اليمنية وما زالوا يعبثوا وينهبوا حتي اللحظة بثروات وتراث وتاريخ وحضارة شعب اليمن - . سياسة التحالفات استخدم المحتل الحبشي بعد دخوله اليمن بفترة وجيزة سياسة تعدد التحالفات لتحقيق اهدافه ومطامعه التوسعية فهذه السياسة تعتمد على تحالفات مع كيانات وجماعات وفصائل وقبائل وقيادات معارضة لسلطة الشرعية الرئيسية في اليمن آنذاك بغرض أضعاف السلطة المركزية وادخالها في صراعات وحروب ثانوية وفرعية مع هؤلاء ليقاتلوا نيابة عن المحتل الحبشي . فهذه الكيانات المعارضة للحكومة الشرعية ممثلة بملك سبأ علهان بن نهفان ستحدث تصدع وشق للسلطة المركزية وتسهل لهم مد نفوذهم الاستعمارية على اليمن . فقد تحالف الأحباش مع قبائل نجران وعسير وتهامة , وايضا اوجد له فرقة رماه ( ندف ) من ابناء المعافر( الحجرية حاليا ) وسيطروا على ميناء موزع والساحل الجنوبي الغربي حتي ميناء عدن وبدأت بالتوغل نحو الداخل ومحاصرة ظفار عاصمة الحميريين . كذلك قامت بتطويق حدود مملكة سبأ بتحالفات مع قبيلة خولان وبكيل ووصلت التحالفات إلى شمال سبأ مع ملك كنده لخنق دولة سبأ اقتصاديا من خلال السيطرة على طريق التجارة البرية . كل ذلك أضعف دولة سبأ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وجعلها تقاتل في الجهات الأربع وعرض سلطتها للضعف وشرعيتها للزوال ووحدتها وأراضيها لتمزق والاحتلال . حتي اضطر ملك سبأ شاعرم أوتر إلى محاولة انتهاج سياسة المسالمة مع الأحباش حيث تشير بعض النقوش إلى وقوع صلح مع الاحباش كما يظهر ايضا من سفارة القيل قطبان أوكن لدى (جدرة) ملك الحبشة وهي أقدم سفارة معروفة في تاريخ العلاقات اليمنية الحبشية . - وكأننا امام مشهد تاريخي يتكرر اليوم قوات مرتزقة في الساحل الغربي , وما يسمي بالمجلس الانتقالي بعدن وابين والنخبة الشبوانية والحضرمية وغيرهما من الفصائل بالإضافة إلى الجماعات الدينية المتطرفة في تعز و البيضاءومأرب وشبوة وأبين وحضرموت كل هؤلاء صنيعه غزاة اليوم وعبر مرتزقتهم هؤلاء يحققوا اهدافهم باحتلالهم لليمن اليس هذه نفس سياسة تعدد التحالفات للمحتل الحبشي في التاريخ القديم يمارسها عدوان اليوم ؟ . تمرد نجران وفي كل الأحوال فإن السبئيين قد تقبلوا الوجود الحبشي كأمر واقع لا مفر منه وكان همهم مجرد الدفاع عن حدودهم وتأمين طرق مواصلتهم التجارية البرية نحو شمال الجزيرة العربية . ولم يتحقق امل علهان ملك سبأ من هذا التحالف ومن استدعاه الأحباش في اعادة هيبة دولة سبا وذو ريدان . ومن المفارقات العجيبة ان ملك سبا علهان هو من استدعى الأحباش للوقوف معه ضد خطر دولة حمير وللحفاظ على ارضه فإذا بدولة حضرموت تقتطع جزء من أراضي سبأ والاحباش يستولون على موانئ واراضي تخص مملكة سبأ وتذكر النقوش ان الأحباش ومعهم الحضارمة ساندوا قبائل نجران على التمرد والانفصال على مملكة سبأ الخاضعين لها . وهنا اوجد ملك سبا لنفسه مخاطر اكبر من الخطر الحميري .- اليس عدوان اليوم يسيرون في احتلالهم لليمن على نفس خطوات واساليب المحتل الحبشي في الماضي - . توحيد وطن أن اضعاف حمير وما ادخلته لعبه التحالفات للمحتل الحبشي من تعقيدات على الصراع بين الممالك اليمنية القديمة هو الذي أجل تحقيق توحيد الكيانين السبئي والريداني لأعاده توحيد اليمن تحت قيادة واحدة . كما ان أضعاف حمير أدي ايضا إلى تعاظم قوة الحبشة . وكل تلك الأحداث والصراعات بين القوى اليمنية والتي لعب فيها الأحباش دور رئيسي فمع بداية القرن الثالث الميلادي كانت اكسوم قد أخذت تغدو قوة بارزة في مسرح الاحداث السياسية والعسكرية لليمن فسبأ لم تكن قادرة على ان تخرجها من اليمن (بل انها لم تحاول ذلك او مجرد التفكير ) ومقاومة حمير قد ضعفت كثيرا نتيجة احاطتها بالأعداء من كل جانب , وهي لم تلبث ان فقدت سيطرتها على اقليم المعافر والتي دخلت تحت نفوذ ملوك اكسوم والمعافر هي الحبل السري الذي كان يربط حمير بمصادر التجارة من خلال الموانئ الجنوبية الغربية والاتصال بالعالم الخارجي . لذلك ادركت القوي الوطنية أن وجود الأحباش في اليمن يشكل خطرا على سبأ و حمير ففي عهد شعر اوتر بن علهان نهفان الذي حكم في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي قام بحملات عسكرية ضد الأحباش ومن كان يساندهم في مناطق السراة والمعافر فحربه ضد الأحباش شملت اراضي خولان العالية فبلاد سهرت والأشاعر ونجران حتي وادي الدواسر واراضي قبيلة كندة في اواسط الجزيرة العربية . ويظهر من نقوش أخر ملوك سبأ في الربع الثالث من القرن الثالث الميلادي بأن مملكتي سبأ وحمير كانتا في حالة سلم وهذا ما سهل على الملك الحميري ياسر يهنعم على توحيد الصف اليمني لمحاربه الأحباش وإجبارهم على الرحيل من اليمن وذلك في حوالي سنة 270 ميلادي . وتابع ابنه الملك شمر يهرعش سياسة أبيه بمحاربة القبائل التي كانت تساند الأحباش في المناطق الساحلية وفي المعافر ومن ثم توجه نحو ضم حضرموت بعد نجاح مشروع توحيد سبأ وذو ريدان كخطورة ضرورية للقضاء على التناقضات المحلية التي كانت من أسباب طول الصراع القديم واتخاذه لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه وتوحيده لليمن أرضا وإنسانا بنهاية القرن الثالث الميلادي .