في معركة بدر الكبرى تجسد مبدأ الولاء والبراء بأبها صوره ونحن حينما نستذكر مثل هذه الايام ويمننا الحبيب يواجه الهجمة الشرسة عليه من دول الكفر والمشركين وأذيالهم الذين يوجهون قواتهم وأساطيلهم وجبروتهم وشائعا تهم وحربهم النفسية وحقدهم واحدث طائراتهم لتقذف حممها لقتل المدنيين الآمنين في مدنهم وفي قراهم .. وتدمير بنية البلاد ومقوماتها من أجل موقف شريف لليمن يعارض حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة تجند له أمريكا وتحشد قواتها لإسكات صوت الحق الذي لا يرضا الظلم والطغيان الذي تمارسه الصهيونية العالمية في أرض الرباط في فلسطين .. وبعد أن مرة بناء ذكرى معركة بدر الكبرى فإن الأمل يحدونا والشوق يستَحِثُّنا إلى تجديد ماضي عهودنا، لنتذكّر أعظم فئة ظهرت في دنيا الإيمان والعقيدة، فإن من أجمل ذكريات الأمة هو نصرالله لنبيها وتأييده لدينها. أيها اليمنيون يا احفاد الأنصار : إننا مهما وقفنا من وقفات صادقة مع هذه المعركة الفاصلة فإننا لن نوفّيها بعض حقها، وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلى بعض المواقف والمآثر البطولية والدروس المستقاة "المستفادة " منها، علَّ الله أن يوفقنا إلى سلوك مسلك رسول الله ومسلك صحابته من بعده. الوقفة الأولى: قبيل المعركة سأل عوف بن الحارث رضي الله عنه رسول الله فقال: ما يضحك الربّ من عبده؟ قال : ((غمسه يده في العدو حاسرًا))، فنزع درعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه. وأخرج مسلم أن رسول الله قال لأصحابه يوم بدر: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض))، فقال عُميْر بن الحَمَام رضي الله عنه: يا رسول الله، أجنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: ((نعم))، قال: بخ بخ، فقال رسول الله : ((ما يحملك على قولك: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، وقال: فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلى أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول: ركضًا إلى الله بغير زادِ...إلا التُّقى وعَمَل المَعَاِد والصبرُ في الله على الجهاد...وكلُّ زادٍ عُرضَةُ النفادِ غيرُ التُّقى والبرِّ والرشادِ وقاتل عُكاشَةُ بن محْصَن رضي الله عنه يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله فأعطاه جِذْلاً من حطب، فقال: ((قاتل بهذه يا عُكاشة))، فلما أخذه من رسول الله هزَّهُ فعاد سيفًا طويل القامة في يده ، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين. الوقفة الثانية: قال سعد بن أبي وقاص: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يَعْرِضَنا رسول الله يوم بدر يتوارى خلف المقاتلين، فقلت: ما لك يا أخي؟! قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيسْتَصْغِرَني فيردني، وأنا أحب الخروج معكم لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعُرض على رسول الله فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة. وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إني لواقف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه، أتعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها، فلم ألبث أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، وهذان البطلان هما معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء. هكذا يجب أن يكون شبابنا- أيها الإخوة - حماس للدين وغيرة على الحرمات واهتمام بمعالي الأمور. الوقفة الثالثة: ويمثلها موقف سواد بن غزية رضي الله عنه الذي كان واقفاً في الصف الأول عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعدل الصفوف في بدر ، وكان سواد متقدماً فوكزه النبي صلى الله عليه وسلم في بطنه بعصاه قائلا له: ( استو يا سواد) فقال سواد: (( أوجعتني يا رسول الله وأريد القصاص! )) فتعجب الصحابة من ذلك ، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما حملك على هذا يا سواد ؟! )) قال: (( يا رسول الله قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جسدك الشريف ))... الله أكبر إنه الحب حب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن يتعلمه كل إنسان وينغرس في قلب كل شخص صغيراً كان أو كبيراً ، ولا بد أن تتقدم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء حتى على النفس. الوقفة الرابعة: قال عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم لأبي بكر رضي الله عنه: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلك، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذ لقتلتك. وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه يقابل أباه في المعركة ويقتله. و بعد نهاية المعركة يمر مصعب بن عمير رضي الله عنه ويرى رجل من الأنصار يأسِرُ أخاه أبا عزيز، فيقول مصعب للأنصاري : شدَّ وثاقه فإن أمّه ذات مال، فيقول أخوه: أهذه وصاتك بي؟! فيقول مصعب: هو أي: الأنصاري أخي دونك. أما عتبة بن ربيعة الذي كان أول من قاتل المسلمين من الكفار، فقد كان ولده أبو حذيفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما سحبت جثة عتبة بعد المعركة لترمى في القليب، نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي حذيفة فإذا هو كئيب قد تغير لونه!! فاستوضح منه سر حزنه، وهل هو حزين لمقتل أبيه أم لشيء في نفسه؟ فأخبره أبو حذيفة انه ليس حزينا لمقتل أبيه في صفوف المشركين، ولكنه كان يتمنى أن يرى أباه في صفوف المسلمين لما يتمتع به من حلم وفضل. إنها صور تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، ولاء لدين الله والمؤمنين به، وبراء من كل كافر ومشرك ومنافق ولو كان أقرب قريب، قال تعالى: (لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم) [المجادلة:22]. صدق الله العظم .