أواصل كتابة المادة الثالثة حول شهداء صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن" – رحمهم الله رحمة الأبرار – وفي البداية، كمقدمة لهذه المادة، أود تعريف معنى الشهادة ومن هو الشهيد. معنى الشهادة: الموت في سبيل الدفاع عن الحق، والدفاع عن الوطن، والدفاع عن الدين. وفي ظلال الشهادة دلالات على الشخصية السوية المتكاملة، والأخلاق العظيمة التي تنسجم مع كتاب الله وسنة رسوله، وكذلك العقائد الأرضية الحقة التي لا تغضب الله جل جلاله. والشهادة في كل زمان ومكان جديرة بالثناء والتخليد. هذا هو التعريف المختصر للشهادة. أما إجابة السؤال الذي طرحته أعلاه، وهو: من هو الشهيد؟ فالإجابة بسيطة: الشهيد هو الذي يُقتل – بضم الياء – وهو يدافع عن الحق، أو يُقتل ظلمًا وعدوانًا. لهذه الاعتبارات، فإن شهداء صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن" استُشهدوا وهم يدافعون عن الحق، استُشهدوا ظلمًا وعدوانًا وغدرًا بصواريخ بني صهيون، الكيان اللقيط، الكيان الصهيوني الملعون. وهنا، وفيما تبقى من هذا الحيز لهذه المادة، أسرد بإيجاز ما تيسر من بعض المواقف والأعمال لبعض الزملاء شهداء الصحيفتين: أولًا، أود القول إن الشهيد عبدالله الحرازي أعتبره زميلًا وبمنزلة والدي بحكم السن، أما الشهداء: محمد إسماعيل العميسي، ومحمد حمود المطري، وجمال فراص، وعبدالقوي العصفور، فأعتبرهم زملاء وبمنزلة إخواني الذين لم تلدهم أمي. أما بقية الشهداء، فأعتبرهم زملاء وبمنزلة أولادي. رحم الله جميع الشهداء رحمة الأبرار. الشهيد عبدالله الحرازي هو الأكبر سنًا من بين كل الذين استُشهدوا يوم الأربعاء 10 سبتمبر من العام الجاري 2025م. أنا أعرفه منذ شهر يونيو من عام 1990م – أي منذ أكثر من 35 عامًا – كان يتصف بالعفوية، ويتميز بالانضباط الوظيفي، وديمومة المواظبة التي لم يقطعها سوى الموت. الشهيد محمد إسماعيل العميسي تخرج من أوكرانيا – جامعة لفوف – تخصص صحافة، ونال شهادة الماجستير عام 1995م. عمل منذ ذلك العام في صحيفة "26 سبتمبر" الورقية، وبعد سنوات انتقل للعمل في صحيفة "26 سبتمبر" الإلكترونية "سبتمبر نت". اتصف الشهيد محمد بالأخلاق العالية والانضباط الشديد، ومن مميزاته أنه كان يتجنب التطويل الممل والاختصار المخل – رحمه الله. الشهيد عبدالعزيز يحيى الشيخ مستواه التعليمي جامعي، خريج كلية الإعلام – جامعة صنعاء – الدفعة التاسعة للعام الدراسي 2003–2004م. بدأ عمله الإعلامي عام 2006م، وقد أبدع في مجال عمله، حيث كان مذيعًا تلفزيونيًا لبقًا، وكاتبًا صحفيًا، كما أبدع في مجالي الإنتاج والإخراج التلفزيوني. لقد كان عبدالعزيز الشيخ أربعة صحفيين في صحفي واحد – رحمه الله. الشهيد علي الشراعي مستواه التعليمي جامعي، خريج جامعة إب – تخصص تاريخ. بدأ عمله الصحفي في صحيفة "26 سبتمبر" عام 2006م لعدة سنوات، ثم التحق بصحيفة "اليمن" منذ العام الأول لإصدارها قبل أكثر من خمس سنوات. الشهيد علي الشراعي كان متميزًا بكتاباته التاريخية الجيدة، كما تميز أيضًا بتحليلاته السياسية العميقة – رحمه الله. الشهيد الصحفي مراد محمد الفقيه مستواه التعليمي جامعي – تخصص لغة عربية. بدأ عمله الصحفي عام 2006م، واستُشهد بتاريخ 10 سبتمبر من هذا العام 2025م – رحمه الله رحمة الأبرار. لا أستطيع أن أكتب عن الشهيد مراد بإيفاء دون نقصان، لكن أقواله وأعماله الحسنة هي التي كانت وما زالت وستظل تتحدث عنه، والإشادة بأدواره وأعماله دون نقصان، والكمال لله. أنا لا أعرف هل أعزي أهل صديقي الشهيد مراد محمد الفقيه أم أعزي نفسي؟ لكن عزاؤنا جميعًا أنه صعد شهيدًا. الشهيد عبدالقوي محمد صالح العصفور قديم في خدمته، عرفته منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي إلى العام الجاري 2025م. كان رجلين في رجل واحد: صحفي وخبير سكرتارية وأرشفة إدارية. بل إن العمل الإداري أخذه من الصحافة، وكان يقلل من كتابة المقالات الصحفية في السنوات الماضية، لكن منذ أواخر عام 2023م إلى شهر استشهاده، كانت كتاباته لصحيفة "26 سبتمبر" منتظمة، وكانت جلها تتعلق بصلف الصهاينة الملاعين، ومعاناة الفلسطينيين، وسكوت الأنظمة العربية والإسلامية. كانت كتاباته مختصرة ومفيدة، وصفة المراسلات في السكرتارية التي كان يعدها كانت موجزة ومفيدة – رحمه الله. الشهيد الصحفي محمد أحمد محمد الزعكري هو صحفي ابن صحفي، وشهيد ابن شهيد. استُشهد والده بتاريخ 27/4/2019م – رحمهما الله. محمد الزعكري أكمل دراسته الجامعية – تخصص شريعة وقانون – العام الماضي، وكان يطمح للالتحاق بالدراسة في المعهد العالي للقضاء، ولم يمنعه سوى الموت شهيدًا. قرأت عدة مقالات من إبداعاته، وأحببت أن أتعرف عليه، وقلت في نفسي إن كتابات هذا الشاب أكبر من سنه، لكن الحديث معه سيكشف لي مستوى وعيه وثقافته ولباقته. ذهبت إلى مكتب صحيفة "اليمن" في شهر فبراير من هذا العام 2025م لغرض الدردشة مع محمد الزعكري، وهو الصحفي الشاب الأصغر سنًا والأوفر عقلًا، ووجدته مع أخيه زهير – الطالب الجامعي والصحفي تحت التمرين – ودردشت معهما لمدة ساعة، ووجدتهما واعيين ومثقفين. من ضمن ما دار من نقاش، قلت لمحمد: لماذا لم تدرس في كلية الإعلام، خاصة وأن لديك موهبة الكتابة الصحفية ومقالاتك جيدة؟ قال: الصحافة موهبة، والجامعات لا تصنع صحفيين ولا تخرج صحفيين، والذي لديه موهبة الكتابة، كلية الإعلام تصقلها. واستمر الحديث معهما في أكثر من موضوع، ووجدتهما على قدر جيد من الوعي والثقافة، وانصرفت وقلت لهما: أستودعكما الله، وفعلاً كان الوداع الأخير – رحمهما الله رحمة الأبرار. في آخر سطور هذا الموضوع أقول: إن المباني المهدمة لصحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن"، التي استُشهد تحت أنقاضها الصحفيون، ظهر من تحت أحجارها الصمود لبقية زملاء الشهداء، ولن يستطيع الإمبرياليون الأنذال الصهاينة الملاعين إسكات قول الحق، ولن ينضب مداد أقلام الدفاع عن المظلومين في فلسطين السليبة، وإن بقية زملاء الشهداء الصحفيين على درب كل الشهداء سائرون.