قال تعالى في محكم آياته «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» وقال جمال الدين الافغاني «ملعون في دين الرحمن من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يسكت رأياً.. من يبني سجناً.. من يرفع رايات الطغيان.. ملعون في كل للأديان.. من يهدر حق الإنسان حتى لو صلى أو زكى وعاش العمر مع القران». فهل كل ثورة هي معذورة دائماً وابداً وقدرها هو ان تفترس أبناءها وتوصل أعداءها الى الحكم وتنتج ثورة مضادة تأتي على الأخضر واليابس, وتعيد انتاج نظام شمولي أشد انغلاقاً من الذي كان قائماً وإن أفضل شكر واعتراف هو الحكم بعالم عادل يحكمه الثوار مثلما أنشد محمود درويش "من كان يحكم مثلي في طفولته هو المسافر إلى غده". ما زلت أحكم حلمي ذاته وأرى حلمي يسيرني والدرب في يده فالثورة هي من التدافع الاجتماعي وهي محرك التاريخ وقانون الطبيعة وحافز التقدم وإن مجرى الأحداث ابان الثورة صور لنا كيف أن ندفع الناس في الشوارع وتتدافعوا من اجل تحطيم أصنام الشمولية وكنس قلاع الفساد ونرى الآن التنافس الشديد بين الأحزاب في تدبير الشأن العام. فالتدافع في لسان العرب هي المدافعة والمزاحمة والمضي في الأمر واستكمال المهمة الموكولة بالإنسان والانتصار الى العدل والقسط واظهار الحق ومحق الباطل. أنه رمز لترسيخ العرف الحسن والمعرفة السديدة وتربية المجتمع على الفضيلة وتدريبها على الرفق والتشجيع على التراحم والتوادد، ورمز للتعارف والتواصل بين ابناء الشعب والتساكن بين الافراد والتعايش بين الجماعات. فإذا كانت المرحلة قد تميزت ببروز الثورة المضادة والركوب على الثورة فإن مهمة الفلاسفة والمفكرين الاحرار هي حماية المسار عن طريق تنوير الثقافة الشعبية التي تعتقدها الأغلبية. وابراز أهمية الثقافة الوطنية في بلورة مشترك مدني وعروة وتقي سياسي جامعة ترد فكرياً على دعاوى الجهل المقدس وإن حضور التدافع يؤسس التوازن والتعامل والصلاح ويزيد من درجة النقد والمراقبة والمحاسبة، ونحت صورة منفتحة ومدنية بعيدة كل البعد عن الازدراء والكراهية والتنافي والتعصب والتمركز على الذات ولا تشرعن العنف والصراع والتباغض بين الجهات والملل. فالتدافع الايجابي هو الذي يحفظ كرامة الذات وتحرم كرامة الآخرين وهذا ما شاهدنه وما يقوم به المناضل الكبير القاضي أحمد سيف حاشد.