في زمن كانت فيه الأوطان تتأرجح بين قبضة الفوضى وسوط الفساد بزغ نجم رجل خرج من رحم اليمن لا كحاكم يلهث خلف السلطة بل كمشروع نهضة وحلم تشكل من تراب الوطن وهموم البسطاء. إنه الرئيس الشهيد البطل إبراهيم محمد الحمدي الذي لم يكن مجرد رئيس بل كان وعدًا مؤجلًا بمستقبل كان يمكن أن يكون. ميلاد القائد.. لا مجرد اسم في التاريخ حين تولى إبراهيم الحمدي رئاسة اليمن في العام 1974 كانت البلاد تنام على بساط من التخلف وتستيقظ على ضجيج القبيلة والسلاح. لكنه لم يرث منصبا بقدر ما حمل عبئا فكان كالسائر في حقل ألغام يخطو بثبات الحالم ويفكك ألغام التخلف بجرأة المصلح. حلم بدولة مدنية ..دولة النظام لا الفوضى والمؤسسات لا الأشخاص. ولم يكن حلمه مجرد شعارات تطلق على منابر الخطابة بل كان رؤية تتجسد على الأرض في الطرقات التي شقها والمدارس التي بناها والعدالة التي حاول أن يرسخها في قلب وطن منهك. نهضة تبنى.. ووطن يستعاد في عهده القصير أقل من ثلاث سنوات عرفت اليمن معنى الانضباط وبدأت تتلمس أولى خطوات التنمية. كانت المشاريع التنموية تطلق كأنها زغاريد الأمل وكانت ميزانية الدولة تدار كما تدار بيوت الشرفاء بلا عبث ولا نهب. أعاد للدولة هيبتها وأراد لليمنيين أن يتساووا في الحقوق والواجبات لا سادة وعبيد ولا مناطق متخيلة تتفاضل على حساب الوطن الكبير. رفض التدخلات الخارجية وكسر ظهر الفساد وتصدى لزعامات قبلية كانت ترى في الوطن غنيمة لا مسؤولية. فكان لا بد من أن يدفع الثمن. اغتيال الحلم... وصرخة التاريخ في 11 أكتوبر 1977 لم يغتل رجل فحسب بل اغتيل مشروع وطن. لم تسكت رصاصات الغدر صوت الحمدي فقط بل أطفأت شمعة أمل كانت تحاول أن تنير لليمنيين طريقًا مختلفًا. سقط إبراهيم الحمدي شهيدًا لكن ذكراه ظلت عصية على الموت. فما زال الناس يتهامسون باسمه في المجالس وتغني له القلوب قبل الحناجر ليس لأنه رئيس مضى بل لأنه رمز لما يمكن أن يكون. إرث لا يموت لم يترك الرئيس إبراهيم الحمدي خلفه قصورًا لكنه ترك قلوبًا مأهولة بحبه. لم يورث ثروة بل ورث فكرة والإرث الأعظم للزعماء ليس الذهب بل أن يصبحوا مرآة نرى فيها ملامح أحلامنا التي لم تكتمل. ولذلك فإن التاريخ لا يخلد الأسماء العابرة بل يرفع من يزرعون في الأرض شيئًا يشبه الخلود وإبراهيم الحمدي كان من أولئك. ختاما: قد تغتال الأجساد لكن القيم لا تقتل. وقد يطفأ صوت الحق، لكنه يعود صدى في كل جيل. إبراهيم الحمدي لم يكن رجل سياسة فحسب بل كان قصيدة وطن لم تكتمل أبياتها وسنظل نبحث عن قافية تليق بمقامه. رحم الله الرئيس الشهيد البطل إبراهيم الحمدي ونسأله تعالى أن يجعل من دمه الطاهر بذرة نهوض قادم بإذنه تعالى.