أثارت الصحافة النمساوية ضجة مفاجئة حول استقبال الرئيس النمساوي (هاينز فيشر) والمستشار (الفريد غوزينباور) وحاكم ولاية فيينا (ميخائيل هويبل) عدداً من أعضاء الجالية الإسلامية في النمسا خلال شهر رمضان وعيد الفطر الأخير، بالارتكاز إلى مزاعم أوردها متحدثون أمريكيون بشأن جمعيات فاعلة في صفوف الجالية الإسلامية بالنمسا، ولاسيما مصافحة هؤلاء المسؤولين لمواطن فلسطيني زعم بأن له صلات مع منظمات إرهابية. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوية (ORF) ووكالة الصحافة النمساوية وصحيفتا (ديبرسه) و(دير ستاندارد) على مدى الأيام القليلة الماضية الخبر الذي نشرته صحيفة(فينرتسايتونغ ) في عددها الصادر يوم الخميس الماضي 29/نوفمبر/2007 بان السلطات الأمنية النمساوية تجري تحقيقات منذ فترة طويلة مع هذا المواطن الفلسطيني المولود في لبنان، ويدعى (عادل دغمان) حيث يتهم بتحويل أموال إلى منظمات إرهابية في فلسطين عبر "الرابطة الفلسطينية في النمسا" التي قام بتأسيسها، غير أن هذه التحقيقات توقفت عام 2005 ثم استؤنفت في ربيع عام 2007. ونسبت صحيفة (دي برسه) إلى متحدث بلسان الادعاء العام في النمسا ويدعى (غيرالد ياروش) قوله بأن هناك أدلة جديدة ضد هذا الرجل المشتبه به يجري التأكد من صحتها في الوقت الراهن، بينما قال (رودولف غوليا) الناطق بإسم وزارة الداخلية النمساوية للصحيفة ذاتها بأن " الرابطة الفلسطينية في النمسا" ليس لها نشاط في النمسا في الوقت الحاضر. وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من عدم التأكد لغاية الآن من كون هذا الفلسطيني برئ أو أنه يمارس بالفعل أعمالاً غير قانونية، إلا أن مصافحة كبار المسؤولين النمساويين له أثارت التساؤلات حول كيفية دخول مثل هذا الشخص إلى الحفلات الرسمية النمساوية، وكيف تدقق لائحة الضيوف في مثل هذه المناسبات. وكشفت الصحيفة بأن ( 170 ) فرداً من الجالية الإسلامية تم دعوتهم لحضور الحفل الرسمي الذي أقامه الرئيس فيشر خلال شهر رمضان الأخير، بينما بلغ عدد المدعوين إلى حفل المستشار ( 330 ) شخصاً تم اختيارهم من قبل الهيئة الإسلامية الرسمية في النمسا بهدف ضمان حضور إسلامي كبير. من ناحيتها ردت الهيئة الإسلامية على مزاعم وجود شخص تدور حوله الشبهات بين المدعوين أمام الرئيس والمستشار وحاكم ولاية فيينا، بالقول بأنه ليس بمقدورها تدقيق سجلات الأشخاص الذين تدور تحقيقات أو شبهات حولهم باعتبار ذلك من اختصاص أجهزة الداخلية والعدل في البلاد. أما مدير مكتب المستشار النمساوي ويدعى(غيرهارد ماتسكا) فكشف بأنه تم إرسال قائمة بأسماء المدعوين إلى الحفل الذي أقيم في دائرة المستشارية إلى وزارة الداخلية لإجراء التدقيق الروتيني على هؤلاء المدعوين، لكن وزارة الداخلية لم ترد بشئ على هذه القائمة. وعلق(رودولف غوليا) الناطق بإسم وزارة الداخلية النمساوية قائلاً بأنه لا تتوفر حجة قانونية تسمح بالتدخل في قائمة المدعوين لأن هذا الأمر يخص مكتب المستشار وهو حر في إستضافة من يشاء. وأضاف(رودولف غوليا) بأنه تم إجراء عمليات التفتيش على المدعوين مثلما يحدث في المطارات وذلك قبل دخولهم مبنى المستشارية، لكنه أشار إلى أن وزارة الداخلية لم تتلق أي طلب من مكتب الرئيس فيشر للتدقيق في سجلات ضيوفه المسلمين. وأفاد هذا الناطق بأنه لم يكن لدى وزارة الداخلية معلومات تشير إلى وجود خطر من هؤلاء المدعوين، مؤكداً استعداد الوزارة على الدوام لتوفير إجراءات الحماية، لكنه لم يطلب منها القيام بذلك. وتناولت صحيفة (دير ستاندارد) المحلية نفس الموضوع زاعمة بان المواطن الفلسطيني المذكور يدرس مادة الدين الإسلامي في النمسا وقدم مساعدات مالية لحركة حماس تحت غطاء المساعدات الإنسانية للمحتاجين في فلسطين. وقالت هذه الصحيفة (التي يرأس تحريرها الصحفي اليهودي البارز أوسكار برونر) بان الولاياتالمتحدة وضعت قائمة سوداء تضم 755 ألف شخص متهماً بالإرهاب، زاعمة بأن الأستاذ الفلسطيني من بين هذه الأسماء حيث تم تثبيت عنوانه في الحي الثاني وسط العاصمة فيينا إلى جانب 17 شخصاً آخرين على نفس العنوان، ويبدو بأنهم من أعضاء "الرابطة الفلسطينية في النمسا". ومضت (دير ستاندارد) في تقريرها قائلة بان الولاياتالمتحدة اعتقلت ومنذ عام 2003 حوالي 53 ألف شخص اتهموا بالإرهاب لكنه تم إطلاق سراح معظمهم لعدم وجود أدلة كافية ضدهم. ووجهت هذه الصحيفة انتقادات شديدة لأجهزة الأمن النمساوية واتهمتها بعدم المبالاة والسماح لأشخاص وصفتهم بأنهم مشبوهون بحضور دعوات رسمية على مستوى عال في النمسا، وقالت ساخرة بأن هذه الأجهزة لا تبادر من نفسها أو تفعل شيئاً إلا إذا طلب منها القيام بذلك. وقد استغل زعيم حزب الأحرار اليميني المتطرف هذه المزاعم ليوجه الاتهام عبر وسائل الإعلام المحلية إلى الحكومة التي يقودها المستشار الاشتراكي (غوزينباور) قائلاً بأنه إذا كانت أجهزة الأمن غير قادرة على توفير الحماية لكبار مسؤوليها ومنع وصول أشخاص مشتبه بهم إلى الأماكن الحساسة كمقر الرئيس ومقر المستشار، فكيف تستطيع حماية أمن مواطنيها العاديين. من جانبه رد ما يعرف باسم "المجلس التنسيقي لدعم فلسطين" في النمسا خلال الحفل السنوي الكبير الذي أقامه في فيينا ليل السبت الأول من (ديسمبر) المعروف بإسم " ملتقى فلسطين السنوي الثامن عشر" على هذه الأنباء بالتأكيد أنه تابع باستغراب شديد الجدل الحافل بالإثارة الإعلامية والمبالغات الذي أثير في الأيام الأخيرة، بشأن استقبال كبار المسؤولين النمساويين لممثلين عن الجالية الإسلامية وتجاهل موقف الجالية الرافض للإرهاب وتنديدها الكامل به، داعياً كافة الأطراف إلى" التريُّث والوقوف بدقة على الحقائق قبل الإدلاء بتعليقات لا تمتّ إلى الواقع بصلة" مشدداً على أنّ الجالية الإسلامية تحتكم للقانون وتثق بدولة القانون في النمسا. وقبل نشر هذه التقارير كانت رئيسة البرلمان النمساوي( باربارا برامير) والتي سبق لها ان استقبلت ولأول مرة بتاريخ 12 سبتمبر/2007 سفراء ومندوبي كافة الدول العربية، ثم مهدت للقاء آخر بين السفراء العرب وعدد من نواب البرلمان في الرابع من أكتوبر قد تعرضت هي الأخرى لانتقادات بسبب مواقفها التي تدعو إلى التسامح والتفاهم بين الثقافات والديانات المختلفة ودمج المسلمين في المجتمع النمساوي وعدم تهميشهم. ويذكر أن المستشار الاشتراكي غوزينباور وفي تقليد غير مسبوق في النمسا على الإطلاق قام باستقبال ممثلي الجالية الإسلامية في مكتبه الرسمي بمقر المستشارية بتاريخ 19/سبتمبر/2007 لتهدئة مخاوف المسلمين المقيمين في النمسا، وذلك إثر الحملة التي بدأت منذ إجراء الانتخابات العامة النمساوية في شهر أكتوبر من عام 2006 ومارافقها من بروز مشاعر عنصرية أججها حزب الأحرار اليميني المتطرف ضد الجالية الإسلامية في النمسا واتهامها بنشر المبادئ والمظاهر الإسلامية بالقوة والتحريض على العنف داخل المجتمع النمساوي. هذا ولا تعرف بدقة دوافع ترويج هذه الأنباء في الوقت الراهن وبشكل مفاجئ، خاصة وأن وزارتي الداخلية والعدل في النمسا لم تكشفا عن أية أدلة ملموسة بشأن تورط هذا الفلسطيني في نشاطات محظورة، إذ تبرز عدة تساؤلات فيما إذا كان نشر مثل هذه التقارير المثيرة مرتبط بالخلافات الموجودة داخل الجالية العربية والإسلامية في النمسا، أم أن التطورات التي تجري في فلسطين بين حركتي فتح وحماس قد انعكست سلبياً على وضع هذه الجالية. ويبدو بأن هذه الأنباء تهدف إلى إحراج الرئيس النمساوي (فيشر) والمستشار (غوزينباور) ورئيسة البرلمان (برامير) و (هويبل) حاكم ولاية فيينا ( جميعهم من قيادة الحزب الإشتراكي ) وربما بهدف حملهم على تغيير سياستهم الحالية القائمة على رفض ربط الإرهاب بالمسلمين والتخلي عن المظاهر العنصرية ضد المسلمين، ودعواتهم إلى التعايش ودمج الأجانب وبينهم المسلمون داخل المجتمع النمساوي، وتمسكهم بسياسة الحياد والحوار ورفض اللجوء إلى القوة لحل النزاعات الدولية. ويعتقد بأن رئيس الهيئة الإسلامية (أنس الشقفة) وعضو البرلمان المحلي لمدينة فيينا عمر الراوي ( كلاهما من أعضاء الحزب الإشتراكي أيضاً ومن الشخصيات البارزة داخل الجالية الإسلامية ) يعتبران من أكثر المتضررين جراء نشر هذه الأنباء بإعتبارهما من الشخصيات المسؤولة مباشرة أمام الحكومة فيما يتصل بنشاطات واتجاهات أعضاء الجالية الإسلامية في النمسا.