أبرز مواصفات Galaxy Tab S10 Lite القادم من سامسونغ    إنتر ميلان "يكرم" ضيفه تورينو بهزيمة ساحقة (فيديو)    مصر تعلن عن اكتشاف استثنائي وتاريخي تحت الماء    أطعمة تمنع تكون الحصى في الكلى    سبتمبر: الثورة و التعليم    "وزارة العمل" توقف تعامل منظمات المجتمع المدني مع شركات الصرافة    شبوة.. وفاة 8 أشخاص جراء تدفق السيول    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في غزة إلى أكثر من 62 ألف قتيل    أول ظهور لأنغام رفقة عائلتها بعد تعافيها وعودتها إلى مصر    خبير في الطقس: نشاط الكتل الرطبة المدارية سيستمر حتى نهاية الاسبوع والتوقعات قوية باستمرار التهاطل    صحفي يكشف عن صرف ملايين الدولارات لمسؤولين في الخارج تحت بند "الإعاشة الشهرية"    أنشيلوتي يستبعد نجوم ريال مدريد من مُنتخب البرازيل    المقالح: منع الاحتفالات الشعبية بالمناسبات الوطنية اعتراف بالبعد عن الشعب وتأكيد على القمع    الحكومة تقر تنفيذ مشروع الممر المائي في عدن وإنشاء مركز طوارئ لمواجهة الكوارث    نقابة تعليمية بتعز تحدد موعد الإضراب الشامل احتجاجا على تجاهل السلطات لمطالب المعلمين    الجيش الإسرائيلي: صاروخ برؤوس متعددة أُطلق من اليمن لأول مرة باتجاه إسرائيل    منظمة أممية: السيول تسببت بدمار واسع في اليمن وحجة من أكثر المحافظات تضررا    يا مُسَلّي على خاطري..    البرلماني الثائر .. القاضي حاشد    عند فنار معاشيق خزّنا قاتنا والطرق مفتوحة بدون نكد فتاح وعنتر    جراء الأمطار.. وفاة 6 أشخاص في شبوة وجرف 3 سيارات وتضرر الأراضي والطرقات    فليك فاز بجائزة مدرب العام بعد عام ثوري في برشلونة    انتر ميلان يحقق بداية مثالية في الدوري الايطالي    - اقرأ أول تصريح للمؤتمر في صنعاء يكشف فيه مصير أمينه العام غازي الأحول.. ولماذا لم يُصدر بيان إدانة وموعد الإفراج عنه.    اغلاق متحفين في العاصمة صنعاء    السقلدي: خطر التيارات السلفية يكمن في عسكرتها والمشروعان الديني والوطني لا يجتمعان في غمد واحد    إسبانيا تدين قصف العدو الصهيوني مجمع ناصر الطبي في خان يونس    الصحة يعادل شباب المسراخ في بطولة بيسان    جامعة المحويت تحتفي بذكرى المولد النبوي    الحديدة .. توزيع مساعدات طارئة ل300 أسرة متضررة من السيول في باجل    هيئة الأدوية تبدأ العمل بالتسعيرة الرسمية الجديدة لضبط الأسعار وضمان توفره    الاتحاد البرلماني العربي يدعو للتحرك الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    النفط يرتفع بشكل طفيف بعد توقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية    "القسام" تستهدف دبابتين صهيونيتين جنوب مدينة غزة    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يستعرض خطة نزولاته بحضرموت مع قيادة الانتقالي    المحرّمي يطّلع على سير العمل في وزارة النقل وإنجازاتها وخططها المستقبلية    فضيحة الاستلام الوهمي لقطاع S2 عبث وزاري يهدد الثروة النفطية(وثائق)    -    علماء يحددون تمريناً رياضياً يحسّن النوم بشكل كبير    صدمة لآرسنال.. ساكا يغيب 4 أسابيع    قائد المنطقة العسكرية الرابعة :وفاء أبناء محافظة إب وتضحياتهم أفشل مخططات العدو    بدء التشغيل التجريبي للمحطة الشمسية الإماراتية في عتق    ثمن العشوائية    توزيع مواد إيوائية ل 731 أسرة نازحة في سنحان    انتفاضة شعبية بعدن للمطالبة بهذا الامر    وزارة الصحة الامريكية تؤكد أول إصابة بشرية بداء "الدودة الحلزونية    امرأة تعثر على لؤلؤة عمرها 100 مليون عام    العرب طوال تأريخهم لم يحكموا أنفسهم إلآ قرنين بعد الإسلام    في ليلة تألق مبابي.. ريال مدريد يقسو على أوفيدو    ب 10 لاعبين.. يوفنتوس يقهر بارما    أستراليا.. أول عملية جراحية في العالم بمساعدة روبوتين    المرصد العربي لفض نزاعات الطيران المدني: الأطر الدولية وآليات التسوية    الفريق الرويشان: المولد النبوي محطة إيمانية تعبوية واحتفالنا به يساهم في إفشال المؤامرات    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (10)    القبائل اليمنية أصل التأريخ ونبض اليمن    إعلان قضائي    زاوية صحية: التهاب الجهاز التنفسي (العلوي )    بشرى الخير وقطف الثمار.. مرحبا دخول ربيع الأنوار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوة البشرية.. وتأثيرها السياسي والعسكري والاقليمي! (3-3)
نشر في 26 سبتمبر يوم 09 - 02 - 2025

التضاريس لها تأثير كبير في قوة الدولة الذاتية بما توفره للسكان من إمكانات دفاعية واقتصادية
إن القوة البشرية (الشعب) وتنامي معنوياته القومية تكمن في نوع سلطته أو حكومته, فالحكومة القوية المستندة على قوى الشعب تكون قادرة على إزالة الثغرات والانقسامات والتناقضات بين فئات الشعب
وتسخر طاقاتها في خدمة المصالح القومية العليا سواء كان ذلك ضمن سياستها الداخلية بمختلف المجالات واهمها العسكرية والسياسية والاقتصادية أوفي تأثيرها الاقليمي والدولي.
علي الشراعي
إن من الاهمية البالغة معرفة مدى القوة البشرية من حيث توزيعهم على الخريطة التضاريسية في المناطق السهلية والهضبة والمنطقة الجبلية وهذا يخدم عدة أغراض منها الدفاعية والأمنية والاقتصادية، وإن توزيع السكان داخل الدولة يعكس مدى قدرتهم على التفاعل والاندماج داخل إقليم الدولة وقدرة الدولة على التحكم فيهم، كذلك على التركيب والتكوين السكاني والأثنوغرافي في نطاق الدولة الواحدة..
تؤثر التضاريس أيضا في قوة الدولة الذاتية من حيث ما توفره لسكانها من إمكانات دفاعية واقتصادية
العرق واللغة والدين هي العناصر الأثنوغرافية الثلاثة المهمة التي لها أثر كبير في ترابط سكان الدولة وتماسكهم وتعاطفهم بعضهم مع بعض من أبرز العوامل البشرية التي تساعد على قوة الدولة وحدة اللغة فالأمم التي تجمعها لغة واحدة هي الأقرب إلى تكوين كيان سياسي قوى القبيلة في اليمن ذات تأثير لا يمكن تجاهله في الحياة السياسية والعسكرية , ويعد التكوين القبلي من أهم التكوينات البنيوية للسكان
إن الشعور الوحدوي ووحدة المصير والانتماء أفكار متجذرة ووعى راسخ لدى عموم سكان اليمن
الخارطة التضاريسية
تؤثر الخصائص العامة لسطح الأرض في كل دولة على درجة تماسك سكانها وفي نمط توزيعهم الجغرافي وفي نظامها الداخلي على حد سواء، وتؤثر التضاريس أيضا في قوة الدولة الذاتية من حيث ما توفره لسكانها من إمكانات دفاعية واقتصادية، فتضاريس اليمن تنقسم إلى ثلاثة اقسام: المرتفعات والسهول الساحلية الهضبة الشرقية وصحراء الربع الخالي.
المرتفعات
يظهر من خريطة التوزيع الجغرافي للسكان اليمن التركز العالي للسكان فوق المرتفعات على نحو عام، وتشير الإحصاءات السكانية الصادرة عن (الجهاز المركزي للإحصاء, التقرير العام للسكان, 1994م)، إن المرتفعات تضم 65% من جملة سكان الجمهورية اليمنية, ويرجع ذلك إلى عوامل طبيعية بوصفها مرتفعات وفيها مميزات خاصة من حيث اعتدال المناخ ووفرة الأمطار الفصلية وخصوبة التربة وتنوع الموارد المعدنية, ويظهر تركز السكان في هذه النطاق على السفوح الجبلية ووديانها، إذ توجد ضمن هذا النطاق العاصمة صنعاء ومدن مهمة مثل تعز وإب وذمار والمحويت والجزء الشرقي والأوسط من حجة وهي المحافظات التي تعد من أشد المحافظات اليمنية اكتظاظا بالسكان، ويمكن اعتبار هذه المنطقة "أكومين اليمن" بوصفها منطقة القلب الرئيسية للدولة، ويترتب على هذا أن المرتفعات بما لديها من سمات دفاعية تتمتع بعدد كبير من السكان وهذا ما يضمن سلامتها وحمايتها أمنيا، لكن يترتب على ذلك ايضا مخاطر ناتجة من احتمال أن يتعرض هذه الأكيومين "القلب" إلى ضربات معادية وهي الظاهرة التي تحذر منها الجغرافية السياسية ليس في اليمن فقط وإنما في الكثير من البلدان المتقدمة ايضا، لان تركز السكان في المدن الكبرى يعد خطرا على الدولة, ففي حالة الحرب تكون هذه المدن عرضة للدمار وهدفا للأعداء, كما أن كثرة سكان المدن الكبرى قد يساعد على حدوث الاضطرابات وعدم الاستقرار وإلى الأزمات في السكن والعمل .
السهول
السهول الساحلية في اليمن تمتد على طول الواجهتين البحريتين لليمن وعلى سهوله وتقسم إلى:
أ - سهول ساحلية غربية مطلة على البحر الأحمر ويبلغ طولها بحدود 523 كم, ويتراوح عرضها ما بين 30– 50 كم, وقد كان لانفتاح هذه السهول باتجاه البحر الأحمر أن ساعدت على اختلاط سكان اليمن مع السكان النازحين من شرق القارة الافريقية، كما أن هذه الواجهة يصعب الدفاع عنها لاتساعها وانكشافها على البحر.
ب- السهول الساحلية الجنوبية المطلة على البحر العربي وخليج عدن وتمتد لمسافة 1383كم . ويتراوح عرضها ما بين 15- 60 كم تقريبا، ويوفر هذا السهل سهولة الحركة والاتصال بالعالم الخارجي مثله مثل السهول الساحلية الغربية وقد أثرت هذه الخصائص في ظهور كثافة سكانية مناسبة رغم صحراوية المناخ.
ويلاحظ أن سكان السهول الساحلية إنهم يتمركزون بصورة رئيسية في نطاقين الأول السهول الساحلية الغربية المطلة على البحر الأحمر, والنطاق الثاني السهول الساحلية الجنوبية المطلة على البحر العربي وخليج عدن، ويؤلفون ما نسبته 20.2% من جملة السكان, ويعد هذا النطاق الثاني من حيث الاكتظاظ السكاني، ويفترض أن يكون سكان السهول أعلى كثافة من سكان المرتفعات كما هو الحال في لبنان وسوريا على سبيل المثال، إلا أن هذه الظاهرة معكوسة تماما في اليمن ويرجع ذلك إلى اساب طبيعية كالمناخ والرطوبة ودرجة الحرارة المرتفعة, واسباب اخرى منها عدم تبني استراتيجية عامة سواء بالاستفادة من اغلب اراضي السهول للزراعة واقامة مشاريع اقتصادية وبناء مدن تجارية و سكنية ساحلية وتوفير الخدمات الاساسية لجذب واستقطاب السكان للعيش فيها واستيطان الجزر ايضا, وامنيا تكون خط دفاع متقدم لحماية الامن القومي لليمن من تعرضه لأي عدوان وخطر خارجي فكل غزاة اليمن عبر التاريخ اتوا من البحر واخر مكان يغادروا منه هي السواحل اليمنية, بل أن بقاء غزاة ومحتلين في مدن ومناطق ساحلية يمنية تهديد قائم وخطر يترقب الظروف والفرصة لاحتلاله لليمن مرة أخرى .ومن خريطة التوزيع الجغرافي للسكان يتضح أن الساحل الغربي أعلى كثافة سكانية من الساحل الجنوبي وذلك للصفة الصحراوية الجافة والحرارة العالية التي يتمتع بها الساحل الجنوبي ولأن الساحل الغربي بسكانه امتداد متصل لسكان الإقليم الجبلى المتاخم له لارتباط سكان الإقليمين من حيث النشاط الزراعي وفي الاستفادة المباشرة من الموانئ الغربية.
الهضبة الشرقية
يعد هذا الإقليم من أكبر الأقاليم مساحة وأقلها سكانا ويأتي بالمرتبة الثالثة من حيث نسبة السكان ويضم 14,8% من مجموعة سكان اليمن بحسب تعداد 1994م, وهذا النطاق أكثر مناطق اليمن طردا للسكان بسبب طبيعته الصحراوية القاحلة وظروف مناخها القاسية وافتقارها للموارد المائية وندرة طرق المواصلات فيها وانعزالها النسبي عنه ومن المناطق الساحلية والجبلية، وإن تواجد السكان ففي مناطق صغيرة متناثرة ومعزولة نسبيا، ويشير ذلك إلى ظهور إقليم واسع المساحة متخلخل السكان وينعكس على هذه الظاهرة في الجغرافية السياسية حالة في غير صالح الأمن القومي للدولة في الأقاليم المتخلخلة السكانية ليسهل اختراقها في حالة الحروب والأزمات, إلا أن الذي يمنح هذا الضعف شيئا من القوة هو كونه إقليما صحراويا وصعب الاجتياز وخاليا من طرق وعقد الاتصالات, إلا أن ظهور ما يشير إلى غنى هذا الإقليم بالموارد النفطية يحتم على الدولة اتخاذ ما يلزم لمعالجة ذلك التخلخل السكاني والأمني، ومقارنة تلك الفجوة في كثافة السكان بين المرتفعات واقليم السهول والهضبة الشرقية يتمثل الأول في أمانة العاصمة التي تبلغ كثافتها 4358 نسمة /كم2, والأخير في المهرة 2نسمة/ كم2، وبشكل عام فأن السهول الساحلية والصحراء يشكلان مصدر خطرا على الأمن القومي اليمني في حالة الغزو الخارجي على مر التاريخ.
التركيب والتكوين السكاني
إن التركيب والتكوين السكاني لليمن أثرهما في وزنها السياسي الداخلي والإقليمي, سواء التركيب السكاني النوعي والعمري والاقتصادي والتعليمي او التكوين السكاني سواء الأثنى والقبلي والسياسي، فبالرجوع إلى التعداد السكاني لعام 1994م, وعام 2004م, من حيث التركيب السكاني يتضح أن اليمن لا تعاني خللا في نسبة النوع الذكور/ الأناث مما يجعلها تتفادى كثيرا من المشكلات الناجمة عن وجود خلل مما يمنحها عامل قوة ذاتية ما دام المجتمع يعتمد على قوة عمل الذكور الوطنية, في حين أن دول الجوار العربية تعاني من ذلك مما سبب لها العديد من المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تضعفها جيوبولتيكيا مما يضطرها إلى الاستعانة والتعويض عن ذلك بالأيدي العاملة الأجنبية.
فيما يعد التركيب العمري والذي يقسم تقليديا على ثلاث فئات عمرية (فئة صغار السن 1-14 سنة, فئة 15-64 سنة, وفئة كبار السن أكثر من 65 سنة)، فأحد المحددات المهمة للقوة العسكرية والسياسية للدول ومدى قدرتها على الدفاع عن سيادتها، كما أن التركيب العمري لسكان أي مجتمع من إبراز الخصائص الديمغرافية التي تميز شخصية هذا المجتمع لأن هذا النوع من التراكيب هو العامل الحاسم في تحديد وبلورة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، فضلا عن أن التركيب العمري دليل عام يوضح قوة العمل الإنتاجية ونسبة الإعالة ومرحلة السكان العامة.
وبخصوص الفئة الثانية ذات الأعمار (15- 64 سنة) فإنها نقطة الارتكاز في تسيير كافة مجالات النشاط الاقتصادي وهي التي يتمحور حولها فاعلية الإنسان ونشاطه العضلي والذهني, كما أنها الفئة المنتجة والفعالة في المجتمع وهي التي تسهم في نمو السكان وتعتمد عليها الفئتان الأخريتان وهذه الفئة هي الأكثر قدرة على الحركة والهجرة، إن هذه الفئة تمثل القوة التي يمكن أن تعبأ كليا أو جزئيا داخل الدولة ضد أية قوة داخلية على البلد وهي التي تمون القوات المسلحة بمختلف صنوفها وخاصة الأعمار بين (18- 35 سنة)، وهي التي تستند وتتسابق عليها الأحزاب والفئات السياسية في كسب أعضاء جدد لتوسيع أرضيتها.
التكوين الأثنوغرافي
يقصد بالتكوين الأثنوغرافي لسكان الدولة مدي رجوعهم عرقيا إلى أصول واحدة ومدي تجانسهم من حيث اللغة ومدى توافقهم من حيث ارتباطهم بدين واحد أو بمذهب واحد, فالعرق واللغة والدين هي العناصر الأثنوغرافية الثلاثة المهمة التي لها أثر كبير في ترابط سكان الدولة وتماسكهم وتعاطفهم بعضهم مع بعض, وهي أهم أسس العلاقات الداخلية في الدولة وأهم العناصر التي تقوم عليها القومية أو الوطنية، وتختلف الدول من حيث تجانسها الأثنى, فبعضها ذات تكوين بسيط وبعضها ملتئمة والأخرى معقدة, وسكان اليمن يتميزون بعدم التنافر الأثنى رغم التنوع البسيط في الملاحم الشكلية لبعض السكان وهي عموما دولة ملتئمة أثنوغرافيا.
الدين
يعد الدين احد أهم العناصر الأثنوغرافية الشمولية لوحدة السكان الذي يؤثر تأثيرا في وحدتهم من حيث تماسك المعتقد والقيم الدينية والأخلاقية, ويتمثل هذا العنصر في اليمن بالدين الإسلامي الحنيف الذي كان وما يزال منذ ظهور الدعوة الإسلامية, أحد عوامل وحدة وقوة الشعب اليمني، وقد أشار دستور الجمهورية اليمنية في المادة رقم (2): إن الإسلام دين الدولة، وفي المادة رقم (3): إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لجميع التشريعات، لذلك فاليمن لا تعاني من أية مشاكل داخلية حادة ذات علاقة بالتكوين الديني وهذا أحد عناصر قوتها الداخلية، وإن وجود ثلاثة مذاهب ضمن المجتمع اليمني لا يكون تنافرا وصداما بقدر ما هو التئام وتقارب في الهدف وهو إعلاء كلمة الله والدين ووحدة الوطن, وذلك لشيوع روح التسامح بين إبناء هذه المذاهب جميعا, وهذه الظاهرة تعد أحد عناصر قوة المجتمع ووحدتها الداخلية ايضا مقارنة مع ما في بعض الأقطار من فرق متناقضة أو متناحرة فيما بينهما.
اللغة
من أبرز العوامل البشرية التي تساعد على قوة الدولة وحدة اللغة فالأمم التي تجمعها لغة واحدة هي الأقرب إلى تكوين كيان سياسي قوى، وتكتسب اللغة أهمية خاصة عند الجغرافيين السياسيين, فهي وعاء الثقافة ومعلم أساسي من معالمها, ويتم بواسطتها انتقال العناصر الثقافية من جيل لأخر, كما أنها تشكل إحدى الوسائل المهمة للحفاظ على الهوية الثقافية, بجانب أنها أداة مهمة وضرورية لبناء وتحقيق التجانس والتماسك السكاني بالدولة، وتعد اللغة أهم الروابط التي تلعب دورا كبيرا في توحيد الشعوب التي تنتمي إلى الأمة, فهي وسيلة التعبير والتفاهم ونقل الأفكار والحضارة، وافراد الشعب الذين يشتركون في لغة واحدة يتقاربون ويتعاطفون فيما بينهم بخلاف الشعب الذي جمع بين أناس يتكلمون أكثر من لغة فإن ذلك يقود إلى انفصال المجموعات بعضها عن بعض وبالتالي يعد نقطة ضعف في الدولة، وتزداد اللغة أهمية كلما كانت أوسع انتشارا حيث تعمل على الترابط والتلاحم بين الناطقين بها, بينما تصبح مشكلة كبري عندما تتعدد اللغات في داخل الدولة الواحدة، فمن أكثر الأخطار التي تهدد الدول والكيانات السياسية هي تعدد اللغات في داخل حدود الدولة الواحدة, فالهند مثلا يتكلم أهلها بنحو 12 لغة رئيسية وعدد كبير من اللهجات واللكنات المحلية, كذلك لعبت اللغة دورا خطيرا في سرعة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وتكوين جمهوريات مستقلة فقد كان يضم داخل هذا الكيان السياسي الكبير نحو 100 قومية, وكان هذا التعدد القومي مرتبطا بتعدد في اللغات والثقافات أيضا, وفي هذا الصدد يشير الدكتور "محمد عبدالسلام" في كتابه (الجغرافيا السياسية دراسة نظرية وتطبيقات عالمية) ان من أكبر عيوب الادارة الحكومية السوفيتية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي هو فرض اللغة الروسية على كل الجمهوريات كلغة رسمية وكلغة للتعليم والتعامل الرسمي والتجاري.
لهذا فاللغة من الروابط العامة التي لها أهميتها في التكوين السياسي للدولة وفي العلاقات الداخلية بين سكانها, فهي وسيلة للتفاهم ونقل الأفكار والمعتقدات، وهي السجل الذي يحمل للدولة تراثها، كما أن اللغة الموحدة تؤثر تأثيرا كبيرا في توحدي مشاعر السكان وطموحاتهم فضلا عن كونها رباط معنوي مهم, وفي اليمن ينص دستورها في المادة (4): غلى أن اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية، وهي اللغة التي يتحدث بها سكان اليمن، ولقد ساعدت البيئة الطبيعية في اليمن على ظهور بعض اللغات في بعض أرجاء اليمن ومنها (اللغة المهرية): وهي لغة خاصة بسكان المهرة وتتميز بوجود بعض الخصائص الصوتية ويتكلم بها فضلا عن اللغة العربية ما يقارب ( 56425 نسمة), بحسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء 1994م، فيما (اللغة السقطرية) وهي لغة سكان جزيرة سقطري وهي لغة غير مكتوبة وإنما لغة تخاطب فقط, ويتكلم بهاء زهاء (90 ألف نسمة)، ومع ذلك فإن اللغة العربية تمثل اللغة الموحدة لجميع سكان اليمن وهي أحد عناصر القومية العربية فيها وأحد العوامل الرئيسية التي تسهم في وحدة مشاعر اليمنيين ونقل وتدوين تراثهم وتراث أمتهم العربية والإسلامية.
القبيلة في اليمن
من المؤكد أن القبيلة في اليمن ذات تأثير لا يمكن تجاهله في الحياة السياسية والعسكرية, ويعد التكوين القبلي من أهم التكوينات البنيوية للسكان التي قد تؤثر سلبا أو أيجابا في الاستقرار السياسي ومن ثم التكامل القومي، وتعد القبيلة في اليمن هي أكبر وحدة قرابية وسياسية واقتصادية وتتجزأ القبيلة إلى أجزاء رئيسية وفرعية متعددة وهذه الأجزاء تختلف من حيث العدد والمساحة الجغرافية التي تشغلها، ولذلك فالنظام القبلي في اليمن ركن أساس لهذا المجتمع ولا يمكن أن نتصور بلدا كاليمن بدون ذلك النظام فهو ظاهرة تاريخية وسياسية وثقافية واجتماعية, وتكون القبائل بحدود 80- 85% من مجموع السكان, ويبلغ عدد القبائل 167 قبيلة منها 140 قبيلة تسكن إقليم المرتفعات والإقليم الصحراوي و27 قبيلة تغطى المناطق الساحلية تهامة.
ومن اهم القبائل اليمنية التي تتوزع على الخارطة الجغرافية لليمن وكان له تأثير على الحياة السياسية والعسكرية منها قبيلة حاشد وبكيل, وهي من أهم القبائل اليمنية وأشهرها وإبرزها على الساحة السياسية على الإطلاق ويرجع ذلك إلى تماسكها البشري والجغرافي, وتمتد من صنعاء جنوبا حتى صعدة شمالا ومن الجوف شرقا إلى حرض غربا وتنتشر هذه القبائل في المرتفعات الشمالية، فيما قبيلة عبيدة ومراد والجدعان وتمتد بين مأرب والجوف وشبوة بالاضافة إلى قبيلة وائلة بصعدة وهي بوضعها الجغرافي ملاصقتها للحدود اليمنية والسعودية، ومن القبائل اليمنية قبائل الزرانيق والأوازع والمعافر, فالزرانيق في سهول تهامة حول الحديدة وزبيد أما قبائل المعافر والأوازع وغيرهما فتمتد حتى محافظة تعز ولحج ومحافظة إب، وايضا قبائل المهرة وحضرموت كقبيلة صيعر التي تسمى "بذئاب الصحراء" والتي توجد في المنطقة الحدودية الفاصلة بين اليمن والسعودية عند منطقة شرورة، فيما أهم قبائل شبوة وأبين والضالع العوالق وردفان والفضلي وقبائل ردفان وكان له دور على الخارطة السياسية والعسكرية في مقاومة المحتل البريطاني حيث كان الشرارة الأولى لانطلاق ثورة 14 اكتوبر 1963م, من جبال ردفان، وبشكل عام وخاصة القبائل الحدودية تمارس عليهم السعودية ضغوطات معينة عند توتر الأوضاع السياسية داخل اليمن او علاقة اليمن بالسعودية محاولة استمالتهم لها لتحقيق اهدافها واغراضها التوسعية في الأراضي اليمنية وزعزعة الاستقرار الداخلي لليمن سياسيا وعسكريا اقتصاديا واجتماعيا، وحوادث التاريخ الحديث والمعاصر ملئ بالتدخلات السعودية بالشؤون اليمنية عبر بوابة بعض القبائل اليمنية.
الانتماء والوحدة
إن الشعور الوحدوي ووحدة المصير والانتماء أفكار متجذرة ووعى راسخ لدى عموم سكان اليمن، وقد أجبر هذا الوعى السلطتين اليمنيتين سابقا في الشمال والجنوب على حد سواء في أن تأخذ ذلك في حساباتها السياسية وتوجهاتها القومية، وعندما وجدت قياداتا الشطرين أن الاندفاع الشعبي الكبير يدعمها ويشد أزرها وأن الرأي العام يمارس الضغط عليها بمختلف الوسائل للتعجيل بإعلان الوحدة شرعت باتخاذ الإجراءات لتحقيق هدفها السياسي، بمعنى أن السكان واندفاعهم الجارف نحو تحقيق الوحدة أصبح عامل ضغط على أي طرف يفكر بالتراجع عن تنفيذ الاجراءات الوحدوية المتفق عليها أو يحاول وضع إنشاء معوقات أمام الوحدة, وبذلك يكون انجاز الوحدة حصيلة لتعاون مشترك بين الجهد الشعبي المتمثل بدور السكان والجهد الحكومي المتمثل بالسلطة وكان من الصعوبة تحقيق الوحدة اليمنية بدون موافقة كلا الطرفين، فالتوجه الوحدوي لسكان اليمن يمكن أن يعبر عنه بجغرافية السلوك السياسي للسكان نفسيا وبفعل المؤثرات القومية باتجاه وحدة الأرض ووحدة الشعب.
ومع احداث حرب صيف 1994م, واعلان قرار الانفصال والتراجع عن المشروع الوحدوي لليمن, فقد كان هذا الاعلان الخطير يتناقض ويتعارض مع السلوك السياسي والمشاعر القومية لجميع سكان اليمن شمالا وجنوبا, لذلك هب السكان في اليمن عموما دفاعا عن الوحدة اليمنية التي ناضلوا وجاهدوا من أجلها سنين طويلة ضد القوى الخارجية التي شطرت اليمن وحاولت الابقاء عليها بلدا مقسما ومجزئا وضعيفا، إلا أن تصميم الشعب اليمني على إنجاز والحفاظ على وحدة اليمن بعد أن تخلص من الضغوطات الأجنبية تعكس جانبا من الصورة الأشمل لتطلع الشعب العربي في عموم الوطن العربي باتجاه تحقيق الوحدة العربية الشاملة ومن ثم تحقيق الوحدة الإسلامية ولحماسته وجهاده وتضحياته من أجلها، لذلك جاءت الوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو1990م, لتمنح اليمن حجما أكبر ووزنا اثقل سواءً في وضعها الداخلي سياسيا وعسكريا واقتصاديا أو في محيطها الاقليمي وعلاقاتها الدولية بما في ذلك علاقاتها مع دول الجوار الجغرافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.