في وداع زملاء "المهنة".. كلمات وفاء    دماؤهم الزكية طريق للنصر    دماء الصحافة تصنع نارًا لا تنطفئ    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    المقالح: سلطة صنعاء تمارس الانفصال كما يمارسه الانتقالي    فاليعنفوا أنت أعنف    تأكيداً لأثر الكلمة الحرة في مواجهة الابادة والغطرسة الصهيونية.. لن تسكتوا صوتنا ولن تنالوا من عزيمتنا    سريع يعلن عن استهداف مطار وهدف عسكري في فلسطين المحتلة    الليغا: برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية نظيفة ويصعد لوصافة الترتيب    الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن    خلال وقفة احتجاجية بمسرح جريمة العدوان الإسرائيلي على صحيفتي 26 سبتمبر واليمن..    عسكريون يختطفون شاباً في مدينة تعز بعد يومين من الاعتداء على دكتورة وابنتها    مانشستر سيتي يكتسح اليونايتد بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي    ريال مدريد يشكو التحكيم الإسباني للفيفا    حديث عن الإصلاح    شبوة.. تدشين مخيم لجراحة العيون يجري أكثر من 400 عملية مجانية    الأمم المتحدة تجدد مطالبتها بالإفراج عن موظفيها وإخلاء مكاتبها بصنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تنفذ حملة رقابية على محطات تعبئة الغاز المنزلي    الجنوب مفتاح الحل وضمان استقرار المنطقة    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    اجتماع يناقش سير تنفيذ قرار توطين الصناعات ومشاريع التمكين الاقتصادي    جماهير تريم تؤيد قرارات الرئيس الزُبيدي    لنعش قليلا مع قصص الحيوانات بعيدا عن السياسة    تقرير اسرائيلي: اليمن ساحة صراع لم ينتهِ.. الحوثيون وباب المندب نقطة المواجهة    محافظ صعدة يتفقد مشروع سد اللجم في مديرية سحار    كلمة رئيس الإصلاح ..الحنكة ومنطق الحكمة    توزيع ادوات مدرسية لمعلمين ومعلمات المعلا    انتقالي الضالع ينظم محاضرة توعوية بعنوان بالعلم وحب الوطن نبني الجنوب    محافظ حضرموت يلتقي بخبير الطاقة والنفط والغاز المهندس عمر الحيقي    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    الخطوط الجوية تعلن استئناف الرحلات بمطار عتق    57 دولة عربية وإسلامية تجتمع في الدوحة.. هل تستطيع ردع إسرائيل    نابولي يعود بالنقاط الثلاث من فيورنتينا    يوفنتوس يعمق جراح إنتر برباعية    أحلام تُطرب جدة    أتلتيكو يستفيق ب «الغواصات الصفراء»    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    في محراب النفس المترعة..    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبّود الغزّاوي
نشر في شبوه برس يوم 02 - 11 - 2023

غزة لا تصمت مثل هيروشيما، وليس لديها بروتوكولات الاختباء من الموت. هكذا يفهم عبود.. لذلك يصعد إلى السطوح وينقل بطريقته الساخرة أخبار القطاع. كوميديا سوداء، بفطرته البريئة، تجعله يتقمص شخصية مراسل إحدى القنوات و ينقل الأخبار وتعليقات خفيفة الظل بينما محيطه مثقل بأحزمة النار والدمار.

عبود الصغير لم يقرأ بعد كتب التاريخ، ولم يخطر ببال أحد من أترابه أن يفعل ذلك. لا جدوى الآن من تتبّع الحكايات العتيقة لأن تاريخه الحقيقي يبدأ من هنا، من جدار عازل يفصل غزة عن شرقها، و منافذ محروسة بالجنود تحصرها من شمالها ومن جنوبها وبحر أسير في غربها يفصل غزة عن كوكب الأرض. تلك حدود الفتى الغزاوي الذي لم يرَ بعد كيف يعيش العالم خلف البحر وخلف الجدار والحواجز.

لكن العالم مع كل حرب يذهب للبحث في الكتب المقدسة وفي التاريخ والأساطير عن إجابات لألف سؤال: عن مسرح التوراة، وإلى أين ذهب يوشع بن نون بشعبه و أين (يريخو) الحقيقية وهل أمرت السماء باحراقها وقتل أهلها؟ ولماذا؟ وما هي حدود أرض الميعاد الكنعانية ومساحتها و تضاريسها؟ وأين أرض الاربعين عاماً من التيه؟ ولماذا لم يقدم علم الآثار أي دليل؟ وماذا كانت تسمى البلدان والأماكن باللغات القديمة المختلفة قبل آلاف السنين؟

هل درس مختصون عرب اللغات العبرية والآرامية وتاريخ الأديان والحضارات القديمة ووضعوا أصابعهم على جراحاته ورأوا الخلط بين المقدس والأسطورة ونشروا وأثّروا؟ لا لم يفعلوا إلا النادرجداً، فقد تُرك العرب، منذ زمن "دع سمائي فسمائي محرقة" وحتى "ازدهار الخطاب الديني المتطرف" ثم "مشاريع مدن الصحراء الخارقة"، خلف سياج المعارف الحقيقية إلا القليل منهم حتى أصبحت النخب المثقفة محصورة بين اصطلاحات ترددها دون بحث عن الجذور وما إذا كانت دلالاتها تنطبق على الواقع.

هناك ألف شظية من حكايات التاريخ والحضارات والميثولوجيا والكتب المقدسة و من الصعب أن تجتمع في نسق حقيقي واحد أو أن يجتمع العلماء حولها. وهناك تشظي واسع في عناصر الهوية الإسرائيلية المعاصرة، الثقافية والتاريخية والجغرافية وحتى العرقية، انعكس حتى في الخلاف حول النشيد الوطني (هاتيكفاه).. لكن القوة استطاعت أن تخلق أمراً واقعاً في الشرق الأوسط وما تزال محاولات اخراج فلسطين من جغرافيتها متواترة منذ ما قبل عام النكبة وحتى حرب غزة الحالية.

لهذا لا حقيقة ماثلة الآن سوى أن هناك احتلال وأن "دولة إسرائيل" المعاصرة، التي تأسست على خلفية فرضيات لاهوتية وإرادة غربية، هي "شعب الغرب المختار" تم توطينه خارج حدودهم ويدافعون عنه بعقيدة صهيونية عابرة للديانات، ليصبح اليهودي من كراكوف أو من شيكاغو أو أي مدينة أخرى مواطناً إسرائيلياً يأتي إلى "الأرض الموعودة" حين يشاء ويمتلك الحق في طرد صاحب الأرض وصاحب البيت وصاحب المرعى. فلم ير العالم موكب فرعون لكنه عاصر معسكر أوشفيتز ولم يسمع نبؤات إشعياء لكنه يفهم وعد بلفور ولا يهمه نشيد الانشاد وبنات اورشليم او خيام قيدار السوداء لكن يستفزه حتى الوجع علَم المحتل والموسيقى الصاخبة التي ترافق عربدة جنوده. وقبل ذلك يدرك العالم كيف تحول كتاب يحتوي أسفار خمسة ومزامير وأساطير الى أيديولوجية صهيونية على يد رجل واحد غيّر عقيدة استيعاب اليهود في أوروبا إلى نظرية الانسحاب منها؟

حسناً يا عبود الغزاوي.. لقد تهنا عنك هنا مثلما تاه العرب عن قضيتك، لكنك تظل المتن في هذا النص وغيره، لأن ابتسامتك الفلسطينية تجسد خارطة الأمل في وجه البؤس العربي، حين تسخر من وحشية الصهيوني الذي نقل وبصورة اكثر رعب طرق الإبادة و الغيتوات من أوروبا الى فلسطين حتى أصبح ارتكاب المجازر سمة أساسية لدولة الاحتلال. إنهم يتفوقون في ارتكاب الجريمة وفي تسويق مشاعر الضحية التاريخية واستدعاء الهولوكوست وممارسة الابتزاز السيكولوجي والسياسي بخطاباتهم وتصوير صراعهم وكأنه بين مجتمع متحضر وآخر إرهابي.
لقد شعر الغرب مؤخراً بأن "الغضب الساطع" يكبر تحت رمال غزة فذهب بكل عقيدته وقواه للنجدة بينما وقف النظام العربي كعادته خلف خطابات الحد الأدنى و المناشدات العقيمة أو الاستنكار اللفظي، حتى بعد أن لفظ آلاف من أطفال غزة أنفاسهم تحت الأنقاض. فهل ينظر العرب إلى حقيقة أنه كلما توسع التطبيع توحش الكيان الصهيوني أكثر؟

عبود الغزاوي مايزال واقفاً تحت القصف العشوائي الهمجي لكنه قادر أن يذيع على مسامع العالم اخبار غزة و يوزع ابتسامته الساخرة على الهواء المثقل بغبار الأحياء المنكوبة. لا تمت يا عبود فحولك عرب تفرقوا عبابيد، و عليك أن تنتصر لأن روحك هي من روح غزة الصامدة.
*- احمد عبد اللاه كاتب سياسي وخبير نفطي كندا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.