كنا نعتقد بان المرحلة الانتقالية تختص بتهيئة الظروف والاوضاع عبر فتح افاق جديده للتخفيف من الام وهموم الجماهير, واعداد اجهزة الدولة المدنية والعسكرية بما يلبي متطلبات الانتقال من الاوضاع والظروف الاستثنائية الى الاوضاع الطبيعية وعلى قاعدة التغيير الى الافضل تحقيقا لإرادة الشعب الثائر على النظام الفاسد المفسد واساليبه المتخلفة وادواته العتيقة المدمرة غير ان ما يجري في الواقع هو استمرار للفساد المالي والاداري الذي هو بالأساس فساد اخلاقي, واستمرار الرشوة و السرقة فساد اخلاقي واستمرار النفاق والسلوك الانتهازي ايضا فساد اخلاقي. كل ذلك بسبب الاستمرار في تغييب معايير الكفاءة والاخلاص والاستمرار في الاعتماد على معيار النفاق والمجاملة والمراضاة لحفنة من الطغاة (مراكز القوى والنفوذ) وعلى حساب معاناة الشعب الثائر وتضحياته. اذا لم يجري خلال المرحلة الانتقالية لجم الفساد وشر الفاسدين والحد من هذه الظاهرة وتأثيرها سيصعب على الجميع السيطرة على الاوضاع في المستقبل ولذلك اعتقد جازما بان تصحيح الوضع برمته يبدأ من تصحيح الاختلالات, والتشوهات التي لحقت بقيمنا الروحية والاخلاقية حيث جراء استخدام الكثير من المفاهيم ضد معانيها الحقيقية, ولذلك لابد من اعادة الاعتبار لتلك المفاهيم ونفض غبار الخلط عنها وكأمثلة فقط اوجز ما يلي: (1) اصبح من الضروري التفريق بين مفهومي: الجراءة المرتبطة بالشهامة والشجاعة والاقدام وبين الوقاحة المرتبطة بقلة الحياء واللؤم وقمة الفساد والافساد (2) التفريق بين مصادر الدخل المشروع والحلال, وبين مصادر الدخل غير المشروع والحرام. (3) التفريق بين الحزب او التحالف الحزبي الحاكم كمعبر عن جزء من ابناء الشعب, وبين الدولة واجهزتها وامكانياتها المادية والمعنوية باعتبارها ملك للأمة وان يستشعر الحزب او التحالف الحاكم مسؤولياته وواجباته تجاه الامه ككل وعلى قدم المساوة كانوا موالاة ام معارضة. (4) التمييز بين الموقع القيادي او الوظيفة الرسمية وبين شاغلها ومنع استخدام الوظيفة الرسمية للكسب الرخيص وخارج غرضها المحدد بخدمة المجتمع وقضاء حوائجه. (5) اعادة الاعتبار والتمييز بين مفاهيم الحق والباطل الخير والشر لعدل والظلم، بين معنى الكرامة الوطنية التبعية المذلة وبمعنى اخر اعلاء شان الحق والكرامة الوطنية و كرامة المواطن اليمني في الداخل والخارج. (6) المطلوب اعادة توصيف مفهوم من هوى الخائن؟ وماهي الخيانة الوطنية العظمى؟ او خيانة الأمانة بصفه عامة؟ (في ضوء ما جرى ويجري) وما هو موقف الدولة القادمة ازاء ذلك؟ فلا حجاب بين العدالة ومرتكبي الجرائم أيا كانوا ومن اجل اعلاء شأن القانون, وجعله فوق الجميع يتطلب الغاء مراكز القوى والنفوذ المشبوهة ممثله بالنخب الفاسدة والمفسدة وتحرير القبيلة ودورها في الاستخدام السيئ في تنفيذ المشاريع المشبوهة و الضارة، واعادتها الى اصولها وصفاتها الحميدة واشراكها في مسيرة الثورة التنموية الاقتصادية والاجتماعية. (7) اعادة الاعتبار المفقود للدولة وهيبتها, ومؤسساتها, وامكانياتها, وحقوقها, وواجباتها باعتبارها ملك الأمة وتقف على مسافة واحدة متساوية من جميع اطراف ومكونات المجتمع دون تمييز, وعدم انحيازها في اي صراع سياسي او عسكري او تنافس انتخابي الى جانب اي طرف الا بالحق وبما يحقق اغراض القانون والدستور ويوفر حمايتهما من الخرق اخذين بالاعتبار تحول الدولة في ظروف انعدام الشعور بالمسؤولية, وغياب الضوابط كمبدأ الرقابة والمحاسبة, والثواب والعقاب الى اداة بيد البلاطجة من القتلة واللصوص وتجار الممنوعات, وجعلوا وظيفتها القيام بتبرير جرائمهم السياسية والاقتصادية والأخلاقية ضد الشعب والوطن, وتضليل وخداع الراي العام المحلي والخارجي, واداة لقهر الشعب, وابتزاز العالم، في حين ان الدولة في المحصلة النهائية هي: المركز الوطني لتجميع وتحقيق الإرادة الوطنية الحرة، ومركز سلطة الشعب, وصنع قراراته الوطنية المستقلة. (8) اعادة الاعتبار لمفهوم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني, وكيفية تحقيقهما, وماهي ضمانات صيانة هذا الحق الوجودي للشعب اليمني؟ عبر تحويل هذا المفهوم الى فعل مادي ملموس يتجسد على ارض الواقع ويمثل للشعب الخط الاحمر المطلق ومن هنا يبرز السؤال المشروع التالي: اي مبرر يبقى لوجود الدولة بعد التفريط بسيادة البلاد برها, وبحرها, وسمائها؟ وبعد التفريط بقرارها الوطني المستقل؟ واعتقد بأن المعالجات لتلك الاختلالات تبدأ من التشريع السليم المعبر عن ارادة ثورة الشعب ومن التوجه نحو البناء المؤسسي لأجهزة الدولة, ومن احياء وتفعيل قواعد الضبط, ومبادئ المسائلة, والرقابة, والمحاسبة, ومنها مثلا: (1) تفعيل مبدأ المسائلة: من اين لك هذا يا هذا؟؟ وماهي مصادر ثروتك المدهشة؟؟ (2)اقرار وتطبيق استمارة براءة الذمة المالية والسياسية و الأخلاقية على شاغلي الوظائف العليا والهامة الرسمية والجماهيرية. (3) تفعيل مبدأ الثواب والعقاب, وخلق مناخ للتنافس الشريف بين الافراد, والجماعات, والهيئات, والاحزاب لخدمة الصالح العام, وعلى ان يتم مكافئة المحسن , ومحاسبة المسيء. (4) وضع حد للأهواء والرغبات الغرائزية على المستوى الرسمي, والشعبي, وخاصة لجم شر الفئات النخبوية الفاسدة والمفسدة المعروفة للجميع. (5) التغيير الجذري لأسس النظام الفاسد وممارساته الشاذة بما يتفق واهداف الثورة, وتطلعات الشعب, وتضحياته. (6) الاغلاق الفوري لبازار (العمالة المكشوفة), وكافة الأنشطة المشبوهة احتراما لإرادة الشعب ومشاعره. (7) تحرير القرار الوطني المستقل من الارتهان للخارج. (8) ايقاف اية علاقات او انشطة مادية او معنوية تنتهك السيادة والاستقلال الوطنيين. (9) ارجو من جميع اطراف المعادلة السياسية في الوطن التحلي بالشجاعة الكافية للاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات تجاه بعضها البعض ولو كان ذلك على نفسها فتلك فضيلة، وعليها مغادرة مواقع الغطرسة والغرور, والتواضع لله سبحانه وتعالى, وللشعب, ومكاشفة بعضها البعض والاعتراف لبعضها البعض بالحقائق والاخطاء, وتبادل الاعتذار الشجاع الصادق والصريح, وبلا تردد لإثبات حسن النوايا, والقطيعة مع الماضي البشع واشاعة اجواء التسامح, والتصالح على اسس عادلة وطي صفحة الماضي البائس والمخجل والبدء بصفحة جديدة اساسها الاحترام والحب المتبادل والشراكة الحقيقية والتنافس الشريف على البذل والعطاء لصالح تقدم الشعب وازدهار الوطن , وبذلك سيكون التأييد والتوفيق من الله حليف الجميع لإخراج الوطن الى بر الامان (والايمان يمان, والحكمة يمانية).