تواصلت لليوم الثاني على التوالي رحى المعركة، التي تعبرها القوات الأمريكية والحكومة العراقية فاصلة ضد من تصفهم ب"الإرهابيين" في مدينة الفلوجة. فبعد أن نجحت القوات الأمريكية في التقدم إلى وسط المدينة ، شنت قوى المقاومة العراقية هجمات ضارية على القوات المتقدمة، ودارت معارك في شوارع المدينة، أجبرت القوات الأمريكية خلالها على التراجع إلى الأطراف الشمالية للفلوجة. وقالت مصادر في المقاومة لوكالة "قدس برس" إن القوات الأمريكية تراجعت بعد أن جوبهت بمعركة شوارع لم تعهدها من قبل، كما أن قيام عدد من المقاومين من "كتيبة الاستشهاديين" التابعة ل"سرايا جيش محمد"، بالتوغل بين صفوف القوات المهاجمة، أربك إلى حد كبير القوات الأمريكية. وأكدت المصادر أن كثافة النيران، التي جوبهت بها القوات الأمريكية، أجبرتها على التراجع، مخلفة وراءها أربع دبابات في حي الجولان وثلاث أخرى في حي نواب الضباط، إحداها صالحة للاستعمال، كما عثر على جثث لسبعة عشر جنديا من عناصر مشاة البحرية "المارينز" في المدينة، بحسب قول المصادر. ويبدو أن المعركة التي دارت رحاها أمس كانت معدة سلفا من قبل المدافعين عن المدينة، إذ قال مصدر في مجلس شورى المجاهدين لوكالة "قدس برس" إنه وبعد استشارة المختصين في الأمور العسكرية، فإن قرار التراجع التدريجي كان وسيلة لجر القوات المهاجمة إلى داخل المدينة، وتحييد الطيران الأمريكي، الذي كان العامل الأبرز في التقدم الذي حققه الجيش الأمريكي، وهو الأكثر ضررا بالمقاتلين. وأضاف "فعلا انجرت القوات المهاجمة إلى داخل المدينة، واندلعت حرب شوارع، كانت هي الأشد على القوات الأمريكية، وبالتحديد بالقرب من جامع الحضرة المحمدية، حيث تم أسر عدد جديد من عناصر الحرس الوطني العراقي، بعد أن توغلوا في المدينة مع القوات الأمريكية". وأكد المصدر أن المقاومة الإسلامية في العراق قررت قتل خمسة من جنود "المارينز" ال36، الذين تحتجزهم كل يوم، إذا لم تتوقف القوات الأمريكية عن مهاجمة المدينة. وأكد أن السبب في عدم عرض شريط هؤلاء الأسرى هو عدم وجود جهة إعلامية تقبل أن تعرضه، مشيرا إلى أن هناك جهوداً تبذل من أجل إيصال الشريط إلى إحدى القنوات الإعلامية التي يمكن أن تعرضه. من جانب آخر أشار مصدر صحي إلى أنه تأكد بالدليل القاطع أن القوات الأمريكية استعملت في معركتها ضد حي الجولان أمس الثلاثاء أسلحة محرمة. وأكد المصدر لمراسل "قدس برس" أنه تم العثور على جثث لمقاتلين عراقيين وقد تفحمت بالكامل، فيما عثر على جثث أخرى دون أن يكون بها أي أثر لجرح أو إصابة، مما يرجح أنها قتلت بواسطة غازات سامة. وحول الوضع الصحي في المدينة قال الدكتور محمود الجميلي لوكالة "قدس برس" إن هناك غيابا كاملا لأبسط المستلزمات الصحية والعلاجية في داخل الفلوجة.. وأكد أنه بعد أن قامت القوات الأمريكية بقصف العيادة الطبية في الفلوجة لم يعد هناك أي مكان يمكن أن يوصف بأنه مكان طبي أو مشفى، مضيفا أن الغياب الكامل للخدمات الطبية والمستلزمات العلاجية أدى إلى وفاة عدد كبير من المصابين متأثرين بجروحهم. وناشد الجميلي كافة المنظمات الإغاثة والإنسانية مد يد العون إلى أبناء الفلوجة، من أجل تقديم ما يمكن أن يقدم من مواد طبية. كما ناشد وزارة الصحة العراقية أن تقوم بواجبها تجاه الفلوجة، لأن "الفلوجة جزء من العراق وليست من كوكب آخر" على حد وصفه. ويقول مراقبون للوضع في الفلوجة إن المعركة التي توقعت قوات الاحتلال أن تحسمها في أيام قلائل، ربما ستطول، خاصة وأن المدافعين عن المدينة، على ما يبدو، لهم خطط عسكرية وتكتيكات قائمة على استنزاف العدو، وإطالة أمد المعركة، وأن الأيام القادمة ربما ستحمل الكثير من المفاجآت، كما يقول المراقبون. من جهة ثانية قال ضابط أميركي كبير إن هناك بعض الجيوب التي لا تزال تقاوم وإن المدافعين عن المدينة يعيدون تجميع قواتهم جنوب الفلوجة. وأكد أن هناك حاليا مقاومة في بعض مناطق وسط المدينة والجزء الجنوبي منها. وتمكنت الدبابات الأميركية والمشاة من التقدم بسهولة نسبيا عبر الشوارع المتربة للمدينة من الشمال إلى الجنوب. وبهذه الوتيرة, يتوقع الأميركيون السيطرة على المدينة خلال 48 ساعة إذا جرت العملية كما هو مقرر.. وأضاف الضابط الأمريكي "سنحتاج إلى عشرة أيام على الأقل "لتطهير جيوب المقاومة التي يمكن أن تبقى في المدينة". ومن جانبه أعلن متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي أن "مجموعات كبيرة" من المسلحين في الفلوجة تجري اتصالات للاستسلام على حد قوله. وأضاف أن الحكومة راغبة بشمول هؤلاء بالعفو العام. ولم يحدد المسؤول أعداد المسلحين أو كيفية إجراء الاتصالات واكتفى بالقول "نحن على اتصال مستمر مع زعماء العشائر في الفلوجة ومحافظة الأنبار". كما أعلن الجيش العراقي أنه عثر على أماكن ذبح الرهائن في الفلوجة، وقال اللواء عبد القادر موحان المتحدث باسم العملية العسكرية في الفلوجة إن هذه المنازل تقع في الجهة الشمالية من المدينة. وفي هذه الأثناء أكدت جمعية الهلال الأحمر العراقي أن الوضع الإنساني في المدينة شديد السوء وطالبت بالسماح لها بإرسال فريق صغير لتقويم الوضع. وقال مراسل وكالة الأنباء الفرنسية الذي يرافق القوات الأميركية إن القصف المدفعي والجوي استمر على المدينة بصورة كثيفة بحيث أدى إلى تدمير منزل من كل عشرة في بعض المناطق. وقال الهلال الأحمر إنه قلق بسبب نقص التجهيزات الطبية في المدينة بعد سيطرة القوات الأميركية على المستشفى العام الاثنين الماضي قبل بدء الهجوم الواسع. وقالت المتحدثة باسم الجمعية فردوس العبادي إن القوات الأميركية منعت مسؤولا من الهلال الأحمر وأحد وجهاء الفلوجة من دخول المدينة. وفي إندونيسيا انتقد وزير الخارجية الإندونيسي حسن ويرايودا الهجوم على الفلوجة، وأكد أنه سوف لن يؤدي سوى إلى إثارة غضب السنة وتعقيد العملية السياسية المتعثرة أصلا في العراق. أما في تركيا فقد أرسلت جمعية الحقوق والحريات الإسلامية اليوم شاحنة محملة بأغذية للرضع يتوقع أن تصل في نهاية الأسبوع إلى الفلوجة.. وقال رئيس الجمعية بولند يلدريم "عندما تضرب الولاياتالمتحدة العراق فهي تضرب إسطنبول وأنقرة", متهما واشنطن بارتكاب "مجزرة كبيرة في الفلوجة". وخارج الفلوجة علمت الجزيرة أن آلية أميركية دمرت، بينما سقط عدد غير معلوم حتى الآن من القتلى والجرحى في مواجهات عنيفة شهدتها منطقة الغزالية غرب بغداد بين مسلحين وقوات أميركية طوقت المنطقة وحلقت المروحيات في سمائها فيما لا يزال المسلحون يفرضون سيطرتهم على الطريق السريع الواصل بين الغزالية والشعلة شمال غرب بغداد. كما علمت الجزيرة أن ناقلة جنود أمريكية أعطبت في انفجار عبوتين ناسفتين وضعتا على الطريق العام قرب مدينة هيت غربي الرمادي. وفي القائم قرب الحدود السورية تعرض مطار للقوات الأمريكية لهجوم بقذائف الهاون وشوهدت سحب الدخان تتصاعد من المنطقة دون معرفة حجم الأضرار في صفوف القوات الأميركية. وفي مدينة الرمادي أصيب عدد من الجنود الأمريكيين لدى تعرض دوريتهم الراجلة إلى هجوم شنه مسلحون وسط المدينة التي تشهد انتشارا مكثفا للمسلحين. وتعرض مقر المحافظة ومديرية الشرطة إلى هجوم بقذائف الهاون اللتين دخلتهما القوات الأميركية بعد قرار وزارة الداخلية العراقية أمس حل جهاز الشرطة في المدينة. وفي بغداد أعلن الجيش الأميركي مقتل جندي أميركي صباح اليوم وإصابة آخر بجروح بانفجار عبوة ناسفة قرب دورية في شمال المدينة. وإلى الجنوب من العاصمة علمت الجزيرة أن آلية أميركية أعطبت في منطقة المسيب في هجوم شنه مسلحون على رتل عسكري أمريكي. وفي مدينة بيجي شمال بغداد لا تزال المواجهات قائمة هناك رغم فرض السلطات حظر التجول في المدينة اليوم إثر أعمال عنف أوقعت عشرة قتلى و26 جريحا في الساعات ال24 الأخيرة. كما قتل مسلحون بعد ظهر اليوم سائق شاحنة تركيا وأحرقوا شاحنته هناك. وفي شمال العراق قتل ستة من عناصر الحرس الوطني في انفجار عبوتين ناسفتين لدى مرور دورياتهم في منطقة طوز الواقعة على 60 كلم جنوبي كركوك. أما في الموصل فقد أعلن محافظها فرض منع التجول هناك بعد سيطرة المسلحين على كافة مناطق المحافظة ونزلوا إلى شوارعها.