الرئيس المصري الأسبق «جمال عبدالناصر» هو الرئيس العربي الوحيد الذي وصل إلينا -من خلال تهويل الإعلام- بوصفه «الزعيم الهمام» الذي تتبارى في وصفه الأقلام، إلَّا أنَّ نجليه «عبدالحكيم» و«هدى» طلعا علينا -مجددا- بحقائق وممارسات نسفت ما ظللنا نتغنى به من أمجاد «الزعيم الأثيل» بما في ذلك جسارته في وجه «إسرائيل». لعل أبناء الزعيم «جمال» قد تعرضوا -نتيجة انشغال أبيهم ببناء مجده الشخصي الذي اعتمد بناؤه على الأقوال لا الأفعال- للإهمال، الأمر الذي حملهم -بعد وفاته- على اهتبال كل فرصة تدرُّ عليهم الأموال، بصرف النظر عمَّا قد يترتب على بلوغهم ذلك المأرب من إضرار بالمصالح الوطنية أو بسمعة والدهم الذي ظل متصدرًا المشهد العربي -حيًّا وميتًا- لأكثر من 7 عقود زمنية. شرعنة صهيان «صنافير» و«تيران» منذ أن اضطلع النظامان السعودي والإماراتي بتمويل انقلاب «عبدالفتاح السيسي» منتصف عام 2013 على شرعية الرئيس «محمد مرسي»، منذ ذلك الحين والرجل يدفع لهما الثمن الثمين بصور مختلفة تصدرتها فرص التملك تحت يافطة الاستثمار المشترك، وإذْ كانت الإمارات أبرع وأسرع في الاستحواذ على أهم المنشآت ذات الصلة باتخاذ القرارات تحت مسمى استثمارات، كان لا بد أن تمنح السعودية -بالاستناد إلى وثائق وهمية- مكافأة تليق بمكانتها الروحية الإقليمية، فتوافق أطراف الغش والتزوير على سعوَدة جزيرتي «تيران» و«صنافير». ولأنَّ جميع ما قُدِّم -في سبيل تمرير الصفقة- من وثائق ملفقة لم ينل الحدَّ الأدنى من الثقة، ولم يمنح البرلمان المصري أوهى مبررٍ للمصادقة وشرعنة الصفقة، انبرت الحرة ابنة الحر «هدى عبدالناصر» -بعد إدلائها بعدة تصريحات نارية تؤكد أنَّ الجزيرتين ذواتا هوية مصرية- متقدمة بما اعتبر وثيقة حصرية تعود إلى «الحقبة الناصرية» يؤكد مضمونها أنَّ ملكية الجزيرتين تعود ل«السعودية»، وأنهما قد انتقلتا -وفق تأكيد أبيها- إلى السيادة المصرية بصورةٍ ودية، موحيةً أنَّ عودتهما الودية إلى السيادة الصهيوسعودية سيسهم في تسريع ما سوف يتم -بين حكام بلد الحرمين و«النتن بنيامين»- من توقيع اتفاقية التطبيع. وقوفه على الضريح دعمًا للترشيح من الحقائق المؤكدة أنَّ ذيوع صيت الرئيس «جمال عبدالناصر» وشهرته الزائدة قد منحاه -بالرغم من اتسام عهده بالاستبداد فضلًا عن فظاعة مفاسده- شرعية سياسية ومجتمعية رائدة جعلته مضرب الأمثال لكل من ينشد في الحكام العرب بلوغ قدرٍ من الكمال. ولأنَّ صعود «السيسي» إلى كرسي الرئاسة كان ثمرة تآمر أسوأ نظامين عربيين عرفهما التأريخ المعاصر، وترتب على ترؤسه ارتكاب اثنتين من أبشع المجازر، فقد كان على يقين تام أنه لن يحظى بالحدِّ الأدنى من القبول إن هو ترشح للانتخاب مجرَّدًا من الأوصاف والألقاب، وأنه سيظل لدى المواطن المصري -إلى أن تحين لحظة الحساب- موضع شكٍّ وارتياب، فعمد إلى البحث عن وسيلة تمنحه التميز على كافة ضباط جيله، وأنَّ البلد سيستعيد على يده ما غرب من مجده، فوجد ضالَّته -حتى يتمكن من تلميع صورته وتزيين مساوئه- في رجل المهمات الطارئة «عبدالحكيم عبدالناصر» الذي لم يتورع عن الاضطلاع بمهمة تلصق به التهمة، فبادر -بالتزامن مع التحضر لأول انتخابات مصرية صورية تهدف إلى تخفيف وقع الانقلاب على أول وأنزه انتخاب في تأريخ الجمهورية- إلى زيارة ضريح الراحل والده، ولم يلبث أن ترحم عليه حتى توجه بالحديث إليه -بنبرةٍ مطمئنة- بأنَّ مصر قد رزقت في هذا المنعطف بخير خلف لخير سلف موحيًا للأغلبية الجماهيرية المترددة بأنَّ «السيسي» أشبه حكام مصر بوالده وأنَّ مقارنته به من بواعث إسعاده. وما من شكِّ أنَّ قيام «عبدالحكيم عبدالناصر» بتلك المبادرة الحكيمة ومنح «السيسي» -من خلال تشبيهه بالزعامات العربية القديمة- ما ليس أهلًا لهُ من القدر والقيمة قد عاد عليه بالكثير من المكاسب المادية والمعنوية التي تتناسب وتأثيرها الكارثي في التمكين الفظيع لأبرز عرابي التطبيع. نشر تسجيل يُعملِق «إسرائيل» ما ظل مكرسًا في الأذهان إلى حدِّ الآن أنَّ الراحل «جمال عبدالناصر» كان أجرأ الحكام العرب على مواجهة «دولة الكيان»، وأنَّ ما منيَ به هو وعدد من نظرائه عام 1967 من هزيمة كان نتيجة خدعةٍ سوفييتيةٍ لئيمة تمثلت في تزويده بشحنات أسلحة قديمة لم تكن عند مستوى التصدي للمهمة. إلَّا أنَّ التسجيل الذي نشره نجله «عبدالحكيم» أواخر أبريل الذي احتوى الكثير من جمل وعبارات التنصل عن خوض حربٍ ثأرية وتحريرية مع «الدولة العبرية» غيَّر الكثير من الانطباعات والمفاهيم التي كانت راسخة في الأذهان عن شخص الزعيم، الأمر الذي حملني -أنا شخصيًّا- على تصفح الحديث والقديم، فوجدت في طيات مقال طويل للكاتب المصري «محمد عبدالعزيز» بعنوان [عبدالحكيم جمال عبدالناصر يكشف كواليس نشر تسجيل عبدالناصر والقذافى] نشر في موقع «إيجي برس» في ال28 من أبريل الماضي توكيدًا شديدًا من «عبدالحكيم» أصغر أنجال الزعيم (أنَّ والده لم يقل قط: "سنلقي إسرائيل في البحر"، ولم يقل أيضًا: "سنحرر فلسطين من النهر إلى البحر").