ظل العالم الغربي بكل حواشيه وكل مفرداته يمارس غواية عالمية بأنه ضامن لحقوق الانسان وانه رمز للمدنية والحضارة والثقافة , وانه عماد الانسانية دوماً وان العالم الذي خارجه عالم متوحش وغير مؤنسن وغير نقي وغير مهذب أ ومشذب وفيه تفريعات يجب أن تحظى برعاية خاصة منه عنوانها الأخوة الانسانية والقوانين والأعراف التي تنظم العلاقات الانسانية وتضمن أنسنة العالم المتوحش خارجه . كل هذه النماذج في المعيارية الاخلاقية والقانونية ظلت ملازمة لأجيال متعاقبة .. وآمن بها قانونيون ورجال فكر ومثقفون واعلاميون الذين ظنوا ان ضالتهم وغاياتهم في الكمال والانسانية قد وجدت في الغرب وفي الثقافة الغربية وفي المفاهيم التي جرى تسويقها وتسويغها في اوساط الناس وتحديداً في أو ساط النخب الثقافية والسياسية والاكاديمية .. ووقع العالم العربي في براثن تلك المواقف الغربية التي كانت بعضها تبالغ في غرابتها وفي تنوعها وفي استنساخ تجارب غربية عديدة في اطار تلك المفاهيم ولكن بعد جاء تحرك المقاومة اسلامية الفلسطينية في غزة في 7 اكتوبر في اطار الموقف المشروع في مواجهة المحتل الصهيوني وفي مقارعة المستعمر الذي ظل جاثماً على الأرض العربية الفلسطينية طوال 75عاماً من الهيمنة والتنكيل والبطش ومن فرض اوضاع مأسوية على المنطقة وعلى سكانها تحت صمت وممالأة وتواطؤ غربي ظل يغض الطرف عن كل المآسي التي خلفها الصهاينة وراءهم والذين ظلوا يمارسون سطوتهم بكل بشاعة افعالهم النكراء من مذابح ومن قتل ومن نسف ومن تدمير على أكثر من مستوى .. وكل تلك الساعات القلائل التي اخترقت الحصن الصهيوني وكشفت هشاشته وهزت الهيبة التي ظل يغطيها طوال عقود من الزمن وطوال تحالفات معلنة وغير معلنه ساندته وظلت تسانده حتى الرمق الأخير.. وازاء هكذا تطور وازاء هكذا هزات قوية في المفاهيم وفي القناعات وفي الولاءات كشف الغرب عن وجهه القبيح وفي ساعات محدودة تحركت الاساطيل وحاملات الطائرات إذ لم ينتظر الغرب المتغطرس والمرتهن للوبيات الصهيونية , ولم ينتظر أي تكليف من المجتمع الدولي ولم يجد متسعاً من الوقت ليغطي تحركاته السريعة عسكرياً عبر الاممالمتحدة , وربما تناساها وفي ساعات قلائل كانت سفنه وبوارجه تحيط بالكيان الصهيوني لحمايته وتوفير الغطاء المعنوي والنفسي والعسكري لبني صهيون واظهار العين الحمراء لأية دولة أو نظام أو جماعة تفكر ان توقع الضرر بتل ابيب وبدأ بشكل فج وبإجراءات متسرعة الخروج من عباءة الثقافة الغربية الهادئة والمتوارية خلف مفاهيم هلامية .. وبدأت تلك الثقافة تتعرض للتأكل لا نها كشفت عن حالات تعصب اعمى وعن موقف منساق نحو ارضاء الصهيونية وارضاء سدنتها ولو جاءت على رقاب اطفال العرب الفلسطينيين في غزة ولو تسللت عبر وحشية الصهيونية التي استفحلت وظهرت بأبشع صورها الفظيعة والغيت المفاهيم الغربية عن حقوق الانسان وعن الانسانية وعن المشاعر الفياضة بالحقوق المدنية الى اقرب مزبلة وظهرت جلياً أنياب الغرب المتوحش الذي ظل إلى اليوم ينكر انها حرب إبادة في غزة .. ولقد كشفت الحرب العدوانية في غزة كم هو الغرب مخادع ومزدوج المفاهيم وثبت انه قادر على ادارة الحياة بتناوله عبر الاحتيال وعبر منظومة ادعاءات اوضحت انه غير عادل في ادارته وانه يقبل بذل الرضوخ للصهيونية وتأكد للغرب ذاته انه يعاني من اضطراب واضح في كل مفاهيمه .. حتى قيض الله من يقوم بتنبيهه الى الحالة المزرية التي يعاني منها أو التي لا يريد الاعتراف بها .. وكان طلبة الجامعات الامريكية والاوروبية هم جرس الانذار الاخير امام الغرب الراضخ للوبيات الصهيونية والذي فقد حتى مبرر احترامه لنفسه ويتبين انه تابع للثقافة الصهيونية التي جعلته يبدو بمظهر غبي مستفحل الغباء .. واتضح ان الغرب فقد البوصلة والتوازن وانكشفت الضغوط الصهيونية التي هي محرك الفوضى ومحرك القرارات في الغرب وفي ثقافة الغرب وعمد الطلاب الجامعيون في الجامعات الامريكية والاوروبية ان يضعوا الغرب امام صورته الحقيقية واوضحت كم هي الصهيونية متغلغلة في تفاصيل الحياة الغربية وفي اقتصادياتها , وبل وفي مفاصل صناعة القرار الغربي .. ولا نستغرب عندما يبادر الرئيس الامريكي السابق ترامب إلى أن يقول ان بايدن الرئيس الامريكي الحالي بأنه يذهب الى تفجير حرب عالمية عندما لوح مجرد تلويح بان ادارته سوف تحجب الاسلحة عن الكيان الاسرائيلي وهي اشارة خطيرة توحي بان الصهيونية قادرة على اثارة قضايا وفتن يمكن ان تصل الى تفجير حرب عالمية .. وهولا يبالغ عندما يشير إلى ذلك بوضوح . وفي الاجمال يمكن الاشارة الى عدد من المسائل التي جاءت عقب 7اكتوبر فبرز أهمها : * أولاً : ان الغرب فقد بريقه وانكشفت كل مفاهيمه وأصبح في حكم التجاهل . * ثانياً : اتضحت هشاشة المنظمات الدولية التي لم تصمد امام عنجهية الصهيونية وتماديها على القوانين الدولية . * ثالثاً : حدوث شرخ واضح في المجتمع الغربي واتساع هذا الشرخ ربما يمتد إلى اجيال عديدة قادمة . * رابعاً : بروز وظهور قوى وطنية قادرة على احداث متغيرات في جيوسياسية المنطقة بعد أن فرضت معطياتها في البحر الأحمر والبحر العربي الذي امتد إلى المحيط الهندي . * خامساً : تقبل المحيط الدولي للواقع الجديد وبدء تعاطيه مع المتغيرات . * سادساً : دخول الصراع العربي الصهيوني مرحلة جديدة بعد أن كان قد أودع في فترة سابقة ثلاجة البيات الشتوي . * سابعاً : ظهرت إلى العلن الاهمية الاستراتيجية البالغة لخليج عدن وباب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر للاقتصادات الدولية والتجارية العالمية .