قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    الحوثي والحرب القادمة    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الأكاديمي والسياسي "بن عيدان" يعزّي بوفاة الشيخ محسن بن فريد    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الحوثيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: 372 قتيلاً خلال 4 أشهر    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أرشيف الذاكرة .. عندما اتهمني المجنون بالجنون
نشر في يمنات يوم 06 - 12 - 2018


أحمد سيف حاشد
– عندما كنّا أطفالا في القرية، كنا ننتظر يوم الخميس بفارغ الصبر، و لو طلبت الأقدار منّا التمنّي، بما نرغب ونشتهي، لطلبنا منها أن تجعل كل أيامنا خميسا لا ينقطع و لا ينتهي..
– كان يغمرنا الفرح حالما نرتاد سوق الخميس .. ننتظره بشوق و لهفة .. كان هذا السوق بالنسبة لنا نحن الاطفال أشبه ببازار أو كرنفال بهيج .. الخميس يوما زاهيا و مميزا في أيام الأسبوع .. لولا هذا اليوم لاختلطت أيامنا حابلها بنابلها .. كانت أيام الخميس تيجان أيامنا، و فواصلها البهيجة .. أيامنا القادمات و الذاهبات ليس لها معنى بدون يوم الخميس.
– كان الهدير والصخب يميز هذا المكان و هذا اليوم البهيج .. إنه المكان الذي يجتمع فيه الناس .. يتقاطرون عليه من كل حدب و صوب .. يقطعون المسافات البعيدة، و يتجشمون مشقة التضاريس، و يتحدّون حدود التشطير، و يلتقون في سوق الخميس .. يسلمون على بعض بشوق و لهفة، و يتحدثون إلى بعضهم بحفاوة و حرارة..
– يكتظ مركز السوق برواده، و تمتد أطرافه .. يموج بالبشر و السلع .. بيع و شراء و حياة تدب فيه دبوب .. تسمع هدير و همهمات السوق قبل أن تراه أو تصل إليه .. صخب و جلبة و حياة و نشاط دؤوب .. يبتاعون و يشترون .. يتحدثون و يقهقهون..
– بعضهم يتناول فطور الصباح، و بعضهم يحتسي الشاي و القهوة، و بعضهم يتناول وجبة الغداء في عز النهار .. هناك مقهى ل”دولة” و هي امرأة بيضاء فارعة الطول، مليحة الوجه و زاد الوشم فيه جمالا .. و لم تكن جائحة التشدد و التزمت بعد قد وصلت إلى قرانا أقصد حقبة السبعينات من القرن المنصرم و لم يكن يومها الخمار يُضرب على وجوه النساء، و كانت العفة و البراءة و الطيبة هي من تسود..
– هناك مقهى ل”رُكيز” الرجل المبتسم الطيب، الذي تشعر و أنت تراه بالألفة و الرضى و الارتياح .. كانت ما تصنع يداه من الطعام مشتها، و قهوته تحسّن الكيف و تعدّل المزاج .. و هناك حميد أنعم الرجل الفقير و الطيب، يبيع الماء البارد و الليم، و يعلن بصوته الرخيم “البانهيس.. البانهيس”.. و كثيرون في السوق يعلنون و يروّجون لسلعهم، و أحيانا يعتلي “المُطرِّب” ما هو مرتفع، و تسمع إعلانات لموالد و مناسبات أو ما يهم الناس من شأن عام، و يُستهل الإعلان ب “الحاضر يعلم الغائب..” جميع هؤلاء الناس رحلوا، و وجدنا اليوم أنفسنا في حضرة الحرب و الخراب والدم، وسط الأوغاد واللصوص و المجرمين .. يا إلهي كم كانت تلك الأيام جميلة، و كم كان ناسها طيبين..
– كانت أيام الخميس بالنسبة للأطفال الذين يرتادون السوق أعيادا بهيجة .. و لكن كان إحداها بالنسبة لي يوم غضب و عراك .. كان المجنون و يدعى “العولقية” مشهورا لدى الاطفال .. كانت تداهمه نوبة توتر عصبية، و حركة انفعال تهب فجأة، و فيها نوع من العدوانية، و افراغ شحنة من التوتر و الغضب، تصاحبها اطلاق كلمات شاتمة و ألفاظ سب، و يستحضر فيها اسم “العولقية”..
– الحقيقة لا ندري ما سر هذه “العولقية” في حياة هذا “المجنون”!! و ما علاقته بها!! ليتم تسميته باسمها!! “العولقية” هي اللغز المغلق في حياة هذا الرجل المبتلى بحالة نفسية و عصبية و ضربا من “جنون”..
– تذكرت هذا، و أنا أقرأ قصة نجيب محفوظ “همس الجنون”، و الذي كتبها في ثلاثينات القرن الماضي، متقمصا الحالة، و فيها يحاول الإجابة على سؤال ما هو الجنون..؟! كتب في مستهلها: إنه فيما يبدو حالة غامضة كالحياة و كالموت، تستطيع أن تعرف الشيء الكثير عنها إذا أنت نظرت إليها من الخارج، أما الباطن، و الجوهر، فسر مغلق..
– كان “المجنون” “عولقية” يشكل هاجس قلق وخوف للأطفال في السوق .. كانوا يذعرون منه عندما يشاهدونه .. و كان أحيانا يهاجمهم و يلاحقهم، دون سبب، لاسيما إذا انتابته الحالة، فيهجم و يضرب بيده من يجده أمامه من الاطفال، و يواصل سيره دون أن يعير بالا لأحد .. و في بعض الأحيان كان يراجم بالحجارة، و يقوم بحركات متعدية، تجلب الفزع و الخوف للأطفال، و أحيانا يعترضوه الكبار، و يصرخون في وجهه: “بلا جنان فجّعت الجهال” لا أدري في الحقيقة لماذا يفعل هذا؟! لماذا عدوانية هذا “الجنون” تتجه في شطر منها نحو الأطفال؟! هل ألحق الاطفال فيه يوما اعتداء أو أذى أو استفزاز مثير؟!! الحقيقة لا أدري!
– و مع هذا “المجنون” كان لي قصة .. لا أدري كم كان عمري يومها عندما تفاجأت و هو يشق الزحام في السوق، و يسكع رأسي من قفاه بضربه قوية .. لا أدري كيف ركبتني نوبة غضب و انفعال “مجنون” .. اعتركت معه، و كان المجنون يطلب من الناس التدخل لفض العراك و يسألهم: ابن من هذا المجنون؟!! و كان الأطفال يحيطون بنا، و يتابعون ما يحدث .. تدخّل الناس و فضّوا العراك .. بدا لي يومها أن الجنون مع الجنون يفلح .. تذكرت هذا قبل سنوات، و أنا اشتبك بالكلام مع بعض المجانين، غير أنني اكتشفت مؤخرا إن لا تضيّع كثير من وقتك بمراجمة المجانين، أو لا بأس أن تعترك معهم، دون أن تكف عن البحث عمن يقف وراءهم، و داعميهم .. فإذا وجدتهم عليك بهم، هؤلاء يستحقون الجنون، و حتى النتائج مهما غلظت و عظمت عليك و عليهم..
– بدأ “العولقية” يسأل عن والدي، و عندما دلوه عليه، و كان معروفا في السوق، شكاني إليه و قال له: “معك ابن مجنون .. شوف ابنك ايش فعل بي! .. و كان يعرض على والدي قميصه المقطوع، و أثار الأظافر و الخربشة على يديه و بعض من أجزاء جسده!.. غير أن الأطفال الموجودين، و منهم ياسين عبد الوهاب أنجدوني بشهادة لصالحي، و شهدوا أن “العولقية” هو من بدأ بسكعي في رأسي، و بتلك الشهادة، نجوت من عقاب شديد و قاسي كان ينتظرني من والدي المعهود بالشدة و القسوة و الصرامة .. و من يومها قيل إن “عولقية” كف عن العدوانية حيال الأطفال..
– رحل “العولقية” قبل سنوات قليلة، و قيل إنه تعافي من حالته النفسية قبل أن يموت .. و لكن لم تمهله صحته الأخرى كثيرا .. لم أراه منذ وقت بعيد .. رحل عن الحياة بهدوء .. رحمة ربنا تغشاه..
حائط الكاتب على الفيسبوك انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.