تشهد العاصمة دمشق خلال الفترة الحالية حركة تطوير وتحديث غير عادية لكافة قواعدها التاريخية والثقافية وبصفة خاصة دمشق القديمة وذلك استعدادا كي تكون في حلتها الجديدة لاستقبال أول احتفالية لها بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية . جاء اختيار دمشق لتكون عاصمة عربية للثقافة لعام 2008م لكونها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ وهو ما يمثل تحديا كبيرا للقائمين على الاحتفالية لإبراز الطابع المختلف لتلك المدينة العريقة الذي يعطيها خصوصية هامة وتميز لا مثيل له في المنطقة إضافة إلى شهرتها كملتقى لطرق التجارة بين حضارات العالم القديم وكمركز يحتوي على مواقع أثرية وسياحية هامة . ويسعى المعنيون بتلك الاحتفالية بعد قيام وزراء الثقافة العرب باختيار عاصمة دمشق عاصمة عربية للثقافة بعد الجزائر والتي ستنعم على مدى العام المقبل بالاهتمام وتسليط الأضواء عليها أن تخرج الاحتفالية لتتناسب مع أهمية دمشق كعاصمة قديمة وعريقة لازالت تحتفظ بأصالتها حتى الآن دون أي تغيير يشوه معالمها وتراثها وآثارها. الاستعدادات منذ الإعلان عن اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية تجري على قدم وساق في كل حارة من حارات دمشق القديمة مغلقا أمام حركة سير السيارات وستخصص للمشاة فقط علاوة على إقامة العديد من الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية والنشاطات الفنية المتنوعة من احتفاليات غنائية ومسرحية ومعارض. دمشق أقدم مدينة حية في التاريخ وتقول الدكتورة " حنان قصاب حسن " أمين عام الاحتفالية في تصريحات صحفية عن الاستعدادات الحالية للاحتفالية أن إبراز دور دمشق هذا في احتفالية كبيرة وهامة على الصعيد العربي والعالمي ليس بالأمر الهين ولذلك فإن المسئولية تبدو كبيرة للغاية والمهمة الصعبة . وتضيف إن المطلوب هو الانطلاق من تحديد واع للصورة التي تريدها أن تظهر لدمشق كعاصمة عربية للثقافة مشيرة أن دمشق هي أقدم مدينة في التاريخ بما يعني أنه لا بد من التركيز على عراقتها وأصالتها وموقعها كملتقى طرق وكنقطة انطلاق الحضارات إبرازها في الوقت ذاته كمدينة معاصرة حية وحيوية تواكب الحداثة في العالم . وأشارت إلى ضرورة حشد الطاقات واستثمار الزمن للتوصل إلى تنفيذ محكم ودقيق وصحيح وأنيق للفعاليات التي يتم الآن تحديد نوعيتها ولمن تتوجه وكيف وأين ومتى والتوصل إلى تخطيط صحيح وتنظيم دقيق وتنفيذ محكم مؤكدة أن الغلط غير مسموح والفوضى مرفوضة من خلال فريق واع لمسؤلياته ولتفاصيل عمله ومدرب بشكل جيد. وأوضحت أن هناك مشروعاً مبدئياً عملت عليه اللجنة العليا وضعت فيه الخطوط العريضة للاحتفالية على هذا المشروع المبدئي حيث يجري حاليا بناء التفاصيل ووضع آليات التنفيذ الضرورية موضحة أن الفعاليات ستشمل العديد من المجالات في الأدب والفن التشكيلي والموسيقي والمسرح والرقص والسينما وندوات على المستوى العالمي ومؤتمرات حول التاريخ والآثار . وأعربت عن أملها في أن تتمكن الاحتفالية من تحويل المدنية بكل أحيائها ومناطقها خلال سنة الاحتفالية إلى مركز ثقافي مفتوح دائم ومتنقل وألا تقتصر الفعاليات على مدينة دمشق وأن لا تكون موضوعاتها دمشقية بحتة ، فدمشق كانت ومازالت مدينة مفتوحة لكل الناس ولكل الثقافات ويجب أن تكون بالفعل عاصمة عربية للثقافة . وقد أعلنت" الأمانة العامة للاحتفالات " عن أسماء المواهب الشابة التي حازت على المنح الإنتاجية المخصصة لتمويل مشروعات إبداعية خاصة بالشباب والبالغ عددها 26 عملا في مجالات أفلام الرسوم المتحركة والسينما والمسرح والرقص المعاصر حيث يأتي هذا البرنامج منسجما مع أهداف إستراتيجية احتفالية دمشق في تشجيع المواهب الشابة حتى يكون لهم دور ثقافي فعال في المستقبل . وفي الجانب الآخر تشهد في أحياء دمشق القديمة ثروة من الدور مخبوءة في خبايا الحارات والأزقة معظمها تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر وكان يسكن هذه الدور أسر كانت الواحدة منها أشبة بالقبيلة تضم الجدود والآباء والأحفاد يأكلون من طبخة واحدة ويعيشون عيشة المحبة والألفة والإيثار. وتقوم محافظة دمشق من جانبها في إطار اللجنة العليا للاحتفالية بإتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تسعى لأن تكون دمشق مدينة نظيفة يجرى إعداد صياغتها بشكل جيد من توسعة طرقها كطريق مطار دمشق وإعادة رصف شوارع المدينة وتهيئتها بالشكل الذي يظهر جمالها وأصالتها . ومن بين هذه الدور الجميلة " قصر العظم " وهو من أهم القصور التاريخية والأثرية في سوريا ا لذي أمر ببنائه والي الشام " أسعد باشا العظم " ، وهو الشارع الرئيسي المسقوف والموازي لسوق الحميدية بقلبي دمشق الذي جرى نسفه بالكامل لإعادة صيانته من جديد بالحجارة البازلتية القديمة ومنع السير ضمن الحرم الثقافي والأثري للمدينة القديمة سنة (1163ه 1749م) ليكون دارا لسكنه بجوار سوق البزورية وبين الجامع الأموي الكبير في الشمال والشارع المستقيم في الجنوب . وتبلغ مساحة القصر(5500)م2 ويعتقد أن مساحته الأصلية تفوق هذا المقدار بدءا بعمارته بالاعتماد على مواد محلية أمر الباشا بجمعها من مختلف أنحاء المدينة حيثما وجدها في الدور والخرائب الأثرية وجند لبنائها أشهر معلمي البناء والنجارين والدهانين . وشيد " قصر العظم " على غرار البيوت الدمشقية العريقة المشيدة في العهد العثماني فقد قسم إلى ثلاثة أجنحة درجت على الأسماء تسمياتها التركية ولاتزال تتناقلها الألسن حتى الآن وهي " الحرملك " أي جناح العائلة و " السلاملك " أي جناح الضيوف و" الخدملك " أي الجناح الخاص بالخدمة ، وتتوسط هذه الأجنحة بوابة كبيرة تفتح على دهليز مدخل القصر الذي يتميز بزخارفه الجميلة حيث اعتمد في بناء الواجهات الداخلية المطلة على المفسحات السماوية ( أرض الديار ) واجهة البوابة الخارجية على الحجارة الملونة التي نظمت في مداميك متناوبة ومتدرجة الألوان ( بيضاء.. صفراء.. حمراء) تفصل بينها مداميك من الحجارة السوداء. أما الأبواب فقد نفذت بطريقة زخرفة الخط العربي ( الأرابيسك)المدلك بحشوات ذات أشكال هندسية متنوعة يتميز من خلالها شكل كل باب عن الآخر وقد رصعت بعض الأبواب في أقسامها العلوية بقطع صغيرة من الصدف الرهاج ، وتنشر في أنحاء متفرقة من القصر فسيفساء رخامية تدعى ب " المعشق " تتخذ أشكالا هندسية مرصوفة في ألواح رخامية متنوعة الألوان. لقد ظل " قصر العظم " حتى بداية العشرينيات من القرن الحالي مسكنا لآل العظم.. ويقول أمين متحف قصر العظم " محمد قدور " استلمنا قسم العائلة"الحر ملك" أثناء الانتداب الفرنسي على سوريا وحول إلى مقر حامية عسكرية ثم إلى مركز لدراسة الفنون وأصبح مقراً لمعهد الدراسات الشرقية وبعد استقلال سوريا تم استملاك كامل القصر عام 1953م بعد القيام بأعمال الترميم الضرورية وتزويد القصر بالتجهيزات اللازمة حول إلى متحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية التقليدية . ويتألف من قاعات تقدم لمحات عن التعليم في الكتاتيب وقاعة للآلات الموسيقية الشرقية وقاعة استقبال وقاعة العروس والحماة وقاعة الحج والمقهى الشعبي وقاعة السلاح والباشا والحمام الشعبي وأقسامه والقاعة الكبرى وقاعة الأزياء الشعبية السورية وقاعة الصناعات الشعبية الجلدية وفرن الزجاج وقاعة النسيج والنحاس . ويجرى حاليا عملية إعادة تهيأته وتجديده ليتوائم مع مظهر الحضارة والثقافة لعاصمة الثقافة العربية دمشق مثلها مثل باقي المواقع الأثرية والتراثية التاريخية التي تشكل المعالم الرئيسية لمدينة دمشق القديمة .