لم ينطق أحد، في الإعلام المرئي والمسموع، اسم موسكو، العاصمة الروسية، مثلما كان ينطقه أكرم خُزام، مراسل الجزيرة فيها. ففي إطالته لحرف الواو الأخير، من اسمها، كان أبو الأكارم، يتلذذ بموسكو، فتتكثف كل مباهجها علي لسانه. ولا نود إقحام أنفسنا في الشأن الشخصي، ذلك لأن تجليات موسكو، علي لسان خُزام، لم تتأثر بالأخبار الحزينة، ولا بغمامات سوداء. فلموسكو، علي لسانه، دائماًَ دلالها، ونبرة عرفان لا تتواري في أية مناسبة! غير أن الشيخ حيدر جمال رئيس لجنة روسيا الإسلامية والناشط في ميدان الدعوة، كان يتربص بأكرم خُزام، ويعيب عليه ذوبانه في موسكو الي حد الثمالة، فإن أرادتها حرباً علي الإسلام، كان معها، وإن أرادتها شيوعية، فهو في ركابها، وإن أصبحت رأسمالية، فهو نديمها الناكر لوجود الخالق، وهو معها ضد كل من وما يظن أنها تنزعج منه، ولفرط غرامه في موسكو، تأسست له صداقات إعلامية واسعة، جعلت صحيفة رصينة، ك فريميا نوفوستي تخرج عن أطوارها، لتسجل أعتي ردود الأفعال علي إقالة أكرم خُزام، من موقعه كمدير لمكتب الجزيرة في موسكو. ووصفت الصحيفة، صاحب الحملة ضد أكرم، ب فيلسوف تافه نجح في إقالة أكرم. وبدوره رأي الفيلسوف في إقالة مدير مكتب الجزيرة انتصاراً كبيراً للأمة الإسلامية في روسيا. ولا يخلو رأي حيدر جمال، في أكرم، من حيثية مهنية صحيحة، إذ لا يُعقل أن يري مراسل قناة عربية رائدة، موسكو، وسائر روسيا، بعيون مباهج موسكو وعقلها. من ضرورات عمله المهني، أن يراها بعيون أمته وأن يقيس بمسطرتها. فلا موجب للفذلكة التي جعلته يقول، في ذات ظهور، أن الإسلام يحمل في طياته تعاليم إرهابية وأن القرآن الكريم يحث علي القتل . وليس من قبيل المهارة المهنية، أن يستعدي خُزام علي نفسه، بعض العاملين في الوسط الإعلامي، ومن مسلمي روسيا. بل ليس من المهنية، أن يخوض أكرم خُزام، في ندوة فكرية، ويقدم آراء منحازة، ضد وجهة نظر معادية للإسلام، ويقول إن الإسلام ميت، وإنه متفرق الي 57 تأويلاً ثم يستدرك بأنه مُلحد، ولا يُخفي هذا وبالطبع، وقف مع خُزام، مسلمون روس آخرون، من مجلس الإفتاء التابع للدولة، وانتقدوا حيدر جمال بشدة. أما قناة الجزيرة فقد عللت الإقالة، بضرورات ضخ دماء جديدة ولم تقرر قطع رزق أكرم خُزام، وإنما أحالته الي قسم إعداد البرامج الوثائقية، وعينت بدلاً منه عمرو عبد الحميد، بينما طالب هو بأن تكون له إدارة مكتب موسكو مع إعداد البرامج الوثائقية، فلم يعجبه ذلك وربما يكون قد استقال. عمرو عبد الحميد، شاب مصري يحمل الجنسية الروسية. ألمعي مولع بالأدب، كان طبيب أسنان، وأحب الصحافة، وعمل في قناتي أبو ظبي و العربية قبل أن ينتقل الي كييف، مراسلاً لقناة الجزيرة في أوكرانيا. وخلال عمله كمراسل للفضائيات، أثبت عمرو جدارته في أفغانستان والشيشان والعراق وأوكرانيا إبان ثورتها البرتقالية. وجاء انتقال عمرو عبد الحميد، في بداية مباراة استقطاب حامية الوطيس، للمذيعين ولمقدمي البرامج ومعدي التقارير والمحررين، بين قناتي الجزيرة و العربية . ولعل هذه المعركة طبيعية بين قناتين تأسست الثانية منهما رداً علي الأولي، وفي مناخ الخلافات السياسية الصامتة داخل أقطار مجلس التعاون الخليجي! مي شدياق هدفا للمتفجرات طالت يد الجريمة المتنقلة في لبنان، نجمة الصحافة التلفزيونية السياسية، مي شدياق، وشدياق المعروفة بمهنيتها درست الصحافة في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية وعملت خصوصا في صوت لبنان الذي يملكه حزب الكتائب قبل ان تنضم الي المؤسسة اللبنانية للارسال التي اطلقتها القوات اللبنانية في 1985 وكانت أبرز مقدمات الاخبار فيها الي جانب برنامج سياسي. ومي شدياق، معروفة بتمسكها بلبنان مستقلا وسيدا، وهذا من حقها، وكانت بالتالي معارضة لما يسميه الكثير من اللبنانيين الوصاية السورية علي لبنان التي انتهت في شهر نيسان (ابريل) الماضي. واكدت غالبية وسائل الاعلام ايضا علي التشابه بين الاعتداء الذي استهدف الإعلامية شدياق، والاعتداءين اللذين اسفرا عن مقتل الصحافي سمير قصير وكذلك الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي في 21 حزيران (يونيو) الماضي! مرة أخري، تعود اليد الغامضة، العابثة في مصير لبنان والمنطقة، الي ممارسة إجرامها، لكي تؤجج عداء قسم من اللبنانيين للعرب ولسورية، وبالتالي تعود المساجلة بين وجهتي نظر، إحداهما وهي التي نرجحها تري أن الفاعلين إنما هم ضد كل أطياف لبنان وضد كل العرب، ويريدون إذكاء نيران الفتنة وتأليب الآخرين علي سورية، وتحقيق مآربهم، وهم ليسوا بعيدين عن خندق إسرائيل، والأخري التي تقول بأن بقايا النظام الأمني السوري اللبناني، ما زال يباشر عملياته ضد معارضي سورية. وتسقط هذه الفرضية لمجرد النظر الي حقيقة أن الوجود السوري قد انتهي من لبنان، وبالتالي لم تعد قائمة مشكلة معارضة هذا الوجود أو هذه الوصاية وكذلك تنتهي الفرضية السورية، بمجرد التأمل في حقيقة أن الوجود الأمني السوري في لبنان، كان قد ترك مي شدياق وغيرها، يعبرون عن آرائهم دون أن يكون استهدافهم بالمتفجرات، وكان ذلك في الوقت الذي يمكن فيه تنفيذ أية جريمة في ظروف مواتية لمن يقترفها، وليس في هذه الظروف المحفوفة بمخاطر التحقيق الدولي، في قضية اغتيال رفيق الحريري. مي شدياق، مذيعة LBC التي أسقطت دائماً أراءها في النص الذي تقرأه، علي قسمات وجهها، لم تكن ترد علي منتقديها. وفي برنامجها الحواري نهاركم سعيد كسبت جمهوراً واسعاً، علي الرغم من أن وقت بث البرنامج، في الصباح، لم يكن يناسب العاملين، إلا أن تميزها بقول ما يخشي غيرها الإفصاح عنه، جعل البرنامج بمثابة جرعة سياسية مهمة، طالب الكثيرون ببثها أو ببث مثلها في المساء. وبعد الحادث الذي أدي الي بتر ساقها اليسري، أعاد اللبنانيون تسمية برنامج مي المتوقف نهاركم سعيد فجعلوه نهاركم جحيم وأصدر اتحاد الكتاب اللبنانيين، بياناً أدبياً، ألمح فيه الي مجرمين محتملين، بالإشارة الي صفاتهم، لكنه للأسف لم يعط الملمح الذي يدل بوضوح، علي أصابع أعداء لبنان وسورية معاً، وأرسل البيان تمنياته بأن تنهض مي من جديد جناحا منتصرا علي القفص، وفأسا خضراء، لامعة، ضد اليُباس الرصاصي. سلطة مهترئة، وفوضي خلاقة، وانتقام وصاية غاربة، وصدأ طائفي، ونظامٌ لص، وانفتاح مخابراتي، وخيانات، وقرصنة، وتفكك، ومي شدياق تنتقل بين كل هذا، جملة اعتراضية، صارخة، ساخرة، ثائرة، فكيف لا يكون دمها ضريبة ما فيها من رؤيا الخلاص، وسنبلة الحق، وعصفورة الحرية؟ انها الصاعدة عنا الي الصليب. والمغروزة مكاننا في العاصفة. وذات الالم العميق في خصب الولادات. فيا مي، لقد سلمتنا يدك المشعل، وقدمك الطريق، ورحلتا، فشكرا للطريق وللمشعل واننا جميعا في انتظارك . وبهذه الكلمات، يكون اتحاد الكتاب اللبنانيين، قد وضع الجريمة في السياق نفسه، وهو سياق الخلاص اللبناني المتحقق أصلاً من سورية، علماً بأن الخلاص المرتجي، في هذه اللحظات، هو خلاص سورية من تبعات لبنان، ومن لبنان الذريعة أو من لبنان الطُعم الذي يُراد له أن يظل طُعماً للسوريين وللعرب! استدراك عن السفارة في العمارة شاهدت في دار السينما العريقة مترو فيلم السفارة في العمارة الذي يلعب دور البطولة فيه، عادل إمام، وكتبه يوسف معاطي، وأخرجه عمرو عرفة. وللأسف اكتشفت أن القليل الذي قرأته عن الفيلم، وتكرار الدعاية له علي شاشات بعض الفضائيات، قد أوقعني في خطأ الإشادة بالعمل السينمائي السخيف، الذي تمنيت بعده، لو كان هناك استثمار معقول، لعاطفة عادل إمام ويوسف معاطي، حيال القضية الفلسطينية. فقد بدا أن زيارة عادل الإمام قبل انتاج الفيلم، الي دبي، وتأثره بعمرانها وبنهضتها كسوق مفتوحة، تجسدت في بداية الفيلم، إذ كانت الكتابة في مستهل الفيلم، علي شريط مصور من الجو، لكل معالم المدينة، ثم تبدأ القصة بتبسيط أو بإسفاف في رسم العلاقة بين العاملين في قطاع البترول، وتخللها اختلاط الجنس بالموضوع السياسي، والخيانة الزوجية بعلاقات العمل، والتظارف ثقيل الظل بالتطور الدرامي. كل ذلك في استدعاء متكرر ومقحم إقحاماًً، لرمزيات جنسية، كالملابس الداخلية للمرأة، مع عُري لا لزوم له. ثم تنتقل الأحداث الي القاهرة، والي حيث تقع السفارة الإسرائيلية، ليتواصل السياق الجنسي للأحداث، وتنتقل الكاميرا الي الشارع المعارض للتطبيع، لكن الطامة الكبري، هي في تصوير الرافدين السياسيين، اللذين يغذيان شارعاً بدا في غاية السذاجة: الرافد اليساري، أو الشيوعي، الذي بدا في الفيلم مفتعلاً وكاريكاتورياً، ويعيش أصحابه حياة باذخة مع حديث مسترسل عن البروليتاريا، والرافد الإسلامي ذي السمات الإرهابية، الذي يبدو أصحابه وكأنهم متخصصون في الخطف وفي التهديد. بدت مصر، في الفيلم، وكأنها تعارض التطبيع من منطلق عبيط وبالغ التفاهة، وهذا لا علاقة له بالواقع. ولعل النهاية السينمائية، التي ارتسمت من خلال مصادفة انتقال الصبي الفلسطيني من دبي الي فلسطين، ثم مشاركته في الانتفاضة، ثم استشهاده، وعلاقة عادل إمام الشخصية به، لتصنع لقطة ختامية عاطفية، بددت شيئاً من تفاهة هذا العمل السينمائي! *كاتب من فلسطين www.adlisadek.com "القدس"