في ال28- 30 تموز/ يوليو 2025م من الشهر الماضي عقد في نيويورك ما عُرف بالمؤتمر الدولي لدعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ولبحث سبل تنفيذ حل الدولتين.. شارك فيه 16دولة عربية وأجنبية من أصل 193 دولة عضواً بالأممالمتحدة ، تعترف 142 دولة على الأقل بالدولة الفلسطينية.. وقد أتفق المشاركون بحسب ما جاء في البيان الختامي على إدانة حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ 22 شهراً، وعلى ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس حل الدولتين ومنح فلسطين عضوية كاملة بالأممالمتحدة. خالد الأشمودي المؤتمر أختتم بدون مشاركة الكيان الإسرائيلي والولاياتالمتحدة إلا أن إعلان الدول المشاركة والإعراب عن عزمها الإعتراف بدولة فلسطين يعد موقفاً إيجابياً وتطوراً جيداً وسط ما تشهده المنطقة من طغيان إسرائيلي فهل تم هذا الاعتراف والذي سيكون ضبابياً؟ بحسب رأي (الميادين) بمعنى ألا يتم تحديد حدود تلك الدولة في بيان الاعتراف (حدود الرابع من حزيران لعام 1967؟) أم سيترك الأمر لمجريات المفاوضات التي قد تتم مستقبلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ أم ستكون هناك شجاعة وجرأة للقيام بدولة فلسطينية على الأرض المحتلة سنة 1967 وبكامل حقوقها؟ في هذا المقال نُذكر بآراء عدد من الباحثين والإعلاميين الذين كشفوا في كتاباتهم وأطروحاتهم بأن إعلان نيويورك مغالطات إستراتيجية عميقة عديدة ، برغم ما تضمنته عدد من بنود البيان من تأكيد بعض الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ، إلا أن هذه الحقوق الإيجابية تقابلها مغالطات وأخطاء إستراتيجية.. نتوقف عندها بحسب المتحدثين: - عبد الفتاح الماضي (العربي الجديد) في 4/ أغسطس/ 2025م كتب تحت عنوان (مغالطات إعلان نيويورك- إبتزاز الضحية) بقوله: "رغم امتلاك الدولة العربية عديداً من عوامل القوة التي يمكن توظيفها لخدمة القضية الفلسطينية، لكن معظم هذه العوامل تُركت من دون تفعيل فقد توجّهت دول عربية إلى نيويورك لحضور ما عُرف ب"المؤتمر الدولي لحلّ الدولتين (28-30تموز/ يوليو2025))، وعادت بإعلان لن يكون مصيره مختلفاً عن مصير عشرات القرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة، ما دام تعطيل سياسة المبادرة والتأثير مستمرّاً، في وقتٍ يفعّل فيه الطرف الآخر أدواته، مدعوماً بتحالفات إقليمية ودولية.نعم، يتضمّن الإعلان بعض الإيجابيات، غير أن هذه الإيجابيات تقابلها الكثير من المغالطات والأخطاء التي من شأنها إبتزاز الضحية مثلاً: القول إن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع خطأ استراتيجي، لأنه لا يعالج جذور الأزمة أولوية النظام الأمني الإقليمي على الحلّ العادل - ذلك يستوجب أن نتوقف عند. أولاً: مغالطة إدانة الضحية. تمثّل إدانة المقاومة المسلّحة للاحتلال، والمطالبة بنزع سلاحها، خطأً أخلاقياً بالدرجة الأولى، إذ من المعروف أن دولة الاحتلال كيان استيطاني إحلالي منذ اليوم الأول، كما أنه خطأ سياسي واستراتيجي، إذ ما الذي سيدفع الطرف الأقوى دولة الاحتلال المدعومة خارجياً إلى التراجع أو تقديم تنازلات، إن لم تكن هناك مقاومة تفرض عليه كلفة ما؟ أليس تاريخ حركات المقاومة ضدّ الاستعمار شاهداً على ذلك؟ فلماذا تتصوّر بعض الحكومات العربية أن فلسطين ستكون استثناءً من هذه السُّنّة الكونية: حيثما وُجد احتلال، وُجدت مقاومة مسلّحة؟ ولماذا لا تُوظّف المقاومة ورقة ضغط تخدم ما تطرحه هذه الحكومات من حلول للصراع؟ ثانياً: مغالطة الحياد الزائف للغرب. إن الحديث عن "ضمانات دولية قوية" يفتقر إلى المعنى الواقعي، فهناك بالفعل عشرات القرارات الدولية التي تُدين الاحتلال وتدعو إلى انسحابه وتضع أطراً وضمانات مختلفة، غير أن عدم تنفيذها يعود، من جهة، إلى الرفض الأميركي والغربي، ومن جهة أخرى، إلى تخلّي الدول العربية عن استخدام ما تملكه من أوراق ضغط للتعامل مع هذا الرفض، ومن ثمّ، يقتضي المنطق "إذا أراد دعاة حلّ الدولتين تفعيل هذه الضمانات" أن يتوجّهوا إلى الولاياتالمتحدة تحديداً، وأن يوظفوا ما بأيديهم من أدوات وموارد لممارسة ضغط فعلي، ربطاً لاستثماراتهم ومصالحهم بتحوّل ملموس في الموقف الأميركي، بدلاً من الاكتفاء بالمطالبات المجرّدة، أو توهّم أن الطرف الآخر سيقدّم هذه الضمانات طواعية من دون أن يُجبر عليها. ثالثاً: مغالطة إدارة الأزمة بدلاً من حلّها، القول إن حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع يُعدُّ خطأً استراتيجياً، لأنه لا يعالج جذور الأزمة، ولا يلبّي المتطلّبات الأساسية لتحقيق هذا الحلّ، فالصراع يدور بين قوة احتلال تمارس تمييزاً عنصرياً قائماً على أساس ديني ضدّ نحو خُمس سكّانها، وتتبنّى قوانين وسياسات عنصرية موثّقة، كتب عنها باحثون إسرائيليون وغربيون، إنها "دولة" لم تحدّد لنفسها حدوداً جغرافية، خلافاً لسائر دول العالم، وتمارس توسّعاً عسكرياً خارجياً مستمرّاً، وتخوض اليوم حرب إبادة باعتراف منظّمات دولية وشخصيات مرموقة، ويُلاحق قادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية.ومن المغالطات إصرار الإعلان على إعادة طرح حلّ الدولتين، وهو الحلّ الذي ما فتئت الحكومات العربية تروّجه منذ مبادرة قمّة بيروت عام 2002م، من دون أن يلقى أيّ اهتمام من جانب دولة الاحتلال، أو دعم فعلي من الولاياتالمتحدة، بل على العكس، استمرّ الطرفان في تقديم مقترحات أدنى بكثير، ومحاولة فرضها، بدءاً من جورج بوش (الأب) وبيل كلينتون، وصولاً إلى الاتفاقات الإبراهيمية، التي أقدمت بموجبها حكومات عربية على تطبيع علاقاتها مع الاحتلال مباشرة، من دون ربط ذلك بأيّ تقدّم حقيقي في القضية الفلسطينية. مغالطة التبادل غير المتكافئ وسياسة الابتزاز الناعم للضحية، لقد طالب المؤتمرون في إعلانهم الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال وقيادته بتقديم التزامات وشروط تفوق بكثير ما طُلب من قوة الاحتلال، فقد ورد في الإعلان عدد كبير من الالتزامات التي اعتُبرت شروطاً أساسية لتحقيق "حلّ الدولتين"، كما تتصوّره الوثيقة، من هذه الشروط ما يُعدُّ التزامات سياسية ومؤسّساتية تمسّ جوهر الوضع الفلسطيني الداخلي، مثل تسليم قطاع غزّة للسلطة الفلسطينية، وإنهاء حكم حركة حماس، وتشكيل لجنة إدارية انتقالية تعمل تحت مظلّة السلطة فور وقف إطلاق النار، وتوحيد غزّة والضفة تحت سلطة "دولة واحدة، وحكومة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد"، كما طُلب تنظيم انتخابات عامّة ورئاسية خلال عام واحد، تكون شفّافةً وديمقراطيةً وتحت إشراف دولي، مع اشتراط أن تقتصر المشاركة فيها على الأحزاب التي تلتزم ب"برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، والتزاماتها الدولية، وقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة"، كما تضمّن الإعلان اشتراط الالتزام الصريح بالحلّ السياسي السلمي، ونبذ العنف والإرهاب "أي إسقاط خيار الكفاح المسلح"، إضافة إلى القبول بترتيبات أمنية تخدم جميع الأطراف، شريطة احترام السيادة الفلسطينية، وتحت حماية دولية ليس هذا فحسب، إذ إن هناك التزامات أمنية، منها إعادة هيكلة الوضع الأمني، وقبول تنفيذ عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بدعم دولي من أجل إنهاء وجود أيّ فصائل مسلحة خارج إطار السلطة، واحتكار السلطة الفلسطينية عمليات إنفاذ القانون والأمن في جميع الأراضي، ودعم نشر بعثة استقرار مؤقتة دولية بطلب من السلطة وتحت مظلّة الأممالمتحدة وهناك التزامات إدارية مثل تنفيذ برنامج إصلاح شامل، وتحسين الحوكمة والنزاهة والشفافية، وتحقيق الاستدامة المالية، وتطوير تقديم الخدمات العامّة، وتحسين بيئة الأعمال والتنمية الاقتصادية وجميعها مغالطات غير متكافئة وسياسة من شأنها إبتزاز الضحية وكتب يحيى صادق في- (الميادين) بعنوان "إعلان نيويورك وحل الدولتين- لا تزعجوا إسرائيل" قال فيه: هناك كثير من التساؤلات المرتبطة بما احتوى عليه البيان الختامي من دلالات ومصطلحات تؤشر إلى طريقة التعاطي غير الموضوعية مع مجريات الصراع العربي- الإسرائيلي، وتغاضيه الفاضح عن العديد من حقائق التاريخ والجغرافيا، فضلاً عن غياب ضمانات تنفيذ ما اتفق عليه من خطوات "ملموسة". لغة مضللة.. ومواربة: أعتمد المنظمون في صوغ البيان الختامي على لغة ساوت في كثير من الفقرات بين الضحية والجلاد، أو لنقل لغة "تصالحية مضللة"، وهذا ما أفقد المؤتمر أهميته التي روّج لها، وحوّله إلى مجرد حدث دولي يتبنى وجهة النظر الغربية "المعلنة" حيال مسيرة الصراع العربي-الإسرائيلي، وبالأخص ما تشهده اليوم الأراضي العربية المحتلة من حرب إبادة إسرائيلية بدعم وتواطؤ دولي واضح، وهذه اللغة شواهدها في البيان عديدة بدءاً من مقدمته إلى نهايته فالحديث مثلاً عن "بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين" و"الثمن الإنساني الفادح لهذا النزاع" لا يطمس فقط حقائق تاريخية وحقوق شعب تعرض للاضطهاد والقتل والتجويع لأكثر من ثمانين عاماً، وإنما يبرر للمعتدي أفعاله وجرائمه التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً لها، وبالتالي تصبح الحقوق المسلوبة والمهدورة محل تفاوض أو استجداء لإعادة بعضها، وتتحوّل المقاومة إلى فعل منبوذ ومتهم، وهو ما ترجمه البيان صراحة في أكثر من موضع بدءاً من "إدانة هجوم حماس على المدنيين" في السابع من أكتوبر، مروراً باستخدام مصطلح "القضاء على الإرهاب والعنف بكل أشكاله"، وصولاً إلى اعتبار "أخذ الرهائن محظوراً بموجب القانون الدولي" وعليه، من هو الذي يمارس الإرهاب اليوم في قطاع غزة والضفة الغربية برأي منظمي المؤتمر: "إسرائيل" أم المدنيون الفلسطينيون العزّل؟ وهل هجوم "إسرائيل" المستمر منذ عامين على قطاع غزة وقتلها ما يزيد على 61 ألف فلسطيني يصنف كشكل من أشكال العنف فقط؟ وإذا كان أخذ الرهائن محظوراً دولياً، فهل اعتقال 19 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر عام 2023م هو إجراء مباح؟ وفي ظل الموقف الإسرائيلي الرافض لحلّ الدولتين، فإن البيان يخلو من أي إشارة إلى الإجراءات التي يمكن للدول المشاركة في المؤتمر اتخاذها لإلزام "تل أبيب" بتنفيذ ما نصّت عليه قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، والتي لم يذكر البيان أرقامها صراحة، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والمبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002م، وللعلم، فإن آخر تصريح أميركي في هذا السياق ربط إقامة دولة فلسطينية بموافقة "إسرائيل". أو لنسأل بشكل آخر: ما الذي سوف يلزم "إسرائيل" اليوم بتغيير موقفها من السلام الذي رفضت الخضوع لمتطلباته الدولية منذ عقود عدة، وهي في أوجه سطوتها العسكرية والدعم الأميركي؟ هل ستكون هناك عقوبات دولية واسعة سياسية واقتصادية وعسكرية، أم أن بعض الدول ستكتفي فقط بالإعلان عن اعترافها بدولة فلسطينية لا يسمح الاحتلال بتوفر أي من مقوماتها على أرض الواقع؟ أو أن الأمر لن يتعدى الإدانات الإعلامية كما هي الحال من عملية التجويع الحاصلة اليوم في قطاع غزة؟ ومقابل الرفض المعلن أميركياً وإسرائيلياً لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرارية. وختام أسوأ حيث يختم البيان بدعوة القيادة الإسرائيلية إلى إصدار التزام علني وواضح بحلّ الدولتين"، ومعلوم أن الرد الإسرائيلي على هذه الدعوة واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية، إذ صعدت حكومة نتنياهو من حربها على قطاع غزة بقتلها مئات الفلسطينيين المجوعين ممن كانوا ينتظرون الحصول على ما يسد جوع أبنائهم، وتشديد حصارها القاتل على القطاع، ثم لو كانت "إسرائيل" مهتمة بحلّ الدولتين لكانت على الأقل حضرت المؤتمر، أو فتحت حواراً مع بعض الدول الغربية بدلاً من العمل على توجيه الانتقادات لمن يريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي السياق- يرى الكاتب والباحث الفلسطيني محمد محسن صالح (الجزيرة- نت) 3/8/2025م، "إن إعلان نيويورك حول التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، بقدر ما حاول استعادة الزخم العالمي لحل الدولتين ووقف الحرب على قطاع غزة، بقدر ما أثار شكوكا حول إمكانية التنفيذ العملي على الأرض، وتجاوُز العقبات التي عطلته على مدار 32 عاما من اتفاق أوسلو وبقدر ما حاول تحشيد أكبر تأييد دولي للمشروع، بقدر ما قدم تنازلات، لا يراها معظم الفلسطينيين مبررة، بحق المقاومة ودورها في الشراكة الفاعلة في صناعة القرار الفلسطيني دون قوالب أو إملاءات خارجية وأكيد الإعلان حمل عدداً من المؤشرات الإيجابية، لكن هذه المؤشرات لم تحمل جديداً في الموقف الذي تُعبر عنه معظم دول العالم تجاه قضية فلسطين منذ عشرات السنوات؛ وهي لخصت بشكل عام مئات القرارات التي صدرت عن الأممالمتحدة بأغلبية ساحقة على مدار ال 55 سنة الماضية؛ وإن كانت حاولت استرداد روح المبادرة في وجه الأمر الواقع الذي يفرضه الإسرائيليون وقد سبق للمنظومة الدولية الداعمة لمسار التسوية أن شكلت مجموعات عمل سياسية واقتصادية وأمنية ومتعلقة باللاجئين بعد اتفاق أوسلو، ولكنها لم تؤدِ إلى نتيجة، كما سبق تبني "خريطة طريق" لإنشاء دولة فلسطينية سنة 2003 خلال سنتين، وانتهت بالفشل بالرغم من الرعاية الأميركية للخطة ولعل عدداً من الدول الصديقة ل"إسرائيل" أرادت أن تُنقذ "إسرائيل" من نفسها، بعد أن رأت أن السلوك والممارسات المتعجرفة المتطرفة لحكومة الكيان ستتسبب بإشعال عناصر الغضب والتفجير في المنطقة، وبالتالي سترتد خطرا وجوديا على بقاء الكيان نفسه، فيما يوفر لنا إعلان نيويورك مرة أخرى "سيارة من دون عجلات"؛ ويتجنب التعامل المباشر مع جوهر المشكلة الذي عطل اتفاقات أوسلو ومسار التسوية فبعد 32 عاما ثمة إجماع بين دول العالم أن الاحتلال الإسرائيلي عطل الاتفاقات، وتعامل مع مسار التسوية كغطاء لمزيد من التهويد والاستيطان وفرض الحقائق على الأرض، وجعل حل الدولتين مستحيلا، كما جعل الكيان نفسه "دولة فوق القانون"، مستفيدا من الغطاء الأميركي وإعلان نيويورك هذا لا يوفر أي آليات جادة ولا أي ضمانات لفرض إرادة المجتمع الدولي وقراراته (التي زادت عن 950 قرارا) على الكيان الإسرائيلي. أما الجانب الأخطر في الموضوع فهو مطالبة حماس بنزع أسلحتها وتسليمها للسلطة الفلسطينية، وهو في جوهره تحقيق لهدف إسرائيلي من الحرب على غزة وهو إجراء يتم من طرف واحد، ويوفر عملياً الحرية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي في الاستمرار والاستقرار، ومتابعة برامج التهويد والاستيطان دونما مقاومة، وبالتالي، متابعة شطب الملف الفلسطيني، كما يحدث في القدس والضفة الغربية، وفي بيئة عربية ودولية تعترف بأنها عاجزة تماما عن إلزام الاحتلال الإسرائيلي بشيء وهكذا، فبدلا من مساعدة الطرف الفلسطيني على حماية نفسه كضحية تحت الاحتلال، يتم مكافأة المعتدي المحتل الذي ارتكب آلاف المجازر وتسهيل مهمته!! بينما لا توجد أي بنود حول نزع أسلحة الاحتلال الإسرائيلي أو فرض حظر دولي عليه. وخلص الباحث محمد صالح بالقول: إن إعلان نيويورك يسعى لمكافأة الاحتلال الإسرائيلي من خلال برنامج تطبيعي يؤدي ل"إدماجه" في المنطقة.. ويتجاوز الحديث عن محاسبة الاحتلال على جرائمه، وعن عدوانه المستمر على لبنان وسوريا، وعدوانه على إيران، ومحاولة فرض هيمنته الأمنية على المنطقة وعلى المجتمع الدولي أن يكف عن سياسة طمأنة المجرم المحتل وتقديم الحوافز له، ومعاقبة الضحية ومطالبتها بالمزيد من التنازلات والضمانات، كما أن عليه أن يكف عن فرض رؤيته الفوقية وإرادته لمواصفات الشرعية والقيادة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني لديه النضج الكافي لاختيار قيادته بنفسه وصناعة قراره وإذا كان المجتمع الدولي جادا في دعم إنشاء الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة سنة 1967م، فجوهر جهده يجب أن يتوجه لإجبار الاحتلال على الانسحاب، وليس لإخضاع الشعب الفلسطيني المظلوم لمعايير الاحتلال؛ ولا بمكافأة الاحتلال بمزيد من التطبيع وتوفير عناصر الاستقرار والازدهار له، حتى قبل أن يقوم بانسحابه. ويظل إعلان نيويورك ضمن مشاريع كثيرة تتهرب من التعامل مع جوهر المشكلة، وهو إيجاد آليات قادرة على إلزام الاحتلال بالانسحاب وإنفاذ القرارات الدولية. وقال الكاتب الفلسطيني- أحمد بشير العيلة (رأي اليوم) في 30/ يوليو يوم ختام المؤتمر: لا شك أن البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الدولي بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين" مجرد وثيقة تكرس الهيمنة الإسرائيلية، لا تضع حلولاً منصفة حيث يعاني من ثغرات خطيرة وجسيمة تكرس الظلم التاريخي بحق الشعب الفلسطيني وتتنكر لحقوقه الأساسية.. وتطرق الكاتب العيلة إلى تشريح وتقييم مفصل لعدد من النقاط والإشكالية بعد قراءة حصيفة- نشير إلى بعض ما ذكر. أولاً: التناقض في إدانة العنف لقد لبس إعلان نيويورك قناعاً مخادعاً لإدانة زائفة، حيث ساوى بين مقاومة مشروعة إنسانياً وقانونياً لشعب تحت الاحتلال، وعنف دولة احتلال تمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في جريمة واضحة ضد الإنسانية، وهذا تشويه للقانون الدولي، حيث أن المادة (51) من ميثاق الأممالمتحدة تكفل حق الدفاع عن النفس ضد الاحتلال، وقد وردت المقاومة المشروعة كذلك في قرارات الأممالمتحدة 37/43 وA/RES/33/24 مؤكدة شرعية الكفاح المسلح ضد الاحتلال. كما تجاهل إعلان نيويورك جذور العنف، حيث لم يذكر أن الاحتلال هو السبب الرئيسي للعنف، بينما تمت إدانة المقاومة، التي تمثل رد الفعل المشروع، دون ذكر الفعل الذي يتمثل في 75 عاماً من التهجير والتطهير والقمع، وأنكر البيان إنكاراً صريحاً حق الفلسطينيين في الدفاع عن أراضيهم المسلوبة ثانياً: سلاح المقاومة: في مفارقة منطقية عجيبة، ركز البيان على "نزع سلاح المقاومة" (البند 11) بينما لم ينبس ببنت شفة، ولم يجرؤ على أن يفرض على إسرائيل نزع سلاحها النووي أو تقليص جيش الاحتلال المتورط في جرائم ضد الإنسانية. مع العلم أنه حتى لو سلم السلاح للسلطة سيكون سلاحاً شرطياً وظيفياً يخ+دم أجندات الاحتلال ويكرسها ثالثاً: الثغرات الأمنية:في (البند15) وكعادة المتخاذلين من الأنظمة العربية، تم تفويض بعثة دولية قد تُستخدم لقمع المقاومة تحت ذريعة الحماية، خاصة مع مشاركة قوات من دول تدعم إسرائيل مثل كندا والنرويج، ولنا في فلسطين تجارب عدة في البعثات الدولية المشبوهة التي تخدم أجندات العدو ولا تساهم في الاستقرار كما أن البيان اجتهد في ضمانات أمنية لإسرائيل وردت في (البند 16) في تكريس واضح لعدم التماثل، حيث لا ضمانات أمنية للدولة النووية الصهيونية، مقابل فرض قيود على أمن الفلسطينيين. ولا شك "بأن السؤال عن البديل لكسر هذه الحلقة المفرغة يكمن في مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية كدولة احتلال تمارس التطهير العرقي، وكذلك فرض عقوبات فعلية بوقف التوريد العسكري لإسرائيل، تجميد اتفاقيات التبادل الحر مع المستوطنات، والأهم قانونياً وتاريخياً هو العمل على إعادة تعريف المقاومة بدعم حملات المقاطعة كأداة ضغط سلمية، والاعتراف بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم بموجب القانون الدولي. ونخلص إلى القول وفقاً "للعربي الجديد" 4/8/2025م: أن على الدول العربية التي تركت الساحة منذ السبعينات لخصم يفرض الوقائع في الأرض، ويفرغ المبادرات السياسية من مضمونها وأكتفت برفع شعار السلام خيار إستراتيجي.. بإمكانها اليوم إمتلاك الإرادة (العمل على تعديل موازين القوة لصالح موقفها السلمي أو حتى دعم خيارات أكثر عدالة وإتساقاً مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني).. وعلى هذا الأساس، تصبح الحاجةُ ملحّةً إلى تبنّي رؤية سياسية جديدة، تُفعّل عناصر القوة المعطّلة عربياً، وتربط العلاقات الخارجية للدول العربية بالمواقف من القضية الفلسطينية وفق منطق المصالح المتبادلة، تشمل هذه الرؤية الانفتاح على دول الجنوب والبرلمانات العالمية، ومنظّمات المجتمع المدني الدولية، واستثمار التحالفات غير الرسمية مع النشطاء والمؤثّرين، وتحريك ملفّات قانونية في محكمة العدل الدولية وغيرها من منابر أممية، إلى جانب إعادة تعريف الصراع في الخطاب العربي الرسمي قضية تحرّر وحقوق إنسان، لا ملفَّ نزاع بين طرفَين متساويَّين، كما يتطلّب الأمر الاستقواء بالشعوب من خلال إصلاح الداخل العربي، وتفعيل دولة القانون والمؤسّسات، واستثمار الطاقات الوطنية، ودعم البحث العلمي المستقلّ والإعلام الاحترافي، وإنتاج سردية قانونية وأخلاقية متعدّدة اللغات تُخاطب الرأي العام العالمي، لا الحكومات وحدها، فلا استقرارَ يُبنى على الظلم، ولا سلامَ يتحقّق بالتنازل من طرف واحد، ولا مستقبلَ لأيّ مشروع عربي من دون عدالة تُنصف فلسطين وشعبها. ويظل إعلان نيويورك ضمن مشاريع كثيرة تهرب من التعامل مع جوهر المشكلة، وهو إيجاد آليات قادرة على إلزام الاحتلال بالانسحاب وإنفاذ القرارات الدولية.