كل شيء يتكرر: التفجيرات وردود الفعل المستنكرة. ولا شيء يتغير. آلة القتل تعمل بحرية. آلة الأمن معطلة بالسياسة. وآلة الإعلام وحدها تتمرد على الصمت. ويندفع معها شباب لبنان الى ساحة الشهداء بما يشير الى عودة الروح الى مشهد 14 آذار. كأننا في تراجيديا يونانية لا أحد يستطيع فيها ردّ القدر، ولا أحد في الوقت نفسه يخاف من هذا القدر الخائف من استعادة الحرية في لبنان. قدر يقول لنا: خذوا (حقول القتل)، من حيث أردتم وطن الحرية. قدر لا يرتوي الا بالدم، وكلما أسال دماً طلب المزيد. من دم الشهيد الحي مروان حمادة الى دماء الشهداء رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وصولاً الى دم الشهيدة الحية مي شدياق. وحين تصل آلة الإجرام الى زهرة مثل مي شدياق، فإنها تعلن الحرب على كل جمال وحرية وسيادة في لبنان. الحرب حتى على الحوار وطرح الأسئلة وليس فقط على الموقف والسياسة والفكر. مي شدياق المحاورة الذكية الضاحكة التي حاورت كل أصحاب المواقف المختلفة في لبنان، وصارت ضيفة على كل البيوت في الداخل والخارج، كانت (جائزتها) قنبلة. لكن البراءة تحرس قلب مي شدياق. والايمان بلبنان والحرية يحميها ويحمي لبنان، وإن كانت الضريبة فادحة. والمفارقة ليست فقط أن المسؤولين يتصرفون كأنهم غير مسؤولين بل أيضاً كأنهم يعرفون ولا يعرفون. فهم جميعاً تحدثوا عن (المسلسل الارهابي) و(المؤامرة) و(اليد الواحدة) و(الربط بين التفجيرات والتحقيقات). والكل أوحى أن السؤال ليس مَن حاول قتل مي شدياق ومَن سبقها ولا لماذا حاول وما هي الأهداف، بل مَن له مصلحة في أن يعرف. حتى وزير الداخلية الذي قال كلاماً خطيراً على شبكة واسعة للنظام الأمني الذي له (مشروع لم ينتهِ بعد)، لم يجد ما يقوله حول العجز عن الإمساك بخيط واحد سوى الحديث عن مواجهة نوع من (الشبح). وإذا كان أصحاب المسلسل الارهابي من الأشباح، فإن الحكومة تكاد تكون (الشبح السياسي). ولعل المشكلة الأولى للحكومة هي أنها اكتفت بأخذ المنصب من دون أن تأخذ السلطة. ومتى? عندما صار لبنان تحت مظلة عربية ودولية تحميه استراتيجياً، وبقي، أو أبقته السلطة، مكشوفاً في الداخل أمام كل الجرائم الأمنية ومفتوحاً على كل الصراعات والخلافات السياسية. فلا نحن في أمان سياسي تضمنه الوحدة الوطنية في المجتمع و يسهر عليه التوافق السياسي في السلطة. ولا نحن في أمن وقائي يحول بالمعلومات دون وقوع عمليات الإغتيال والتفجيرات التي يقوم بها (المتآمرون أنفسهم الذين يستهدفون لبنان) على حد تعبير الرئيس اميل لحود. ولا بالطبع في أمن قادر على الإمساك بخيط واحد أو اعتقال منفذ واحد من الذين يفرضون على الشعب (دفع ضريبة الحرية والسيادة والاستقلال) حسب كلام الرئيس فؤاد السنيورة. وليست وظيفة السلطة أن تستنكر الجرائم بل أن تمنعها أو تكشفها وتعاقب مرتكبيها. فماذا يفيد الاستنكار حين تستمر آلة القتل في العمل? وما الذي يمنع القتلة من الانضمام الى المستنكرين? (لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك) حسب الدستور. ولا شرعية لأي سلطة عاجزة عن حماية المواطنين ومنع تحويل الوطن (حقول قتل)، حسب شرعة الحياة الأهم من الدستور. "الانوار"