رغم دخول الأزمة في اليمن مرحلة متقدمة تنذر باحتمال غزو العاصمة صنعاء، اقتصر الموقف الايراني تجاه خطورة الوضع في اليمن على رد المتحدثة باسم الخارجية الايرانية على اسئلة أحد الصحافيين الذي أشار الى الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام ان ايران مدعوة للوساطة بين الحوثيين والحكومة اليمنية قائلة «لا مصادر موثقة لدي تؤكد هذه الأخبار وأعتقد انها مجرد تكهنات إعلام». وكانت وكالة أنباء فارس الايرانية قد ذكرت ان وفدا يمنيا توجه إلى مسقط (الصديق الايراني في الخليج) لطلب الوساطة مع إيران بهدف إيقاف الزحف الشعبي الذي دعا إليه الحوثيون إلى العاصمة صنعاء وذلك بعد فشل وفد رئاسي زار الأسبوع الماضي صعدة لإقناع القيادات الحوثية بالعدول عن قراراتها التصعيدية. ونفت ايران التصريحات التي تؤكد دعمها وإدارتها للحوثيين في اليمن، ومازالت ترفض الإعتراف به. وكان مساعد وزير الخارجية الايرانية اميرعبد اللهيان قد صرح قبل شهر ان الخلاف بين الحوثيين والحكومة شأن يمني داخلي لاعلاقة لايران به، معتبرا أن أمن ايران والمنطقة من أمن اليمن، وان علاقة بلاده متوازنة بين جميع الأطراف اليمنية، مؤكدا ان وزارته وجهت تحذيرات للحكومة اليمنية أكثر من مرة بعدم ربط مشاكلها مع الحوثيين بايران. واقتصرت تصريحات المسؤولين الايرانيين في الماضي في الشأن اليمني على دعوة الحكومة اليمنية الى الإصغاء الى المطالب الشعبية من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل كل أطياف الشعب اليمني بما فيها المعارضة. وبالعودة الى تاريخ الحوثيين في اليمن وحزبهم «أنصار الله» نرى مدى العلاقة الوثيقة بينهم وبين ايران. في العام 1991 أنشأ بدر الدين الحوثي تنظيم «الشباب المؤمن» في محافظة صعدة ذات الأغلبية الزيدية والتي تبعد عن العاصمة صنعاء 240 كلم، وكانت اهتمامات التنظيم تقتصر على النشاطات الفكرية والثقافية. بعد ثلاثة أعوام من تأسيس الحزب ومع إنتهاء الحرب الأهلية اليمنية عام 1994غادر بدر الدين برفقة ابنه حسين الى ايران. في العام 2002 عاد حسين الى اليمن وكانت أولى خطواته تغيير اسم حزبه ليصبح «أنصار الله» كما كان محملا بافكار جديدة مستمدة من المذهب الأثني عشري الذي يخالف في كثير من الأمور مذهبه الأصلي. دخل اثرها حسين في سجالات مع علماء الزيدية لكنه ثبت على مواقفه ليكون بذلك أول من جاء بالمذهب الأثني عشري الجعفري من ايران الى اليمن. استطاع «أنصار الله» جذب الشباب حوله من خلال الأنشطة الاجتماعية وتقديم المساعدات المادية والرواتب الشهرية لهم إضافة الى رفعه شعارات تجد تأييدا ك «الموت لاسرائيل» و»النصر للإسلام.» هذه الروابط الوثيقة بين الحوثيين وايران لم تستطع ان تخفيها وسائل الإعلام في ايران خاصة الصحف الرسمية حيث وصفت صحيفة «جمهوري إسلامي» إحداث اليمن في افتتاحيتها يوم الخميس الماضي تحت عنوان «تحليل الأسبوع السياسي» قائلة: «لبى الشعب المحروم والمضطهد في اليمن دعوة قائد الحركة الحوثية وجاءوا من مختلف المدن اليمنية الى صنعاء وذلك لاستعادة ثورتهم المسلوبة وليؤكدوا اصرارهم على حق البقاء من خلال الاعتصامات والمظاهرات السلمية». وقالت الصحيفة «يواجه الحوثيون الظلم والإستبداد منذ سنوات ولهذا بدأوا مرحلة جديدة من المطالبة بحقهم داعين باقي أطياف المجتمع اليمني للإلتحاق بهم بغية تحصيل حقوقهم الوطنية ولاقت دعوتهم ترحيبا من الشعب، الأمر الذي لم يكن يتوقعه النظام وبدأ يخشاه.» بالنسبة للموقف الرسمي اليمني الذي جاء على لسان الرئيس عبدربه منصور هادي واتهامه ايران بالوقوف وراء الحوثيين فلم يكن جديدا، خاصة بعد ست معارك خاضها الحوثيون مع الجيش اليمني ولكن خطابه هذه المرة تضمن عبارات جديدة من واقع حال المنطقة وهي اتهام ايران بانها تسعى الى مقايضة صنعاء بدمشق ليشير بذلك الى الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة بين ايران والسعودية ويفتح للأخيرة المجال للتدخل. والصراع الإقليمي الايراني السعودي في اليمن ليس وليد اليوم، فبعد عامين من عودة حسين الحوثي من ايران وتحول «أنصار الله» من تنظيم فكري ثقافي الى تنظيم عسكري، خاض أول معركة له مع الجيش والنظام اليمني الموالي للسعودية في تموز/ يوليو 2004 وقتل فيها. لم تكن المعركة الأولى هي الأخيرة في الصراع بين الدولتين الكبيرتين وتوالت المعارك الى يومنا هذا حيث قاد الأب بدر الدين بعدها المعركة الثانية مع الجيش في آذار/ مارس 2005 بينما شهدت المعركة الثالثة في تشرين الثاني /نوفمبر 2005 ظهور قائد جديد للحركة الحوثية هو عبد الملك الأخ الأصغر لحسين، وفي كانون الثاني/ يناير 2007 كانت المعركة الرابعة بعد اتهام الحوثيين بطرد اليهود من صعدة تحضيرا للإنفصال عن الدولة. اما المعركة الخامسة في آذار/ مارس 2008 فكانت بمثابة الخطوة الاستراتيجية الأولى للحوثيين للخروج من صعدة والاتجاه نحو العاصمة حيث وسعوا نطاق المعركة لتصل الى مدن قريبة من صنعاء لتمحو بذلك الأفكار السائدة حينها عن ان الحوثية مجرد فقاعة ستزول مع الزمن، وهذا ما أكدته المعركة السادسة في آب/ اغسطس 2009 التي تميزت باتهام ايران بشكل رسمي بدعم الحوثيين بالأسلحة والصواريخ قصيرة المدى ومدافع رشاشة اعقبها إعلان الحكومة اليمنية القبض على سفينة محملة بالأسلحة ادعت انها مرسلة للحوثيين من ايران. وكادت المعركة السادسة ان تمتد الى داخل الأراضي السعودية وذلك بعد تمركز الحوثيين بجبل الدخان، والذي يدخل جزء منه في الأراضي السعودية من ثم إعلان السعودية العثور على مخازن للأسلحة والذخائر في هذا الجبل. المعركة السابعة نشبت في آذار/ مارس من العام الحالي ومازالت آثارها وتداعياتها ممتدة حتى الآن وجاءت اثر شن الحوثيين هجوما على اللواء310 مدرع وانتصارهم عليه واحتلال مدينة عمران التي تبعد 50 كلم عن صنعاء، الأمر الذي جعل السعودية ترسل تهديدا بالتدخل عسكريا في حال احتل الحوثيون العاصمة صنعاء معتبرة الأمر خرقا لسيادة الدستور وانقلابا على الاتفاق الناتج عن الحوار الوطني لتسارع بعدها ايران الى ارسال عبد اللهيان في زيارة قصيرة الى المملكة التقى فيها وزير الخارجية السعودي. لم تكن أهم تصريحات عبد اللهيان بعد الزيارة تتعلق بالعراق أو سوريا أو لبنان، بل تحدثت عن ان الدبلوماسي الايراني الذي خطف على يد مسلحين في صنعاء قبل عام في صحة جيدة وسيعود الى أهله قريبا. لكن هل يدخل التهديد السعودي حيز التنفيذ في خاصرتها الجنوبية على غرار ما حدث في خاصرتها الشرقية بعد اضطرابات البحرين، خاصة ان المتهم بالتحريض هو نفسه وان التهديد هذه المرة يحقق في كل معركة نتائج أكبر من التي سبقتها الى ان وصل اليوم الى مداخل صنعاء؟.