الى ما قبل يوم 5 يونيو عام 1967م بساعات وإسرائيل كانت مهددة من قبل القومين العرب برميها في البحر لكن هذه المعادلة تغيرت بمجرد قيام الطيران الصهيوني بشن غاراته الأولى على ثلاث دول عربية هي مصر وسورية والأردن صباح نفس اليوم الذي حلت ذكراه المؤلمة يوم أمس الأحد وقبل أن ندخل في بعض التفاصيل يجب أن نعود قليلا إلى الوراء لنذكر بنشأة هذا الكيان الغاصب، فمنذ صدور قرار التقسيم وإنشاء الكيان الصهيوني على أساسه في 15 مايو عام 1948م تحرك العرب يومها وشكلوا جيوشا لمحاربة الجيش الصهيوني الذي كان عبارة عن عصابات الهجانا -ولم يكن جيشا- تعبيراً عن رفضهم لاحتلال أرض الغير بالقوة لكن بدل ما يحققوا بجيوشهم الانتصار عليه وهو ما يزال طري العظم انهزموا أمامه وأعطوا له مبررا للاستيلاء على مزيد من الأرض تفوق حصة اسرائيل المحددة في قرار التقسيم الأممي، وبعد خروجهم من هذه المواجهة مهزومين لم يكن أمامهم إلا تقسيم ما تبقى من فلسطين وتوزيعها بين مصر والأردن لإدارتها حيث تكفلت مصر بالإشراف الإداري على قطاع غزة وتكفلت الأردن بالإشراف على الضفة الغربيةوالقدس الشرقية بما فيها المسجد الأقصى، ولأن العرب خاصة في العهد الثوري في الخمسينات والستينات كانوا يعتقدون انهم قادرون على تحرير فلسطين بالكامل وإلقاء دولة الكيان الصهيوني في البحر فقد رفضوا كل الحلول التي عرضت عليهم للاعتراف بإسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية بجانبها بحسب ما اقتضاه قرار التقسيم. وقد ظل العرب يزايدون في هذا الجانب حتى قامت إسرائيل بشن حرب مباغته وخاطفة عليهم، صباح 5 يونيو- حزيران عام 1967م رغم تحذيرهم من هذا العدوان فاستولت على كل فلسطين وعلى أراض عربية أخرى في مصر وسورية والأردن وحينما حاولوا إعادة اعتبارهم في حرب 6 اكتوبر عام 1973م من خلال عبور الجيش المصري البطل قناة السويس الذي حطم أسطورة خط برليف الشهير أضاع الرئيس انور السادات هذا النصر العظيم عندما أمر بوقف إطلاق النار بحجة انه يحارب أمريكا وليس إسرائيل، وفجأة يتقدم الصهاينة بقيادة الإرهابي شارون إلى الكيلو101من القاهرة عبر البحيرات المرة فحاصر الجيشين الثاني والثالث المصريين وهنا لم يكن أمام الرئيس أنور السادات إلا الدخول في مفاوضات مع الصهاينة بدأت في الخيمة 101 وانتهت كما هو معروف بتوقيع معاهدة سلام مع كيان العدو الصهيوني في كامب ديفيد تحت رعاية الرئيس الأمريكي كارتر أخرجت مصر من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي، ولأن هذا الموقف قد أضر وأضعف العرب فلم يكن أمامهم إلا رفع شعار الأرض مقابل السلام ومع ذلك لا حققوا سلاما ولا استرجعوا أرضاً، وبدل ما كانت قضية فلسطين إسلامية باعتبار إن المسجد الأقصى يمثل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تحولت إلى قضية عربية ثم إلى قضية فلسطينية ثم الى حصرها بيد سلطة الضفة الغربية واستبعاد قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، وأخيرا وهو الأهم تم اختصار القضية الفلسطينية في المستوطنات التي يقوم الكيان الصهيوني ببنائها في القدس الشرقية والضفة الغربية وفي كل الأراضي التي كان يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية التي بشر بقيامها لأول مرة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش وأصبحت كالمضغة تلوكها الألسن فقط الأمر الذي أوقع العرب في موقف صعب بعد أن خسروا كل أوراقهم لأنهم قدموها للإدارة الأمريكية دفعة واحدة فاستهلكوها جميعاً. وهو ما يجعلنا نؤكد أن ما يجري على ارض الواقع من أحداث مأساوية تشهدها الساحة العربية بدون استثناء سواءً من خلال الضغوط التي تمارس على الأنظمة العربية لتتماشى سياستها مع ما يريده أعداء الأمة العربية والإسلامية وهرولتهم للتطبيع مع إسرائيل أو من خلال الأحداث الدامية التي نشاهدها كل يوم في العراقوفلسطين والسودان والصومال وسورية واليمن، كل ذلك يجعلنا نقول بمرارة أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تتحمل المسؤولية المباشرة عما يجري في المنطقة العربية.. وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الإدارة قد وجدت أمامها الساحة العربية خالية تماماً من المدافعين عن قضايا الأمة.. بل إنها لم تجد أحداً يستطيع أن يقول لها.. لا.. الأمر الذي جعل أعداء الأمة يتصرفون بكل حرية ويفرضون ما يشاءون من الأوامر والتوجيهات على أنظمة حائرة وخائرة لم تعد تعرف ماذا تريد غير التشبث بالكراسي ولتذهب مصالح الشعوب إلى الجحيم. وعليه فإن هذه الأنظمة العربية التي أضاعت قضية فلسطين بل وأضاعت قضايا الأمة بالكامل هي التي يجب أن تتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عما وصل إليه حال العرب من ضعف وهوان لم يسبق أن وصلت إليه الأمة العربية في تاريخها حتى في أسوأ ما مرت به من مراحل، فهل من المعقول لو أن الإدارة الأمريكية وجدت بين الحكام العرب من يقول لها لا: هل ستقوم بإذلال العرب وإخضاعهم لإرادتها كما يحدث اليوم إضافة إلى ما تقوم به من تأليب عليهم والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت الإدارة الأمريكية حريصة على العدل والسلام وتطبيق حقوق الإنسان بين البشر فلماذا لا تطالب إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة ضدها منذ عام 1948م وحتى اليوم ومن ثم تقوم بالضغط على الأنظمة الأخرى ومحاسبتها إذا كانت قد خالفت مبادئ القانون الدولي وانتهكت حقوق الإنسان؟ لكن بدلاً من أن تلجأ إلى هذا الأسلوب العادل الذي يحفظ للولايات المتحدة مكانتها الدولية لدى الشعوب الأخرى تقوم الإدارة الأمريكية باستخدام حق النقض (الفيتو) لإبطال القرارات الدولية التي تصدر ضد إسرائيل وهي مفارقة غريبة وعجيبة تستدعي الوقوف عندها كثيراً.