لقد تمكنت الثورة الشبابية طيلة ستة اشهر من قلب موازين القوى، واصبحت شرعية صالح تحت التهديد الاقليمي والدولي.. واستطاعت ان تسقط النظام، وان تحقق الكثير من الانجازات الثورية، لكن مالم تستطيع تحقيقه حتى الان هو اسقاط الحكم العائلي، الذي يمارس غطرسته في ارحب وتعز، في مقابل شعارات الثورة السلمية التي ادهشت العالم من شرقه الى غربه. على الرغم من وجود ترسانة كبيرة جداً من السلاح وامتلاك رجال القبائل خبرة قتالية تفوق خبرة القوات النظامية، نصف عام على ثورة الشباب، وفي المقابل نحن امام نصف ثورة وليست ثورة بالكامل، بحت فيها اصوات اليمنيين رجالاً ونساءاً اطفالاً وشيوخاً، ينادون ويهتفون " الشعب يريد...." لكن لا احد يستجيب! لقد قرر الممسكون بزمام الامور ايثار مصالحهم الذاتية على مصالح الوطن، وقدموا رغباتهم على مطالب الجماهير، وكأننا في انتظار تحقيق نبوؤة ابو الطيب المتني حين قال: السيف اصدق انباء من الكتب! فاستمرار البعض في التغابي وعدم التعامل بجدية مع مطالب الشارع قد يجعل من العنف خياراً لا مفر عنه! فمن غير المعقول ان يظل الشباب في الساحات عرضة للقتل الهمجي، وعرضة للالاعيب السياسية، التي لم تلب حتى الان مطالبهم المشروعة في اجتثاث نظام منتهي الصلاحية، الفقر ترتفع مؤشراته يوماً بعد اخر، والجميع على قناعة بأن بقايا النظام العائلي هي من تعمل على ذلك، ايماناً منها بسياسة اعتمدت عليها طيلة ثلاثة عقود من الزمن وهي سياسية (جوع شعبك يتبعك) وما يؤكد ذلك الطرح هو اقدام الحكومة -الفاقدة الشرعية اصلاً- على رفع اسعار المشتقات النفطية الى الضعف، وسياسة العقاب الجماعي في قطع المشتقات النفطية من الشعب، وذلك ينذر بارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة الى معدلات تفوق مثيلاتها في الصومال ودول القرن الافريقي، وهو ما قد يدفع الشباب في الساحات الى خيارات قد تؤثر على دول الاقليم والعالم باكمله.. وقد تصبح القرصنة والالتحاق بتنظيم القاعدة واعاقة حركة السفن في الممر المائي الدولي في اليمن، اضافة الى النزوح الجماعي الى دوار الجوار، امراً غير مستبعد، وستدفع الدول الكبرى عموماً والدول الخليجية خصوصاً اثمان باهظة تفوق بألف مرة ما دفعته وتدفعه الان في العراق، خصوصاً وان الجميع هنا- في اليمن- يؤمن بالمأثور الديني) عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهراً سيف). على بقايا النظام ان تتحمل نتائج ازهاق ارواح الابرياء من رجال القبائل والشباب المعتصمين وحتى اولئك الجنود الذين يساقون الى ميدان الموت ككبش فداء للحكم العائلي. لقد نادى الشباب طيلة ثلاثة شهور لصالح (ارحل) لكنه فضل خيار التحدي على خيار الاستماع لشعبه، واستمر في عناده.. حتى كانت حادثة جامع النهدين التي يعرف حينها ان كاميرات المراقبة واجهزة الانذار المبكر ومئات من حرسه الخاص لم تغن عنه شيئاً، وانه كان ضحية لفئة تدافع عن بقائة في السلطة لاجل مصلحتها لا من اجل مصلحته، خرج الشباب يهتفون (الشعب يريد اسقاط النظام) فلم يستجب النظام لا من قريب ولا من بعيد، حتى وجد نفسه مضطراً بعد حادثة جمعة الكرامة لأن يتفكك، بعد ان فضل الشرفاء والمخلصون من ابناء هذا الوطن تأييد الثورة والانحياز لخيار الشعب بعيداً عن خيار الاسرة الواحدة وحكم الفرد الواحد، وانتهى النظام في جمعة (الامان) التي دعا اليها اعلام التوجيه المعنوي، لينتقل الشباب الى مرحلة جديدة من مراحل الثورة السلمية كان هتاف الجماهير في ما بعد رحيل صالح الى المملكة العربية السعودية للعلاج (الشعب يريد مجلس انتقالي).. ومر منذ ذلك الحين وحتى اليوم شهران تقريباً، لكن لا احد استجاب لذلك، بل مضى البعض الى ازدراء هتافات الشباب، واصفاً اياها بانها لا تعي متطلبات المرحلة، وان الشباب لا يعرفون معنى مجلس انتقالي بل وصل الامر بالبعض الى القول بان هؤلاء لا يزالون صغاراً لا يدركون ابعاد اللعبة السياسية لا المعارضة تركت حواراتها السياسية التي لم يكتب لها النجاح طيلة عمر الثورة المباكرة، ولا تحضيرية الحوار الوطني خرجت من بوتقة الاحزاب المعارضة التي يمثل افرادها نسبة 90% من اجمالي اعضاء اللجنة التحضيرية، ووجد الشباب انفسهم امام تعنت جديد يوازي تعنت الحاكم في التشبث بكرسي الحكم مدى الحياة، مرة تلو اخرى تتكلم المعارضة عن ضرورة الحسم الثوري، وتؤكد انها اغلقت باب الحوار مع النظام، لكنها كل مرة تثبت عكس ذلك، وتجد نفسها من حيث لا تشعر مورطة في حوار ينتهي بنهاية مضحكة، وكأننا أمام (لعبة أطفال)! واخيراً اقرت اللجنة المصغرة بلجنة الحوار الوطني تشكيل مجلس وطني مطلع اغسطس القادم، لكن ذلك بنظري لن يتم، وخصوصاً مع طلب خليجي لجمال بن عمر مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى اليمن بتأجيل مغادرة اليمن وقد تجد المعارضة نفسها في مسرحية هزلية لا تقل عن مسرحية (الزياني) في صنعاء والتي انتهت بحصاره مع سفراء اخرين في السفارة الاماراتية في صنعاء من قبل اعضاء الحزب الحاكم. اتفهم- انا شخصياً- كصحفي موقف اللقاء المشترك الجانح الى السلم، والى الخروج الى بر الامان بأقل التكاليف، ونتفهم حرص قياداته في عدم جر البلد الى مربع العنف، لكننا نعتب على قيادات اللقاء المشترك عدم يقظتها السياسية، وعدم استفادتها من تجاربها مع الحزب الحاكم منذ عام 1990م وحتى اليوم، والاستمرار في حوارات مكوكية قد يدفع فاتورتها الشباب وجدتهم وليس غيرهم، ولو اتخذ المشترك قرار الحسم مبكراً لما وصل الحال الى ما هو عليه اليوم! حيث بلغ عدد الشهداء في ساحات الحرية والتغيير وحدها ما يقارب ستمائة وخمسين شهيداً وثمانية عشر الف جريح، فضلاً عن مئات المعتقلين والمفصولين من اعمالهم بسبب تأييدهم للثورة، واذا استمرت الحوارات كما هي عليه فان هناك تكهنات بارتفاع الضحايا الى اعداد تفوق تلك الاعداد من القتلى والجرحى التي سقطت ابان حرب صيف 94م، مؤخراً رفع الشباب شعارات رفض التدخل الخارجي في ثورتهم، واسموا احدى جمعهم (جمعة رفض الوصاية) في اشارة واضحة الى المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالامريكية، اذ قال الشباب ان قيادة البلدين تعملان على اجهاض الثورة، وتسويقها دولياً على انها ازمة سياسية بين طرفي اللعبة السياسية، الحزب الحاكم من طرف، واحزاب اللقاء المشترك من طرف آخر، في اعتقادي ان الرسالة وصلت الى امريكا والسعودية، لكن هناك اصراراً سعودياً على عدم تسلم الاحزاب المعارضة في اليمن مقاليد الحكم، وهناك تخوف من الطريقة التي ستتعامل بها الاحزاب المعارضة مع المملكة العربية السعودية، وهو ما اوضحه جمال عمر في لقائه بقادة المعارضة. فالسعودية لا تريد حاكماً في اليمن يفتح ملفات الحدود التي قدمها صالح لآل سعود على طبق من ذهب، كما لا تريد حاكماً او مؤسسة دستورية تطالب بمراجعة اتفاقيات الطائف التي تساوى بين اليمنيين والسعوديين في الاقامة، كما ان السعودية تنظر الى احزاب المعارضة اليمنية ككوكتيل من الاعداء في نظرها، فالتجمع اليمني للاصلاح، اكبر احزاب المعارضة اليمنية والغطاء السياسي للاخوان المسلمين، عدو يجب محاربته اينما حل او رحل، فالسعودية كانت سعت الى القضاء على حماس في غزة، من خلال اتخاذها موقفاً معادياً لنصرة غزة، وتأخيرها القمة العربية حتى وضعت الحرب اوزارها، كل ذلك لأن حماس جزء لا يتجزء من الحركة العالمية للاخوان المسلمي، كما ان تجربة السعودية في السودان لا زالت ماثلة، عندما دعمت جون قرنق ضد البشير باعتبار البشير ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، وخلال حكم الملك فهد قامت الحكومة السعودية بإيداع عشرات العلماء السجون بتهمة الانتماء الى جماعة الاخوان المسلمين، الذين تنظر اليهم كخطر اشد من خطر الماسونية العالمية، والولاياتالمتحدةالامريكية تنظر الى الاخوان المسلمين في اليمن بنفس المنظار الذي تنظر اليه السعودية، وترى في الاشتراكي امتداداً لعهد الاتحاد السوفيتي الذي عاد من ركامه لينافسها على قيادة العالم، كما ترى في حزبي الحق والقوى الشعبية امتداداً لدولة ايران التي تصنف ضمن محور الشر في المنطقة، اضافة الى ذلك فان حزب البعث -جناح سوريا- ينظر اليه الأمريكيون بمنظار سوري بامتياز.. وقد تتطابق النظرتان الامريكية والسعودية الوحيد لدى الولاياتالمتحدةالامريكية والمملكة العربية السعودية، وسيعملون كل ما بوسعهم لبقاء آل صالح في الحكم، وهذا ما يجب على قيادات المعارضة ان تفهمه جيداً، فمتى كانت الولاياتالمتحدة داعاً للتحرر؟! ومتى كانت السعودية مؤيدة الثورات؟! الخلاصة نصف عام على الثورة، تعددت الشعارات من شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" الى الشعب يريد مجلس انتقالي "إلى" الشعب يرفض التدخل الخارجي. ولا احد من هذه الاطراف استجاب لها، وبالتالي فان الكثير من الشباب اصبحوا يعتقدون ان هتافهم اشبه ما يكون بصيحة في واد او نفخة في رماد، ومالم تستجب الاطراف المذكورة لمطالب الشباب فانها قد تجد نفسها في مواجهة عنف مدمر، وقد تصبح فوهة ستين مليون قطعة سلاح ناراً موقدة، يكتوي بها الموالي والمعادي على حد سواء، على المعارضة ان تصغي لمطالب الشباب، ومتى ما فرضت الثورة بكل قواها خياراتها، فانه لا يسع الخارج الا التسليم بالارادة الشعبية والتعامل معها كواقع لا مفر منه، كما تعامل مع الحالتين التونسية والمصرية. نقلا عن صحيفة اليقين -تحليل: عارف العمري