يوم غد الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر 2024م سيكون يوما فارقا في حياة الأمريكيين لما ستشهده الانتخابات الأمريكية من تنافس غير معهود للوصول إلى البيت الأبيض بين الرئيس السابق دونالد ترمب المتهور مرشح الحزب الجمهوري والذي سبق له أن فاز في انتخابات عام 2016م على هيلاري كلنتون الديمقراطية وشهدت فترة رئاسته أحداثا كادت أن تعصف بأمريكا وتفقدها نفوذها العالمي وبين نائبة الرئيس الحالي جو بايدن كمالاهارس مرشحة الحزب الديمقراطي الطامحة لأن تكون أول امرأة تحكم أمريكا وتكاد هذه الانتخابات أن تكون الوحيدة التي شهدت حملتها سباباً وشتائم واتهامات بألفاظ نابية كان يوجهها كل مرشح للآخر متخطيان كل الأعراف التقليدية والأخلاقية المصاحبة للحملات الانتخابية المتبعة في التاريخ الأمريكي، وستكون غزة ولبنان رقما صعبا في هذه الانتخابات ، قد ربما وهذا ليس أكيد ترجيح كفة كمالاهارس بهدف المزايدة بها خدمة للديمقراطية الأمريكية التي سمحت بتولي امرأة من أصول أفريقية أو هندية لتكون رئيسة لأمريكا وفي نفس الوقت ليستغلها صانع القرار الأمريكي ويفرض عليها أجندات قد لا يستطيع أن يفرضها على ترمب الرجل القوي فيما لو فاز بالرئاسة، لكن الشيء الذي يؤكد أو بمعنى أدق يبشر بزوال الهيمنة الأمريكية على العالم وتراجعها لتصل إلى مرحلة الدفاع عن بقائها كدولة عظمى هو سوء سلوك إدارتها وتدخلها المباشر في شؤون الدول الأخرى وفرض إرادتها على الشعوب لدرجة أنها تستبيح احتلالها وذلك بعكس سلوك الدول العظمى المنافسة لها كروسيا الاتحادية والصين الشعبية وحتى الدول الاستعمارية القديمة كبريطانيا وفرنسا، وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه وهو: هل تستفيد الإدارة الأمريكية من أخطائها التي جعلت العالم بأكمله يكرهها ويقف ضد تصرفاتها وتقيم أداءها بحيث تحافظ على مكانتها العالمية وتمتنع عن تدخلها المباشر في شؤون الدول والشعوب التي تعترض على سياستها غير الحكيمة أم أن الغطرسة وفرض هيمنتها بالقوة ستظل هي السائدة والتي سينتج عنها مواجهة الشعوب الحرة لها ومقاومتها؟ وإن كنا نعتقد أن ما يجري حاليا في العديد من الدول من رفض مطلق لسياسة الغطرسة الأمريكية ودعمها تحديدا للكيان الصهيوني الذي يرتكب حرب إبادة جماعية في قطاع غزة ولبنان والدفاع عنه أمام المنظمات الدولية وتبرأته منها ومنع محكمة الجنايات الدولية من إصدار مذكرات اعتقال بحق المجرمين الصهاينة وفي مقدمتهم مجرم الحرب نتنياهو للقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة سيزيد من الحقد على أمريكا ويجعلها تفقد نفوذها بشكل نهائي وتبرز قوى أخرى لتحل محلها تدافع عن الشعوب المستضعفة وتحميها وتشجعها على الاعتماد على نفسها. قد لا نستبق الأمور قبل معرفة من سيحل في البيت الأبيض كرئيس لأمريكا للأعوام الأربعة القادمة لكن ماضي المتنافسين ترمب وهارس في السباق إلى البيت الأبيض وما حدث لأمريكا والعالم في عهديهما مُنذ العام 2016م وحتى العام 2024م يؤكد بأن الإدارة الأمريكية ماضية في غيها وذلك لسبب بسيط هو أنها لا تستطيع أن تحافظ على هيمنتها إلا من خلال تدخلها في شؤون الشعوب الأخرى وإثارة الفتن في أوساطها وإشعال الحروب في المناطق التي لا ترغب أن يحل السلام فيها كونه يتعارض مع مصالحها وكذلك ما تقوم به من ابتزاز للدول الثرية بحجة الدفاع عنها وحمايتها كما يحدث للسعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي حيث تخوفهم من خطر قادم إليهم لإسقاط أنظمتهم لاسيما من الجمهورية الإسلامية في إيران فزرعت العداء بينهم وبين إيران وأضافت إلى ذلك تخويف السعودية من اليمن وقد صدقت السعودية هذه الكذبة الكبرى مما جعلها تشكل تحالفا كونيا تشرف عليه أمريكا لشن حرب عدوانية وغير مبررة على اليمن مضى عليها ما يقارب عشرة أعوام ولم تنته بعد، وهذا السلوك الأمريكي الإجرامي سيجعل أمريكا بدون شك تتآكل من داخلها بعد أن بدأ الشعب الأمريكي يدرك حقيقة إدارته وكيف تتعامل مع العالم بما في ذلك حلفاؤها، ويدرك أيضا بأن اللوبي الصهيوني هو من يتحكم في سياستها ويسيرها كيفما يشاء وقد تكون لعبة نتنياهو هي من سيحدد الرئيس القادم لأمريكا. إن خروج الأمريكيين إلى الشوارع مستنكرين ما تقدمه أمريكا من دعم غير محدود للكيان الصهيوني لارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية في غزة ولبنان يشكل بداية للتخلص من النفوذ الصهيوني وهو ما يذكرنا بالاختلاف الذي حدث بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن وشمعون بيرز رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك حول بعض النقاط التي أرادت الإدارة الأمريكية فرضها على إسرائيل للقبول بها وعندما رفضها بيرز قال له بوش أنت برفضك هذا ستواجه أمريكا فرد عليه بيرز قائلاً: لا تخشى يا صديقي فنحن من يحكم أمريكا، وهي فعلا حقيقة تتجلى بشكل واضح حاليا على أرض الواقع فأمريكا لا تستطيع أن تمنع جيش الكيان الصهيوني من ارتكابه للمجازر الجماعية والتصفية العرقية في قطاع غزة ولبنان ولا تستطيع أيضا أن تمتنع عن تزويده بالسلاح الفتاك والقنابل المحرمة دوليا ليدمر بها البنية التحتية في غزة ولبنان ويقتل بها المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال وكذلك تضخ إلى هذا الكيان مليارات الدولارات لدعمه في حربه الظالمة بل وتحارب عنه في البحر الأحمر وفي أكثر من جهة وتحاول منع اليمن من محاصرة إسرائيل اقتصاديا من خلال منعه للسفن الإسرائيلية والمرتبطة بهذا الكيان اللقيط من التوجه إلى موانئ فلسطينالمحتلة وتدافع عنه من خلال اعتدائها مع حليفتها بريطانيا على اليمن حيث شنت عليه مئات الغارات الحربية ولم تكتف بدعمها لتحالف العدوان على اليمن، وكذلك تقوم بالدفاع عن الكيان بالتصدي للرد الإيراني على اعتداء الكيان على إيران حيث قامت بإسقاط الصواريخ بدفاعاتها الجوية وأرسلت البوارج والمدمرات لتكون بالقرب منه لتحميه وهو ما يعني فعلا بأن الكيان الصهيوني هو من يحكم أمريكا ويتحكم في سياستها بما يمتلكه من أدوات ضغط داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ولذلك فإن أي مرشح للرئاسة في أمريكا لا يمكن أن يحالفه الفوز بالرئاسة ما لم يخطب ود الكيان الصهيوني ويثبت له أنه سيكون طوع أمره، وعليه فإن التنافس على أشده بين ترمب وهارس على إثبات الإخلاص لإسرائيل وتقديم الوعود المغرية لخدمتها والدفاع عنها وتحقيق مشروعها المتمثل في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وتغيير خارطة الشرق الأوسط الذي جعل منها نتنياهو شعاره الرئيسي أثناء عدوانه على قطاع غزة ولبنان والمصيبة الكبرى أن الحكام العرب الذين انتقلت إليهم ذلة ومسكنة بني إسرائيل ساكتين وغير مكترثين لما يُدبر لهم ظاهرا وفي الخفاء ولا كأنهم المستهدفون بمشروع إسرائيل الكبرى، على العموم سيتضح يوم غد الثلاثاء من سيفوز بالرئاسة في أمريكا ليكون رئيسها السابع والأربعون ومن منهما الذي سيخدم الكيان الصهيوني أكثر ويعمل على تحقيق مشروعه الطموح في ظل خنوع العرب وصمتهم المريب.