هو صراع الخير والشر، والطامعين والمستعمرين.. أدوات الموت جاهزة، والبشر مشاريع قتل وتهجير مستمرة. فكان تقسيم الدول ولا يزال بصمةً وصنعةً أمريكية-صهيونية لا أخلاقية. وبدعوى عدم إمكانية العيش بين الطائفتين، اعتُبر التقسيم هو الحل "المثالي"، ووُهبت الأرض لمن لا يملكها ولا يستحقها. جرائم من فظاعتها استخلص آرثر ميلر نظرية "الخلاص". ويبقى السؤال: هل يتعظ العالم ويتحرك تحت شعار "كفى أمريكا"؟ من المؤسف أن نرى العالم وقد تحول إلى غابة كبرى، وحلبة صراع يكاد لا ينتهي، بفضل الأطماع الأمريكية، وقساوة قلوب حكامها وساستها المتعاقبين، ومن خلال الغطرسة وشبق الهيمنة والسيطرة على العالم، دولًا وشعوبًا، وبملاحظة الوسائل والأساليب اللا أخلاقية التي اتبعتها ولا تزال تتبعها حتى اليوم.. حروب تدميرية عسكرية أو اقتصادية، احتلال مباشر وغير مباشر، ومشاريع القضم والضم والتفتيت والتقسيم، وأقلّه زرع بذورها عبر مشاريع الفدرلة، وتهديد أمن الدول وابتزازها في استقرارها، وقبض أثمان حماية بعض العروش المتخلفة، وحماية المارقين واللصوص والمجرمين... لقد وصل الصراع الدولي إلى مراحل جديدة وخطيرة، جعلت العالم يتخلى مكرهًا عن السلام، وهرعت فيه الشعوب والدول لحماية نفسها بالبحث عن التحالفات والتكتلات والمحاور، وبعضها وجد ضالته في الاستسلام والخنوع. ويبقى العامل المشترك للجميع هو السعي نحو استحواذ وتطوير وتكديس السلاح. ومع غياب السلام، وارتفاع منسوب تهديد الأمن والاستقرار الدولي، وسط غياب تام للأمم المتحدة، ووسط الشراكة المتوحشة للولايات المتحدة مع دول الاستعمار القديم والصهيونية العالمية، وما أنتجته من نسخ إرهابية وجدتها ضرورية لإقناع العالم بالخوف والترهيب والفوضى. وفي دفاعها المستميت عن تفردها واستدامة عصرها بمفردات جديدة، يستمر فيه صراع الخير والشر، وصراع الطامعين والانتهازيين والمستعمرين، بقواعد جديدة تستدعي أن تبقى العلاقة بين الإنسان والأرض قائمة دون أي احترام لقدسية الحدود أو لوجود ومصير الشعوب، حتى تلك التي انتمت لأرضها منذ آلاف السنين. هي تلك المطامع التي غلّفها الأشرار بقصائدهم أو بعقائد أعدائهم، لا فرق. فالقصة البديلة للحقيقة لا بد أن تكون حاضرة، وأدوات الموت جاهزة دائمًا، والبشر مشاريع قتل وتهجير مستمرة. لقد راهنت الولاياتالمتحدةالأمريكية على تقسيم سوريا عبر مشروعيها في شرق الفرات وغربه، بما يضمن تفتيت وحدة الأراضي السورية، كما راهنت على قضم وضم الجولان السوري المحتل ليكون بعهدة الكيان الصهيوني إلى الأبد. وبانتظار اكتمال خرائط الشرق الأوسط الجديد، قد تفاجئ العالم بتحويل سوريا إلى عدد غير متوقع من الدويلات والكانتونات، وسط المخاوف التي تحيط بلبنان ومصر والأردن والعراق. فتقسيم الدول كان ولا يزال بصمة أوروبية-صهيونية، وبات صنعة أمريكية-صهيونية لا أخلاقية بامتياز، فيما يبقى تفتيت وتقسيم العالم العربي غاية وهدفًا إسرائيليًا مباشرًا. وبلا شك، هي حقائق السياسة الدولية، تلك التي لا قلب لها ولا تعرف الرحمة، لكنها تعرف جيدًا كيف تمزق صفوف البلاد من داخلها. إن طرح بعض الأمثلة لتأكيد وحشية الطغاة والمستعمرين ممن يعتبرون أنفسهم العالم المتحضّر، يُسهّل إسقاطها على واقعنا العربي، وإجبار من لا يبصرون خطورة ما يتعامون عن رؤيته، وتبديد ضبابية المشهد وتعقيداته في رؤوسهم، وكشف حقيقة أعدائنا القدامى-الجدد، وسهولة اتخاذهم قرار التقسيم: الحرب على فنزويلا: إذ يرى العالم كله كيف تنقل الولاياتالمتحدةالأمريكية حروبها إلى دول أمريكا اللاتينية من بوابة فنزويلا البوليفارية، وذلك بعد سنوات من الحصار الاقتصادي للدولة والشعب الفنزويلي، وبعد انتهائها من رسم خارطة الحرب هناك عبر التدخل السافر المباشر بسياسات بعض الدول المحيطة بفنزويلا، وبتغيير أنظمة بعضها الآخر، بعد صبغها باليمين المتطرف، وإخضاع الطائعين لرغباتها وإملاءاتها، وإلحاقهم بفريق أتباعها.وعلى مرأى العالم، باتت ترى الرئيس مادورو رئيسًا غير شرعي، وقررت أنه عليه تسليم السلطة إلى معارضة صنعتها على قياس مصالحها، ودعمتها لتنفيذ مخططها الرامي للسيطرة على ثروات فنزويلا الوطنية الهائلة، سواء كانت نفطية أو غيرها. ولا بد من ملاحظة أن مشروعها بدأ بخلق جهة موازية وضعتها في مواجهة الدولة والحكومة الشرعية، ولا أحد يستطيع معرفة نوايا واشنطن وإلى أين ستأخذ البلاد والعباد هناك. فالرئيس ترامب "وضع كافة الخيارات على الطاولة"، وسط تركيزه على الخيار العسكري، وعينه في نهاية المطاف على إسقاط الدولة، وربما تقسيمها، وما خفي أعظم. مع الإشارة إلى حنكة الرئيس مادورو، والدعم الشعبي الكبير الذي يتمتع به، بالإضافة إلى وقوف الجيش والشعب إلى جانبه للدفاع عن البلاد، يبدو أن الحرب على فنزويلا لن تكون نزهة جديدة لواشنطن، بل ستكون هزيمة جديدة. تقسيم إريتريا: التي دخلت منطقة النفوذ والصراع الدولي لعقود وسنوات، وانتهت بوضع بريطانيا خطة لتقسيمها بين السودان وإثيوبيا، بدعوى عدم إمكانية العيش بين الطائفتين المسيحية والإسلامية معًا، واعتُبر التقسيم هو الحل "المثالي". اغتصاب فلسطين: إذ لا يخفى على أحد ما حصل في فلسطينالمحتلة، حينما أعطت بريطانيا أرضًا لا تملكها لمن لا يستحقها، وأخضعت الفلسطينيين بقيادة الولاياتالمتحدة والأوروبيين لأبشع المجازر وأكبر عمليات الحصار والتجويع والتهجير الممنهج. ولا يزال الدم الفلسطيني يُهراق على ترابها المقدس منذ مئة عام وحتى الآن، ولن يتوقف الأمر عند حدود صفقة القرن وإلغاء حق العودة، بل سيتابع مساره – مع الصمت والتخاذل الدولي والأممي والعربي – وفق وثيقة "كيفو نييم" الصهيونية الخاصة بتقسيم وتفتيت الأمة العربية. تقسيم السودان: الذي يعاني اليوم من خطر سقوط الدولة واندلاع الحروب الأهلية مجددًا. فقد سبق ل"إسرائيل" أن عملت على استغلال كافة عوامل التفرقة بين الشمال والجنوب السوداني، ووقفت وراء نشوء الحركة الانفصالية هناك، في خطوة على طريق تحوّل "الكيان الغاصب" إلى دولة إقليمية عظمى، تحيط بها دويلات عربية متنافرة ومتصارعة، الأمر الذي يضمن لها الهيمنة المأمولة، ويتيح لها ولحلفائها السيطرة على مصير الأمة العربية والتحكم في مقدّراتها. فلسفة العقل الأمريكي – نظرية "الخلاص": إذ تبدو أمريكا لا تزال تعمل بعقلية الماضي، على غرار أحداث بلدة سالم – نيوجيرسي عام 1902، حيث تجلّت الطبيعة الشريرة للذات الأمريكية، وانتشرت فيها ظاهرة ضرب الفتيات لطرد الشيطان. ومن فظاعتها، استخلص آرثر ميلر نظرية "الخلاص"، إذ يقول: "إن المجتمع يلجأ إلى تقديم القرابين عندما يتعرض لضغوط يعجز عن تحملها". وها هي الدول الخانعة تفعلها! فهل تحاول أمريكا إخضاع العالم وتحويله إلى مؤسسات إرهابية تطرد أعداءها "الشياطين" التي تسكن الدول؟ فيما تبدو الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تزال تقبض على كافة خيوط المؤامرة، وتتمسك بازدياد عدد الساحات الساخنة، بما يتيح لها حرية الحركة في كافة الميادين، وفي سعيها لتمرير مشاريعها. ودون ذلك، ستستمر بالخداع واستنزاف الدول، من أوروبا وأوكرانيا، ومن فنزويلا إلى المكسيك وكندا وكوريا الشمالية، ومن روسيا إلى الصين وإيران وسوريا وغيرها. وبات من الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقود العالم الشرير نحو تحقيق غاياتها وأهدافها فقط، دون الاكتراث بحياة ومصير الشعوب ودمائهم المسفوكة. وقد بات اعتمادها على إرهاب الدولة المنظّم استراتيجيةً وحيدة لتفتيت الدول وتقسيمها، بحثًا منها عن إضعاف الجميع والسيطرة على العالم. ويبقى السؤال: هل سيتحرك العالم ويتظاهر تحت شعار "كفى أمريكا"؟