في الاّونة الأخيرة, استغرب البعض السلوك والسياسة الخارجية للرئيس الأذربيجاني, وباتوا يعتقدون بإنخراطه بعدة مغامرات خطيرة, وبات صراخه يعلو بأفعاله وتهديداته لدول الجوار, بعدما انتفخت عضلاته, بوحيٍ خارجي, ليظهر وكأنه الزعيم الجديد في منطقة جنوب القوقاز, رغم نفيه الصريح أمام وسائل الإعلام .! وبحكم موقع أذربيجان الجغرافي، فقد اتسمت علاقاتها تاريخياً, بالتقارب الكبير مع تركيا، وبالطابع الإستراتيجي التنافسي مع كل من روسياوإيران، في حين اتسمت علاقاتها السابقة مع أرمينيا بالعدائية بسبب الصراع الطويل في ناغورني كاراباخ، في الوقت الذي لم تسجل فيه علاقات واضحة مع الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية إلا بعد انهيارالإتحاد السوفيتي عام 1991, وحصول أذربيجان على استقلالها. وبالرغم من علاقاتها التاريخية مع روسيا, إلاّ أنها بدأت تُوصف - بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا-, بالتعقيد والتوتر بسبب تضارب المصالح في منطقة جنوب القوقاز، خصوصاً فيما يتعلق بملفات الطاقة, حيث تسعى أذربيجان للإستقلال عن النفوذ الروسي، بينما تعتبرها موسكو منطقة نفوذها الإستراتيجي. في وقتٍ ترى فيه بعض الأوساط في موسكو, أن سياسة أذربيجان أصبحت أكثر عدائية تجاه روسيا، كقيامها بدعم أوكرانيا عسكرياً و لوجستياً, وإغلاق المدارس الروسية, وحظر وسائل الإعلام الروسية والأنشطة الثقافية في أذربيجان, وتجاهل دعوة بوتين للرئيس الأذربيجاني لحضور احتفالات عيد النصر, وغيرها من الأفعال, ويرون أن باكو باتت تخضع لضغوط غربية تدفعها لتبني مواقف مناوئة لروسيا, مقابل وعود مغرية لتشجيعها على المغامرة خارج حدودها, وبإستغلال تقاربها مع أرمينيا لتقليل النفوذ الروسي في المنطقة. كذلك الأمر بالنسبة لإيران, التي أبدت مؤخراً استيائها من مشروع ممر زنغزور, الذي اعتبره مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي بأنه "سيُغيّر الوضع الجيوسياسي في المنطقة، والحدود، وهو مُصمّم أساساً لتقطيع أوصال أرمينيا", مؤكداً أن تنفيذ هذه المؤامرة سيهدد أمن جنوب القوقاز", وبأن "إيران ستمنع إنشاؤه سواءً بوجود روسيا أو بدونها", إذ تعبر إيران عن مخاوفها من قيام باكو بالسماح ل "إسرائيل" بإقامة قواعد عسكرية على أراضي أذربيجان وعلى الحدود مع إيران. في حين حاول الرئيس علييف في مقابلة مع قناة العربية مؤخراً, التأثير على تركيبة النظام الإيراني ومديح الرئيس بزشكيان, وتبديد المخاوف والتأكيد على أن مشروع الممر "لا يشكل تهديداً لإيران", نافياً أية نوايا أذربيجانية لإحتلال الممر وإغلاق الحدود بين إيرانوأرمينيا, معرباً عن ثقته بإتفاقية باكو – يرفان, وتطلعاته إلى موعد توقيعها النهائي, بعد انتهاء البرلمان الأرميني من التعديلات الدستورية اللازمة. في وقتٍ لم تخف فيه باكو علاقاتها الوطيدة مع تركيا, واهتمامها بتحقيق السلام مع أرمينيا, والشراكةٍ الإستراتيجية مع كييف، بما يعزز دورها بتوريد الطاقة إلى شرق أوروبا, وبحسب وزير خارجيتها , فهي "لا تبني علاقاتها ضد أحد , ولا تسعى إلى إضعاف روسيا، ولا تسعى إلى كسب ود الإتحاد الأوروبي", لكنها في ذات الوقت تحاول حصاد نتاج سياستها الخارجية المستقلة والمتوازنة على الساحة الإقليمية والدولية. وبالفعل في 8 أغسطس/آب, وعقب اجتماع الوزير باشينيان والرئيسين ترامب وعلييف في واشنطن، تم التوقيع بالأحرف الأولى على إتفاقية السلام وفق مشروع "طريق ترامب للسلام والإزدهار"، الذي سيربط أذربيجان بمنطقة نخجوان عبر الأراضي الأرمينية، والذي اعتبره الوزير باشينيان بأنه "أكبر برنامج استثماري في تاريخ أرمينيا الحديثة". ومع ذلك , جاءت دعوة علييف في 21 أغسطس/آب اهالي مدينة كلباجار في كاراباخ، بضرورة "الاستعداد للحرب في أي لحظة", و"العيش كأمة ودولة منتصرة", وللحديث عن أرمينيا وشعبها بشكلٍ عدائي مستغرب, تعمّد فيه إطلاق سيلٍ من الإتهامات وإهانتهم, ووصفهم ب "المجتمع المريض المتوحش", وبقوله: "علينا معرفة من هم جيراننا", "لن ننسى شرورهم". لا يمكن قبول وتبرير لهجته وكلامه وتهديداته لجيرانه الأرمن, حتى لو كان بهدف التأثيرعلى أعضاء البرلمان الأرميني ودفعهم للتصديق على اتفاقية باكو- يريفان, كذلك لن تقبل موسكو أفعاله وسياساته العدائية تجاهها, والشيء ذاته ينطبق على طهران, ولا يمكن أن تمر رسائله وتهديداته مرور الكرام. كذلك, لم يستوعب الكثيرون العدائية التي أظهرها الرئيس علييف لروسيا، وعدم اكتراثه بتداعيات إنشاء هذا الممر على استقرار منطقة جنوب القوقاز, مع الدعوة التي وجهها إلى سلطات كييف في "منتدى شوشا الإعلامي الثالث" في تموز الماضي، وضرورة "عدم قبولها إحتلال روسيا للأراضي الأوكرانية في دونباس والقرم" , وبقوله: "هذا ما فعلناه لإستعادة ناغورنو كاراباخ. تبدو نصيحة علييف لأوكرانيا نوعاً من التحريض والتدخل الصريح في الصراع الروسي –الأوكراني, وتحمل في طياتها رغبته بإستمرار الصراع, وخطورة نصائحه على المفاوضات الحالية لإحلال السلام برعاية الرئيس ترامب, ناهيك عن دخول باكو على خط محاصرة توريدات الغاز الروسية على طول ممر البلقان بين بلغاريا ورومانيا والحدود الأوكرانية, وبتحويل مسارات نقلها عبر تركيا بإتجاه أوروبا, على حساب خطوط الغاز الروسية, وسط الشكوك بقدرة أذربيجان عن تأمين الكميات المطلوبة, وتكاليفها الباهظة. يبدو أن إذربيجان وبدفعٍ غربي ووعود مغرية, اندفعت نحو مغامراتٍ خطيرة خارج حدودها, والإنخراط في صراع غير مباشر مع روسيا, في لعبة تتجاوز حجمها الحقيقي وقدراتها على المواجهة, وسط احتمالية نشوب صراعٍ مباشر بين روسياوأذربيجان. ويبقى السؤال , هل ستكون أذربيجان الضحية التالية بعد أوكرانيا, بعدما بدأت تحلم بغنامئها من تقسيم إيران على أسس قومية, وفوزها بإراضٍ في شمال غرب إيران, وفق خرائط مشروع الشرق الأوسط الكبير لتعود بحسب تسميتها التاريخية "أذربيجان الشرقية" لتعود وتشكل مع "أذربيجان الغربية" (الحالية) دولة أذربيجان الكبرى, بما قد يفسر عدائية أذربيجانلإيران, ولجوئها إلى إقامة علاقات مميزة مع "إسرائيل" بإعتبار إيران عدواً مشتركاً لكليهما. شيئاً فشيئاً تتضح خيوط المؤامرة التي انخرطت فيها أذربيجان, بهديٍ ومساعدةٍ تركية سهلت لها القفز نحو الضفة الأخرى, لتعزيز علاقاتها مع الغرب والولاياتالمتحدة وتل أبيب, لا سيما في المجال العسكري، فأيُّ دورٍ جديد تحاول أذربيجان لعبه بالتوافق مع تركيا, هل يخطط إردوغان لإعتمادها ذراعه العثمانية العسكرية, والإحتفاظ لنفسه بالأدوار السياسية والوساطات الدولية ؟. سلوك غريب تنتهجه باكو على محاور روسيا, أوكرانيا, تركيا, سوريا, إيران, تل أبيب, يدفعها نحو موجة تسليحٍ كبيرة بالإعتماد على الأسلحة الإسرائيلية تحديداً, وإنشاء نظام دفاعٍ جوي قوي, على الرغم من اهتمامها بالسلام مع دول الجوار, ولماذا تلهث وراء شراء أنظمة دفاع جوي وصواريخ ومعدات إلكترونية إسرائيلية مرتبطة بالأقمار الصناعية, ومناطيد جوية استطلاعية بعيدة المدى, هل باتت تخشى الصدام والعقاب الروسي أوالإيراني, في وقتٍ لم تتوان فيه عن إستفزازهما بمشاريع وخطوط لنقل الغاز والنفط بهديٍ أمريكي ... ما بين إتهام أذربيجان بالمغامرات ونفيها الرسمي, يبدو أن العالم بحاجة إلى الشفافية والوضوح والسلام, أكثر من حاجته إلى المغامرات. 28/8/2025