وصل أكثر من 26 ألف مهاجر أفريقي غير شرعي إلى الأراضي اليمنية خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وسط نشاط لعصابات التهريب باتجاه السواحل الجنوبية لليمن في أبينوشبوة الخاضعتين لسيطرة مرتزقة التحالف. وأعلنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، مطلع الأسبوع الماضي، عن وصول نحو 18 ألف مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال شهر أكتوبر الماضي، في أعلى معدل منذ ديسمبر 2024م. 26سبتمبر : تقرير : محمد العلوي وأفاد تقرير صادر عن المنظمة أن تدفق الأفارقة إلى اليمن خلال أكتوبر الماضي شهد زيادة بنسبة 99% مقارنة بشهر سبتمبر الماضي، الذي سجلت فيه المنظمة وصول 8,878 مهاجراً عبر بحر العرب، في ارتفاع يثير العديد من التساؤلات، حيث يشكل المهاجرون الإثيوبيون الغالبية العظمى بنسبة 97% من إجمالي المهاجرين الأفارقة الواصلين إلى اليمن، بعدد 17,131 مهاجرا خلال أكتوبر، بينما بلغ عدد الصوماليين 552 مهاجرا بنسبة 3%. وشكل الرجال 66% من إجمالي المهاجرين، مقابل 17% من النساء و16% من الأطفال. عصابات تهريب ممنهجة أصبحت جيبوتي نقطة انطلاق لقرابة 75% من المهاجرين الأفارقة عبر خليج عدن باتجاه سواحل أحور في أبين، بينما اتجه 81% من المهاجرين الصوماليين إلى سواحل مديرية رضوم الساحلية في شبوة، وغرق المئات منهم في البحر، دون أن يحظى الواصلون منهم بأي اهتمام من قبل المنظمات الأممية، التي تصدر تحذيرات بأزمات غذائية وخدمية في اليمن، مقابل إعادة أعداد بسيطة من قبل المنظمة إلى بلدانهم، بلغت 3075 عائدا إثيوبيا خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين. بينما كانت نسبة الواصلين إلى الأراضي اليمنية خلال أغسطس الماضي قرابة 7 آلاف مهاجر أفريقي، بنسبة 97% من الجنسية الإثيوبية، وسط تحذيرات من استمرار تدفق المهاجرين الأفارقة الذين يتم تهريبهم عبر شبكات تفرض مبالغ مالية بالعملات الصعبة "الدولار الأمريكي، والريال السعودي"، على كل شخص، وتمنح جزءا من تلك الأموال لقيادات المرتزقة في أبينوشبوة مقابل تسهيل وصولهم إلى السواحل. وترسم حركة الوصول غير الشرعي إلى السواحل اليمنية في تلك المناطق واقعا مأساويا من قبل عصابات الابتزاز التي تظهر بين الحين والآخر في عتق وزنجبار وأحور بحق الأفارقة، ووصل الأمر إلى حد الصراع المسلح بين عناصر تهريب ونقل الأفارقة إلى مختلف المناطق في أبينوشبوة من المناطق الساحلية. أزمات أكثر خطورة جراء التدفق المهول للمهاجرين غير الشرعيين إلى اليمن ونتائجه الخطيرة، استعرض الباحث خالد حسين غانم، جملة منها بقوله، إن: "المشهد أكثر خطورة من مجرد أرقام، بل هو مؤشر على أزمة أمنية وديمغرافية واقتصادية واجتماعية وصحية على الأبواب". وأضاف: "قد يتحول اللجوء إلى احتلال صامت، لأن الأمر لم يعد مجرد تسلل محدود أو عبور عابر، بل تحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد هوية اليمن وأمنه واقتصاده ومجتمعه"، وفق منشور له على "فيسبوك"، الأسبوع الماضي. وتابع غانم قائلا إن: "مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقية مختلفة يتدفقون عبر البحر والحدود البرية إلى الأراضي اليمنية دون رقابة، أو إحصاء، أو رؤية وطنية للتعامل مع هذا الخطر المتصاعد"، موضحا أن محافظات عديدة وخاصة شبوة تغص بأعداد هائلة ومعظمهم يتحرك بحرية كاملة. وأشار إلى أن المناطق الحدودية مع السعودية مثل "صعدة وحجة"، وتحديدا منطقة الرقو، "المشهد فيها أكثر خطورة، حيث يتجمع الآلاف منهم في بؤر خاصة، والأخطر من ذلك كله أنهم يتنقلون بين المحافظاتاليمنية وكأنهم يعرفون دروب البلاد أكثر من أبنائها". معالجة فورية وحذر الباحث غانم، من ظهور تجمعات أفريقية "منظمة ومتماسكة قد تتحول إذا تركت دون معالجة فورية، إلى قوى مسلحة قادرة على فرض نفوذها على بعض المناطق بالقوة، وربما بدعم خارجي غير معلن"، ووصف النتائج المحتملة للتدفق الأفريقي إلى اليمن ب "المرعبة" في مختلف الجوانب الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، والصحية، وغيرها. وأكد الباحث غانم، أن اليمن أمام تحول ديمغرافي خطير مرعب يزحف بصمت، واختراق متدرج لحدود وطن أنهكته الحروب، معتبرا اليمن بلدا غير آمن، واقتصاده غير قادر على احتضان موجات الهجرة البشرية غير الشرعية بهذا الحجم. وشدد على ضرورة تدارك الأمر بسياسة وطنية حازمة للحد من التدفق إلى الأراضي اليمنية، وإعادة النظر في ملف اللاجئين غير الشرعيين مع المنظمات الأممية، وتنظيم وجودهم داخل البلاد، وإلا فإن القادم سيكون أشد سوءا، على حد تعبيره. محددات وطنية من جهته، يرى الباحث والخبير بقضايا الهجرة واللجوء، الدكتور نبيل عبدالله القديمي، أن وصول المهاجرين الأفارقة إلى اليمن دون أي ضوابط خطأ ناتج عن القرارات السياسية الماضية للرئيس الأسبق "علي عبدالله صالح عفاش"، التي وصفت حينها بالإنسانية، لكنها تحولت بعد عقود من السنوات إلى ثغرة خطيرة لتدفق مهاجري القرن الأفريقي وليس الصومال فقط التي كانت تعاني حروبا وصراعات مسلحة، سرعان ما تحولت اليمن إلى محطة عبور ومأوى لموجات بشرية كبيرة تحمل في بقائها مشكلات أمنية واجتماعية واقتصادية معقدة تنعكس سلبا على الأمن والسلم الاجتماعي. وذكر أنه ترتب على الهجرة غير الشرعية مستوطنات سكنية على الحدود اليمنية السعودية، وأصبحت تشكل خطرا على المسافرين اليمنيين، وارتكاب المهاجرين جرائم مختلفة بحق اليمنيين، بل وخلق توترات اجتماعية وعسكرية داخل المناطق الحدودية. وأوضح الدكتور القديمي، أن الحكومة في صنعاء، أصدرت خلال السنوات الماضية المحددات الوطنية المتعلقة باللجوء لإعادة ضبط العلاقة القانونية بين الدولة واللاجئين وفق أسس تحافظ على السيادة والأمن وتنسجم مع المعايير الدولية للجوء، كلف بإعدادها الدكتور حمود محمد حنينة خلال العام 2017م، تضمنت تنظيم إجراءات الدخول والإقامة، ومنع أي استغلال للصفة الإنسانية في أعمال غير قانونية أو تمس بالأمن القومي، حتى لا تصبح اليمن ساحة مفتوحة للفوضى والاتجار بالبشر. قرار ملزم للمفوضية وأشار القديمي، إلى أن المحددات الوطنية تلك، لم تكن ضد اللاجئين الشرعيين، بل للحد من الهجرة غير الشرعية المتدفقة نحو بلادنا، وألزم القرار مفوضية شؤون اللاجئين، بعدم منح حق اللجوء إلا بعد موافقة الحكومة اليمنية، بعد أن كانت تصدر المفوضية حق اللجوء لمهاجري الأفارقة بعيدا عن الحكومة اليمنية وهذا مخالف لكل القوانين والمواثيق الدولية. وأكد، أن تصحيح المسار يشكل نقطة تحول في إدارة ملف اللجوء والهجرة غير الشرعية باتجاه اليمن، مبينا أن السواحل الجنوبية المحتلة من قبل دول تحالف العدوان، أصبحت مفتوحة أمام تدفق آلاف المهاجرين شهريا وفق عمل عصابات وشبكات تهريب ممنهجة اتسعت هناك جراء غياب سلطات الدولة، استفاد منها قيادات المرتزقة التي أصبحت تدر عليهم أموالا طائلة. تساؤلات خطيرة في السياق نشر الناشط الإعلامي من صعدة، "براق المنبهي"، على منصة "فيسبوك"، خلال الأيام الماضية مقاطع مصورة، أظهرت مجموعة مسلحة من الأفارقة وهم يتلقون التدريبات والتمارين العسكرية داخل الأراضي السعودية قبالة مناطق آل ثابت اليمنية الحدودية في منفذ "القهر". وأوضح أن الأفارقة يتواجدون داخل أراضي جيزان على طريق العارضة، ونفذوا عدة جرائم من بينها قتل لمواطنين يمنيين من أبناء حجة وريمة ومن مختلف المحافظات، في إشارة منه إلى ناقوس الخطر الذي يحدق بالمواطنين، يوافق التحذيرات التي تناولها الباحثين غانم والقدمي. وعلق المنبهي على صورة نشرها قال إنها تعود ل "زعيم جماعة الأفارقة على الحدود اليمنية مع السعودية في قطاع العارضة، وهو يقوم بالإشراف على تدريب عناصره ويحفزهم على مزيد من القتل لليمنيين"، في مشهد يثير تساؤلات خطيرة عن طبيعة التواجد المسلح داخل الحدود بدعم وتمويل سعودي، وتجاهل الجهات المعنية لما يحدث هناك، على حد تعبيره. وأشار إلى أن السلطات المحلية في صعدة توفر إيواء مؤقتا تحت رقابة كاملة للمهاجرين بعيداً عن المناطق الحدودية، مما يمنع أي استغلال أمني أو اقتصادي للمهاجرين غير الشرعيين وتوفير الاستقرار المؤقت يساعد في الحفاظ على التوازن الاجتماعي، خاصة أن السعودية ستكون المتضرر الأول من استقطاب التدفقات غير المنظمة، حيث تتعرض حدودها لضغط مستمر، وترحيل السلطات اليمنية الكثير منهم إلى بلدانهم بالطرق الرسمية طيلة السنوات الماضية، إلا أن استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي حال دون ذلك. وبين أن الكثير من المهاجرين الذين ينجحون في عبور الحدود يتعرضون لمعاملة قاسية وللاستغلال من قبل الجيش السعودي، وصولا لقتل بعضهم، مبينا وجود على الطرف الآخر داخل الأراضي السعودية مقابر جماعية مرصوصة على الحدود، كما تكشف الصور الجوية، وفق حديث "المنبهي". وطالب حكومة المرتزقة في المحافظات الجنوبية، بالحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي، وعدم السماح بوصولهم إلى الأراضي اليمنية عبر سواحل أبينوشبوة، واتهم تحالف العدوان بالعمل على تحويل المهاجرين الأفارقة إلى عبء على المحافظات الحرة، وتجفيف منبع وصولهم ستكون الخطوة الصائبة للحل الجذري للحد من التدفق الكبير للمهاجرين الأفارقة. قنبلة موقوتة تشكل موجة الهجرة غير الشرعية المتصاعدة إلى اليمن قنبلة موقوتة تهدد الأمن القومي اليمني، أمام الغزو الصامت، دون سياسة حازمة لتنظيم الهجرة وترحيل غير الشرعيين، ولا يستبعد أبدا فيما بعد انفجار صراعات مستقبلية على الأرض والموارد والماء، وسيحول اليمن من دولة ذات هوية واحدة إلى بؤرة متعددة الثقافات والأعراق المستوردة وممزقة الأوصال أكثر مما هي عليه الآن، مفتوحة على جميع الصراعات الإقليمية والدولية، لأن إدارة الصراع وفق المؤامرة الدولية أكبر مما يتصوره الكثير، خصوصا ليس هناك أي أحداث داخلية في إثيوبيا وغيرها تستدعي الهجرة بهذه الأعداد غير المسبوقة لا سيما من فئة الشباب. ولم يعد اليمن في الوقت الراهن مجرد معبر تقليدي لهجرة الأفارقة نحو السعودية أو بقية دول العالم، بل تحول الأمر إلى أشبه باختراق منهجي ووجهة خطيرة للتدفق الأفريقي غير المبرر والمسبوق، وتمثل هذه الظاهرة تهديدا وجوديا متعدد الأوجه، بل وقد تكون أكثر تهديدا خلال السنوات القادمة، وهو ما يستدعي معالجتها ووضع ضوابط وطنية شاملة وحازمة، باعتبار الحلول ليس خيارات متاحة، بل ضرورة حتمية وسيؤدي الإهمال إلى تداعيات مستقبلية كارثية لا سمح الله، تجعل من اليمن ساحة مفتوحة لفوضى إقليمية لا تحمد عقباها.