عندما سافرت للدراسة في مصر شأت الأقدار أن أسجل رسالة الدكتوراه في جامعة الأزهر وهناك التقيت بالكثير من قيادات الإخوان ولا أخفيكم أنني كنت انظر إليهم بعين الإعجاب وهم يتحدثون عن مشروعهم الإسلامي العابر للمذاهب وتخندقهم خلف حركات المقاومة ومعاداتهم الصريحة لأمريكا وإسرائيل ،ومما زاد إعجابي بهم تلك الخدمات التي كانوا يقدموها للفئات الفقيرة من المجتمع المصري فخيل لي انني أمام مشروع إسلامي فتي سوف يخرج المصريين مما علق بهم ، ومما عمق من قناعتي بهم هو ذلك الارتباك الذي كان يبديه النظام امام الإخوان وخوفه الشديد من قدراتهم التنظيمية ، واليوم وبعد مرور عامين على ثورة يناير تعيش الجماعة إحداث ، ستكون لها تداعيات عميقة في عموم البلاد العربية ، فجميع الإخوان في المنطقة العربية يستشعرون الخطر وهم يشاهدون التنظيم الأم يتهاوى تحت ضربات الشعب المصري وهو الذي لم يحول علية الحول بعد في السلطة . يتملكهم الخوف وهم يشاهدون الشعارات الكبرى التي كانت تلهم وتشعل جذوة التنظيم العالمي العابر للأقطار بدأت تخفو وتصبح أقل دافعية مع الانغماس الكبير والمتسارع من الإخوان في العملية السياسية وما يستدعيه من برجماتية وواقعية تستدعي خفض سقف الشعارات وتحويلها الى احلام واماني للكبار ، فاللمرة الاولى يظهر الاخوان بهذا الانكشاف ، فلم يكن غريبا ان يترنح مشروع الإخوان بهذة السرعة بعد ان اظهروا تعطش شديد للسلطة ،خصوصا بعد ان منحتهم ثورات الربيع العربي فرصة تاريخية للانقضاض على مقاليد الحكم في أكثر من بلد عربي ،ورغم ان اخوان تركيا الذين اضحوا في طبعتهم السابعة كانوا قد سبقوهم للحكم بفضل مرونتهم المتناهية في التعامل مع الغرب وأمريكا وإسرائيل للتخلص من الشعور الذي ظل ملازم لهم باعتبارهم جماعة محضورة منذ اكثر من 85 عاما، لذلك ابقى اخوان تركيا على عضويتهم في حلف الناتو الذي لطالما كان وسيلة للتأمر على الشعوب ونهب مقدراتها ،وما ليبيا الا مثال حي على وظيفة هذا الحلف . وفي مصر كان الاخوان يقدمون انفسهم على أنهم الضحيّة، وأنهم البديل، وأنهم المنقذ والمخلّص، ولما وصلو إلى الحكم، أثبتو أنهم نموذج للديكتاتورية العقائدية، والعنصرية الحزبية، فما يحسب لهم انهم كانو المبادرين الى اقفال انفاق غزة ونعت حاكم إسرائيل بالصديق العزيز، كما يحسب لهم انهم من دشنوا الحرب المذهبية ليسحل المخالفين لهم امام الأشهاد ومن العقيدة الى الاقتصاد ليعلنوا تبني الفكر الرأسمالي بكل ما يحمل من ظلم واستغلال للطبقات الفقيرة ،ولقد أخذتهم شهوة الحكم والتشبث بالسلطة الى طلب مساعدة البنك الدولى وصندوق النقد وهم الذين كانوا يعتبرونة مصدر إفقار للشعوب ولقد تمادو في سياساتهم الرأسمالية الى درجة ان سمحوا بإطعام الشعب المصري من الحرام حين توقعو في ميزانيتهم لهذا العام بان الدخل من الضرائب على نوادي القمار ستبلغ حوالى 850مليون جنية كما لم يخجلوا عن رفع ضريبة الخمور الى 600% كل ذلك تم من حركة اسلامية كانت ترفع شعار الاسلام هو الحل . وفي الضفة الأخرى يعيش اخوان اليمن حالة من الخوف والتوجس بعد هذه التغيرات الدراماتيكية والتي لم تكن ضمن حساباتهم فحليفهم الثري في قطر يمر بتغيرات غامضة قد تفضي الى اقفال حنيفة الأموال ،ومما يزيد من خوفهم هو حالة الانكشاف التى تعرضوا لها بعد موقف السعودية المؤيد لخطوة الجيش المصري وهو ما يصيب حلمهم في الوصول للسلطة بمقتل ،خصوصا وانهم لا يستطيعون اتخاذ مواقف مناوئة لها وجناحها القبلي جاثم على مفاصل القرار داخل التنظيم والذي تربطه علاقات استراتيجية مع السعودية، كما ان الصدمة التي أفقدتهم التوازن كانت مبادرة الرئيس عبدربة لتهنئيه الرئيس الجديد لمصر ليجدوا نفسهم محاصرين وغير قادرين على اتخاذ مواقف للتضامن مع الجماعة في مصر فهم يدركون ان أي صدام مع الرئيس سوف يغضب راعي المبادرة الولاياتالمتحدة وهو الذي لا يستطيعون تحمله او مقاومته . [email protected]