قد يبدو الحديث عن الثورة اليمنية تحت هذا العنوان يُشكل تحدياً صعباً لمثلي، وقد تبدو إثارة الأسئلة عن تنظيم الثورة وعفويتها وطابعها السلمي بمفاهيمه المختلفة جزءاً من المغامرة ولكن من زاوية إنضاج الوعي الثوري وتناول الثورة بمراحلها المختلفة والتمعن في آلياتها وأدواتها حاولت التطرق إليها وهذا لا يعني إلا أن الثورات تكون محل دراسة وتمحيص وإبداء الآراء والمقترحات والتصويبات والمناقشة فيها من قبل الجميع حتى تصبح تجربة قد تستفيد منها الأجيال. من هُنا، من ساحة التغيير يتجدد الوهج الثوري ويتكون الوعي المدني ويتشكل شعب اليمن على حساب شعب قوى السياسة والقبلية، فالباحثون عن الشعب ما زالوا يواصلون مهمتهم النضالية بكفاح مرير قد يصطدم برواسب متجذرة في المشهد الاجتماعي، وقد يكون إزالتها أمراً ليس بالسهل. من هُنا يبدع عمار القدسي أحد أوائل الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع بعد انتصار القيروان في ثورتها وسقوط آخر ملوك الفراعنة بقاهرة المعز أعزها الله بثورة متكاملة في ابتكار الأفكار التي قد تغيب عن مفكري عصر ثورة الفيس بوك والجيل اليماني القادم من حوانيت الانترنت ومن فضاء الشبكة العنكبوتية.. حديثنا في إحدى خيام العز والمجد عن العفوية في العمل الثوري.. قلبنا فيه الأوراق وأثرنا الأسئلة حول أسباب تعثر الثورة اليمنية وطول أمدها في صنع التحول إلى خضم الفعل الثوري الذي يبدأ بالرحيل الفوري لرئيس حصر نفسه بين القصر وميدان السبعين وخرجنا بحصيلة وافرة من الأسباب والعوامل التي ساهمت في بقاء النظام حتى اللحظة، والتي جعلت الثورة اليمنية الأطول بين نظيراتها وهي كالتالي. 1- استفادة النظام من أخطاء الأنظمة العربية التي سقطت في مصر وتونس 2- الاعتماد على توزيع الأموال، وعلى الثقافة العامة المعدومة لدى الكثير من أبناء الشعب والتوجه نحو بث الشائعات ضد الثورة والاستخدام السيئ للإعلام الرسمي. 3- ولاء الحرس الجمهوري والأمن المركزي نتيجة أسلوب قياداتها التي تعد جزء من النظام والتعبئة الإعلامية الأحادية لأفراد الجيش والحرس والأمن. 4- تخويف الرئيس من حوله بأن الثورة ستقضي على الجميع، ولهذا يجب عليهم الصمود قدر الإمكان وتحقيق شروط تبعدهم عن الملاحقات والمحاكمات. 5- التخويف من مرحلة ما بعد تنحي الرئيس صالح وترهيب الداخل والخارج في ظل ضعف الأداء الإعلامي للثورة الشبابية وانشغال قادة المعارضة بالسياسة. 6- عدم الاتفاق على رؤية للمرحلة الانتقالية وضعف الأداء الدبلوماسي الخارجي للمعارضة والعلاقات مع الجوار. 7- المحاولات الدائمة لإجهاض الثورة من خلال أجهزة الأمن وحجم الشائعات المتداولة عن الثورة وشبابها. 8- الخلافات التي طفت على مكونات الثورة وإن كانت حالة صحية قد تتواجد في أي ثورة وبروز الخطاب الحزبي وإن كان ذلك عادياً لأن الأحزاب جزء من الشعب. السلمية في العمل الثوري يتساءل الكثير، إلى متى ستظل الاعتصامات مفتوحة، والى متى ستظل المظاهرات تخرج إلى أن تصطدم بحواجز الأمن ثم تعود إلى مكانها بعد سماع مكبرات الصوت تأمر بالرجوع؟ والى متى سيظل الشباب يقدمون أرواحهم في سبيل ثورة تراوح مكانها فانزوت في الساحات وغادرت مربع الفعل الثوري الذي قد يحقق إرادته في ساعات لا في أشهر وبسلمية.. نعم سلمية لأن السلمية كمفهوم في العمل الثوري لا يعني الهروب وقد لا يعني المواجهة أيضاً، بل إن السلمية في العمل الثوري هو أن تمضي نحو هدفك بما لديك من قوة فعل ميداني وبتنظيم يتكون في ساعات الفعل الثوري وأثناءه، أي بدون تخطيط مسبق لأن الجماهير هي من تقود نفسها للخلاص. والسلمية لا تعني أيضاً البقاء في الساحات في وقت يخطف الشباب والشابات ويقتلون ويتعرضون للإهانات، بل إن السلمية هي التعجيل بالثورة عبر التصعيد الاحتجاجي لانتزاع الحقوق وتحقيق التغيير.. ويندرج في إطار السلمية أيضاً تجاوز حواجز الأمن والزحف نحو المقرات العامة والهامة لا لتخريبها بل لاستلامها عنوة ممن أصبحوا غير شرعيين في إدارتها وعلى رأسها القصر الجمهوري. إذن.. السلمية في العمل الثوري لا تعني أن تتلقى الضربات فقط، لأن الثورة في الأصل فعل شعبي ضاغط على الطرف الآخر لإجباره على التسليم بأهداف الثورة وتحقيقها، والفعل الشعبي في أقصى درجات السلمية لا يعني أيضاً التعامل بسذاجة مع نظام استمرأ المراوغة والتحايل والكذب، وأجاد التضليل والتزوير والتناقض، ويكفي هنا ألا يستخدم المتظاهرون السلاح حتى الأبيض، أما غير ذلك فالدفاع عن النفس يعتبر حق يندرج في إطار السلمية. أغلب الثورات التي اندلعت على مر التاريخ كانت عفوية بعد أن توافرت عواملها وأسبابها، فالعفوية سمة أساسية في الفعل الثوري في كاملة إن لم يكن بداية الثورة ثم تتجه نحو الانتقال إلى التنظيم بعد أن تنطلق وتحقق بعض أهدافها، والعفوية صفة تلازم الثورة حتى تستحق وصف الثورة حتى وإن كانت القوى السياسية والاجتماعية هي المحرك لها، وفي اليمن اندلعت الثورة الشعبية الحالية.. قيادة الثورة والشرعية الثورية حين يخرج الشعب لإسقاط النظام يُصبح هو القائد وهو صاحب المبادرة الحقيقية في الفعل الميداني لتحقيق أهدافه، ووصف الثورة بالشعبية لا يتفق مع وجود قيادة تحت أي مسمى للثورة ولها الحق في التحدث باسمها حيث لا شرعية إلا شرعية الجماهير المنتفضة والتي تتحد تحت لافتة واحدة وتهدف لإسقاط الفساد وتحقيق التغيير المنشود. ورغم أن الثورات الشعبية العربية الحديثة التي فاجأت الجميع قد استطاعت تحقيق أهدافها في كلٍ من مصر وتونس إلا أنها تعثرت في تحقيق أهدافها في كثير من الدول منها اليمن، ولعل غياب عفوية الفعل الثوري كان سبباً رئيسياً في ذلك، فالثورة في اليمن تحولت إلى اعتصامات مفتوحة تقودها ائتلافات ولجان تُثار حولها العديد من الأسئلة حول كيفية اختيارها وتشكلها وهذا ما فتح الباب على مصراعيه لبث الفتنة والشقاق بين الجميع خاصة وهناك من الأطراف من لا يؤمن بالشراكة ولا يعترف بالآخرين، وقد أظهرت المرحلة الراهنة في تاريخ الثورة بروز خلافات بين المكونات الجماهيرية وإن كان في الحقيقة لم يؤدِّ إلى إجهاض الثورة أو تشويهها بل إن الوعي المجتمعي المتشكل لدى الشباب والمثقفين أدى إلى عدم الانجرار وراء الخلاف الذي قد يعمل على تشويه صورة الثورة، فهناك من يؤمن بأن هيمنة طرف على الآخر في هذه الفترة لايدفع الآخرين إلى ترك أهداف الثورة والتفرغ للخلافات الداخلية، بل يجب تجاوزها حتى إسقاط الفساد. وهنا، لا أعيب الثورة بل أتحدث عن وقائع لها أسبابها ودواعيها وتبريراتها وإن كنا نحسد الأخوة في مصر على تفوق ثورتهم في الفعل والنتائج والتي تستحق فعلا صفة الثورة الشعبية التي شاركت فيها الأحزاب، كونها مكون أساس من مكونات الشعب ولا يمكن تجاوزها، ولكن لم تكن الأحزاب هي المسيطرة على كل شيء ولها حق الأمر وتحديد مسار الخروج في التظاهرات والعودة إلى الساحة وتحديد المواقف السياسية وقيادة العمل الثوري، لأن الثورة تقودها الجماهير ولها الشرعية الوحيدة في التحدث وتصعيد الفعل الميداني واتخاذ المواقف، فلا شرعية إلا شرعية الثوار المتواجدين في الساحات. أما إن تحدثنا عن مكونات الثورة من لجان ومجالس قيادية وتنسيقيات فمهمتها لا يتعدى التنسيق والترتيب والتنظيم لوضع الاعتصام والقيام على خدمة الساحة وتنظيمها، أما الفعل الثوري وتصعيده والمواقف السياسية وتحديد مسار الثورة فمهمة الجماهير لأن الجماهير لا يمكن أن تتنازل عن هذا الحق ولا تجرده منها هذه التكوينات والفعاليات السياسية والجماهيرية، وإن فعلت ذلك فقد التوت على الثورة وانحرفت عن مسار العمل الثوري إلى مسار آخر يتفق مع أهواء تلك القيادات ورؤيتها الضيقة للتغيير، لان الجماهير لا يمكن أن تقبل بأقل من تغيير جذري ومحاكمة لرموز الفساد والإفساد. إن قيادة الثورة عبر تكوين مجالس وائتلافات ومنسقيات لم يكن إلا محاولة لتحديد مسار الثورة وفق رؤية واحدة تقصي الآخرين، وإلا فلماذا لا تتحد كافة المكونات في إطار ائتلاف واحد وقيادة موحدة تستوعب الجميع ويرضى بها الكل كما حدث في مصر، واتركوا الشعب يختار مصيره واتركوا للشباب القرار الميداني وارفعوا أيديكم ولو قليلاً عنا، فلا وصاية على الثورة إلا وصاية الشعب. وبالتالي لا يحق في المرحلة اللاحقة للثورة تنصيب أي شخص أو جهة أو طرف للتحدث باسم الثورة أو تمثيلها لأن الشرعية التي فقدها النظام لا تتمتع بها أصلاً هذه المكونات رغم انه كان بالإمكان وضع آليات محددة لانتخابها في ظل النضوج الثوري في الساحات وقابليتها لهذه التجربة الديمقراطية، ويظل التساؤل ماذا عن المنضمين الجدد للثورة.. هل يتم تجاوزهم!، والكل يعلم أن الثورة لا تقيد بسجل خاص ولا تحصر في كشوفات معينة بل إنها مفتوحة على الجميع حتى تحقق أهم أهدافها وهو تنحي الرئيس ورحيل النظام عن بكرة أبيه.!؟ تأخر الفعل الثوري ودخوله مرحلة التنظيم جعل السلطة تستعيد ترتيب أوراقها أكثر من مرة وبالتالي تصبح الثورة صراع بين طرفين يخضعان لأدبيات الصراع من فعل وردة فعل وهذا ما يحدث فعلا اليوم في ساحات التغيير فالثورة تراوح مكانها. عفوية الفعل الثوري الفعل الثوري يتصف بالعفوية وقد يكون انتقاله إلى مرحلة التنظيم خطأ فادحا قد ينحرف به ويتحول إلى ما قد نسميه الثورة المنظمة والتي تخضع في نهاية المطاف إلى قرارات وأهداف من يقوم على تنظيمها وتسييرها، وهذا ما قد يجعل احتمالات تحول الثورة إلى أزمة، والأزمة لا تكون إلا بين طرفين، ولضرورة الخروج منها لابد من الحوار وهذا ما سينجح به النظام إن لم تعُد الثورة إلى الشوارع، وإن لم تتجه نحو التصعيد الميداني وقلب طاولات التفاوض وإغلاق ملفات الحوار وحرق أوراق التسوية وإغلاق باب المبادرات المحلية والإقليمية والدولية. إن لم تقم الثورة بالتغيير الجذري لمنظومة الفساد وإسقاط رموزه ومحاكمتهم ومحاسبة كل من نهب الوطن وأهان مواطنيه وانتهك الحقوق وتجاوز القوانين فلن تبلغ مرحلة العمل الثوري الذي يُعد أقوى وسائل التغيير وأشدها وأصعبها وأقواها تأثيراً. في المظاهرة الحاشدة التي حدثت أمام وزارة الخارجية فرّ أنصار النظام مع قوات الأمن بعد صمود مئات الشباب فقط الذين تراجعوا بعد ذلك لأن لديهم ساحة تنتظرهم وقدموا عددا من الشهداء والجرحى، وعودتهم تلك أتاحت لأنصار النظام وقوات الأمن إعادة ترتيب نفسها والاستعداد لمعركة قادمة يستنزف فيها الشباب أنفسهم خاصة وتنظيم الثورة يُسير المظاهرة ويحدد مسارها وطريقها، وهذا لا يتناسب مع الفعل الثوري بل يتناقض معه، وهذا ما نلاحظه في اليمن حيث يخرج المعتصمون من ساحاتهم إلى شوارع محددة والتي تنتظر فيها قوات الأمن مع البلاطجة وتحصد منهم الكثير، فيعودون جميعهم لدفن شهدائهم ومعالجة جراحهم بينما تظل قوات الأمن في أماكنها تستعد لمواجهه أخرى في ذات المكان أو قريب منه. وعلى المستوى الآخر فالنظام ينتظر مبادرات المعارضة والعكس، وبالتالي يترك للرئيس فسحة من الوقت للتفكير وإعادة التنظيم ويضعف قدرة الثورة على إحداث الفعل الثوري والضغط على السلطة وتضيق خياراتها حتى تستجيب طواعية لمطالب الشارع، أما غير ذلك فهو عبارة عن حوار وتسويات وإن لم يكن على طاولة واحدة وإن كان بوساطة خليجية أو دولية.. إذن فالثورة بذلك تتراجع إلى مربع الانتفاضة أو أقل من ذلك مثل الاحتجاجات. أما المرابطون في الساحات فاحتمالات استعادة زمام المبادرة بالفعل وقيادة الثورة ضئيل جداً، فإما أن يقود الشارع الأحزاب والقوى السياسية أو العكس، وبالتالي يُصبح المعتصمون مجرد أدوات للتعجيل بتحقيق أهداف القوى السياسية والقبلية والعسكرية وفق الآلية والطريقة التي تنتهي إليها المفاوضات وتقرها التسويات وإن كانت في حقيقة الأمر تراعي متطلبات المعتصمين وتتعاطف مع كافة مطالبهم. وهنا لا أريد أن أصل بالقارئ الكريم إلى القول بأن الثورة هي ثورة قوى وليست ثورة شعب لأن القوى السياسية والقبلية والاجتماعية والدينية هي مكونات الشعب أصلا الذي يتكون من أفراد.. ولغياب وجود الشعب كأفراد كانت القوى السياسية هي المحرك الفاعل للثورة. الانتقال من العفوية إلى التنظيم من خلال تعقيدات المشهد اليمني وتفاصيل مكونات الشعب وعاداته وأعرافه يمكن تبرير لجوء المعارضة وقوى الشباب إلى تنظيم الثورة من خلال عدة أسباب. وقد يكون لجوء القوى السياسية المناوئة للسلطة إلى تنظيم الثورة والسيطرة عليها له ما يبرره، خاصة واليمن لها وضع خاص قد يحتم على الجميع التعامل بحذر مع لحظات الفعل الثوري وتحديد مساره وتطويقه خشية الانفلات والخروج عن مساره، ولعل أهم مبررات اللجوء إلى تنظيم الثورة كان الآتي: 1- الثورة المنظمة سهلة السيطرة عليها 2- الوضع العام في اليمن وقلة الوعي المدني لدى الكثير من أبناء الشعب 3- احتمالات تحول المظاهرات إلى أعمال عنف وسطو ونهب وتخريب خاصة مع اللجوء لاستخدام السلاح وإذا ما تحدثنا عن التفاصيل فهناك تذمر كبير وانزعاج من حالة التنظيم المفرط التي وصلت إليه الثورة من خلال ظهور بعض الأخطاء التي وصلت إلى حد إشاعة الاتهام وتضييق تعايش الساحات وسيطرة واضحة يعترف بها الجميع لطرف قد يعمل على إقصاء الآخرين تحت لافتة الحفاظ على الأمن من المندسين وإفشال جهود الأجهزة الأمنية. ورغم أن الحديث عن ذلك قد يتحسس منه البعض إلا أن الشباب وجميع المعتصمين صامدون، لأن الهدف الأكبر هو إسقاط النظام وبالتالي تصبح الخلافات مجرد تباينات وتفاصيل بسيطة تحتم على الجميع تجاوزها حتى نتمكن من العبور الآمن إلى مرحلة الشراكة الوطنية الكبيرة، وتحية لكل القوى السياسية والاجتماعية التي تسهم في خدمة الثورة ودعمها دون استثناء. جماهير الشرعية الزائفة في الأخير.. إذا كان الرئيس يتحدث عن الجماهير التي تتوافد إلى ميدان السبعين من كل محافظة على أنها جماهير2006م وأن ما دونها هي جماهير المرشح المنافس فهذا يثير التساؤل حول شرعيته طوال السنوات الماضية، فهل يُعقل أن تقارن جماهير السبعين بجماهير شارع الستين الجمعة الماضية وجماهير تعز الأبية وخمسة عشر محافظة عجز فيها المؤتمر عن حشد عشرات المناصرين للرئيس فضلا عن المئات والآلاف التي يتحدث عنها إعلام السلطة. لقد حان وقت الحسم ويبدو أن الأيام القادمة هي من ستحدد مصير اليمن.. عاشت الثورة والمجد لشهدائها والحرية للمعتقلين والكرامة لأبناء اليمن.