هل يُعقل أن يحصل العسكري على ألف ريال سعودي شهريًا، بينما يُترك المعلم يتشبث بما تبقى من الحياة براتب هزيل لا يتجاوز تسعين ألف ريال يمني؟! أي خلل هذا؟ أي منطق يشرعن تكريم من يحمل السلاح وإهمال اليد التي تحمل القلم وتُنشئ العقول؟
المعلم ليس اسمًا في ذيل كشف الرواتب. المعلم هو الشخص الذي يبدأ منه كل شيء... هو الذي يصنع الطبيب والمهندس والقاضي والضابط. هو الذي يفتح للطفل أول نافذة على المعرفة ويرسم بداخله أول بذرة للوعي والالتزام والإنسانية. وحين يُترك في هذه الزاوية الضيقة من الفقر والعجز، لا يُخطأ في حقه فقط... بل تُرتكب خيانة صريحة بحق مستقبل هذا البلد.
الفجوة بين راتب العسكري وراتب المعلم ليست مجرد فارق مالي... بل شهادة واضحة على انهيار منظومة القيم واعتراف بفشل السياسات، ورسالة مخيفة لكل جيل قادم: يبدو أن العلم لم يعد أولوية لدى أصحاب القرار، وأن مستقبل البلد يُضحّى به بلا أي تردد.
كيف نطالب معلّمًا ببناء عقول أبنائنا، وهو عاجز عن تأمين حياة كريمة لأبنائه؟ كيف نرجو منه صناعة جيل واعٍ بينما يقاتل يوميًا من أجل لقمة العيش؟
أمة تُهين معلمها لا تحتاج إلى عدو كي تسقط؛ فهي تُسقط نفسها.
وبلد يرفع قيمة السلاح فوق قيمة القلم... يحفر قبره بيده، ويمهّد لانهيار طويل يبدأ من المدرسة ولا ينتهي عند حدود الدولة.
العدل للمعلم ليس خيارًا... إنه استثمار في مستقبل وطن يريد أن يبقى حيًّا.