الأحداث السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي شكلت منعطفاً خطيراً وعلامة سوداء في جبين الاقتصاد القومي العربي، فمع اندلاع حرب الخليج الثانية عقب غزو الكويت تباينت المواقف الدولية والعربية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ من تلك الأحداث ،فقد مثلت نقطة تحول سلبية في حياة الشعوب وسجلت ابتدأً لمرحلة تدهور حاد في مؤشراتها الاقتصادية، ونحن في اليمن لم نكن ببعيد عن تلك الأحداث فقد تركت تلك آثار مؤلمة مازلنا نعانيها منها حتى اليوم، والتي تسببت في عودة أكثر من مليون مغترب يمني من دول الخليج كانوا مصدر رئيسي لجلب العملات الصعبة إلى الوطن وتحسين الدخل الوطني والمستوى المعيشي لأسرهم. وبعودة الطيور المهاجرة زادت البطالة في اليمن وامتلأت الجولات والساحات العامة بالباحثين عن عمل وسأت الظروف المعيشية لعدد كبير جداً من تلك الاسر لعدم استطاعت الدولة توفير فرص عمل لتلك الحشود الكبيرة. ومع تزايد الماسي بدأت الحكومة بتبنى دراسات واستراتيجيات لمساعدة تلك الاسر التي تحولت حياتها من رفاهية إلى جحيم،بين عشية وضحاها ،وتبنت سياسة المثل القائل "لا تعطنى سمكه ولكن علمنى الصيد واعطنى سناره لاصطاد بها ".. وعمدت الحكومة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية إلى انشاء البرنامج الوطني لتنمية المجتمع والأسر المنتجة الذي ركزت انشتطه على استهداف المرأة بشكل رئيسي سواء في المدن أو الارياف وقام البرنامج بتنفيذ عدة دراسات ميدانية لمعرفة أفضل الطرق التي يمكن مساعدة المجتمع والأسر لتحسين مستوى معيشتها وتعمقت الفكرة بتبني برامج تدريبية متوسطة في المجالات المحببة للنساء سواء الخياطة أو التريكو والتطريز والحرف اليدوية ...الخ، ومع مراعاة طبيعة النساء في المناطق المستهدفة. وبدأ الحلم يكبر يوماً فيوم ليتحول إلى حقيقة بإنشاء أول مركز للتدريب في أمانة العاصمة الذي شهد اقبالاً منقطع النظير في مختلف التخصصات ، وجاءت النساء من مختلف مديريات أمانة العاصمة وكل امرأة تخبر صديقتها أو قريبتها حتى ان المركز لم يعد قادر على استيعاب ذلك الكم الهائل من النساء اللاتي جئن يبحث عن مهنة يتعلمنها ليس عل سبيل الهواية ولكن من باب الحاجة ومع تزايد الإقبال توسعت دائرة اهتمامات قيادة وزارة الشؤون الاجتماعية ومدير عام البرنامج لتبدأ المراكز بالانتشار في المحافظات وصلت إلى المديريات بل والقرى المحتاجه مع كافة معدات التدريب من مكائن خياطة وأدوات تدريب وغيرها وتم تأهيل المدربات وهناء زادت سرعة العجلة التنموية وزاد عدد الملتحقات ووصل عدد المتخرجات إلى عشرات الآلاف من النسوة. وما ان غادرت النساء مراكز التدريب حتى بدأت رحلة أخرى من العمل في فنون الخياطة وجماليات النقش والتطريز وأسرار الاشتمال والمهن البسيطة، وفعلاً استطاعت الآف النساء المساهمة الفاعلة في تحسين الظروف المعيشية لأسرهن وأصبح مصدر دخل وفير كفيل بان يجعلها تحيا حياة كريمة، بعد ان كانت تفتقر لأبسط الأشياء الضرورية للحياه. وماهي إلا فترة وجيزة حتى اصبحت بيوت تلك النساء مقصداً لكم هائل من النساء الأخريات جئن من كل مكان هذه تطلب خياطة فستان وتلك ترغب في النقش وهذه تريد تحفة وغيرها وصل الحال عند بعض النساء وخاصة ممن امتهن أعمال الخياطة لعدم قدرتهن على تلبية رغبات النساء بفعل الإقبال المتزايد وتحولت حياه اسر ليست بقليلة من الحرمان والسؤال إلى حياة كريمة واستطاعت ان تشترى الأراضي والبيوت بعد ان ظلت لسنوات في بيوت الايجار واتجهت معظم النساء إلى فتح معامل حديثة ومتطورة للخياطة لها كيانها المؤسسي وتدار بطاقم وظيفي من المتخصصات في الخياطة ويمتلكن أفضل المكائن والمعدات ، وأصبحن يتجهن بثقة نحو نادي سيدات الأعمال ومحلات بيع مكائن ومستلزمات الخياطة.