قالت صحيفة " ذا كريدل" الأمريكية إنه تحت غطاء الحرب في غزة، تنفذ إسرائيل والمستوطنون خطة منسقة لحسم الصراع في الضفة الغربية، تهدف إلى تفكيك الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وتحويل المدن الفلسطينية إلى جزر معزولة غير قابلة للحياة، والقضاء عملياً على أي أفق لقيام دولة فلسطينية من خلال أدواتها: العنف، والاقتصاد، والقوانين. وبينما تتجه أنظار العالم نحو قطاع غزة، مترقبةً مآلات الهدن الهشة ووقف إطلاق النار المزعوم، تدور غير بعيد رحى حرب أخرى لا تقل ضراوة في الضفة الغربيةالمحتلة. حرب صامتة إعلامياً، لكنها صاخبة جداً على الأرض؛ لا تخاض بالطائرات المقاتلة والقنابل فقط، بل بالجرافات، والقوانين، والمستوطنين المسلحين، والسيطرة على مصادر الغذاء والماء في تسريع غير مسبوق لعملية إعادة هندسة الجغرافيا وشطب الديموغرافيا الفلسطينية. وأكدت أنه لم يعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية مجرد حوادث فردية يقوم بها متطرفون من تنظيم "شبيبة التلال"، بل تحول بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى ذراع شبه عسكري للدولة، يعمل بتنسيق وحماية كاملة من الجيش. ويتعرض سكان القرى والمزارعون الفلسطينيون في المناطق المصنفة "ب" و"ج" وفق اتفاقيات أوسلو إلى هجمات متكررة من مجموعات مستوطنين مسلحين لا بهدف التخويف فقط، بل بغرض إلحاق إصابات بالغة أو القتل، وهم يحطمون النوافذ، والأبواب، والألواح الشمسية، وخزانات المياه لتخريب معاش أصحاب الأرض الأصليين. هذه الوحشية تعكس تحولاً نوعياً منذ بداية الحرب في غزة. وذكرت الصحيفة أن الأخطر من العنف نفسه هو نموذج الإفلات التام من العقاب. إذ تشير منظمات مدنية إلى أن المستوطنين باتوا أكثر جرأة في هجماتهم لأنهم يدركون أنهم فوق القانون. وتشير بيانات منظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية إلى أنه حتى قبل الحرب، تم إغلاق 94% من التحقيقات في هجمات المستوطنين دون توجيه أي اتهام. أما بعد الحرب، فقد اختفت حتى "شكلية" التحقيق الصوري تلك بشكل شبه كلي. وأضافت أن المزارعين الفلسطينيين يواجهون ما وصفته منظمة العفو الدولية ب "نظام هيمنة" قاس على مصادر عيشهم. إذ تسيطر إسرائيل على 85% من مصادر المياه الفلسطينية في الضفة، وتمنع حفر الآبار، مما يضطر المزارعين للعودة إلى الزراعة "البعلية" القديمة التي تعتمد على مياه الأمطار، وهي تقنية جيدة لكنها تصبح بلا قيمة فعلية وغير ثابتة مع التغير المناخي وسرقة المياه الجوفية لصالح المستوطنات التي تظهر في الخلفية بمبانيها الحديثة وحدائقها المروية. ورأت الصحيفة أن ما يحدث على أرض الضفة الغربية هو نكبة صامتة. بينما يجري تهجير الغزيين تحت القصف، يتم تهجير سكان التجمعات البدوية والريفية في الضفة تحت وطأة الترهيب والجوع والعطش. الهدف الاستراتيجي للسلطة الإسرائيلية هو حسم الصراع الآن بالاستفادة من الأوضاع المواتية بعد تحجيم قوى المقاومة وتغيير النظام في سوريا: القضاء على حل الدولتين نهائياً، وخلق واقع "الدولة الواحدة" بنظام فصل عنصري صريح، حيث يتمتع اليهود بالسيادة الكاملة والحقوق، بينما يعيش الفلسطينيون في جيوب معزولة بلا حقوق سياسية وبلا أرض، لحين توفر الظروف السياسية والدولية لتهجيرهم نحو الأردن. إن الحديث عن "اليوم التالي" للحرب في غزة دون النظر إلى ما يجري في الضفة الغربية هو ضرب من العبث السياسي. فالحرب الإسرائيلية الحالية هي حرب شاملة على الوجود الفلسطيني ما بين النهر والبحر. وبينما قد يتوقف القصف في غزة يوماً ما وتوضع ترتيبات معقدة طويلة المدى لعزل السكان هناك أو تهجيرهم، فإن البنية التحتية للعنف والاستحواذ على الضفة الغربية - خط الدفاع الأخير في وجه مشروع إسرائيل الاستعماري الساعي لمحو فلسطين من الخريطة والتاريخ معاً - يتم ترسيخها لتكون واقعاً دائماً يستحيل معه أي حل سياسي عادل مستقبلاً.