مرّ عامان على عملية "طوفان الأقصى" التي انطلقت فجر السابع من أكتوبر 2023، لتكون الشرارة التي هزّت المنطقة والعالم، وغيّرت معادلات الصراع العربي الإسرائيلي من جذورها. لم تكن مجرد عملية عسكرية مباغتة، بل كانت صرخة شعب حُوصر حتى الاختناق، ونذيرًا بأن الصمت الطويل يولّد الانفجار. عامان من جرائم الإبادة والقتل والتدمير الإسرائيلي الأمريكي بحق إخواننا في غزة، يقابلهما عامان من الصمود الأسطوري والثبات الراسخ، والصبر العظيم، والتضحية غير المسبوقة. عامان على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة حماس، والتي غيّرت مجرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كانت هذه العملية ردًا على العدوان الإسرائيلي المستمر على المسجد الأقصى والقدس، وأظهرت قدرة المقاومة الفلسطينية على التخطيط والتنفيذ ببراعة. استهدفت العملية كسر الحصار والاحتلال الإسرائيلي، وحررت بعض الأسرى الفلسطينيين، وأدت إلى رد إسرائيلي عنيف، وتصاعدت التوترات في المنطقة، وأثارت ردود فعل دولية متباينة. أكدت العملية على قوة ومرونة حركة حماس، وأظهرت قدرتها على المناورة السياسية والمقاومة المسلحة، وكشفت عن نقاط ضعف في الجيش الإسرائيلي، وأدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة. وأثبتت أن غزة ليست سجنًا، وأن القدس ليست ورقة مساومة، وأن المقاومة الفلسطينية قادرة على كسر الحصار والاحتلال. كان العدوان الإسرائيلي على غزة بعد الهجوم غير مسبوق في عنفه ووحشيته، فخلال عامين من العدوان، استشهد أكثر من 70 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما دُمّرت أكثر من 80% من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، حسب آخر تقارير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. تحوّلت المستشفيات والمدارس والمساجد والمنازل إلى أنقاض، فيما يعيش نحو مليوني فلسطيني في ظروف إنسانية كارثية، بلا غذاء ولا دواء ولا مأوى، وسط حصار خانق ودمار شبه كامل. حتى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية تحولت إلى "مصائد موت"، كما وصفها ناشطون دوليون، بعد استخدامها كمصيدة من قبل جيش الاحتلال الذي استهدف الباحثين عن المساعدات الإنسانية فيها، مرارًا وبشكل يومي ومتوحش. اليوم، يعيش أبناء غزة كارثة كبرى نتيجة العدوان الهمجي، إلا أن النتائج الكارثية على الكيان ليست بقليلة. فبعد مرور عامين على اندلاع الحرب، يجد الكيان الصهيوني نفسه غارقًا في أزمة سياسية وأمنية واقتصادية عميقة، تعبر عنها أصوات المعارضة، فيما تخفيها بيانات "الحكومة"، وتتغافل عنها لتمرير مخططاتها باستمرار الحرب، مهما كانت آفاق تحقيق الأهداف ضئيلة أو مستحيلة. وخلال "طوفان الأقصى"، شهد العالم تحولًا في الوعي الشعبي العالمي، فقد خرجت مظاهرات ضخمة في مدن أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية دعمًا لغزة، وارتفعت الأصوات التي تطالب بمحاسبة الاحتلال على ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية ووقف تسليحه. قلبت غزة الموازين بصمودها وتحديها وثباتها وإيمانها بعدالة قضيتها، وعزلت إسرائيل عن العالم، وكتب الدم الفلسطيني فصول الحقيقة: أن غزة شامخة قوية لا تنكسر، وأن المقاومة انتصرت. نبارك لأبناء الشعب الفلسطيني عمومًا، وأبناء غزة ولأبطال المقاومة خصوصًا، صمودهم العظيم، وصبرهم منقطع النظير، وتضحياتهم التي فاقت التوقعات. وبرغم جسامة التضحيات، إلا أن العدو في النهاية فشل في تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ اليوم الأول. فلم يستطع استعادة أسراه دون صفقة تبادل، ولم يُنهِ المقاومة، وفشل في مخطط التهجير، وبقي عاجزًا، ومعه الدعم الذي لا مثيل له من الولاياتالمتحدة ومعظم الأنظمة الغربية. بقيت المقاومة الشجاعة المجاهدة، ومعها الشعب الفلسطيني، بثقتهم العظيمة بالله، وصبرهم وصمودهم وثباتهم على موقفهم، لم يتزعزعوا ولم يخضعوا ولم يتراجعوا، وقدموا درسًا للأمة وللعالم في انتصار الحق مع الوعي والصبر، وإن قلّ نصيره، وانكسار الظلم والطغيان. فبعد عامين على "طوفان الأقصى"، لا تزال غزة جريحة لكنها واقفة، لا تزال القنابل تنهال، لكن الأمل لا يموت ولن يموت أبدًا. فكل طفل ينجو من تحت الركام هو مقاوم في طور التكوين، وكل أم تبكي شهيدها تزرع في الأرض بذرة عزيمة جديدة. لقد أرادت إسرائيل أن تُطفئ نار المقاومة، فإذا بها توقظ ضمير العالم، وأراد ترامب بخطته أن يطوي صفحة فلسطين، فإذا بها تُفتح من جديد بدماء الأحرار. كما تعاملت حركة حماس بذكاء سياسي لافت مع خطة ترامب، سواء خطته في ولايته السابقة المعروفة ب"صفقة القرن"، أو مع خطته الجديدة الأخيرة حول إيقاف الحرب في غزة. ورغم الجراح والدمار، فإن فلسطين اليوم في قلب العالم من جديد، وغزة لا تزال تنبض بالحياة والصمود، شاهدة على أن إرادة الشعوب لا تُقهر.