بقلم: برنارد هيكل- مجلة الشئون الخارجية الامريكية . ترجمة: عبدالله ناجي، ومحمد جميل- ترجمة حصرية ب "يمنات" تعد الدولة السعودية قوة في قيادة الثورة المضادة ضد ربيع الثروات العربية إذ إنها تعيش خوفا أبديا من الفوضى وعدم الاستقرار, فالرياض لا تريد تغييرا في البنى السياسية أو توازن القوى في الشرق الأوسط، ملتزمة مبدأ الهدوء والمحافظة، وهي مهددة باحتمال ظهور حكومات تمثل شعوبها في الجوار. لقد بدت هذه السياسة غاية في الوضوح من خلال تعامل السعودية مع البحرين في فبراير، حيث أوعزت الأسرة الملكية السعودية لأسرة آل خليفة الحاكمة في البلاد، بعدم قبول أي تسوية مع المعارضة وسحق أي مظاهرات. حيث ترى الرياض في إمكانية تولي الغالبية الشيعية في دولة البحرين مقاليد السلطة تهديدا فد يؤدي إلى سيادة دولة إيران, وهو التوقع الذي ترفضه السعودية تفصيلاً وإجمالا. أما في اليمن، فقد تحولت السعودية من داعم لحكم الرئيس اليمني علي صالح إلى صاحبة الذراع الأقوى في قدومه إلى الرياض لتلقي العلاج إثر هجوم بقنبلة استهدف قصره الرئاسي في وقت مبكر من الشهر الماضي. لان تمسك صالح بمقاليد السلطة, في نظر السعودية, بات في ضعف متزايد ومتعذرا بعد أشهر من الاحتجاجات وأصبح مصدر تهديد بدل أن يكوم حاميا لها. إن القوى السياسية في اليمن أكثر عددا وحرية وأكثر عناداً وتسلحا مما هو الحال في باقي الدول في شبه الجزيرة العربية، ولا يمكن لليمن أن يستقر باستخدام التكتيكات التي استخدمتها الرياض في أماكن أخرى، ومنها استعراض بسيط للقوة، ودعم طائفة ضد أخرى، والتخويف بشبح الطائفية و باليد الإيرانية الآثمة، وأيضا إغداق الأموال على المعضلة. إن إعادة النظام مجددا إلى اليمن سيتطلب من السعودية إيجاد بديلا مناسبا عن صالح, وهذا أمر سهل القول وصعب في التنفيذ على الواقع. لقد حاولت السعودية تاريخيا أن تجعل من الحكومة المركزية اليمنية ضعيفة، وأن تُبقي على ممثليها السياسيين مقسمين. والتفكير في يمن قوي وموحد تضع السعودية عند نقطة توقف، بالنظر إلى أن اليمن هي البلد الأكبر كثافة سكانية في شبه الجزيرة العربية، حيث يبلغ تعداد سكان اليمن 24 مليون نسمة، وأن الشعب مسلح بشكل كبير، وقبلي وفقير جداً، لذلك سعت الرياض وعلى مدى عقود للاحتفاظ بتأثيرها هناك عن طريق تنمية علاقات غير مترابطة مع الكثير من القادة السياسيين اليمنيين (العاملين في الحكومة)، وكذا مع المشايخ القبليين (الذين يشكلون ثقلا للحكومة المركزية). لذا لم تتردد الرياض في فرض العقوبات على صنعاء كلما حاولت الأخيرة التعبير عن سياسة مستقلة, أثناء حرب الخليج على سبيل المثال, عندما حاول صالح الوقوف إلى جانب الرئيس صدام حسين ضد الكويت والائتلاف السعودي, قامت بطرد قرابة مليون يمني عامل في السعودية وقطعت دعمها الرسمي عن البلاد، (لكنها مع ذلك لم توقف مخصصاتها المالية لقبائل اليمن)، فكانت هذه اللحظة بمثابة بداية انهيار الاقتصاد اليمني ليصل إلى ما هو عليه اليوم من دمار. وبعد أعوام قليلة لاحقة، في عام 1994، أثناء الحرب الأهلية في اليمن، واصلت الرياض معاقبة صالح من خلال دعم الاشتراكيين الانفصاليين في جنوب اليمن. لم تنزعج القيادة السعودية من حقيقة- من منظور الوهابية- أن الاشتراكيين كفار، لتؤكد أكثر على الطبيعة البراجماتية وغير الإيديولوجية للسياسة الخارجية السعودية. إن المسئول عن رسم سياسات المملكة السعودية نحو اليمن هو الأمير سلطان بن عيدالعزيز، الذي يتولى أيضاً رئاسة "اللجنة الخاصة" السعودية، وهي هيئة إدارية متخصصة بإدارة علاقات المملكة مع القوى السياسية والقبلية في اليمن. بما في ذلك صرف مبالغ مالية على كبار القادة البارزين في اليمن. بيد أن "اللجنة الخاصة" قد تجمد نشاطها بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية مع تدهور صحة الأمير سلطان الذي يعاني من الخبل أو الجنون، بحيث انتقلت إدارة السياسة السعودية تجاه اليمن، كما هو مزعوم، إلى يد الأمير نائف بن عبدالعزيز، الذي يشغل منصب وزير الداخلية السعودي، ويتولى ابنه الأمير محمد مسئولية محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ويملك الأمير نائف بن عبدالعزيز قوى يمنية مفضلة، بمن فيهم عدداً من السلفيين والإسلاميين، بالإضافة إلى اللواء علي محسن صالح، أحد أقرباء صالح، ومنافس لأن يحل محله في السلطة. كما أن القيادة السعودية تربطها صلات قوية بفصائل أخرى في اليمن، مثل حميد الأحمر وصادق الأحمر، وهما الأخوان اللذان يقودان تحالف حاشد القبلي، والذين شاركوا في معركة مفتوحة مع قوات صالح الأسبوع الماضي. كما أن للسعودية روابط قوية مماثلة مع مشايخ قبليين في قبيلة بكيل، ومع كبار العشائر والقبائل المؤثرة في جنوب اليمن. وكما يبدو واضحاً، فإن السعودية لا تفتقر إلى وكلاء (تابعين) يمنيين ممن يطمحون في حكم اليمن، لكن حيلتها تنطوي على إيجاد شخص أو ائتلاف من القادة الذين بإمكانهم إحداث الشيء اليسير من الاستقرار، ويثبتوا قبولاً لدى قوى المعارضة. يملك الشباب المناهض للنظام الأعداد الكبيرة في الشوارع، لكنهم ليس لديهم قادة معترف بهم ولا يملكون أيضاً روابط مؤكدة مع السعودية. جرى حسم مصير صالح بشكل فعلي في 22 مايو، عندما رفض للمرة الثالثة التوقيع على خطة مجلس التعاون الخليجي المدعومة من قبل السعوديين، والتي ستسمح له بان يستقيل ويحصل على حصانة من المحاكمة، ليهاجم صالح بعدها مناوئيه القبليين؛ وبالتالي تم استهدافه بهجوم بعبوة ناسفة تعرض على إثره لجروح بالغة، قاده للعلاج في الرياض. (وبالرغم من أن ألمانيا والولايات المتحدة ظلتا منذ فترة طويلة وجهات السفر المفضلة للطبقة اليمنية الراقية لتلقي العلاج، إلا أن صالح الآن لا يخشى الملاحقة الجنائية في المملكة العربية السعودية، كما هو الحال في بلدان مثل ألمانيا والولايات المتحدة). فالسؤال المحوري في الوقت الراهن يدور حول ما إذا سيسمح السعوديون له بالعودة إلى صنعاء أم أنهم سيمنحونه وأسرته لجوء سياسياً، لا يستطيع رفضه، في السعودية أو الإمارات على الأرجح. ويتعلق مصير اليمن بهذا القرار- ومن المرجح جداً أن تؤدي عودة صالح إلى حرب أهلية. ومع ذلك، فإن عودته غير محتملة، ذلك أن الشخصيات المؤثرة داخل الأسرة الملكية السعودية تعرف صالح جيداً، وتدرك أن عودته يمكن أن تكون مفجرة للوضع، وهو السيناريو الذي يريدون تجنبه بكل ثمن. أخبرني مسئول سعودي رفيع مؤخراً أن صالح كان السبب الجذري في مشاكل اليمن ووصفه ب "مخادع كذاب"الذي لا يمكن الوثوق به في إيجاد التهدئة. ثم إذا كانت السعودية لن تسمح لصالح بالعودة إلى اليمن، فما هو نوع الحكومة التي تعمل على تأسيسها لتحل محله؟ قامت شخصيات متنوعة من المعارضة اليمنية، بمن فيهم أولاد الأحمر، بخطبة ود السعودية لأنفسهم بشكل علني على أمل أن يتم اختيارهم كأرقام مفضلة في خلافة صالح. فأولاد الأحمر، على سبيل المثال، أثنوا على القيادة السعودية وأعلنوا أنهم ملتزمون بامتثال لوساطة وقف إطلاق النار التي توصلت إليها السعودية بين الطرفين. سيكون من الصعب تحقيق التوازن بين مصالح السعودية مع المطالب اليمنية. فبعض الوكلاء (التابعين) اليمنيين الرئيسيين للرياض، مثل اللواء علي محسن (أحد أقارب الرئيس صالح الذي انضم مؤخرا للمعارضة) ومشايخ الأحمر، هم غير مقبولين لغالبية اليمنيين. ليس فقط لأنه يُنظر إليهم على أنهم متواطئين بشكل كبير مع نظام صالح الفاسد والمستبد، لكنهم أيضا قد لا يسمحون بظهور نظام سياسي ديمقراطي وخاضع للمساءلة وتمثيلي أو نموذجي. والأكثر إثارة للقلق بالنسبة للرياض، يكمن في أن هذه الدولة القادمة بإمكانها بشكل جيد للغاية أن تكون أقل قابلية في الاستجابة للتأثير السعودي في اليمن، وقد تُقدم أنموذجا ناجحا لحكم جمهوري في منطقة تسيطر عليها الممالك. وقد لعبت جماعة الإخوان المسلمين دورا هاما في المظاهرات وهي تتمتع بالشرعية بين المعارضة اليمنية. وعزا بعض المراقبين أساليب ضبط النفس و اللا عنف التي تحلى بها الشباب في الشارع للقيادة الناجحة للإخوان المسلمين. ومن غير المحتمل، أن تكون السعودية تريد شخصاً مثل الشيخ الزنداني، وهو قيادي في جماعة الإخوان المسلمين اليمنية، ويحتل مركزاً بارزاً. فالإخوان المسلمون، من وجهة نظر الرياض— سواء في اليمن أو في أي مكان آخر- قد أثبتوا أنه لا يمكن الاعتماد عليهم، وهم بمثابة تحد محتمل للشرعية الإسلامية التي يرتكز عليها النظام السعودي. وعلى غرار نظرائهم في تونس ومصر، يريد المتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع اليمن على مدى الأشهر الماضية، نظاماً سياسياً جديداً، وليس أكثر من ذلك. إنهم يريدون تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية مؤلفة من تكنوقراط، من شأنها أن تعمل حتى يمكن إجراء انتخابات برلمانية و رئاسية جديدة. وهذا، في الواقع، يعني إقامة نظام ديمقراطي - وهي النتيجة التي ستقاوم الرياض في تسهيل مخاضها لأسباب إيديولوجية وعملية. وهذا سيضع المملكة العربية السعودية بين فكي ضرورتين سياسيتين متناقضتين: هما إما الحفاظ على نفوذها في اليمن أو أن تساعد على إيجاد نسخة غير مكتملة ليمن مستقر بما فيه الكفاية بالنسبة لها، بحيث لا يشكل تهديدا عليها. وهكذا، تواجه الرياض خيارات صعبة في اليمن، وليس ثمة حلول سهلة. . برنارد هايكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى، ومدير معهد الدراسة الإقليمية للشرق الأوسط المعاصر، وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى، في جامعة برنستون. رابط المصدر: مجلة الشئون الخارجية الأمريكية http://www.foreignaffairs.com/print/67822