يوفنتوس يعمق جراح إنتر برباعية    أتلتيكو يستفيق ب «الغواصات الصفراء»    نابولي يعود بالنقاط الثلاث من فيورنتينا    أحلام تُطرب جدة    الدكتور عبدالله العليمي نائب رئيس مجلس القيادة يقوم بزيارات ميدانية في عدن    اليونايتد ضد السيتي.. ديربي مداواة الجراح وتخطي البداية المخيبة    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    صحيفة صهيونية: اليمن يقف "عقبة" أمام "التطبيع"    اليوم العالمي للقانون: نحو تعزيز سيادة القانون في عدن والجنوب    العليمي متهم من أعضاء الرئاسي بإفشال عمل المجلس    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    بايرن ميونيخ يضرب هامبورج بخماسية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    ماسك يدعو إلى حل البرلمان البريطاني    صنعاء.. الغرفة التجارية بالأمانة تصدر البيان رقم (1) التصعيدي ضد الجمارك    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    سارة قاسم: الإصلاح منح المرأة مكانتها ورسخ حضورها في مختلف المستويات    الوزير البكري يطلع على استعدادات فريق تضامن حضرموت لبطولة كأس الخليج للأندية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    مدير عام المنصورة يؤكد على الاهتمام بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة    سلطة بن الوزير تفشل في الإستفادة من الشمسية الإماراتية والانقطاعات تتضاعف    الأربعاء الدامي في صنعاء .. جريمة حرب وفاشية جديدة في استهداف الصحافيين    انهيار وشيك لمجلس القيادة الرئاسي اليمني.. والرياض تتحرك لاحتواء الموقف    رغم التعتيم / فيديو مسرب للحظة استهداف مبنى للموساد وسط تل ابيب بصاروخ يمني!    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    وزارة الخارجية تدين بيان مجلس الامن حول "الجواسيس"    الإصلاح.. صمود وتضحيات من أجل الثوابت الوطنية    الداخلية : ضبط 161 متهما بينهم مطلوبون أمنياً في محافظة اب    الاطلاع على أضرار السيول بالجدار الساند لحي وطن في مديرية السدة    مجلس الأمن يجدد التزامه بوحدة وسيادة واستقلال اليمن ويدين احتجاز المليشيا موظفين أممين    العلامة مفتاح يواصل زياراته التفقدية للوزارات    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    مدير عام مديرية البريقة يتفقد عدداً من مناطق المديرية    محافظ حضرموت يبحث مع أورتسلا صيانة محطات الكهرباء    فصائل فلسطينية تعلن إعدام 6 أشخاص تعاونوا مع إسرائيل    شرطة الممدارة تستعيد حافلة مسروقة وتضبط المتهمين    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من المرتفعات والسواحل    مستشار الرئيس الفلسطيني: دماء أطفال غزة أحيت الضمائر    القبض على متهم بجريمة قتل والشروع في قتل رجل وامرأة    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    مجلس الأمن يدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة و يؤكد دعمه القوي لسيادة قطر    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصمتك الرقمية.. كيف تبنيها وتديرها بوعي؟
نشر في 26 سبتمبر يوم 13 - 09 - 2025

"سيرتك على كل لسان"، ربما يعبر هذا المثل الشعبي المصري عما آلت إليه سمعة البشر في عصر منصات التواصل الاجتماعي، فقديما كانت الذكريات مجرد ألبومات صور، وكانت السمعة مجرد كلمة يتداولها معارفك، لكن اليوم تناثرت الصور والمعلومات عابرة للزمان والمكان، وصارت السمعة فسيفساء رقمية تتشكل مع كل نقرة وكل تفاعل.
يوما وراء الآخر، ومع تزايد حضورنا الرقمي، تتشابك خيوط كثيرة لتنسج صورتنا أمام الناس طوعا أو كرها، وهو ما بات يعرف بالسمعة أو البصمة الإلكترونية.
هذه السمعة أو البصمة التي تتشكل وتتطور كل يوم، باتت من أهم العوامل المؤثرة على حياتنا اليومية، فقد تمس العلاقة مع العائلة، وتؤثر في صورة أبنائنا، كما أنه يتم فحصها تحت مجهر التوظيف أو القبول الجامعي والحصول على المنح، فضلا عن كونها فرصة لتوسع شبكة العلاقات الإنسانية والمهنية، وزيادة الدخل، بل ربما تكون هي الدخل نفسه.
المثير أن الصورة الرقمية لكل منا قد تكون مختلفة عن صورته الحقيقية، والأكثر إثارة أن الأولى قد تغلب الثانية، ولذلك فمن المهم أن ندرك أن النجاح في الحياة سواء ما يتعلق بالعمل وعلاقاته أو بالعلاقات الاجتماعية، يتطلب مراعاة الكثير من العوامل وحبذا لو حدث ذلك في أوقات مبكرة من العمر قبل أن يفوت الأوان، ولذلك ندعوك عزيزي القارئ إلى أن تستمر في قراءة هذا الموضوع آملين أن تخرج منه بما يفيدك.
هوية موازية
بداية، قد يتبادر إلى الذهن أن السمعة الرقمية مهمة فقط لصناع المحتوى أو "المؤثرين"، لكن الحقيقة التي نود أن تضعها في اعتبارك هي أن الحضور الرقمي أصبح هوية موازية تُشكّل تصورات الآخرين عنا، سواء أدركنا ذلك أم لا، ولعل هذا سبب ظهور مصطلح "المواطن الرقمي" أو "المواطنة الرقمية" (Digital Citizenship).
والأمر لم يعد مجرد تكهنات، بل واقع تدعمه الدراسات، فأغلب مسؤولي التوظيف أصبحوا يعترفون باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من عملية فحص المرشحين.
وفي الحقيقة، فالحضور الرقمي ليس صخبا ولا سباق متابعين، بل يمكن أن يكون هادئا لكنه متراكم، والمبدأ الأساسي هو الانتقال من مجرد الحضور العابر إلى المشاركة الفعالة التي تقدم قيمة حقيقية للآخرين.
دعنا نقدم لك أمثلة تساعد الأشخاص باختلاف طبيعة عملهم، على بناء انطباع إيجابي أو ما نسميه بصمة أو صورة رقمية:
الطبيب: لا يجب أن يكتفي بمشاركة نقاشات علمية، بل يجيب على استفسارات الناس بأسلوب مبسط، وتفنيد الخرافات الطبية الشائعة، ليصبح مصدرا موثوقا للمعرفة الصحية.
المحامي: حبذا لو يفكك تعقيدات القانون ويقدم نصائح لحماية حقوق الناس اليومية، ويعلق على القضايا المعقدة بأسلوب رصين، ليصنع لنفسه سمعة الخبير الذي يجمع بين المعرفة الدقيقة والقدرة على التواصل.
المعلم: يحوّل صفحته إلى مدرسة مفتوحة، فيشارك مصادر تعليمية مبتكرة، ويشرح المنهج بطرق إبداعية، خالقا بيئة داعمة تشجع الطلاب وأولياء الأمور على حب التعلّم.
الطالب الجامعي: يوثق رحلته التعليمية، ويلخص المواد المعقدة، ويشارك المصادر التي ساعدته على التفوق. بهذه الطريقة، يبني سمعته كشخص مجتهد ومتعاون، ويؤسس لشبكة مهنية قوية حتى قبل تخرجه.
الحرفي (فني أو نجار...): يحوّل خبرته العملية إلى محتوى مفيد، يوثق إصلاحاته اليومية ويشرح أسباب الأعطال المنزلية الشائعة وكيفية تفاديها، فيصبح المستشار الأول في مجتمعه المحلي.
المصمم أو الفنان: لا يعرض أعماله النهائية فقط، بل يشارك كواليس العمل، ويحلل أعمالا فنية عالمية، مما يثبت عمق رؤيته الفنية وليس فقط مهارته العالية.
المحاسب أو المستشار المالي: يقدم نصائح أسبوعية صغيرة وقابلة للتطبيق حول إدارة الميزانية الشخصية، أو يبسط مفهوما ضريبيا معقدا، فيتحول إلى شريك نجاح مالي للأفراد والشركات الصغيرة.
صاحب العمل الصغير (مقهى أو متجر): يروي قصة منتجاته، فيعرّف متابعيه على الموردين والحرفيين الذين يصنعون بضاعته، ليخلق رابطا عاطفيا ويحول عملاءه إلى سفراء علامته التجارية.
المدير: يستخدم منصته لتسليط الضوء على نجاحات أفراد فريقه وتقديم الشكر العلني لهم، مما يرفع المعنويات، ويجعل بيئة العمل جاذبة لأفضل المواهب.
بصمتك الرقمية ليست مجرد سجل لنشاطك، بل هي جزء لا يتجزأ من هويتك ومن أنت في عيون العالم.
بواسطة شيري توركل عالمة اجتماع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
كيف ندير البصمة بوعي؟
إدراك خطورة البصمة الرقمية هو نصف المعركة، أما النصف الآخر فهو إدارتها بوعي، والجميل في الأمر أنه لا يتعلق بتعقيدات تقنية، بل مجرد تحويل العادات العفوية إلى أفعال مقصودة. والنقاط التالية هي إشارات سريعة ربما ترسم الفارق بين سمعة تفرض عليك، وأخرى تبنيها بإرادتك:
عنوان رقمي هادئ: حساب رئيسي واحد مكتمل (صورة واضحة، نبذة حقيقية، وسائل تواصل) يكفي للبدء، هذا هو عنوانك الرقمي الدائم، بل مثل رقم هويتك الوطنية.
دوائر الظهور الثلاث: عام لما لا يضر إن شاع، محدود للعائلة والأصدقاء، خاص لما ينبغي أن يبقى في البيت، لذلك يجب أن تحدد الدائرة قبل الضغط على "نشر".
قاعدة 24 ساعة: إن كانت القصة تخص شخصا آخر، أمهل نفسك وقتا للتفكير أو الاستئذان، فعادة ما يختفي حماس اللحظة وتبقى السمعة التي ربما لا تُمحى.
فن التعليق: قبل كتابة تعليق، اسأل: هل أضيف قيمة؟ تعليق وجيز وعميق يبني سمعة أكثر من عشرات المنشورات المبعثرة.
استثمر في المعرفة: استخدم حساباتك للتواصل مع الخبراء في مجالك، تابع الشركات التي تطمح للعمل بها، الإعجاب بصفحات مهنية، الانضمام لمجموعات تخصصية، التعليق على أخبار قطاعك، كلها إشارات إيجابية.
البوح قبل البيع: قبل أن تفكر في تحويل شغفك إلى مشروع تجاري، شارك قصتك الحقيقية، دع الناس يرون الإنسان خلف الشاشة وليس التاجر.
الرحلة لا الوجهة فقط: لا تنتظر حتى تصل إلى الكمال، شارك خطواتك الأولى، تعثراتك، ولحظات تعلمك، هذا ما يصنع المصداقية ويبني الثقة.
استمع بقلبك: اقرأ التعليقات بعناية، ليس للرد فقط، بل لفهم ما يلامس متابعيك وما يحتاجونه.
البدايات الصغيرة: لا تحتقر العشرة متابعين الأوائل، هم بذرة مجتمعك، قدّرهم وتفاعل معهم.
الأيام الصعبة: ستمر أيام تشعر فيها بالإحباط وأن لا أحد يهتم، لكن تذكر أن الاستمرارية هي مفتاح بناء أي شيء ذي قيمة.
نظافة دورية: مرة كل بضعة أشهر، ابحث عن اسمك لتعرف للتأكد من سمعتك، راجع إعدادات الخصوصية في حساباتك، أرشف أو احذف المنشورات القديمة التي لم تعد تمثلك، فالبصمة الرقمية مثل حديقة: ازرع ما يعبر عنك، واقتلع الأعشاب الضارة.
الأثر الحقيقي: لا تنخدع بالأرقام السريعة، ما تنتظره هو: رسالة شكر، حل مشكلة، فرصة تعاون، عرض وظيفة، دعوة لحوار جاد.
أخطاء تدمر سمعتك الرقمية
السمعة التي تبنيها بجهد على مدار أشهر، يمكن أن تتآكل بصمت بسبب أخطاء صغيرة ومتراكمة لا نلقي لها بالا. النقاط التالية هي أشهر هذه "الأخطاء الصامتة" التي قد تنسف مصداقيتك وتضعف أثرك من دون أن تشعر.
فخ المقارنة: لا تقارن بدايتك المتواضعة بذروة نجاح الآخرين، لكل شخص رحلته وتوقيته، ركز على مسارك الخاص.
الخوف من النقد: ستجد دائما من ينتقد أو لا يتفق معك، تقبل النقد البنّاء وتتجاهل الأصوات السلبية التي لا هدف لها إلا التحطيم.
الاحتراق النفسي: خذ فترات راحة، فحياتك الحقيقية خارج الشاشة هي الأهم.
الجدالات العقيمة: لا تدخل في نقاشات سلبية أو جدالات حادة خاصة مع الحسابات المجهولة.
البصمة السلبية: انتبه لما تضغط عليه "إعجاب" أو ما تشاركه من حسابات أخرى.
كشف أسرار العمل السابق: الإنترنت لا ينسى، وكشف الأسرار المهنية هي إشارة حمراء لأي صاحب عمل مستقبلي.
تجاهل الخصوصية: لا تفترض أن حساباتك "خاصة". صور أو معلومات شخصية جدا قد تجد طريقها للعلن. اضبط إعداداتك بوعي ولا تشارك ما قد تندم عليه.
الأخطاء اللغوية: قد تبدو بسيطة، لكن كثرتها في تعليقاتك ومنشوراتك تعطي انطباعا بعدم الدقة والاهتمام بالتفاصيل.
الهوية المتناقضة: أن تكون مهنيا جادا في منصة، وشخصية مبتذلة في منصة أخرى، من شأنه أن يثير الشكوك حول مصداقيتك.
الموت الرقمي: الغياب التام يثير التساؤلات، على الأقل، امتلك بصمة رقمية أساسية يمكن العثور عليها، فالصمت التام في العصر الرقمي قد يُفسر على أنه إخفاء لشيء ما.
سيرتك التي لا تنام
في الختام نؤكد لك عزيزي القارئ أن الانتقال من مستهلك سلبي أو حضور رقمي عشوائي إلى صانع قيمة، لا يحتاج خبرات معقدة بقدر ما يحتاج صدقا وانضباطا، وعندها لن تبدو الشاشة لصا لوقتك، بل نافذة تطلع على الناس بأفضل ما عندك.
وحين تنجح في إدارة ظهورك الرقمي ستدرك حينها أنك صممت بعناية أفضل سيرة ذاتية يمكن للمرء امتلاكها: حية، أصيلة، ممتدة، ولا تنام أبدا.
"سيرتك على كل لسان"، ربما يعبر هذا المثل الشعبي المصري عما آلت إليه سمعة البشر في عصر منصات التواصل الاجتماعي، فقديما كانت الذكريات مجرد ألبومات صور، وكانت السمعة مجرد كلمة يتداولها معارفك، لكن اليوم تناثرت الصور والمعلومات عابرة للزمان والمكان، وصارت السمعة فسيفساء رقمية تتشكل مع كل نقرة وكل تفاعل.
يوما وراء الآخر، ومع تزايد حضورنا الرقمي، تتشابك خيوط كثيرة لتنسج صورتنا أمام الناس طوعا أو كرها، وهو ما بات يعرف بالسمعة أو البصمة الإلكترونية.
هذه السمعة أو البصمة التي تتشكل وتتطور كل يوم، باتت من أهم العوامل المؤثرة على حياتنا اليومية، فقد تمس العلاقة مع العائلة، وتؤثر في صورة أبنائنا، كما أنه يتم فحصها تحت مجهر التوظيف أو القبول الجامعي والحصول على المنح، فضلا عن كونها فرصة لتوسع شبكة العلاقات الإنسانية والمهنية، وزيادة الدخل، بل ربما تكون هي الدخل نفسه.
المثير أن الصورة الرقمية لكل منا قد تكون مختلفة عن صورته الحقيقية، والأكثر إثارة أن الأولى قد تغلب الثانية، ولذلك فمن المهم أن ندرك أن النجاح في الحياة سواء ما يتعلق بالعمل وعلاقاته أو بالعلاقات الاجتماعية، يتطلب مراعاة الكثير من العوامل وحبذا لو حدث ذلك في أوقات مبكرة من العمر قبل أن يفوت الأوان، ولذلك ندعوك عزيزي القارئ إلى أن تستمر في قراءة هذا الموضوع آملين أن تخرج منه بما يفيدك.
هوية موازية
بداية، قد يتبادر إلى الذهن أن السمعة الرقمية مهمة فقط لصناع المحتوى أو "المؤثرين"، لكن الحقيقة التي نود أن تضعها في اعتبارك هي أن الحضور الرقمي أصبح هوية موازية تُشكّل تصورات الآخرين عنا، سواء أدركنا ذلك أم لا، ولعل هذا سبب ظهور مصطلح "المواطن الرقمي" أو "المواطنة الرقمية" (Digital Citizenship).
والأمر لم يعد مجرد تكهنات، بل واقع تدعمه الدراسات، فأغلب مسؤولي التوظيف أصبحوا يعترفون باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من عملية فحص المرشحين.
وفي الحقيقة، فالحضور الرقمي ليس صخبا ولا سباق متابعين، بل يمكن أن يكون هادئا لكنه متراكم، والمبدأ الأساسي هو الانتقال من مجرد الحضور العابر إلى المشاركة الفعالة التي تقدم قيمة حقيقية للآخرين.
دعنا نقدم لك أمثلة تساعد الأشخاص باختلاف طبيعة عملهم، على بناء انطباع إيجابي أو ما نسميه بصمة أو صورة رقمية:
الطبيب: لا يجب أن يكتفي بمشاركة نقاشات علمية، بل يجيب على استفسارات الناس بأسلوب مبسط، وتفنيد الخرافات الطبية الشائعة، ليصبح مصدرا موثوقا للمعرفة الصحية.
المحامي: حبذا لو يفكك تعقيدات القانون ويقدم نصائح لحماية حقوق الناس اليومية، ويعلق على القضايا المعقدة بأسلوب رصين، ليصنع لنفسه سمعة الخبير الذي يجمع بين المعرفة الدقيقة والقدرة على التواصل.
المعلم: يحوّل صفحته إلى مدرسة مفتوحة، فيشارك مصادر تعليمية مبتكرة، ويشرح المنهج بطرق إبداعية، خالقا بيئة داعمة تشجع الطلاب وأولياء الأمور على حب التعلّم.
الطالب الجامعي: يوثق رحلته التعليمية، ويلخص المواد المعقدة، ويشارك المصادر التي ساعدته على التفوق. بهذه الطريقة، يبني سمعته كشخص مجتهد ومتعاون، ويؤسس لشبكة مهنية قوية حتى قبل تخرجه.
الحرفي (فني أو نجار...): يحوّل خبرته العملية إلى محتوى مفيد، يوثق إصلاحاته اليومية ويشرح أسباب الأعطال المنزلية الشائعة وكيفية تفاديها، فيصبح المستشار الأول في مجتمعه المحلي.
المصمم أو الفنان: لا يعرض أعماله النهائية فقط، بل يشارك كواليس العمل، ويحلل أعمالا فنية عالمية، مما يثبت عمق رؤيته الفنية وليس فقط مهارته العالية.
المحاسب أو المستشار المالي: يقدم نصائح أسبوعية صغيرة وقابلة للتطبيق حول إدارة الميزانية الشخصية، أو يبسط مفهوما ضريبيا معقدا، فيتحول إلى شريك نجاح مالي للأفراد والشركات الصغيرة.
صاحب العمل الصغير (مقهى أو متجر): يروي قصة منتجاته، فيعرّف متابعيه على الموردين والحرفيين الذين يصنعون بضاعته، ليخلق رابطا عاطفيا ويحول عملاءه إلى سفراء علامته التجارية.
المدير: يستخدم منصته لتسليط الضوء على نجاحات أفراد فريقه وتقديم الشكر العلني لهم، مما يرفع المعنويات، ويجعل بيئة العمل جاذبة لأفضل المواهب.
بصمتك الرقمية ليست مجرد سجل لنشاطك، بل هي جزء لا يتجزأ من هويتك ومن أنت في عيون العالم.
بواسطة شيري توركل عالمة اجتماع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
كيف ندير البصمة بوعي؟
إدراك خطورة البصمة الرقمية هو نصف المعركة، أما النصف الآخر فهو إدارتها بوعي، والجميل في الأمر أنه لا يتعلق بتعقيدات تقنية، بل مجرد تحويل العادات العفوية إلى أفعال مقصودة. والنقاط التالية هي إشارات سريعة ربما ترسم الفارق بين سمعة تفرض عليك، وأخرى تبنيها بإرادتك:
عنوان رقمي هادئ: حساب رئيسي واحد مكتمل (صورة واضحة، نبذة حقيقية، وسائل تواصل) يكفي للبدء، هذا هو عنوانك الرقمي الدائم، بل مثل رقم هويتك الوطنية.
دوائر الظهور الثلاث: عام لما لا يضر إن شاع، محدود للعائلة والأصدقاء، خاص لما ينبغي أن يبقى في البيت، لذلك يجب أن تحدد الدائرة قبل الضغط على "نشر".
قاعدة 24 ساعة: إن كانت القصة تخص شخصا آخر، أمهل نفسك وقتا للتفكير أو الاستئذان، فعادة ما يختفي حماس اللحظة وتبقى السمعة التي ربما لا تُمحى.
فن التعليق: قبل كتابة تعليق، اسأل: هل أضيف قيمة؟ تعليق وجيز وعميق يبني سمعة أكثر من عشرات المنشورات المبعثرة.
استثمر في المعرفة: استخدم حساباتك للتواصل مع الخبراء في مجالك، تابع الشركات التي تطمح للعمل بها، الإعجاب بصفحات مهنية، الانضمام لمجموعات تخصصية، التعليق على أخبار قطاعك، كلها إشارات إيجابية.
البوح قبل البيع: قبل أن تفكر في تحويل شغفك إلى مشروع تجاري، شارك قصتك الحقيقية، دع الناس يرون الإنسان خلف الشاشة وليس التاجر.
الرحلة لا الوجهة فقط: لا تنتظر حتى تصل إلى الكمال، شارك خطواتك الأولى، تعثراتك، ولحظات تعلمك، هذا ما يصنع المصداقية ويبني الثقة.
استمع بقلبك: اقرأ التعليقات بعناية، ليس للرد فقط، بل لفهم ما يلامس متابعيك وما يحتاجونه.
البدايات الصغيرة: لا تحتقر العشرة متابعين الأوائل، هم بذرة مجتمعك، قدّرهم وتفاعل معهم.
الأيام الصعبة: ستمر أيام تشعر فيها بالإحباط وأن لا أحد يهتم، لكن تذكر أن الاستمرارية هي مفتاح بناء أي شيء ذي قيمة.
نظافة دورية: مرة كل بضعة أشهر، ابحث عن اسمك لتعرف للتأكد من سمعتك، راجع إعدادات الخصوصية في حساباتك، أرشف أو احذف المنشورات القديمة التي لم تعد تمثلك، فالبصمة الرقمية مثل حديقة: ازرع ما يعبر عنك، واقتلع الأعشاب الضارة.
الأثر الحقيقي: لا تنخدع بالأرقام السريعة، ما تنتظره هو: رسالة شكر، حل مشكلة، فرصة تعاون، عرض وظيفة، دعوة لحوار جاد.
أخطاء تدمر سمعتك الرقمية
السمعة التي تبنيها بجهد على مدار أشهر، يمكن أن تتآكل بصمت بسبب أخطاء صغيرة ومتراكمة لا نلقي لها بالا. النقاط التالية هي أشهر هذه "الأخطاء الصامتة" التي قد تنسف مصداقيتك وتضعف أثرك من دون أن تشعر.
فخ المقارنة: لا تقارن بدايتك المتواضعة بذروة نجاح الآخرين، لكل شخص رحلته وتوقيته، ركز على مسارك الخاص.
الخوف من النقد: ستجد دائما من ينتقد أو لا يتفق معك، تقبل النقد البنّاء وتتجاهل الأصوات السلبية التي لا هدف لها إلا التحطيم.
الاحتراق النفسي: خذ فترات راحة، فحياتك الحقيقية خارج الشاشة هي الأهم.
الجدالات العقيمة: لا تدخل في نقاشات سلبية أو جدالات حادة خاصة مع الحسابات المجهولة.
البصمة السلبية: انتبه لما تضغط عليه "إعجاب" أو ما تشاركه من حسابات أخرى.
كشف أسرار العمل السابق: الإنترنت لا ينسى، وكشف الأسرار المهنية هي إشارة حمراء لأي صاحب عمل مستقبلي.
تجاهل الخصوصية: لا تفترض أن حساباتك "خاصة". صور أو معلومات شخصية جدا قد تجد طريقها للعلن. اضبط إعداداتك بوعي ولا تشارك ما قد تندم عليه.
الأخطاء اللغوية: قد تبدو بسيطة، لكن كثرتها في تعليقاتك ومنشوراتك تعطي انطباعا بعدم الدقة والاهتمام بالتفاصيل.
الهوية المتناقضة: أن تكون مهنيا جادا في منصة، وشخصية مبتذلة في منصة أخرى، من شأنه أن يثير الشكوك حول مصداقيتك.
الموت الرقمي: الغياب التام يثير التساؤلات، على الأقل، امتلك بصمة رقمية أساسية يمكن العثور عليها، فالصمت التام في العصر الرقمي قد يُفسر على أنه إخفاء لشيء ما.
سيرتك التي لا تنام
في الختام نؤكد لك عزيزي القارئ أن الانتقال من مستهلك سلبي أو حضور رقمي عشوائي إلى صانع قيمة، لا يحتاج خبرات معقدة بقدر ما يحتاج صدقا وانضباطا، وعندها لن تبدو الشاشة لصا لوقتك، بل نافذة تطلع على الناس بأفضل ما عندك.
وحين تنجح في إدارة ظهورك الرقمي ستدرك حينها أنك صممت بعناية أفضل سيرة ذاتية يمكن للمرء امتلاكها: حية، أصيلة، ممتدة، ولا تنام أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.