الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي - شبعنا خصومة , مللنا الغمز واللمز والملاعنة , شبعنا تشفٍّ وتَشَهٍّ لروح الإنتقام , ضقنا بألاعيب الساسة , سقطت الأقنعة وظهر العوار . ليس من ضحية سوى الوطن , ليس من مجني عليه سوى فقراء وبسطاء وبؤساء اليمن , هم من يدفع فاتورة هذا الصراع : أنا من تعطلت سيارتي . أنا من يأتي البترول فيتنازعه المتنفذون والبلاطجة . أنا الواقف في السرب منذ أسابيع دون الحصول على قطرة من بترول – السيارات الواقفة في الأسراب هي سيارات الفقراء أما الفارهة فلها سوق سوداء ولديها مال تشتري بأي ثمن . أنا الذي تلف زرعي وضاع محصولي بسبب انعدام الديزل . أنا الذي صرت في أمس الحاجة للماء بعد تعطل الأبار وتوقف الضخ في البساتين والسُبُل وحتى المساجد أغلقت أبوابها ووايت الماء تجاوز حاجز العشرة آلاف ريال . أنا الذي أقف وزوجتي وأطفالي أمام حنفيات ماء ما تبقى من سُبُل تضخ الماء في طوابير تشبه أسراب السيارات أمام محطات البترول . أنا الذي يعاني من الكهرباء التي أتلفت أكلي وشربي . أنا من ضاق بالقذارات المكدسة في الشوارع والحارات بعد توقف عربات نقلها بما قيل إن السائقين بعد تعبئتها بالديزل يقومون بشفطه وبيعه للمواطنين . أنا من تمتص حيتان التجارة وأغوالها ما بقي من دم في عروقه وتأكل ما تبقى من جلد يكسو عظمه . أنا من يعاني البؤس والفاقة , والفقر والحاجة , الجوع والذل والهوان . ليس هناك من يدفع فاتورة الصراع وثمن الخصومات والمناكفات وألاعيب السياسة وبشاعة الحرب غيري . أنا المتضرر الوحيد من هذا الصراع بكل أنواع الضرر . أنا الضحية لأقطاب يرفعون قميص عثمان باسمي لأكتشف أني ورقة التوت التي سقطت في الخريف . واكتشفت أن هؤلاء الأقطاب لا يحسون بمعاناتي ولا يسمعون أنيني ولا يعلمون أوجاعي , إنهم في غمرة الصراع ونشوة الحديث عن تحقيق النصر وإرغام الخصم على التراجع . جَوْعَةُ شعب : الشعب اليمني أثبت أنه يمتلك طاقات كبيرة من الصبر , لكن هذا الصبر قد ينفد وثورة الجياع قد تنطلق في لحظة ما , الثمن الذي يدفعه الشعب المظلوم الصابر الذي يتجرع المرارات قد يتحول وبالاً على قوى الصراع ورحم الله القائل : إحذر من المظلوم إذا جاع . الشعب الحكيم الذي يمتلك عشرات الملايين من قطع السلاح لم ينزلق نحو الحرب الأهلية , وقف في وجه الفتنة , يقاوم دعاتها يرفض الإنجرار خلفها , لكنه جائع وجوعه يزداد من يوم إلى آخر . الشعب الذي يخشاه العالم أسقط الرهانات وخيَّب التوقعات فبهر العالم بحكمته وإدارته لشئونه بنفسه لكن جوعه في ازدياد . الجوع كافر طوفان جارف كما يقولون والشعب المنكوب بمن لا يشعر بألمه وشدة جوعته قد يتحول فيتغير من حال إلى حال .