تصريح البحسني: العليمي مسؤول مباشرة عن انهيار الأمن في حضرموت    مجلس الأمن وخفايا المرجعيات الثلاث: كيف يبقى الجنوب تحت الهيمنة    اتفاق المريخ هو الحل    الفصائل الفلسطينية ترفض الوصاية الأجنبية وتدعو الأمة ل صدّ القرار الأمريكي    الكونغو الديمقراطية تصطاد نسور نيجيريا وتبلغ الملحق العالمي    اعتماد البطائق الشخصية المنتهية حتى 14 ديسمبر    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    رئيس النمسا يفضح أكاذيب حكومة اليمن حول تكاليف قمة المناخ    صنعت الإمارات من عدن 2015 والمكلا 2016 سردية للتاريخ    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    الرئيس المشاط يُعزي الرئيس العراقي في وفاة شقيقه    حذرت كل الأطراف الدولية والإقليمية من اتخاذ القرار ذريعة للإضرار بمصالح الجمهورية اليمنية..    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    الكاتب والباحث والصحفي القدير الأستاذ علي سالم اليزيدي    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    ايران: لا يوجد تخصيب لليورانيوم في الوقت الحالي    هزتان أرضيتان جنوب وغرب محافظة تعز    بعد فشل المواجهات العسكرية أمام صمود اليمنيين.. الأجهزة الأمنية تطيح بأخطر المخططات التجسسية الأمريكية الإسرائيلية السعودية    "الصراري" شموخ تنهشه الذئاب..!    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    النرويج تتأهل إلى المونديال    خلال وقفات شعبية وجماهيرية .. أبناء اليمن يؤكدون: مساعي العدوان للنيل من الجبهة الداخلية باتت مكشوفة ومصيرها الفشل    مرض الفشل الكلوي (28)    أمن مأرب يعرض اعترافات خلايا حوثية ويكشف عملية نوعية جلبت مطلوبًا من قلب صنعاء    صلاح ينافس حكيمي وأوسيمين على جائزة الأفضل في افريقيا    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    البحسني يهدد باتخاذ قرارات أحادية لتطبيع الأوضاع في حضرموت ويتهم العليمي باستهداف المحافظة    طائرة البرق بتريم تتجاوز تاربة ينعش آماله في المنافسة في البطولة التنشيطية لكرة الطائرة بوادي حضرموت    الشعيب وحالمين تطلقان حملة مجتمعية لتمويل طريق الشهيد الأنعمي    البرتغال إلى نهائيات «المونديال» للمرة السابعة توالياً باكتساحها أرمينيا    حكومة بريك تسجل 140 مشاركًا في مؤتمر البرازيل بينما الموظفون بلا رواتب    ضبط شحنة أدوية مهربة في نقطة مصنع الحديد غرب العاصمة عدن    رئيس تنفيذية انتقالي لحج يطلع على جهود مكتب الزراعة والري بالمحافظة    بلا رونالدو.. البرتغال "مبهرة" تنتصر 9-1 وتصل للمونديال    حضرموت.. حكم قضائي يمنح المعلمين زيادة في الحوافز ويحميهم من الفصل التعسفي    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    بعثة المنتخب الوطني تصل الكويت لمواجهة بوتان    رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    "العسل المجنون" في تركيا..هل لديه القدرة فعلًا على إسقاط جيش كامل؟    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    أفاعي الجمهورية    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا الوحدة اليمنية؟
نشر في شبوه برس يوم 08 - 08 - 2015

في عام 1990، رأى مثقفون كثيرون أن الوحدة اليمنية مسألة سابقة لأوانها، وأن سؤال الوحدة يجب أن يقترن بتوفر الشروط الحقيقية الضامنة لاستمرارها، وأولها وجود دولة ديمقراطية مدنية عادلة ومستقرة، وهذا أقصى ما ذهبوا إليه حينها، لكنّ أحداً لم يجرؤ أن يطرح السؤال: لماذا الوحدة اليمنية، وما هي الضرورات والممكنات؟ يحضر هذا السؤال الآن بقوة، متأخراً ربع قرن، بعد أن التهمت الحرائق الجانب الروحي المعنوي الذي كان دينامو المغامرات السياسية حينها، والذي وضع الوحدة في مكانة القدَر والمصير المحتومين، أي من دون حاجة للعقل في مناقشة هكذا أمر.
سؤال يجب أن يضعنا، الآن، في مواجهة مدرسة "السلف السياسي"، بشعاراتها الثورية المثالية، وسيحمل دلالة ذات أهمية قصوى، وصادمة للمتلقي العربي، حين يأتي نتيجة دروس من الواقع، تتعارض تماماً مع التربية الروحية لنشء بعد نشء من الأجيال المتعاقبة، فالوحدة كفكرة مجردة هيمنت على الوعي العربي منذ عقود، وكانت شعاراً عربياً ملتهباً في حقبة زمنية ماضية، حتى غدت واحدة من المحتويات الفكرية الراسخة من دون سؤال كيف، وماذا لو؟ بمعنى أن سؤال "لماذا الوحدة" في ضوء التجربة اليمنية، وما هي البدائل الواقعية، أصبح مشروعاً جداً، خصوصاً وأن الخطاب السياسي ب "مفترضاته" التنظيرية لم يجد أبداً ما يطابقه على الواقع منذ ربع قرن، بل تسوء الحالة متجهة نحو تدمير الروابط الطبيعية داخل المجتمع في شمال اليمن وجنوبه.
تحولت الوحدة في اليمن من عملية سياسية لها أهداف مادية كبيرة، بالدرجة الأولى، إلى عقيدة أيديولوجية محمولة على أنساق من الأفكار المغلقة، وتكرست في أذهان العامة، وكأنها فروض مطلقة، لا تقبل النقاش، بينما سوّقها المثقفون رديفاً لما يُسمونها "المسألة الوطنية"، وهي نظرة شمولية متحكِّمة لا تقبل النسخ، إلا كونها "مسألة وطنية"، مع أن فكرة المسألة الوطنية مفتوحة على أسئلة وحراك فكري متنوع، وليست أصلاً من النصوص المقدسة. وبالتالي، هي طروحات جامدة، ليس لها أي مدلول عملي سوى أنها مستقاة من المناهج الثورية لستينيات القرن الماضي وسبعينياته، إبان الجنون الصاعد. وظل السياسيون بشرائحهم المختلفة، وكذلك المثقفون، يضغطون على عبارات نظرية، لا تجد لها أي برهان أو قيمة على الأرض، حتى تحولت مفردة "الوحدة" إلى وحش بمخالب دامية، ساعدت على سيادة شعار التلويح "الوحدة أو الموت"، أو "الوحدة المعمدة بالدم"، وسيلة لابتزاز الطرف الضعيف، يرددها الحكام الفاسدون والبسطاء من الناس في اليمن على حدٍ سواء.
"أصبح لافتاً اليوم، وبعد تجربة شاقة تخللتها دماء وانهيارات قيمية كثيرة، أن طرفاً أو أطرافاً لم تعد تقوى على أن تقدم أي مسوغات عملية قابلة للتحقيق، لبقاء الوحدة اليمنية بشكلها الحالي، أو بالشكل الذي افترضته مخرجات الحوار التي سبقت الحرب الجارية"
فكرة "الوحدة أو الموت" نابعة في الأصل من واقع العجز في إقامة شكل من الوحدة الحقيقية العادلة القابلة للحياة، وتحمل دلالات واضحة، ليس أقلها أن الوحدة، كواقع مادي جامع، لم تعد تنبض إلا بالقوة وبالتهديد، أو بوسائل إنعاشية صادمة. ولم يختلف المثقفون في اليمن (الشمال) كثيراً عن الحاكم، ومؤسساته السياسية والإعلامية، وهو الذي اتخذ من الوحدة مورداً أساسياً ومرتكزاً مادياً ومعنوياً لسلطانه وتسلطه، ولا عن المعارضة الممثلة، بشكل رئيس، بالإسلام السياسي الذي يضع الوحدة في سياقات دينية مطلقة، من زاوية أن وحدة الأمة فرض لا نقاش فيه، لكن من دون معرفة كيف ومتى يمكن تحقيقها. ووقعوا في منطقة داكنة، خارج وظيفتهم الطبيعية، بأن يمثلوا رافعة حقيقية للفكر المنفتح، واستلهام معاناة الناس اليومية، فتحولوا إلى ماكنة لبث تلك الشعارات بسرديات مختلفة، وفقدوا معها قدرتهم، على المستوى النظري، لحشد قواهم، من أجل إيجاد بدائل عقلانية مقبولة لواقع الوحدة السياسية منذ وقت مبكر، قبل أن تصل إلى هذه المرحلة الشديدة التعقيد. وعجْز المثقفين في اليمن لا يشكل، في حقيقة الأمر، خروجاً عن واقع نظرائهم في سائر المنطقة العربية التي وصلت إلى واقع مأساوي بالغ الخطورة، ولكن، تلك حكاية أخرى.
أصبح لافتاً اليوم، وبعد تجربة شاقة تخللتها دماء وانهيارات قيمية كثيرة، أن طرفاً أو أطرافاً لم تعد تقوى على أن تقدم أي مسوغات عملية قابلة للتحقيق، لبقاء الوحدة اليمنية بشكلها الحالي، أو بالشكل الذي افترضته مخرجات الحوار التي سبقت الحرب الجارية وكانت إحدى مسبباتها. فبينما ذهب الجنوبيون، منذ سنوات، تحت وطأة المعاناة وبدافع الرفض لواقع الوحدة، وفي إطار حراكهم السياسي، إلى النبش في ركام التاريخ ومحاولة إعادة قراءة نشوء الدولة اليمنية في الشمال، وما قبلها وما بعدها، وعلاقتها بالجنوب، ومن أين أتت الجذور الفكرية ل "اليمن السياسي الواحد"، وما هي حقيقة الجنوب والشمال مسميات في هذا المضمار. يتمسك نظراؤهم الشماليون بمسألة "الواحدية السيامية" التي رُسِّخت في اللاوعي، جراء الحفر المستدام في الفكر السياسي، حتى أصبحت لديهم فكرة الوحدة شديدة البديهية، كشروق الشمس وغروبها، فوضعوا البشر والتاريخ والثقافة وكل شيء في فلك واحد، ومنطق واحد، ولون واحد، من دون أي جدل فكري حقيقي يستلهم انعكاسات الواقع، ويتلاءم مع المفاهيم العصرية لتجارب التكتلات الاقتصادية والأمنية، بأبعادها المختلفة، ويجعل منها آفاقاً يمكن أن تشكل خروجاً آمناً لهذه الأزمات المتكررة.
وفي هذا السباق، يذهب الفريقان إلى دحض نظرية "اليمن السياسي الواحد" أو إثباتها، وبينما الواقع على الأرض يتجه نحو تعميق الصُّدُوع (المزدهرة) بين طرفي حدود 21 مايو 1990، وتذهب الحرب نحو التهام الأواصر التاريخية. يتعمق ذلك السؤال الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث يمكن أن يأخذ طابعاً تعبيرياً على شاكلة: ما هي البدائل الواقعية للوحدة من أجل الحفاظ على استقرار منطقة اليمن، وسلامة شعبها في الجنوب والشمال؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.