تفي مشهد يتجاوز حدود السرد الإخباري ليلامس جوهر الدراما، تتكشف فصول المواجهة البحرية والجوية التي تقودها القوات المسلحة اليمنية، لتفرض حصاراً خانقاً على كيان العدو الإسرائيلي. لم تعد تداعيات هذه العمليات محصورة في الممرات الملاحية فحسب، بل امتدت لتضرب عمق الكيان المحتل، فتهز أمنه المزعوم وتدفعه نحو استجداء المساعدات الإنسانية لغزة تحت ضغط غير مسبوق، في اعتراف ضمني بفاعلية "طوفان اليمن". 26 سبتمبر – خاص لم تكن صحيفة "كالكاليست" العبرية لتنشر ما نشرته حول تعليق العديد من شركات الطيران الدولية لرحلاتها إلى الأراضي المحتلة لولا قسوة الواقع الذي فرضه الرد اليمني بالعمليات العسكرية النوعية والقصف المستمر لعمق الكيان والهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف مطار "بن غوريون" في مطلع مايو الحالي، وما مثله ذلك الموقف الثابت والتحرك العسكري الفاعل من ضربات استراتيجية كشفت هشاشة "القبة الحديدية" المزعومة. كما أن إلغاء شركات طيران يونانية، إيطالية، بولندية، فرنسية، وهولندية لرحلاتها، وتجميد "لوفتهانزا" لقرار استئنافها، وصولاً إلى تعليق "طيران كندا" لرحلاتها حتى سبتمبر القادم، كلها مؤشرات لا تقبل التأويل على أن المطارات والموانئ المحتلة لم تعد آمنة. مشهد الذعر أيصا الذي دفع مئات الآلاف إلى الملاجئ، وتوقف حركة السير في لحظات الإنذار، هو دليل دامغ على أن عمليات اليمن قد اخترقت العمق الإسرائيلي، محولة المظهر السريالي الموصوف في موقع "إسرائيل ديفينس" إلى كابوس حقيقي يعيشه المستوطنون. واشنطن تتبرأ و"تل أبيب" تواجه المصير المحتوم يضع تقرير "إسرائيل ديفينس" النقاط على الحروف، كاشفاً عن تحول استراتيجي في المنطقة. ففي ظل تصاعد التهديدات اليمنية، يتراجع الدور الأمريكي المباشر، رغم القدرات العسكرية الهائلة التي تمتلكها واشنطن. يكشف التقرير عن اكتفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من صنعاء الالتزام بعدم استهداف السفن الأمريكية، وفصل حظرها للسفن الإسرائيلية وتلك المتجهة من وإلى موانئ الكيان في شواطئ الأراضي الفلسطينية المحتلة عن المعادلة الأمنية التي تشمل الخليج والولايات المتحدة. هذا الفصل ترك "تل أبيب" تواجه منفردة تهديداً صاروخياً مستمراً، حيث لا تزال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية اليمنية تطلق باتجاه الأراضي المحتلة، متحديةً منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "ثاد" والإسرائيلية "آرو". يشار إلى أن السؤال الذي يطرحه الموقع حول رد فعل ترامب لو أُطلق صاروخ باليستي من كندا أو المكسيك على مطار جون كينيدي في نيويورك، ليس سوى محاولة لإبراز حجم العزلة العملياتية التي يعيشها "الكيان" رغم تحالفه الاستراتيجي مع واشنطن. يؤكد تقرير "معهد دراسات الأمن القومي للعدو الإسرائيلي لعام 2024" أن الترسانة العسكرية لليمن، من صواريخ متعددة وصواريخ كروز ومضادة للسفن، قد حولت صنعاء إلى فاعل عسكري بعيد المدى، يفرض معادلة جديدة في المنطقة. وفي سياق التصريحات المقتبسة لوزير الحرب الأمريكي لفوكس نيوز، والتي يؤكد فيها: "لن نكرر ما فعلناه بالعراق وأفغانستان وما فعلناه مع "الحوثيين" حماية للملاحة. لم ندمر "الحوثيين" تماما ولدينا أمور أخرى نحتاج للتركيز عليها مثل إيران والصين"، يتبين أن واشنطن تتنصل من مسؤولية حماية الكيان، وتترك له مواجهة مصيره مع اليمن بمفرده. اليمن ينتصر ونتنياهو يرتد تحت الضغط في خطوة حاسمة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن قرار فرض حظر بحري على "ميناء حيفا" رداً على تصعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. هذا الإعلان، الذي حوّل الميناء إلى "بنك أهداف" منذ لحظة البيان، يأتي تتويجاً لنجاح فرض الحصار على ميناء أم الرشراش (إيلات) وتوقفه عن العمل. وتأتي هذه الإجراءات، التي أُعلن عنها لاحقاً، بما في ذلك الحظر الجوي، لتجبر الكيان على الانصياع لشروط اليمن: إيقاف جرائم الإبادة، وإدخال المساعدات، وإعادة الإعمار في غزة. وفي رد فعل يكاد يكون مباشراً لإعلان القوات المسلحة اليمنية، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريراً بعنوان "نتنياهو يأمر بتجديد المساعدات الإنسانية لغزة على الفور، تحت ضغط أمريكي شديد". هذا القرار، الذي اتخذه نتنياهو دون تصويت في "الكابينت" وسط معارضة واسعة من اليمين المتطرف، هو دليل قاطع على أن الحصار اليمني قد أتى بثماره. فبعد أشهر من التعنت، يضطر نتنياهو إلى التراجع والرضوخ للضغوط، تحت ذريعة منع "أزمة جوع" تهدد "استمرار العملية الرامية إلى هزيمة حماس". إن تصريحات نتنياهو بأن الضغط على "كيانه" "يقترب من الخط الأحمر" وأن "سناتورات أمريكيين مؤيدين لإسرائيل" طالبوه باستئناف المساعدات لمنع مجاعة جماعية وإلا "لن نحظى بدعمهم"، تكشف عن حجم المأزق الذي يعيشه الكيان. هي ليست مبادرة إنسانية، بل هي استجابة مذلة لإملاءات الخارج، ونتيجة مباشرة لفاعلية الضربات اليمنية التي جعلت "أمن إسرائيل" المزعوم في مهب الريح. الكيان يتصدع من الداخل لم يقتصر تأثير الحصار اليمني على المطارات والموانئ، بل امتد ليضرب عمق الداخل الإسرائيلي، كاشفاً عن تصدعات عميقة في الائتلاف الحاكم. فقرار نتنياهو استئناف المساعدات قوبل بانتقادات حادة من وزراء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير، الذي وصف القرار ب "الخطأ الفادح"، محذراً من أنه "يغذي حماس ويمنحها الأكسجين". كما أن تهديدات سموتريتش بالانسحاب من الحكومة إذا دخلت "ذرة واحدة من المساعدات" إلى غزة، وانتقادات نواب "الليكود" أنفسهم، كلها مؤشرات على أن الكيان يعيش حالة من التخبط والتناقض. وكذا اتهامات زعيم المعارضة بيني غانتس لنتنياهو ب "الاختباء وراء جيش الدفاع والمؤسسة الأمنية عند اتخاذ قرارات تزعزع استقرار ائتلافه"، تؤكد أيضا أن الأزمة تتجاوز مجرد خلاف حول المساعدات. إنها أزمة قيادة، أزمة استراتيجية، وأزمة وجودية يفرضها العدوان اليمني، الذي أظهر للعالم أن الكيان، رغم ترسانته العسكرية، ليس سوى نمر من ورق أمام الإرادة اليمنية الصلبة. خلاصة: أمن إسرائيل المزعوم يتهاوى في النهاية، وأمام ضربات طوفان اليمن تتجمع كل الخيوط لتكشف عن حقيقة واحدة لا لبس فيها: إن مجمل الإجراءات والخطوات التي بدأ العدو في اتخاذها، أياً كانت المبررات المعلنة، تصب في مسار البحث عما يسمى ب"أمن إسرائيل" الذي تفرضه العمليات اليمنية. من الحظر البحري إلى الحظر الجوي، ومن انهيار شركات الطيران إلى استجداء المساعدات الإنسانية، كل هذه التداعيات تؤكد أن "طوفان اليمن" قد نجح في إرباك الكيان، وكسر هيبته، وفرض شروطه في مواجهة الإبادة الجماعية في غزة. إنها بداية النهاية للزعم الزائف والمسمى ب"الأمن الإسرائيلي" المكذوب، الذي تهاوى أمام صمود اليمن وإرادته في الانتصار للحق الفلسطيني. بل أن تصريحات المسؤولين تؤكد استمرار القوات المسلحة اليمنية في فرض حصارها حتى تُلبى جميع الشروط المتعلقة بغزة، وأن على الكيان ألا يحاول التملص من هذه الشروط بطريقة أو بأخرى.