ملف أعده ل"يمنات": عبد العزيز المجيدي بمساعدة : عبدالحفيظ الحطامي – الحديدة ، فؤاد باضاوي – المكلا على مقربة من رصيف ميناء الصيادين بالمعلا، تطفو بقايا ابن ماجد، القارب الذي غدا محطما وغارقا في البحر، بعد سيرة مختلطة بالكفاح والتدمير. فبعد نحو 30 عاما من الغوص في أعماق وتفاصيل البحر، وخدمة المركز الوحيد المتخصص في هذا الجانب، انتهى ابن ماجد قاربا يعمل في الاصطياد لمصلحة أحد أقارب الرئيس السابق علي صالح. حتى عام 2003 كان “ ابن ماجد “ يبحر مع طواقم الباحثين في مركز علوم البحار في مهام علمية لدراسة البيئة البحرية، فهو مزود بتقنيات خاصة لهذا الغرض، وحصلت عليه وزارة الثروة السمكية في الجنوب كمنحة من اليابان عام 1970. وتقول إدارة الهيئة إن القارب ساءت حالته في الفترة الأخيرة وكان يحتاج لبعض الإصلاحات. كان نائب رئيس هيئة ابحاث وعلوم البحار صالح سالم، وهو من كبار الباحثين، يبدو غير راغب في الخوض في تفاصيل “ابن ماجد “. وقال بتحفظ إن العملية أبرمت في الوزارة، وهي من يعلم بنود الاتفاق. ويضيف: هذه سياسة الحكومة وليس لنا معرفة بما يحدث. تقول الرواية الرسمية لوزارة الثروة السمكية إن القارب “ انتهت صلاحيته ، فوقف فترة في ميناء عدن بسبب عدم وجود مخصصات لصيانته وتشغيله ،لان المركز في حينه ليس لديه الموازنة الكافية، فأضطر لتأجيره للقطاع الخاص“ هذا ما قاله غازي لحمر للزميل وهيب النصاري،في معرض إجابته عن القارب. استخدم وكيل وزارة الثروة السمكية مسمى “القطاع الخاص“ دون أن يفصح عن هوية “المستأجر” وربما كان يراهن على أن الأمر قد أصبح في طي النسيان. لقد أصبح نشاط أبناء المسئولين والقادة العسكريين في التجارة يسمى في تصريحات المسؤولين “ القطاع الخاص“ حتى بعد “الثورة” . لكن معلومات متطابقة، أكدت أن القارب لم يكن في حالة عطل وكان ثمة سبب آخر وراء التخلي عن ابن ماجد. هذه المعلومات تفيد بان مشكلة بسيطة مرتبطة بقلة مخصصات الوقود حولتها وزارة الثروة السمكية إلى عقبة وفرت لها ذريعة للخطوة التالية. لكن ما هو الحل السحري لهذه “المعضلة“ التي جابهت وزارة معنية بثاني مورد لخزينة الدولة بعد النفط؟ لقد جرى تأجير “ابن ماجد“ لحمير القاضي نجل القائد العسكري الذي عمل في خدمة نظام صالح طوال فترة حكمه، وقرر الانضمام مع قريبه اللواء علي محسن “ للثورة “ عندما كان صالح يتهاوى بفعل ثورة شعبية لم تكتمل. لكن عوائق “بسيطة“ ظهرت في طريق الصفقة، مثلتها إدارة مركز علوم البحار التي رفضت هذه العملية وقتها، فجاءت توجيهات “عليا“ من صالح نفسه، وحسمت الأمر، ولاحقا عزلت الإدارة. يقول الوكيل إن القارب تم تأجيره في 2006م، وهذا صحيح ، لكن معلومات أخرى تفيد بان هذه الفترة التي يتحدث عنها بلحمر كانت الاتفاقية الثانية بعد انتهاء الأولى التي بدأت عام 2003م ، ولم يكن من ضمنها تمكين مركز علوم البحار القيام بأي نشاط على القارب. بحسب مصادر عليمة، فإن القارب جرى تأجيره مقابل 10% من عائدات الاصطياد، لمصلحة حمير القاضي الذي يملك شركة للاصطياد باسم عدن للاستثمار البحري، وشريكا لابراهيم الاكوع صهر صالح في اخرى تدعي “الفلك“ (يملك شقيقه محمد عبداللاه القاضي عضو مجلس النواب، شركة سما للاصطياد). ويقول النائب الأكاديمي للهيئة صالح سالم إن الوزارة اتفقت مع “المستثمر“ على أساس أن يقوم بإصلاح ابن ماجد. وحصلتُ على معومات مؤكدة أن مستثمرا قدم عرضا لاستئجار القارب بمبلغ 20 الف دولار شهريا لقاء استغلاله في الاصطياد، لكن ”الصفقة“ ربحها قريب الرئيس. توفر رحلة الاصطياد الواحدة على ظهر ابن ماجد ما لا يقل عن 100 الف دولار. وحسب مصادر وثيقة الاطلاع فان شحنة واحدة من أسماك الحبار تقدر ب80 طناً جلبها القارب في إحدى رحلاته قبل فترة، بيعت لواحدة من شركات تصدير الأسماك ب 160 الف دولار. لعل في الأمر مبالغة، خصوصا من حيث سعة القارب، والثابت فقط أن “ابن ماجد” جلب لابن القاضي ثروة كبيرة. وبالإضافة إلى الصفقة الثمينة، كان مستثمر القارب يحصد مزايا إضافية أيضا: يتم تزويده بالديزل بالسعر المحلي. ويقول موظف في فرع وزارة الثروة السمكية بعدن -طلب عدم الإفصاح عن اسمه- إن القارب وفر ”للمستثمر” ثروة كبيرة تقدر بملايين الدولارات ساعدته على التوسع في نشاط الاصطياد. ولعل ذلك ما فتح شهية “القطاع الخاص“ الجديد، أكثر، وبات شقيق آخر لحمير القاضي، يدعى كمال واحدا من الناشطين الكبار في مجال الاصطياد ولديه شركة خاصة لهذا النشاط . لم تكن تعلم إدارة هيئة علوم البحار الكثير عن تفاصيل هذه القضية أو هكذا تفضل. ويقول صالح سالم باقتضاب: “المستثمر يطالب بالتعويض على ما سمعنا لأن القارب لم يكن يعمل طوال الوقت وكان يتوقف عن العمل”. ويضيف: القارب قديم ومتهالك ولم يعد يعمل الآن. وكان الرجل يتحدث إليّ قبل عامين، بينما كان القارب راسيا في الميناء. منذ عام 2009 كان ابن ماجد يرسو في ميناء الاصطياد بعدن متهالكا، وزادت حالته سوءا عما كان عليه، وتقول إدارة الهيئة إنه لم يتم تسليم القارب رسميا. عندما أوقفه القاضي في الميناء، ومع ذلك فبعد نحو 6 سنوات من استغلاله كان يطالب وزارة الثروة السمكية بتعويضات مالية تصل إلى مليوني دولار، رغم انه لم يدفع إيجارات السنوات الأخيرة وفقاً للاتفاقية الثانية التي وقعت معه على ما تقول مصادر خاصة. استمر ابن ماجد يواجه كل عوامل الفناء في الميناء، طيلة ثلاث سنوات وقبل ستة أشهر، غرق بصورة نهائية، ولم تفلح الاستغاثات التي صدرت عن مسؤولي ميناء الاصطياد عندما بدأت المياه تغمره لإيقاف غرق القارب، فاستمرت مياه الميناء بالتهامه دون أن ينقذه احد، فانتهت خدمته على ذلك النحو الفوضوي. مع ذلك ينفي غازي لحمر، أن يكون غرق القارب قد وقع بفعل الإهمال، مع تأكيدنا هنا أن القارب قد أصبح متهالكا بصورة أسوا مما كان عليه، يقول الرجل “ لا: القارب قديم جدا وعدم امتلاك الهيئة لإمكانيات الصيانة والتشغيل فاندثر القارب وغرق “ دون أن يتذكر انه قال بان الاتفاق قضى بان تحصل الهيئة على مردود عائدات التأجير لصيانة القارب وتشغيله! فأين ذهبت عائدات التأجير؟ المؤكد أن الاتفاق أبرمته وزارة الثروة السمكية وليست الهيئة كما يحاول وكيل الوزارة تصوير الأمر في سياق رده.