وكالة: الطائرات اليمنية التي دمرتها إسرائيل بمطار صنعاء لم يكن مؤمنا عليها    البرلماني بشر: اتفاق مسقط لم ينتصر لغزة ولم يجنب اليمن الدمار    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    السعودية تقر عقوبات مالية ضد من يطلب إصدار تأشيرة لشخص يحج دون تصريح    تعيين نواب لخمسة وزراء في حكومة ابن بريك    رئاسة المجلس الانتقالي تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية على الساحتين المحلية والإقليمية    ضمن تصاعد العنف الأسري في مناطق سيطرة الحوثي.. شاب في ريمة يقتل والده وزوجته    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    وسط فوضى أمنية.. مقتل وإصابة 140 شخصا في إب خلال 4 أشهر    في واقعة غير مسبوقة .. وحدة أمنية تحتجز حيوانات تستخدم في حراثة الأرض    انفجارات عنيفة تهز مطار جامو في كشمير وسط توتر باكستاني هندي    وزير الاقتصاد ورئيس مؤسسة الإسمنت يشاركان في مراسم تشييع الشهيد الذيفاني    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    الرئيس : الرد على العدوان الإسرائيلي سيكون مزلزلًا    *- شبوة برس – متابعات خاصة    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    السيد القائد: فضيحة سقوط مقاتلات F-18 كشفت تأثير عملياتنا    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    صنعاء .. الافراج عن موظف في منظمة دولية اغاثية    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    لوموند الفرنسية: الهجمات اليمنية على إسرائيل ستستمر    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في خطابات الرئيس إبراهيم الحمدي
كان لديه الكثير مما يجعله محبوبا
نشر في يمنات يوم 11 - 10 - 2012

مرت 35 عاماً على اغتياله لكن إبراهيم الحمدي لايزال الرئيس الذي لن ينساه اليمنيون على مدى اجيال لا يمكن التنبؤ بعددها، إذ لا احد يعرف ماذا يخبؤوه المستقبل ليمن محكوم بالحروب والثورات غير المكتملة وبالمثل لا تزال ذاكرة قادرة على إلهاب حماس عشرات الألاف ليخرجوا تحت شعار المطالبة بالتحقيق في وقائع اغتياله الغامض ومحاكمة المتورطين فيه.
وفي ذكرى اغتياله ال35 تنشر "الأولى" مقتطفات في هذه المناسبة السوداء في ذاكرة الشعب اليمني فإبراهيم الحمدي الذي لم يقتصر ظهوره كرئيس مقتدر على التعاطي مع كل القوى في الداخل والخارج، برز أيضاً كزعيم شعبي أحبه اليمنيون كما لم يحبوا رئيساً أخر، وكان لديه ما لم يدعم به مصداقيته عندما يتحدث باسم مصلحة الوطن، وفي هذا الصدد لم يجد خصومه السياسيون مكاناً لأيديهم في منتصف العصى, اذ تمكن حتى من سحب البساط من تحت قدم مراكز النفوذ القبلي في احتكار التعامل مع المملكة السعودية فصارت هذه الأخيرة كأي شقيق عربي عليه أن يتعامل مع اليمن بشروط مختلفة عما سبق. كانت هذه هي الحركة التصحيحية التي قادها الحمدي ولم تكن التي أرخ لها في 13 يونيو 1974م.
استنادا الى بعض السير الذاتية ومذكرات الساسة اليمنين لم يكن مسار الحمدي متوقعاً عندما رشحته القوى الثالثة بإعلان الانقلاب الابيض على القاضي الارياني كانت اوجه الشبه بين الحمدي وبين رئيس الشطر الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين) كبيرة فالأخير تبنى "التجربة الصينية" في الاشتراكية ذات أوجه الشبه الكثيرة بنظام الإصلاحات الزراعية الذي تبناه الحمدي.
كان اغتيال الحمدي قبل تنفيذ زيارته لعدن بيوم واحد أقرب ما يصفه المثل القائل "بين الكأس والشفاة تحدث أمور كثيرة" على أن احداً لا يستطيع التأكد على ما كان سيسفر عن لقاء الرئيسين وقد أسس اغتيال الحمدي بفصل جديد من العنف السياسي لم تجد الذهنية اليمنية المتربية على الثأر صعوبة في استساغته كأكثر ردات الفعل اشباعاً بروح الثورة التي كانت لا تزال طرية ليتلبسها الحماس بسرعة مذهلة.
كانت روح ثورة سبتمبر 62 مازالت متأججة ولم تكن اليمن قد شهدت الثورة السلمية كالتي شهدتها العام 2011م لكن سلمية الاجيال المخلصة للحمدي لم تلد من تروس محركات العنف السياسي.
لطف الصراري
في إحدى صوره في مرحلة المراهقة مع العائلة يظهر الرئيس إبراهيم الحمدي جالسا، بيد ممدودة إلى طفل صغير وابتسامة خفيفة لوجه محبّ. ظلّ ذلك الوجه مبتسماً بجميع تفاصيله حتى بعد أن صار رئيساً للجمهورية، ليظهر الرئيس الشاب في جميع صوره مبتسماً.
صور قليلة اختفت فيها ابتسامته، وفي هذه الحالة، ظهرت ملامح انشغال على وجهه الذي احتفظ في نفس الوقت بملمحه الودود. أما حين كان يلقي خطاباته الرسمية، فلم يكن بحاجة إلى صوت جهوري ليضفي المهابة على الخطاب الرئاسي، إذ كانت مضامين خطاباته، وبالمثل، البيانات السياسية ممتلئة بسياقات منطقية اكتسبت قوتها من واقعيتها.
الإطلالة الودودة على الشعب
عوضاً عن اللباقة واستخدامه اللغة العربية الفصحى، كان الرئيس الحمدي يلقي خطاباته بهدوء ويعبّر عن حبه لجميع أفراد شعبه دون حرج، سيما في زياراته التفقدية، مع إبقاء الحضور الرئاسي بعيداً عن الأجواء العاطفية. وإلى ذلك، اتسمت مفرداته بالتواضع وحثّ قادة البلد للحرص على البناء مع استهداف للذهنية الشعبية لتهيئتها للحفاظ على المكتسبات الوطنية، كما كان بالمقابل، يوجّه كلامه للشعب لوضعه في الصورة إزاء المستجدات والأوضاع الاقتصادية والإنمائية والاجتماعية والسياسية، حسب تأكيده هو نفسه في أكثر من خطاب، وبخاصة البيانات السياسية بمناسبة عيد الثورة.
الفقرات التالية توجز مضموناً أخلاقياً في خطابات الحمدي التزم به طوال فترة رئاسته؛ فحين حضر تخرّج دفعة من طلاب الكلية الحربية عام 1975 وجه لهم هذه الفقرة: "إنني لسعيد كل السعادة أن أوجه لكم كلمة هي من القلب وأنا على ثقة بأنها ستستقر في القلب وهي أن تكونوا خداما صادقين لشعبكم وان تكونوا مثالا حقيقيا للجندي المجهول الصادق الذي يعمل دون أن ينتظر شكرا أو جزاء".
ولم تخلُ كلمته من تعريف للثورة ينبغي أن يعرفه الضباط المستقبليون: "إذا كان هناك من يعتقد بان الثورة دماء وخراب فإننا نعتبر الثورة شيء آخر، نعتبر الثورة هي الثورة على النفس، على الأنانية في أعماقنا وعلى المصالح".
وحين كان في ذمار في نفس الفترة ألقى خطاباً في مهرجان جماهيري تضمن هذه الفقرة: "إن سعادتي بالغة حينما التقي بكم وحين استطيع أن أقدم شيئا خدمة للمجتمع في أي مكان، وإذا كنا قد عملنا شيئا فإنما هو بفضل الله وبفضل إرادتكم وتجاوبكم، أما نحن المسئولين فانه مهما عملنا فسنظل مقصرين وسنظل باستمرار نشعر بأننا لم نؤد الواجب الملقى على عاتقنا كما يجب".
غادر الرئيس ذمار متجهاً إلى إب، إذ كان من عادته، كما يقول معاصرون له، أن يحتفل بإيقاد الشعلة في صنعاء ثم يتنقّل للاحتفال بالمناسبة في المحافظات الرئيسية الأخرى بدءً بذمار واختتاماً بالحديدة.
توقّف الرئيس في يريم والتقى الناس هناك، وقال لهم التالي: "نلتقي لقاء الأخوّة والمحبة ولقاء التعاون والمسئولية.. نحن لا نلتقي لقاء الحكام والمحكومين ولا لقاء السادة والعبيد ولا لقاء الأعداء والمتناحرين، وإنما نحن منكم.. نحن إخوانكم وأبناؤكم بل ونحن خداما لكم، نعمل ما نستطيع لأجلكم".
وحين وصل تعز ورأى أن المواطنين استقبلوه بحماس كبير وهتافات باسمه، ذكّرهم بالقرار الذي بموجبه أنزلت صورة رئيس الجمهورية من مكاتب المؤسسات الحكومية، وأكّد على سريان ذلك القرار من منطلق الابتعاد عن تقديس الأشخاص. وإزاء الحماس في استقباله، قال لهم: "إذا كنا اليوم نجد هذا الحماس العظيم متمثلاً في الإرادة الشعبية الكريمة التي تمثلونها في هذه المشاعر، فإننا نعدكم بأننا في طريق التصحيح سائرون.. في بناء دولة النظام والقانون، دولة العصر الحديث، دولة الخير والعدل لكل أبناء الشعب، سنمضي قدما.. وإنني اعتز كل الاعتزاز بكل المشاعر الوطنية التي وجدتها في كل مكان، وأنا في طريقي من صنعاء إلى تعز".
لم يكن الحمدي متحمسا في خطاباته أو عاطفياً، كما لم يكن متهوراً في طموحه كما يصفه بعض القادة والسياسيين في مذكراتهم أو حواراتهم الصحفية. ربما أثارت تلك الخطابات حماسة اليمنيين ونبشت فيهم اهتياج الحالمين بحياة أفضل، لكنه لم يدع الأحلام تلعب بعواطف شعبه، مثلما لم يترك عواطفهم رهينة الحماس فقط. اسمعوه بأنفسكم أو اقرؤوا هذه الفقرة من البيان السياسي في الذكر ال15 لثورة سبتمبر: "... ليس عسيرا على المسئول أن يتحدث إلى الجماهير حوله ويروي لهم أحلامه وتطلعاته نحو بناء حياتهم وحياة أبنائهم مستقبلا، فأيسر ما يكون هو هذا الكلام النظري، لكن من الناحية العملية تأتي الصعوبة...".
توجد الكثير من الشواهد في خطابات الرئيس الحمدي تدلّ على تلقائية حبه لشعبه وامتلائه الذاتي بما هو أكبر من منصب رئيس الجمهورية.
ولذلك لا يزال اليمنيين يتذكرونه بما كان عليه من صفات الودّ والألفة والبساطة في تخاطبه مع أفراد الشعب.
البيان السياسي الأخير، ما يشبه خطبة وداع
لعل البيان السياسي الذي ألقاه عشية 26/9/1977 بمناسبة الذكرى ال15 لثورة سبتمبر، كان بمثابة خطبة وداع؛ تحدّث فيه دون مواربة بلغة الواثق من أن التجربة التي اكتسبها خلال 3 سنوات من توليه الحكم قد مكنته من التعامل مع القضايا الوطنية بمنطقية و "تسميتها بأسمائها الواضحة".
رغم انه كان في خطاباته السابقة يلمح تلميحات تتسم بذكاء عالٍ إلى الاختلالات وعوائق التنمية التي كانت تتسبب بها بعض القوى الوطنية، إلا أنه في هذا البيان بدا راغباً في التحدّث إلى شعبه بإسهاب، "وبقلب مفتوح".
أوضح الحمدي تلك الليلة الكثير من الأمور وسمى الأشياء بأسمائها بالفعل؛ كان تقييمه لما تحقق خلال 3 سنوات من حكمه و15 عاما من عمر الثورة بأنه ك"البناء على رمل أو كالذي يقبض كفّه على الماء".
وكان الحلّ الذي ارتآه وأبلغه للشعب وللقيادة هو الاهتمام بقضايا "التنمية ذات البرمجة والتخطيط"، وظلّ يردّد "التخطيط والبرمجة" على امتداد فقرات البيان الطويل.
من موقع الرئيس الملتزم أخلاقياً وسياسياً بتوضيح الوضع القائم لكافة أفراد الشعب، استمر الحمدي في سرد حصيلة الإنجازات، منوهاً إلى أنه لا يقلّل من شأن الانجازات التي "تحقّقت عفوياً" حتى ذلك الوقت: "ولان بعض المسؤولين من بداية قيام الثورة إلى أعوام تلت ذلك ظلوا يتمثلون الثورة مناصب ومراكز حتى ولو كان ذلك على حساب الثورة ومبادئها الستة الخالدة فان العقم كاد يدرك ثورتنا، وكادت الشيخوخة تدب في كيانها"، ولذلك كان من الضروري أن ترسم حركة 13 يونيو التصحيحية تصور المسئولية الوطنية "بعيداً عن صراع المصالح والنفعية والارتزاق وممارسة ضروب العمالة".
وانطلاقاً من المبدأ الأول من مبادئ الثورة الذي يهدف إلى بناء مجتمع عادل، أعلن أن تركيز الدولة التي يقودها انصب على نقطتين:
1- تصحيح ما هو قائم بحيث يصح عليه البناء الفوقي.
2- التخطيط والبرمجة في توجه الدولة نحو التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية".
وعلى ذكر ذلك مضى في شرح "البرنامج الثلاثي للإنماء" الذي قال إنه "مكننا من وضع أقدامنا على درجات السلم بثبات في المجال الداخلي والخارجي". عند هذا السياق تظهر عظمة الزعيم المسئول في الاعتراف وعدم ادّعاء الكمال؛ "ولا ندعي لأنفسنا أننا قد نفذنا ذلك البرنامج وطبقناه، وإنما نستطيع أن نقول أننا، إلى جانب ما أمكن لنا أن نطبقه من ذلك البرنامج، وهو نسبة منطقية بالنظر إلى ما أحاط بنا من ظروف، قد استفدنا كثيراً.. دخلنا تجربة الخطأ والصواب في التخطيط والبرمجة.. ولذا فان وضع الخطة الخمسية الشاملة قد تم على أساس من المعرفة والتجربة".
بعد هذه التوطئة، سيتطرّق الرئيس المسئول بشجاعة إلى "الكثير" من المعونات والقروض التي تلقتها اليمن منذ قيام الثورة، وهي مخصصة بالأساس للأغراض التنمية وخلق اقتصاد متماسك في البلاد ومحاربة التخلّف.
ومرة أخرى يمتلك الشجاعة ليخبر الشعب والقيادة بأن "من أعانوا او ساعدوا وقدموا القروض قد ضاقوا ذرعاً لأننا لم نستطع ان نستوعب ما قدموه ولم نوظفه في الأغراض والمشاريع التي كان يخصص لها".
ورغم معرفته بوجود أسباب أخرى للتعثر والعشوائية مصدرها بعض القوى والشخصيات الوطنية، إلا أنه لم يتخلّ عن نبله في الخطاب، وأرجع ذلك لسبب جوهري بالفعل يشمل كافة الأسباب هو: "غياب أو انعدام التخطيط والبرمجة والى الارتجالية في المشاريع ومراعاة الأمزجة في توزيع تلك المشاريع التي فشل معظمها إن لم نقل كلها".
كان الحديث مناسبا عن الخطة الخمسية أكثر من أي وقت مضى، ولأن هناك من كان يعارضها –كما يتضح من ذلك البيان، فقد وصفها الحمدي بأنها مدخلاً للخروج بالبلاد من الارتجال والتخبط والفوضى.
لم يتحدّث عمن يعارضه ولم يتحدث بسوء عنهم، بل أوضح للشعب تمسكّه بأهمية ما قاله في البيانين السابقين عام 75 وعام 76.
يؤكد الحمدي بذلك احترامه للخطاب الرئاسي بإكسابه إلزامية ينبغي على جميع القوى الوطنية احترامها بالمقابل. لكنه في بيان العام 77، يعبّر عن خيبة أمله في تحوّل مراعاته للقوى والعناصر الوطنية من "دعوة لإثبات المواطنة الصالحة والإسهام في البناء" إلى "رشوة". لقد أبدع في تصوير واقع سياسي مازال يراوح عند ذلك الوصف.
بعد ما تطلبه البيان السياسي من سرد لما أنجزه الرئيس خلال عام كامل، توقف الحمدي ليقول للجميع: "لا أحب ان أعيد عليكم ما سبق وان تحدثت به إليكم"، لكنه استدرك قائلاً: "من هذا الموقع نقول صراحة إن الذين يريدون أن يفرضوا علينا مواقف، او يجرونا الى مواقف تصرفنا عن مهمتنا الأساسية التي هي بناء الدولة اليمنية المركزية الحديثة.. وصولاً الى بناء وطننا وتنميته بشراً واقتصاداً إنما يعملون لمصلحة الشيطان الرجيم ولا يعملون لمصلحة هذا الوطن".
يا لبراعة هذا الرئيس! لا أحد يستطيع مقاطعته إذا كان سيتحدث بعد هذا عن الديمقراطية ومفهومها اليمني: "إن الديمقراطية التي نحرص على تطبيقها في بلادنا وداخل مجتمعنا هي ان لا يجد الفرد مجالاً في ظلها لاحتكار السلطة، ولا يجد الأفراد او الجماعة مجالاً لاستعمالها في اغراضهم وجعلها مطية يقفزون من على ظهرها على حقوق غيرهم من المواطنين، وينصبون من أنفسهم أوصياء ويتهددون بها غيرهم اذا لم يسيروا في طريقهم."
لم يكن لأحد في ذلك الوقت أن يشكّك في دقة هذا التعريف أو مدى التزام الرئيس بتنفيذه. اقرؤوا الفقرة التالية وحاولوا أن تتصوروا كمية الصدق التي تشبّع بها خطاب الحمدي: "لست اليوم منتهزاً للمناسبة لأتحدث مزايدة عن الديمقراطية، يعلم الله ان الديمقراطية والعدل يجريان في دمي، ولكنني أتحدث عنهما وأقول لكم ان من قد يتظاهرون بالتمسك بهما لو اتيحت لهم فرصة الوصول إلى السلطة لذبحوهما من الوريد الى الوريد والشعب قد جربهم عدالة وديمقراطية قبل وبعد الثورة. "هل نقول نقطة على السطر؟ لكن رئيسنا المحبوب مازال يلقي خطابه التاريخي، وكأنه سيودّع الحياة بعد أقل من شهر. وعلى أية حال، فقد أوشك هذا البيان على الانتهاء، بقي فيه فقط بضعة أسطر تحدّث فيها الرئيس، عن السياسة الخارجية باقتضاب وحسم، وعمّا أنجزه في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية، عن لقائه بالرئيس سالمين في قعطبة وعن اتفاقهما على توحيد كتاب التاريخ (كان تحت الطبع) ليدرّس في كلا الشطرين، كتمهيد لتوحيد بقية المنهج.
قال الحمدي إنه اتفق وسالمين على أن يظل ذلك هو المسلك كي يتمكنا من خلق الجو الملائم لتحقيق النجاح الكامل للوحدة.
خطابات السلام وأشياء أخرى
كما يقتضيه الموقع الرئاسي، كان للحمدي خطابات تاريخية في المؤتمرات الدولية، ولعل أشهرها ذلك الذي ألقاه في مؤتمر عدم الانحياز في سيريلانكا الذي دافع فيه عن حقوق البلدان النامية عن دراية وإلمام، ومؤتمر القمة الرباعية الذي عقد في تعز ودعا إليه الدول المطلة على البحر الأحمر لمناقشة المسألة الأمنية للمياه الاقليمية، وفيه اعتبر الدخول في شباك الصراع الدولي تفريطا بالمصلحة الوطنية.
الرئيس الذي كان يتحدث بلباقة في السياسة الخارجية، كان يحتفل أيضاً بيوم الجامعة وعيد الأم ويلقي كلمة بالمناسبة كسياق لتأكيد حرصه على أن تأخذ المرأة مكانها اللائق في الحياة العامة.
كان يتحدث في كل شيء يعرفه حديث العارف، ويوكل الأمور التي لا يلمّ بها إلى أصحاب الشأن. ذلك ما قرأته من خلال خطاباته المتوفرة، مكتوبة ومرئية ومسموعة.
وأمر أخير
كنت أود الكتابة عن خطابات الرئيس إبراهيم الحمدي بطريقة المقال الصحفي المتجرّد، لكني أعترف بأني لم أستطع قراءة أو سماع أي خطاب له بدون أن تلفحني الحسرة على فقدان رئيس كهذا. وهذا اعتراف ربما حرّضتني على قوله تلك السياقات التي كان يعترف بها للشعب بإخفاقاته دون خشية من اللوم أو الانتقاص.
قرأت القليل من خطاباته الوافرة بمضمونها، وسمعت القليل من التسجيلات الصوتية له، وكان بعضها قد تعرّض للتلف. هنا يلحّ التساؤل عن وجود مكتبة صوتية ومرئية وورقية لنشاطات هذا الرئيس وخطاباته؟ إذا لم تفعلها مؤسسة التلفزيون الذي لم يعرفه اليمن قبل الحمدي، فالأحرى أن يقوم بذلك التنظيم الناصري الذي ينسب الرئيس الحمدي إليه، وعلى أبنائه وإخوته وأبنائهم أن ينفضوا الغبار الذي تراكم على صوره ومتعلقاته الشخصية.
عن: يومية الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.