لم تكن كلمات السيد القائد، في خطابه الأخير، مجرد ردّ فعل سياسي على تطورات المنطقة، بل جاءت كرؤية شاملة تعكس البعد القرآني للصراع، وتعيد ترتيب المشهد بما يخلخل ثوابت الهيمنة، ويقلب موازين التضليل. في زمن يحاول فيه العدو أن يعمّم مفاهيمه، ويكرّس سلطته عبر تحالفات الخيانة وتطويع الجغرافيا، ينبري خطاب القايد ليعيد تشكيل الوعي، ويشعل جبهة الإدراك المقاوم. أمريكا.. رأس الأفعى وراعية الاجرام وضع السيد القائد، منذ مستهل كلمته، النقاط على حروف الجريمة الكبرى، مُسمّيًا أمريكا بأنها "رأس الإجرام" و"الطرف الرئيس في الحرب على غزة"، لتسقط بذلك كل أوراق التوت عن من يحاولون تجميل وجه الشيطان الأكبر، لم يعد بالإمكان التذرع بالوساطة أو تغليف الإجرام الأمريكي بعبارات "الدعم للحليف الإسرائيلي"، فالأمر، بحسب توصيف السيد، يتجاوز التواطؤ إلى القيادة المباشرة للمعركة ضد الشعب الفلسطيني، وهنا تكمن أهمية الخطاب: في قدرته على كشف المسكوت عنه، وتعرية البنية الفعلية للعدوان، وإسقاط التزوير الذي تمارسه أدوات الإعلام السياسي والديني. مركزية التحرر وامتحان الأمة يؤكد السيد القائد أن معركة غزة لم تعد مجرد قضية فلسطينية، بل باتت مقياسًا حاسمًا لمعنى الانتماء الحقيقي للإسلام، وللهوية العربية، من يقف مع غزة اليوم يقف مع القرآن، مع العدالة، مع محمدٍ، ومع كل مظلوم على وجه هذه الأرض، أما من يخذلها، فهو خارج خارطة الكرامة، وإن لبس ألف عباءة دينية أو وطنية، هنا يرتقي الخطاب من موقع الدعم إلى موقع الاصطفاف الوجودي، حيث تصبح فلسطين بوابة النجاة أو الهاوية، معيار الحق ومفترق المصير. اليد الضاربة أراد العدو أن يضع اليمن في زاوية الحاجة والضعف، فجاءت المعادلة اليمنية، كما عرضها السيد القائد، لتعكس المعادلة: يمن الإيمان لم يخذل، لم يتراجع، بل تقدم بخطى ثابتة في الجبهة البحرية، مقدمًا نموذجًا ناصعًا للشراكة العملية مع فلسطين، إنها شراكة الدم والموقف، لا البيان والتغريد، يوضح السيد أن اليمن، ورغم الظروف، حاضرٌ بكل ثقله، وأنه مستمرٌ حتى يتوقف العدوان أو تنهار "إسرائيل"، فالمعادلة لم تعد تحتمل المنطقة الرمادية: إما مقاومة حتى النصر، أو خنوع إلى الأبد. استراتيجية الوجع المزدوج بذكاء ميداني وسياسي، أبان السيد عن البُعد الإستراتيجي للمعركة البحرية، مؤكدًا أنها نجحت في إرباك العدو اقتصاديًا، وفي فضح التواطؤ الغربي، ولم تعد هذه العمليات محصورة في بعدها التكتيكي، بل باتت أدوات ضغط سياسي تفتح على العالم نافذة جديدة لفهم من هو المعتدي ومن هو صاحب الحق، إنها ليست فقط صواريخ وطائرات، بل هي أيضًا رسالة قرآنية في قالب عسكري، تثبت أن الأمة حين تستند إلى الله، تُبدع أدواتها، وتخلق توازنها. الخونة والمرتزقة: السقوط الأبدي لم ينسَ السيد القائد أن يُعرّي أولئك الذين باعوا شرفهم في سوق النخاسة السياسية، بلهجة تقطر حرقة واحتقارًا، وصفهم بأنهم لا يمثلون الشعب اليمني، ولا حتى الإنسانية، إنهم أدوات رخيصة في يد المحتل، لا يهمهم دمٌ ولا عرض، ولا حتى بقاء وطن، هؤلاء، كما جاء في الخطاب، سقطوا سقوطًا لا قيامة بعده، ولن تُفلح كل أدوات التجميل في إعادة تدويرهم أو تبييض صفحاتهم. ختامًا يمكن القول إن خطاب السيد القائد لم يكن فقط توصيفًا لحالة آنية، بل هو إعلان مستمر عن هوية مقاومة لا تنكسر، تقف في وجه الطغيان الأمريكي الصهيوني ومعه حثالة الخيانة، وهو في الوقت ذاته دعوة إلى بناء وعي جديد، يقاوم الترويض، ويستند إلى مركزية القرآن كمصدر للهداية والصمود. إنه خطاب من نار ونور: نار تحرق أصنام التبعية والخوف، ونور يهدي إلى صراط الكرامة والتحرر.