رغم انتقاداتنا السابقة له، فان أجمل ما فعله الحزب الاشتراكي من خلال موقفه من مخرجات الحوار هو انحيازه الى خيار الصدق والشفافية في التعامل مع قضايا الوطن ومنها القضية الجنوبية وطرحه بكل وضوح لرؤيته بشان الاقاليم وتمسكه بها وبكل ما يكفل معالجة الاسباب الحقيقية التي ادت الى تنامي المشكلة الجنوبية ولم ينحاز الى خيار التوافق والإجماع الكامل وتغليف قضايا البلد وحلها عبر مسميات ومسكنات وقتية سينتج عنها حتماً المزيد من المشاكل.. لم اندهش يوم أمس وأنا استمع للمحامي خالد الانسي.. وهو يوجه نقده الشديد للحزب الاشتراكي بشان موقفه من قضية الاقاليم.. فذلك يعني ان الاشتراكي لا يزال بخير ولا زال يصطف مع الوطن ومع قضاياه العادلة بعيداً عن سيناريوا الاجماع والتوافق.. فليتحدث الانسي عن موقف الاشتراكي كما يحلو له .. فثورته التي يرتديها كيفا شاء .. لكن ذلك لا يمنحه الحق في الانتقاص من ادوار القوى الأخرى ممن يخالفونه الرأي ولا يمنحه الحق في تجريدهم من وطنيتهم.. فالحوار يعني التباين والاختلاف في طرح القضايا والرؤى و في وضع الحلول المناسبة لها ولا يعني الاجماع والتوافق المطلق عليها ؟؟؟؟.. فالعديد من القوى الوطنية ومنها الاشتراكي لا يستند الى قوة القبيلة او لأي ولاء خارجي لفرض اجندته ومعروف بمواقفه الوطنية التي خسر الكثير في سبيل الانتصار لها والدفاع والذود عنها منذ سنوات بعيدة .. منذ ان كان الانسي وحزبه يتغنون بالقائد الاوحد.. قد يكون الاشتراكي محق كثيراً فيما قدمه من رؤيه بشان الاقليمين وقد تكون رؤيته هي الخيار الانسب والملائم لمعالجة ماضي الانتهاكات التي طالت ابناء الجنوب و هي الكفيلة في ايجاد توازن سياسي على مستوى خارطة الوطن فتقاسم القوى النافذة وتقسيمهم للوطن والثروة وفقاً لمصالحهم وتشيدهم لأقاليمهم شرقاً وغرباً بعدد وبحجم اطماعهم سواء بإقليم واحد كالذي افرزته حرب صيف1994م و انتخابات 1999م او بعدة اقاليم مساوية لعدد الدوائر التي حصدها شركاء الحرب في انتخابات1997م من خلال انتخابات ديكورية مشابهة للأقاليم التي يشرعون في تشيدها فان ذلك لن يحل مشاكل البلد.. و قد اثبتت الايام انهم كانوا مخطئين عند تباهيهم بديمقراطية زائفة.. ربما لم يدرك الانسي ان الاشتراكي خاض تجربة الحوار ولا زال يخوض تجربة مع المشترك وهو مثخن بالأوجاع والجراح الناتجة عن اقصاء وتسريح عشرات الالاف من اعضائه من وظائفهم ولا يزال مستولى على نصف ممتلكاته من قبل ابرز حلفائه في المشترك ومن قبل نافذي النظام السابق.. فما الذي خسره حزب الانسي ؟؟؟؟؟ بل على العكس فقد كسب الكثر واستحوذ و استولى على كم هائل من المال العام من خلال حكومة الوفاق الوطني أي اضعاف مضاعفة من تلك الاموال التي استولى عليها في حرب صيف 1994م.. لذلك فان الاختلاف في رؤى الاقاليم لا يبرر نزع رداء الوطنية من على ظهور الاخرين ولا يبرر تخوينهم .. كما ان التمسك بخيار تقسيم البلد الى اقاليم متعددة فان ذلك لن يحل أيضاً مشاكل البلد وأثره سيكون شكلي على القضية الوطنية تماماً كما حصل للقوات المسلحة من دمج وهيكلة واستحداث لمناطق جديدة فان ذلك لم ينتج عنه تشكل ثقافة جديدة وهي ولاء الجيش للوطن ولم ينهي الانقسام في الجيش ولم يزيده الجيش قوة.. كذلك فان تجزئة القضية الجنوبية والبلد ككل الى عدة اقاليم لن يعمل على حلها.. ما لم توجد دولة مؤسسات تسودها المواطنة المتساوية وسيادة القانون.