مع كلّ جولة يقوم بها الممثِّل الأممي في اليمن، هانز غروندبرغ، في المنطقة تعود إلى الواجهة التساؤلات حول طبيعة الدور الذي تلعبه الأممالمتحدة ومدى أهليتها ك"وسيط سلام"، وهي تساؤلات دائماً يجيب عليها الواقع بدلائلَ ومؤشرات واضحة، على أن المنظمةَ الدولية غير قادرة على مغادرة مربع المصالح رعاتها في الغرب، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ ما يعني أنها بعيدة تماماً عن دور الوساطة الفعلي، الأمر الذي يجعل تحَرّكات ممثلها.. وتصريحاته عبارة عن ترجمة لإرادَة وتوجّهات رعاة تحالف العدوان لا أكثر، فما الذي تقوله التحَرّكات الأخيرة لغروندبرغ عن موقف رعاة العدوان؟! في جولته الجديدة، أعلن غروندبرغ أنه التقى بقيادات حكومة المرتزِقة وما يسمى "المجلس الرئاسي" التابع للسعوديّة؛ "لبحث سبل تحقيق التوافق حول تدابير لتحسين ظروف المعيشة وحول وقف إطلاق نار في جميع أنحاء اليمن وبدء عملية جامعة برعاية الأممالمتحدة للانتقال لسلام مستدام في اليمن" بحسب وصفه، كما التقى أَيْضاً بالسفير السعوديّ محمد آل جابر وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية؛ بغرض ما أسماه "التشاور حول طرق ضمان الدعم الإقليمي والدولي المتضافر لجهود الوساطة التي تقودها الأممالمتحدة" التوصيفات السابقة للقاءات الممثل الأممي بأطراف تحالف العدوان تحمل مؤشرات سلبية تدل على أن الأممالمتحدة لا زالت تتمسك بالتصورات والتوجهات الأمريكية والبريطانية؛ فوضع عنوان "تدابير تحسين الظروف المعيشية" للقاءات غروندبرغ بقيادات يشير بوضوح إلى أن الأممالمتحدة لا زالت تصر على الدفع بحكومة المرتزِقة إلى الواجهة كطرف رئيسي في مفاوضات معالجة الملف الإنساني وصرف المرتبات، وهو التوجّه الذي تدفع نحوه واشنطن بحسب تصريحات سابقة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، قال فيها إن بلاده لا ترى إمْكَانية لمعالجة ملفات الموارد والمرتبات إلا بمفاوضات بين صنعاء وحكومة المرتزِقة؛ وهو الأمر الذي ترفضُه القيادةُ الوطنية؛ لأَنَّ المرتزِقة لا يملكون أي قرار حقيقي في هذا الشأن. وبالمثل فَإنَّ الحديث عن "مناقشة دعم جهود الوساطة" كعنوان للقاءات الممثل الأممي مع السفير السعوديّة وسفراء الدول الخمس، يشير بوضوح إلى أن دول العدوان ما زالت مُصِرَّةً على تقديم نفسها في دور الوساطة أَو "دعم الوساطة"؛ وهو ما يعني أن الأممالمتحدة تسعى إلى تكرس التصور المغلوط الذي تحاول واشنطن والرياض فرضه كإطار رسمي لعملية السلام وما ينتج عنها من تفاهمات، علمًا بأن هذا التصور يجعل الحديث عن السلام بلا معنى؛ لأَنَّه يتيح لدول العدوان التنصل من أي التزامات عن طريق إلقاء المسؤولية على عاتق المرتزِقة الذين لا يمتلكون قرارهم. وبالنظر إلى هذه العناوين الإعلامية التي وضعها غروندبرغ للقاءاته وتحَرّكاته الأخيرة، يبدو بوضوح أن الأممالمتحدة لم تقترب بعد من السلام الفعلي، وأن أجندتها لا زالت تتضمن الكثير من المغالطات التي تهدف لإطالة أمد حالة اللا حرب واللا سلام، ومنح دول العدوان المزيد من الوقت لترتيب أوراقها. وعلى الرغم من أن المجال لا زال متاحًا أمام الأممالمتحدة وأمام الرعاة الدوليين لتحالف العدوان لتغيير هذا الموقف، خُصُوصاً بعد التحذيرات الأخيرة التي أطلقتها القيادة الوطنية والتي كان الرئيس المشاط قد حمّلها غروندبرغ نفسه في زيارته الأخيرة لصنعاء، فَإنَّ احتمالات حدوث هذا التغيير بالشكل المطلوب الذي يحقّق مطالب الشعب اليمني تبقى منخفضة؛ لأَنَّ مجريات الأشهر الماضية قد كشفت بوضوح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا ليستا في وارد السلام أبداً، كما كشفت معطيات الفترة الأخيرة أن السعوديّة غير قادرة على تجاوز هامش التحَرّكات المسموح به أمريكيًّا. وفيما يرى مراقبون أن التحَرّكات الأخيرة للممثل الأممي جاءت بفعل قلقِ دول العدوان من تحذيرات صنعاء، فَإنَّ المعيار الأَسَاسي لتقييمِ إيجابية هذه التحَرّكات يبقى هو التجاوب العملي مع مطالب الشعب اليمني، وليس إدراك دول العدوان لمأزقها، بل إنَّ عودة الأممالمتحدة إلى واجهة المشهد التفاوضي يشكل -في نظر الكثيرين- مؤشرًا سلبيًّا بحد ذاته؛ نظرًا لكافة التجارب السابقة التي مثلت فيها الأممالمتحدة مظلة للتعقيدات والعراقيل التي أعاقت الكثير من التفاهمات، كما حدث في الهدنة التي أعلنت العام الماضي، والتي لعبت فيها الأممالمتحدة دوراً سلبياً ساعد دول العدوان على التهرب من التزاماتها الواضحة. ومما يعزز هذا الاعتقاد أَيْضاً، أن بروز بعض المؤشرات الإيجابية خلال بعض المحطات خلال الأشهر السابقة، كان سببه الرئيسي هو دور الوساطة الذي لعبته سلطنة عُمان الشقيقة، والذي حرّر عملية التفاوض من التعقيدات التي تصاحب -دائما- الدور الأممي؛ نظرًا لعدم استقلالية الأممالمتحدة، وخضوعها الكامل لإملاءات رعاتها الغربيين وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا.