إذا كنا نود إعداد الشباب لحياة مشرقة بالفضائل والآداب، حافلة بالاستقامة والصلاح، والإقبال على العلم، وإجلال سعيه النبيل، وموكبه الهادى الكريم، وهزيمة محاولات الإرهاب والعنف والعبث والتخريب والهياج والإفساد، فإن علينا الاهتمام بالتربية الدينية فى المدارس والمعاهد والكليات إلى جانب ما يقوم به المنزل والمسجد والكنيسة والنادى وأجهزة الإعلام وغيرها، ولابد أن ندرك أنها حاجة أساسية أصيلة، لا يجوز إغفالها أو الاستخفاف بها، فهى ركن رشيد للصلاح، وسند متين فى إزالة كل شك أو حيرة تبثها ظلمات الجهل والعمي، ومن المحتم زيادة العناية بها، وإعطاؤها ما تستحقه من الدعم الكبير، ومن الواجب أن نحشد لها مناهج واعية مسئولة سديدة، نقدمها على وجهها الصحيح السمح، الفياض بضروب العلم والإيمان والحكمة والموعظة الحسنة، إن الشباب فى العصر الذى نعيش فيه لن يستغنى عن التربية الدينية، حيث انها أسلوب حياة متكامل، يرسى قواعد الأخلاق، ويضبط مقاييسها، ولكونها الأساس الأصيل لحياة اجتماعية فاضلة فى أمة وسط، من شأنها أن تحدث على الاستقامة، وتنأى عن الانحراف، وتحارب كل سعى مفسد، بالدعوة إلى التحلل من الفضائل، ويريد دعم العنف والقسوة فى هذه الأيام والفوضى والعبث والإرهاب، يقول سبحانه: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله فالناس فى جميع أنحاء مصر بعد أن شاهدوا الشباب فى الشوارع والجامعات وبعض المدارس وبعض الأندية وغيرها يدعونه الآن إلى أن يوقف هياجه وعنفه، وأن يعتصم بالحكمة والموعظة الحسنة، وما فى التربية الدينية من الفضائل والأخلاق التى تهديه إلى الصراط المستقيم، وتبعده عن الإرهاب والقسوة والتخريب. إن الوطن يود أن تكون هذه السواعد الفتية مجتمعة حول رسالة جليلة، عاملة لغاية رفيعة، تحيا فى ظل مثل عليا، محاطة بضياء ثاقب، ينفذ إلى الفكر والعافة والإرادة، ويمنح المدد الخلقى الذى لا يغلب، والنور المبين الذى لا يخبو، كما يود أن يطالبها بحفظه، وصيانته ولا تستجيب لصوت الإرهاب لتظفر بالخير كله، وتحظى بالسعادة والرضوان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: يا غلام: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة، إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. لقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ، ولن يتم الحفظ بالتخريب والقسوة والعنف، كما أوصى بالعلم، ورفع شأنه وعظم فضله فقال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة. والحديث الشريف، يدفعنا إلى أن نرجو من الشباب ترك التظاهر وعدم إضاعة الوقت، والتعلق بالعلم والتحصيل، ويجب أن نعلم أن أعداء الخير والحق والرحمة، لا يريدون أن تحقق التربية الدينية الرشيدة انطلاقات واسعة، أو تفوز بثمرات مباركة، ولا يحبون أن يتمتع الشباب وهم ذخيرة الوطن وسلاحه الفتى بتربية رشيدة تحمى الأمن، وتتمسك بالحق والعلم والعدل، وانما يعولون على خطة دنيئة، تقوم على العنف والفوضى وتمجد الشقاق والطيش، إننا ننادى بأنه حان الوقت لعلاج أى تقصير معيب أو ضعف أو قصور أصاب بعض معلمى التربية الدينية فى مدارسنا، فلن يتمكنوا من أداء واجبهم فى نشر الفهم الصحيح للدين الحنيف، ومواجهة الإرهاب والتطرف وتحديات الفكر المنحرف، والأمراض المعاصرة، إلا إذا تم إعدادهم إعدادا قويا، كما نرى أنه من الواجب بحث إضافة درجة التربية الدينية إلى المجموع أو منح المتفوقين فى علومها جوائز سخية، أو تكريمهم بكل ما نستطيع مما يكفل لهذه المادة الإجلال والرعاية الكافية فليست حاجة هامشية، بل هى حاجة أساسية لا يصح الاستهانة بها، وحسبها أنها تتصل بجوهر الحياة وسر الوجود، وتهدى إلى المنهج السليم والصراط المستقيم. إن من يحاول الإقلال من شأن هذه المادة يتجاهل دورها الخطير فى تربية الضمير وتزكية الأخلاق، وتكوين البواعث التى تحفز على الخير، والضوابط التى تردع عن الشر والحق أن ما نراه الآن فى الشوارع والجامعات والنوادى وغيرها يدق ناقوس الخطر، ويرفض موقف من يستهين بدروس الدين، ويبغض من يؤدى مادة الدين بتكاسل أو إهمال، وكل ما يمر بمصر الآن يؤكد أن الشباب يحتاجون إلى التربية الدينية، احتياجا شديدا فهى مصباحهم الذى يضيء الطريق إذا التبست عليهم المسالك والدروب، وطبيبهم الحاذق الحصين، إذا تعرضوا للقلق أو التوتر والاضطراب، وهى سلاحهم فى معركة الحياة يواجهون بها إغراء الانحرافات والشذوذ، ويردون بها على الإرهابيين والعابثين والمتاجرين بالدين، إنها تدعو إلى الرحمة والسماحة وتؤكد دائما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نجح بالرحمة ونهى عن العنف والغلظة والترويع، يقول سبحانه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. صدق الله العظيم.
المصدر: الأهرام اليومى بقلم الدكتور – حامد محمد شعبان