بعد انتهاء الحرب يتطلب وجوبا ان يكون لدى الطرف المنتصر مشروعا متكاملا يؤطر انتصاراته و يبلور حاملا سياسيا يتولي إدارة مهام المرحلة و يستعيد الدولة و إدواتها ومؤسساتها بصفتها الحامل الجمعي لآمال و خيارات و تطلعات المجتمع. كما ان احلال سلطات الدولة وفق هذا المشروع سيعمل علي اختزال كافة الأدوات والوسائل الفردية المتناقضة و غير المنسجمة لصالح توحيدها في ادوات مقوننة تحمي وتمثل الجميع. أما اذا افتقد المنتصر لمثل هكذا مشروع فان نتائج انتصاراته ستكون بذات درجة الخطورة التي كان يشكلها الطرف الغازي الذي تم التغلب عليه. يبدو واضحا اليوم ان سلطة هادي الشرعية ومكوناتها القابعة في الرياض لا تمتلك مشروعا .. اليوم في الجنوب يؤطر انتصاراتهم الوهمية ويحل في الفراغ الذي يعيشه الجنوب و مرجع ذلك الي امرين: الأول هو غبا وعدمية وارتهانية هادي ومن معه .. والثاني وهو الأهم يكمن في ان الانتصار الذي تحقق في الجنوب لم يكن محكوما بأدوات وطنية داخلية. بل كان نتيجة تدخل ادوات خارجية بالدرجة الاولي. و بداهة أي انتصار تحقق بأدوات خارجية فان متتالياته في الواقع ستكون حتما بيد هذا الطرف الخارجي وخادمه لاستراتيجياته التفكيكية والتقسيمية التي يسعي لتحقيقها في اليمن. و بالتالي ستؤول إداره المشهد الواقعي وممارسات السلطة لصالح مكونات دينية استلابية ارتدادية نكوصية خادمة لمصالح الخارج وبعيدة كل البعد عن تمثل المصالح الوطنية لمجتمع الجنوب، بينما ستظل المكونات الوطنية والمجتمعية - الحراك الجنوبي مثلا - والتي شاركت بمهام انجاز النصر خارج إطار معطيات السيطرة و التمكين لأنها لا تملك ادوات الغلبة والتفوق و لا يمكنها وضع مشروع جامع في ظل وجود من يعارض ذلك في الواقع من شركا النصر. و من هنا ستسعي هذه المكونات الخادمة للخارج للاستئثار على أدوات التحكم والسيطرة و مقاليد ادارة الواقع. و بالتالي ستجد المكونات المجتمعية والفصائل الوطنية نفسها في الجنوب في مواجهة مباشرة مع تلك الفصائل الدينية المنفلتة تماما عن تطلعات مجتمع الجنوب وقضاياه الوطنية الجوهرية. الأمر الذي سيقود في المحصلة إلي اقتتال بين فصائل الانتصار الوهمي والتنافس المحموم على السيطرة وبسط النفوذ والذي قد يسفر في الاخير إلى احتراب اهلي مجددا داخل الجغرافيا والمجتمع الجنوبي، لا سيما إذا ظلت سلطة هادي، و هذا هو المتوقع داخل دائره الارتهان والاستسلام المقيت للرياض. إن مجتمع الجنوب يدرك تماما ان اطره الاجتماعية وفصائله السياسية المنبثقة منه كالحراك الجنوبي رغم اعتلالاته هي الاقرب إلى تمثيل قضاياه الجوهرية و المصيرية وهي التي يجب ان تشكل نواة سياسية لمشروع وطني جامع للجنوبيين، اما التنظيمات الدينية التي تحترف القتل كالقاعدة والمكونات السلفية هي لا يمكن أن تشكل نواة سياسية لمشروع جنوبي جامع لارتهانها وتبعيتها للخارج، و لا نفصالها التام عن مسيرة الحركة النظالية و السياسية للجنوب. و بحكم أن هذه المكونات الدينية اللاوطنية ستباشر وبوتيرة متسارعة بسط نفوذها على مدن وجغرافيا الجنوب ضدا عن كل المكونات الجنوبية الوطنية فان الجنوبيين ومعهم كل اليمنيين مسئولين اليوم عن وقف وتحجيم تلك الحركات البربرية والعمل علي انجاز مشروع وطني جامع رغم الصعوبات الجمة يؤطر انتصارات الجنوب ويختزل كل الفصائل والممارسات الضدية للدولة والقانون بل ويوحدها ويكفل للجميع حقوقهم الكاملة. مالم فان صراعا جنوبيا مريرا سيندلع قريبا وبدل ما كان الجنوب رهينة ومستلب من الشمال سيصبح مستلب ورهينة و مسرح لقوى اقليمية اشد فتكا.